1
في لَيلةٍ ، وَ البَّحرُ صَار عَاتِيَا
وَالموجُ ثَارَ غَاضِبًا حِينَ دَنَا طَيرٌ
يشكُو ، ويبكِي حسرةً
قَالَ لَه : يا (نورسَ ) الشَّطِ الحبيبِ ، وَ الفَضَا
عَلامَ تبكي مِن أسىً ؟!
أجابَ : وَ الدَّمعُ يُهَدْهِدُ الألمْ
أبكي رياحًا أحرقتْ أيكَ المُنى بِدَوحةٍ
فَأصْبَحَتْ أعجازَ نَخْلٍ ، تهترئْ
حتِّى هَوَى بِهَا السَّبيلُ ، وَ الرَّجَا
بينَ سرَابِ الوَهمِ ، وَ الوعدِ اكتَوتْ
أعداؤهَا صارُوا المَرامَ ، والحِمى
بين الأفاعي أسكَنتْ طيورَهَا
وَ ترتجي مِنَ الأعادي رحمةً !
2
ومْضُ المُنى ، ظنَّ الشَّرُوقَ سَوفَ يعدُو خلفَهُ
لكنْ ظلامُ اللَّيلِ طَالَ ظُلمةً
وَ الفجرُ غابَ وَالنَّدى
والصُّبحُ نَاخ وَ احْتضرْ
والشَّمسُ راحَتْ تنتحبْ
يا دوحةً أُحبُّكِ
فأنتِ في أعماقِ ذاتي للأبدْ
وَالأرضُ ، وَالأشجارُ ، وَالبِّحارُ ، وَالسَّماءُ حبِّي تشهدُ
في القلبِ آهاتُ الأَسى
3
هيَّا انظري مَنْ حَولَكِ!
حقدُ الأعادي صارَ يسري بَينْكِ
دمعٌ ، وَأحزانٌ ، وَنيرانٌ ، وَ قلبٌ قد شكَا
مَنْ ذا الذي أهدى الأفاعي ثَغرَكِ !؟
4
بِاسمِ سرَابِ الوعدِ ، وَ الأوهامِ ، سِرتِ خلفَهُمْ
وَ ترتجينَ مِنْ غريبٍ أنْ يصونَ عِرضَكِ ؟!
وتستغِيثينَ بهِ ، وَ لا تبالي حقدَهُ
فَيقتُلُونَنا وَنحن نبتهجْ
وَنحتفلْ
نصفِّقُ
صِرنَا بدربِ الشَّرِ نعدُو ، نقتَتلْ
وَنزرعُ الأشواكَ ، وَالدِّماءُ تجري ، تغتلي
بِاسمِ الحياةِ ، وَ المُنى
بِاسمِ السَّلامِ ، وَ الحمى
كمْ رَخَمٍ فينا قَتَلْنَاهُ لِنُرضيَ العِدَا
كمْ من دخيلٍ قد هديناهُ السَبيلَ كي يُعينَ فتنةً
5
يا دوحةً
أنا الضَّميرُ ، وَالمُنَى
وَ الأرضُ ، وَ الشَّعبُ الأبي
أخشى عليكِ منْ غدٍ
ليسَ الغريبُ من دمي
فكمْ لهُ مِن مَطمعٍ ؟!
إنَّ ذئابَ الأمسِ لنْ تزودَ عن أدواحِنَا
مَا هرْولتْ تعدُو إلينا للحِمى ؟ ! وإنَّما كي تستبيحَ أيكَنا
ستستبيحُ الأرضَ ، والبِحارَ ، والسَّماءَ ، والخِلَّ الوفيْ
ستسحقُ الأغصانَ والورد الشَّذي
وَ تحْرِقُ الأوكار حَرقًا كالرّدى
وَ تَمْحِقُ الزَّروعَ ، وَالفجرَ النَّدي
تُجَفِّفُ الأنهارَ حتَّى نظْمأَ
تدمِّرُ الأخلاقَ ، وَالأمجادَ ، ثمَّ ننتهي إلى حياةٍ مثلِهَا
حريَّةُ السَّبِابِ وَ البغاءِ جهرًا ، والعُرى
عهرٌ ، وإفسادٌ ، وَ فِسقٌ منتشرْ
بِلا عقيدةٍ ، وَ دينٍ ، أو هُدىً
ثُمَّ نصيرُ خُنَّعًا ، في حاجةٍ دومًا لهمْ
حتَّى بأحلام الكرى
لنْ نُبصرَ الأحلامَ إلاَّ خلسةً
قد أتقنوا بثَ الوهى ثُمَّ شربنا السُّمَ طوعًا في كؤوسٍ من ذهبْ
كأنَّنا اليومَ نَرى غَرْنَاطَةَ الأجدادِ في مرمى العدا
6
يا دوحةً
هيَّا استفيقي ، وَاستعيدى شمسَكِ
لا تَركضي خلفَ العِدا
لا تستغيثي فتنةً
لا تقتلي أبناءكِ
شعر : عصام كمال ( مراد الساعي )