النهايـــــة الثالثـــــة والأخيــــــرة
الأشجار تبدو رمادية اللون ، في الطريق سواد قاتم ، والسماء لا يراها ، في الحقيقة نفسه هي التي توزع الألوان ، إنها تنشر غضبها وضيقها ، ولا ترحم ، لا ترحم حتى نفسها!...
لقد كانت فتاته تردد :" ارحم نفسك " يعني أنها ترى بأنه يعذب نفسه . من هو صانع السوط إذا ؟ من المحرض على الجلد المتواصل لروح أرادت توأمها ؟
هو ما كان يريد أن ترتسم آثار الضربات على ردود أفعاله ، وما كان يهوى إيصال رسائل الألم ، لكنها ذبذبات ينقلها الهواء فتفهمها بسرعة ، ربما لأن توقع ما سيكون كان يسكنها ، يرسل زفرة ، يستغفر الله وسرعان ما يعود إلى الجرح المتفتق.
كانت للحكاية نهايتان : اندمل الجرح ثم نكئ ، بعدها اندمل مرة أخرى ثم يغرز فيه مسمار. " في الأول أنت الذي رجعت ، ألو...كذا وكذا ... لا الهاتف لا ينفع ، لقاء ، وتبقى الغرابة ، الرفض الحنون ، هل يمكن هذا؟ لقد كان وترك لي الجرح"
- إلى أين يا صاحبي؟
- من؟...، أنت؟ لقد قذفت بي في متاهة دون قصد منك.
- ما ذنبي إذا ملكتني صاحبة اللقب نفسه ؟
- لا أحد يلوم القدر.
أكملا المسير ، ولا يزال رأسه يلوك ما دار بينهما مؤخرا ، لقد كان وصاحبه يتجهان نحو حي السلام وصاحبه هائم يصف له من يهوى . اليوم حار ، توقفا في مقهى ، تناولا عصيرين ثم واصلا المسير ، في الطريق يعلقان على الكثير من المظاهر ثم سرعان ما ينسيانها . تلوح فتاتان في نهاية الشارع ، إحداهما كأنه يعرفها ، لا ، يعرفها ،" ماذا ؟ هي...هي بذاتها ، صبرا أيتها الروح المنهكة ، ما لهذا الألم يموت حبا فيك؟ أأصبح مخلوقا أنت أوكسجينه ؟ فلا تراه إلا قاصدا إليك؟" ، صديقه مهتم بصاحبته لكنه رمقه فتعجب لِمَ اتسعت عيناه ، وانطبقت شفتاه على بعضهما بقوة ، أما فتاته فقد أفقدتها الدهشة فطنتها فبدت كالبلهاء ، لكن عيناها أظهرتا حزنا عميقا . " لِمَ لمْ تبد فرحة؟ ...أوَ سعدت أنت؟" ردد في داخله. قالت تحدث نفسها :" طلبت منك أن ترحل عن عتمة دنياي ، رحلت ، لست أدري إلى أين ؟... ارتحت أو هكذا أقنعت نفسي ، لكنك الآن تبعث من جديد ، هل أنت مرض مزمن؟".
نظرت إليه بعد أن عاد رشدها ، ابتعدت شفتاها قليلا ، لتظهرا أسنانا بيضاء ، ولمعت عيناها ، تضافر كل هذا لصنع ابتسامة من ينتظر تحية أو شبهها وفرحة تتبعها ، لكن الشفتين عادتا ببطء لتحجبا الأسنان ، والعينين أظلمتا ، والابتسامة ماتت أو قتلت بعد ميلادها مباشرة .
عاتبه صديقه :" ما كان عليك أن تفعل ذلك". رد:" أبدا... أنصت ، هل أنا لها؟ هل هي لي؟ لقد أصبح كل منا كلمة في جملة تختلف في معناها عن الجملة الأخرى ، فهل نخلط هذه الجمل فتتسبب في ركاكة نص مستقبلنا؟".
عمـــــار رمـــــاش