يرى يوسف حطيني أن التكثيف من: " أهم عناصر القصة القصيرة جدا، ويشترط فيه ألا يكون مخلا بالرؤى أو الشخصيات، وهو الذي يحدد مهارة القاص، وقد يخفق كثير من القاصين أو الروائيين في كتابة هذا النوع الأدبي، بسبب عدم قدرتهم على التركيز أو عدم ميلهم إليه".(16)
ومن أهم الأمثلة القصصية على خاصية التكثيف قصة: "تمساح" لمحمود شقير: "تمساح باهت الجلد، مسترخ تحت شمس الظهيرة، مرتاح لبلادته التي لا توصف، يرقب بسكينة ودعة، المرأة وهي تتعرى ببطء لذيذ، يرقب بالسكينة وبالدعة نفسها، الرجل وهو يتمسح بالمرأة التي تبدو مثل فريسة سهلة المنال، التمساح وهو مسترخ تحت شمس الظهيرة، يذرف الدموع، شفقة على المرأة التي ركضت، ضاحكة، مستثارة نحو حافة الماء، وهي لاتدري أنها تغوي تمساحين اثنين في وقت واحد".)
لا أعتقد أن هذه القصة في منظوري الشخصي مثالا لقصة مكثفة، بل هي زاخرة بتفاصيل وجزئيات وصفية كان بالإمكان تجنبها، والاقتصاد فيها تكثيفا وتركيزا وتبئيرا. لكن أهم قصة تصلح للتكثيف قصة طلعت سقيرق تحت عنوان: " الفاعل": "اصطف الطلاب.. دخلوا بنظام، جلسوا على مقاعدهم بهدوء، قال المعلم: درسنا اليوم عن الفاعل.. من منكم يعرف الفاعل؟؟ رفع أحد الطلاب إصبعه.. وقف.. تثاءب.. قال: الفاعل هو ذلك الذي لم يعد موجودا بيننا.. ضحك الطلاب، وبكى المعلم."
1- د. يوسف حطيني: القصة القصيرة جدا بين النظرية والتطبيق، مطبعة اليازجي، دمشق، سورية، الطبعة الأولى سنة 2004.