هل المجتمع الإسلامي عدواني أم عالمي؟
في فترة كانت مناقشة انضمام تركيا للسوق الأوروبية المشتركة أحد المواضيع الحاضرة بقوة في الساحة السياسية الأوروبية, حاولت التمعن و الإصغاء لحجج الرافضين لولوج هذا البلد الإسلامي- العلماني صرح التكتل الإقتصادي الأوروبي ,(الذي رحب بدول من شرق أوروبا وببلد شديد الجوار لتركيا مثل قبرص), فوجد ت أحد المفكرين و المحللين الفرنسيين يقول بأن أكبر خطأ ستقع فيه الدول الأعضاء هو أن تدخل بلاد أتاتورك إلى حضيرتها فإن فعلت فقد تكون بذلك جلبت لنفسها الخطر لعقر الدار, فإدخال تركيا بمثابة إدخال حصان طروادة لأوروبا.
و لماذا هذا التشبيه و ماالذي يختبئ في جعبة تركيا ليشبه المقاتلين الذين اختبؤؤا داخل الحصان الضخم و قضوا على أهل طروادة.إنه بكل بساطة: الإسلام.
في نظر هذا المفكر و كثيرين غيره أن للإسلام و المسلمين نزعة توسعية, إنتشارية, عدوانية. كما أن المسلمين حسب ظنهم صعبوا الإندماج و التأقلم و يسعون للعنف لفرض ديانتهم كما حاولوا ذلك في الماضي .
هناك أيضا من يبتعد عن طروادة و يأتي بحجج و تفاسير أخرى لحال وماهية الإسلام و المسلمين ; الباحث الشهير برنارد لويس مثلا يعترف أن الإسلام جلب الراحة والسلام لعقول ملايين الرجال والنساء،و أعطى كرامة ومعنى لفقراء معوزين وعلّم شعوباً من أجناس مختلفة كيف يعيشون في أخوة وجنباً إلى جنب في سماحة معقولة لكنه في الوقت ذاته يرى أن في الإسلام و المسلمين إنطواءأ وأن فشل المسلمين يولد حقدا وأن المسلمين عاجزون عن مواجهة تحديات الحداثة لتمسكهم بأمجاد تاريخهم وموروثهم من هذا التاريخ. و أن هذا يؤدي إلى تضييق الأفق أمام المحدّثين في نظرتهم الموضوعية إلى ما تعاني مجتمعاتهم من تخلف، وتمسّك الأصوليين بدوغمائية ظالمة للإسلام وللعالم .
برنارد لويس يجد في عدم خضوع الإسلام لسلطة معينة وموحدة تحكمه وفي عدم وجود تفسير محدد وواضح لآيات القرأن فرصة للمتطرفين لشحذ النفوس على العنف و الإنتقام و التخريب في دار الحرب (بلاد أو أرض يسكنها غير المسلمين وتحكمها قوانين غير إسلامية وتدخل في حرب مع دولة الإسلام أو شعوبها).
.
خلا صة هذه النظرات القاتمة لمفكري الغرب هي: مجتمعات الإسلام يطبعها تخلف و تشبث بدين منغلق قد يأخذ أبعادا مختلفة لأنه محور حياة أتباعه ممايؤدي للحقد و العنف و الإبتعاد عن الركب.
الآن ماذا يرى مفكر مسلم كسيد قطب ؟ و ماذا يقول عن المجتمع الإسلامي هل هو فعلا عدواني أم عالمي ؟ .
سيد قطب ,هذا المنظر الإسلامي الذي سجن أكثر من خمسة عشر سنة أو يزيد و ذاق أصناف العذاب المختلفة , يرى أن المجتمع الإسلامي عالمي
أولا : لكونه لا يقوم على أي أسس تمييز عرقي أو قومي.ونستطيع أن نستدل على كلامه هذا بوجود صحابة كانوا مقربين من الرسول ولهم شأن مثل بلال ابن رباح الذي كان أسودا و سلمان الذي كان فارسيا وكذلك بقوله تعالى:"ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم".
فالتقوى هي مصدر التفضيل الوحيد و هذه متعلقة طبعا بسلوك المرء و عمله و عبادته.
كما أننا إن عدنا للآية نفسها فسنجد اعترافا بالتعددية و دعوة للتعارف و التلاحم لا التنافر و العدوانية.
ثانيا:الإسلام يزيح الحدود الجغرافية ويدعو للتآخي والتلاحم وينبذ العصبية فقد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:"ليس منا من دعى إلى عصبية و ليس منا من قاتل على عصبية وليس منا من مات على عصبية".
وكذلك:"ارحموا أهل الأرض ,يرحمكم من في السماء" ولم يقل الرسول الكريم ارحموا مسلمي الأرض أو جنسا أو قوما معينا.
ثالثا:الإسلام لايفرض و لا يوجب إجبار أحد على اعتناقه قسرا فقد قال تعالى:"لاإكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي".
المسلمون لم يشهروا سيوفهم لقطع رقاب المشركين وإكراههم على الدخول في دينهم حين ظهوره لابل دافعوا عن أنفسهم حين منعوا من نشر الدعوة وحوربوا و شيئ التنكيل بهم.
هدف المسلمين كان نبيلا لأنهم أرادوا تعميم الخير وفضل دينهم على الآخرين لكنهم لم يمنحوا حرية فعل ذلك.
رابعا: وفي الحقيقة يمكن ضم هذه النقطة لسابقتها لكنني أدرجها مستقلة للتركيز عليها في زمن سيئ فيه فهم تاريخ الإسلام و شوهت فيه حقائق الفتوحات.
القتال كان من أواخر الحلول في بدايات الإسلام وكانت له أسبابه.
قال تعالى:"أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا, وإن الله على نصرهم لقدير,الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا:"ربنا الله, ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات و مساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا, ولينصرن الله من نصره, إن الله قوي عزيز"
إذن القتال لم يشرع إلا بعد الأذى الذي لحق بالمسلمين ولم يكن طغيانا وجبروتا وإنما دفاعا عن حرية العقيدة وتحقيق الصلاح والخير في الأرض.
وليس هناك حسب اعتقادي أي نص قرآني أو حديث نبوي يشرع الإعتداء على غير المسلمين لإجبارهم على الإسلام بل الدلائل كلها تصب في بحر التعايش مع غير المسلمين وعدم إكراههم. قال تعالى:"قل:ياأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم:ألانعبد إلاالله ولانشرك به شيئا ولايتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله,فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون".
إذن إن تولوا لا يستدعي ذلك اراقة الدماء, لهم دينهم و للمسلمين دينهم.
ومن هذه النقاط الأربع التي إستقيتها من فكر السيد قطب يمكن ضحد كل الاتهامات للإسلام و المجتمع الإسلامي بالإنغلاق و الإنطواء و الإنسداد على نفسه و التمسك بالرجعية أو هوس قتال غير المسلمين.
إننا كمسلمين أوصينا بذي القربى والجار والنبات و الحيوان فما بالك بأناس مثلنا مثلهم.
لقد حث الدين على طلب العلم أينما وجد ولم يرسم حدودا ولم يقل أن أتباع الدين الحنيف عليهم المكوث في ديارهم و تنمية عقد الكراهية و النقص و العداء.
إن المسلمين ليسوا دينصورات لاتشاء الإنقراض ولا بكتيريا موبوءة متوالدة تأبى الموت بل هم أناس لهم إرث ثقافي وخزان إنساني عظيم و هم مخلوقات تمد الأيدي بالخير و الحب و الصلح لكل العالم.
Nassira
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|