التسجيل قائمة الأعضاء



 
القدس لنا - سننتصر
عدد مرات النقر : 137,857
عدد  مرات الظهور : 162,351,243

اهداءات نور الأدب

العودة   منتديات نور الأدب > نــور الــشــعـر > بحار وشطآن > من الشعر العالمي
إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 15 / 07 / 2009, 19 : 09 AM   رقم المشاركة : [1]
يوسف سامي اليوسف
ناقد ومترجم

 الصورة الرمزية يوسف سامي اليوسف
 




يوسف سامي اليوسف is on a distinguished road

:rose: مختارات من شعر كارين بوي ـــ ترجمة: يوسف سامي اليوسف

[align=justify]
أولاً: تمهيد‏
لسنا نعرف، نحن الناطقين باللغة العربية، إلا النزر اليسير عن آداب الشعوب التي لم تتمكن من أن تتحول إلى قوى سياسية عظمى، سواء في أوروبا أو في سواها من القارات الخمس. فنحن نجهل آداب الهند والصين إلا قليلاً، بل نجهل، أو نكاد أن نجهل، جيراننا الأتراك والإيرانيين. أما الآداب الاسكندنافية فلا نعرف منها سوى اسمين أو ثلاثة: ابسن النرويجي وسترندبرغ السويدي وكيركجور الدنمركي، ولكن تلك البلدان مشبعة بالأسماء الأدبية الجديرة بأن تعرف وتقرأ، بل هي جديرة بالدراسة والاستيعاء. ولقد صار مما هو بديهي أن أدب أية أمة من الأمم لا يسعه أن يزدهر ويغتني في هذه الأيام، بعدما صار العالم ((قرية كونية))، إلا إذا لقح نفسه بآداب الأمم الأخرى، إذ يبدو أنه ما من تجديد أو خلق إلا وهو نتاج لتفاعل حي وخصيب. ولهذا كان لا بد لنا من أننعمد إلى الترجمة كثيراً جداً، وذلك لأنها طريقة اتصال مؤثر وفعال حقاً.‏
وعلى أية حال فإن الشاعرة السويدية الكبيرة (كارين بوي) تملك تجربة أدبية تستحق الاهتمام، وذلك لعمقها وحرارتها وقدرتها على الاجتذاب . وبسبب هذه السمات الكبرى أقدمتُ على اختيار مجموعة من قصائدها وترجمتها إلى اللغة العربية، مع قناعتي بأن شعرها كله يستحق الترجمة والقراءة معاً.‏
ولدت كارين بوي في مدينة يوتيوري الراخمة على شاطئ بحر الشمال، وذلك في السادس والعشرين من تشرين الأول سنة 1900. وبعد تسع سنوات رحلت أسرتها إلى مدينة استكهولم، وحينما كبرت الفتاة فقد درست في جامعة أُبسالا، حيث عاشت طوراً من الإلهام الشعري المتدفق الغزير. ولكنها أصيبت بأزمة نفسية سنة 1921، وهي السنة التي حصلت فيها على دبلوم من إحدى كليات المعلمين. وعلى الرغم من الأزمة فقد نشرت مجموعة شعرية عنوانها «الغيوم» في السنة التالية. كما نشرت مجموعة أخرى عنوانها «الأراضي المخبوءة» بعد مضي سنتين على نشر المجموعة الأولى. أما مجموعة «المواقد»، أو مجموعتها الثالثة، فقد ظهرت سنة 1927، وهي السنة التي توفي فيها والدها بالسرطان. ومما هو جدير بالتنويه أن الناقدة السويدية الشهيرة، هاجر أولسن، قد أعجبت بهذه المجموعة، وأشارت إلى أنها جاءت بعد اليأس من إمكانية تجديد الشعر السويدي الذي صرحت بأنه مصاب بالعقم.‏
وبعد سنة واحدة تخرجت في جامعة أبسالا ورحلت إلى استكهولم، حيث عولجت نفسياً بغية الشفاء من اضطراب جديد ألم بعقلها. ولكنها تزوجت الشاعر ليف بيورك بعد تخرجها بسنة واحدة، أي سنة 1929. وكان بيورك هذا ينتمي إلى حركة كلارتي اليسارية، فزارت الاتحاد السوفييتي بصحبته بعد زواجها بقليل. بيد أن هذا الزواج لم يدم سوى ثلاث سنوات، لأنه انتهى بالطلاق، وذلك بعدما تعرضت لأزمة نفسية ثالثة دفعتها إلى السفر باتجاه برلين ابتغاء العلاج سنة 1932. وهناك تعرفت إلى فتاة ألمانية اسمها مارغوت، وأقامت معها صلة صداقة متينة. كما أنها اشتغلت محررة في صحيفة تصدر في برلين، ولكن باللغة السويدية.‏
ثم عادت من جديد إلى استكهولم، واشترت بيتاً، واستدعت مارغوت لتعيش بصحبتها. وربما كانت مارغوت هذه، وقد ربطتها بها علاقة ليست سوية، هي المقصودة بالخطاب الذي توجهه إلى الأنت، أو إلى الآخر الذي تناديه على نحو ملهوف في بعض الأحيان.‏
وفي سنة 1935 نشرت مجموعة جديدة عنوانها «من أجل الشجرة» وهي أكثر مجموعاتها انضواء في تيار الحداثة. ومما هو ناصع تماماً أنها، في مجموعتها الرابعة هذه، قد غادرت الدين والمثالية باتجاه التجريد الذي أراه عقيماً سقيماً، بل علامة انحطاط أصاب الشعر في الكثير من بلدان العالم خلال القرن العشرين. أما مجموعتها الخامسة، أو الأخيرة، فقد ظهرت سنة 1938. وفي تلك السنة زارت اليونان. وسبق لها أن اشتغلت معلمة في مدرسة داخلية في إحدى المدن القريبة من العاصمة السويدية، وذلك سنة 1936.‏
وفي الثلاثينيات، نشرت كارين بوي أربع روايات بينها اثنتان مشهورتان، وهما «الأزمة» (1933) التي راجت كثيراً جداً في ذلك الزمن، و«المصل» (1940) التي ينظر إليها النقد السويدي بوصفها إنجازاً أدبياً عظيماً حققته حركة الرواية السويدية. ويبدو أنها نص كابوسي وإيمائي في آن واحد. وربما كان قابلاً لعدة تفاسير متباينة الاتجاه.‏
ولكن الشاعرة قد انتحرت بالأقراص المنومة، وذلك في الثالث والعشرين من نيسان سنة 1941. كما انتحرت مارغوت، صديقتها الألمانية، في شهر أيار من السنة نفسها.‏
واليوم ينظر النقد في بلاد السويد إلى كارين بوي بوصفها علماً من أعلام الشعر السويدي كله. ولقد تركت أثراً كبيراً على الشعراء الذين أخذوا يبرزون إثر وفاتها، أي في أواسط القرن العشرين، ولاسيما أولئك الذين ينتسبون إلى تيار الحداثة، مع أن شعرها الكثيف شفاف في معظمه، ولهذا فإنه يتوسط بين الحداثة والتقليد. ومن شأن هذه الحالة أن تتضمن ما فحواه أنه بعيد عن الغموض، وناج من الإنبهام،‏ في الغالب الأعم.‏
ومما لا يخفى على قارئها أنها شديدة القدرة على البلوغ إلى الأعماق، وكذلك إلى النائيات والمخبوءات. ولقد نظر النقد السويدي إلى بعض قصائدها بوصفها رحلة جرت في جوف النفس حصراً. بل إن شعرها يتبدّى، في بعض آنائه، وكأنه خطاب موجه إلى الغياب، أو إلى مالا تطاله الأيدي ولا تراه العيون. كما تظهر عليه آثار التأمل العميق في صور الحياة التي تراها الشاعرة بمقلة سابرة. ثم إنها تعرض رؤيتها بلغة شاعرية خاطفة أو بليغة، بل مترعة بالنضارة والحيوية. ومما يضفي عليه النكهة الحية أنه ينبجس من حساسية مرهفة وأصيلة حقاً. كما أنه ينطوي على حكمة وثيقة الصلة بالتجربة التي تعاش بالفعل. ولعل موضوعة الوصال، أو الاكتمال بالآخر أن تكون أبرز موضوعة بين جميع الموضوعات التي يحتويها شعرها كله.‏
ثم إن تلك الشاعرة، التي انتحرت إثر انتصاف العمر، تملك فؤاداً مغرماً بالحياة إلى حد الشغف. وربما أدرك قارئ شعرها المتأني أن هنالك صلة حميمية تربطها بالعيش والوجود. إلا أن هنالك نغمة حزن شفاف في بعض قصائدها، ولكنه حزن هادئ وناضج في كثير من الأحيان، ويختلط بشيء من الحنان ليس باليسير.‏
ومما هو جد ناصع أنها تحب الطبيعة حباً جماً، وأن صلتها بها تكاد أن تجعل منها شاعرة رومانسية. فكثيراً ما تظهر الأشجار وهي مثقلة بالروعة، وكذلك الزهور والنجوم والبحروالجبال. ومما قد يكون صحيحاً أن أرض بلاد السويد الشديدة الاخضرار والتي تكثر فيها المياه إلى حد غير مألوف، قد أسست هذا الانفعال بالطبيعة وهيأت الفرصة الكافية لنشوء شعر متأثر بها أو بصورها الحية الجميلة.‏
ولكن أهم ما في أمرها أنها كثيراً ما تبحث عن المثال الديني، بل تلوب عليه بشغف حميم، ومما هو ملحوظ أن كلمة «الجوع» وكلمة «العطش» تكثران في شعرها على نحو لافت للانتباه. ويلوح لي أن ثمة صلة بين هاتين الكلمتين وبين ارتباط الشاعرة بالمثل والتقوى. وإني أراهما نتاجاً لمسغبة روحية ليس لها أي إشباع قط. ومما لا تخطؤه العين أن صورة القوس وكذلك صورة الانحناء تتواتران في شعرها إلى حد ليس بالطفيف.‏
وربما جاز الزعم بأن هاتين الصورتين تنبثقان من الحاجة إلى الحنان أو إلى الحنو الأمومي الرؤوم. وقد أشار علم النفس مراراً إلى أن المنتحرين هم أكثر الناس ميلاً إلى المطالبة بالعواطف الحميمية الصادقة التي لا يشوبها التزوير.‏
وفي تقديري أن الانفعال بالكائنات الطبيعية وكذلك بالحاجة إلى الحنان واللطف، هما السمتان اللتان جعلتا أسلوب كارين بوي اللغوي شديد الشفافية وشديد الطراء. فلئن تأمل القارئ لغتها الشديدة الحيوية والشفافية وجد أن الكلمة قد استحالت بين يديها إلى وجدان يذوب عطفاً وحنواً على الأشياء كلها، أو على الحياة بوجه عام. وعندي أن الشعر لا يصير شعراً أصلياً أو عظيماً إلا بقدر ما تتمكن اللغة من احتواء عصارة الوجدان. وحين يملك الشعر أن يمزج هذه السمة العاطفية بخيال متوثب منداح، فإن الأسلوب يبلغ ذروة من ذراه الشاهقة النادرة. وقد يجوز الظن بأن كارين بوي قد أنجزت هذه البرهة ولو إلى حد ما.‏
هذه نظرة عجلى ألقيتها على شعر كارين بوي، ولكنني أرجو أن يُقيّض لهذا الشعر من ينقله إلى اللغة العربية كاملاً غير منقوص، ثم يدرسه دراسة مستفيضة تليق بتلك الشاعرة التي قلما يجود العالم كله بواحدة مثلها، سواء من حيث الدفء الروحي أو من حيث القدرة على التصوير والتعبير.‏
ثانياً: القصائد‏
1 -تقاطع الدروب‏
الشموع التي رأيتها تحترق ، أجل ، الشموع‏
المقدسة على ذرى الجبال الأبدية،‏
حيث سار أناس في ضوء صوفي مرتجف،‏
يتوهجون بالقداسة وبالشمس وبالقطرات الهاطلة،‏
يتوهجون بالنوم في عوالم لا وجود فيها للزمان.‏
واويلتاه، قدمي ثقيلة جداً في تلك الممرات العالية المسببة للدوار،‏
ليالويل، أنا المصنوعة من الطين والتي فكرها فولاذ وحجر!‏
لن يكون لي مكان أبداً بين أولئك الصامتين المقدسين الحالمين،‏
ولن تتوج رأسي هالة الرؤيا بتاتاً.‏
أنت من سوف أبحث عنه، يا إلهي،‏
في البسيط والرمادي والمحتقر،‏
أنت من سوف أبحث عنه في العالم،‏
في الأزمة وفي الكفاح اليومي.‏
السكون الذهبي الذي تتمتع به السماء‏
وهو يتطلع إليه فؤادي‏
هل هو أفضل من جهدك‏
ومن قتالك المشتعل المقدس؟‏
رباه، إن غبطتك لك.‏
أنت أعطيت وأنت أخذت‏
وأنت تخبئ نفسك.‏
إعطما تشاء ـ لا السلام،‏
ولكن قتالك وروحك التي سوف تنجزها.‏
رباه،ها أنا ذا أتبعك‏
على حقل معركة العالم‏
مثل سيف أو قوس.‏
أعطني عرشاً، إن رغبت،‏
أوصليباً، إذا شئت.‏


2- الأحسن‏
لانستطيع أن نتخلى عن أفضل ما نملك.‏
ولانقدر على أن نكبته أيضاً.‏
كما لا يتيسر لنا أن نقوله.‏
ما من أحد يملك أن يجعله قدراً‏
ذلك الشيء الأحسن الراخم في ذهنك.‏
إنه يشع هنالك عميقاً في داخلك،‏
يشع من أجلك ومن أجل الله.‏
إنه مجد ثروتنا التي لا يملك أحد آخر أن يحوزها.‏
إنه عذاب فقرنا الذي‏
لايستطيع أحد آخر أن يحصل عليه.‏

3 - رغبة رسام‏
أود أن أرسم كسرة صغيرة‏
من المياومة الشديدة الرثاثة،‏
التالفة والرمادية،‏
ولكنها تتوهج بتلك النار التي جعلت‏
العالم كله يقفز من يد الخلاق العظيم.‏
أو أن أبين كيف أن ما نزدري‏
قدسي وعميق وكساء للروح.‏
أود أن أرسم ملعقة خشبية‏
بطريقة من شأنها أن تجعل الناس يرون فيها إلماعاً يومئ إلى الله.‏

4- توقع الربيع‏
ألم أمش ههنا ثملاً بأريج الورود‏
ـ ومع ذلك فما من ورود ظهرت ـ‍‏
ألم يرتجف كل شيء وهو ملفع‏
بلعاب الشمس السماوي؟‏
والضوء المنـعكس يهمس وعوداً سرية.‏
من البعيد وصلتني ريح في الفترة الأخيرة.‏
الضوء مثل أنفاس مستعادة،‏
مفعم بأريج توقع يرتجف بحياء.‏
ومنذ ذلك الحين أحسست بأعجوبة.‏
لست أعرف شيئاً ـ أسير كما لو أنني‏
في أرض نائية،‏
أسيركما لو أنني في حلم، حلم بالورود.‏
كل شيء مثلما كان من قبل ـ‏
ومع ذلك، فإنه ما من شيء إلا وقد تغير.‏
ثمة سر غريب ينتشر على جميع الأشياء.‏
5 - بواسطة وسائل الإعلام‏
ذات مرة طلبت فرحاً بلا حدود،‏
وذات مرة طلبت أسى لا متناهياً كالفضاء،‏
وإني لأتساءل عما إذا كان الاحتشام ينمو مع الزمن.‏
جميل، جميل هو الفرح وجميل هو الحزن أيضاً.‏
ولكن الأجمل هو أن تقف على أرض معركة الألم،‏
بذهن ساكن، وأن ترى الشمس وهي تشع.‏

6- شيء واحد‏
أحن إلى شيء واحد: الجدّية العميقة‏
- وهي التي برهنت على أنها نحس للكثيرين ـ‏
ولكنني أحن إلى شئ واحد آخر،‏
شئ مامنح إلا للأقوياء وحدهم،‏
إنه صمت القلب.‏

7 - تعلم الصمت‏
كل ليلة على الأرض طافحة بالألم.‏
أيها الفؤاد تعلم كيف تصمت.‏
النفوس القوية ، كالدروع القوية،‏
تعكس الضوء من موطن النجوم.‏
من شأن عويلك أن يجعلك أضعف.‏
أيها الفؤاد تعلم كيف تصمت.‏
فالصمت وحده يشفي، الصمت يقوّي،‏
وهوطاهر على نحو غير ممسوس، ومخلص ببراءة.‏

8 - ما من مكان‏
إنني مريضة بالسم. إنني مريضة بعطش‏
لم تخلق له الطبيعة أي شراب.‏
من كل حقل تتواثب الجداول والينابيع.‏
فأنحني إلى الأسفل وأشرب من شرايين الأرض سرها المقدس.‏
والسماوات دافقة بالأنهار المقدسة.‏
أتمطى وأشعر بأن شفتي رطبتان بنشوات بيضاء.‏
ولكن ما من مكان، ما من مكان . . .‏
إنني مريضة بالسم، إنني مريضة بعطش‏
لم تخلق له الطبيعة أي شراب.‏

9 - أنشودة‏
يسقط صوتك وخطواتك بطراوة الندى على يومي المشغول.‏
وحيثما جلست ثمة ربيع في الهواء المحيط بي من دفئك الحي.‏
إنك تزهر في بالي وتزهر في دمي،‏
وإني لأعجب فقط لأن يدي السعيدتين‏
لايستحيلان إلى زهور كبيرة.‏
والآن، فإن فراغ المياومة يتغلق حولنا معاً،‏
مثل ضباب طري لطيف.‏
هل تخاف من الغرق في الكآبة الرمادية؟‏
لاتخف: ففي أعمق أعماق الحياة اليومية، في قلب الحياة كلها،‏
يشتعل عيد سري عميق‏
بشعلات تهمهم على نحو هادئ.‏

10- المتجول في الصحراء‏
ألا إنك لتزن بموازين زائفة‏
وتقيس بمعايير مزورة،‏
ليس أمام القاضي الذي يحكم على المجرمين،‏
بل أمام الله، سبحانه، فاطر الحياة.‏
بلؤلؤة صغيرة نشتري ألف تمرة،‏
أما أنا، أو تلك التي جاعت في الصحراء،‏
فمتعبة من حزامي المصنوع من اللآلئ،‏
وهو الذي لا يقدم أية تغذية.‏
وأنا، أو تلك التي هزلت في الرمل،‏
لن أسترد فخامة مقبض خنجري‏
المزخرف بالجواهر التي لا تطفئ عطشاً.‏
ثم إنني في مدينة المآذن هذه،‏
بعيداً عن الصحراء،‏
سوف لا أنحني أمام تلك الأبواب المتكبرة،‏
تلك البوابات الذهبية،‏
ولكن أمام الآبار المنخفضة النائية‏
عن الدرب،‏
إلى حيث يقود الرعاة المغبرون قطعانهم‏
عندما يجلبون الحليب في المساء.‏

11- تعدد الإنسان‏
جميل هو الجسد القوي‏
الذي يشطر موجة عاتية،‏
وجميل، جميل هو نوم الطفل‏
بعد التوتر الذي يصنعه اللعب.‏
جميل هو يوم العمل‏
ـوالخبز اليابس، مكسوراً ومباركاً ـ‏
وجميلة هي الساعة التي تنسى في النبيذ‏
كلاً من الماضي والمستقبل.‏
لقد ولدنا من أمهات سماويات وأرضيات‏
ومن قوى لا نهاية لها على المدى المنظور،‏
ومن إرادات ليلية وإرادات نورانية،‏
وبأسماء لم يعرفها أحد.‏
ليت أن واحدة من الكثيرات‏
لا تهيمن علينا،‏
حتى وإن كانت من عرق السماء،‏
وتشعشع فيها الفخامة.‏
في سريرتنا. يعيش التعدد‏
وهو يتلمس دربه صوب الوحدة‏
وقد ولدنا كي نكون زجاجته‏
المشتعلة الحاشدة المهيمنة.‏
عظيم هو كفاح الإنسان‏
وعظيمة هي تلك الأهداف‏
التي يضعها نصب عينيه ـ‏
ولكن الأعظم منها هو الإنسان نفسه‏
بجذوره الضاربة في الليل الكوني.‏
إذن، هات ذلك الذي قد يستفيق غداً،‏
فنحن ندرّع غرفة سرية،‏
ولانفتقر إلى أية شعلة‏
على مذبح إله مجهول.‏

12- أنت‏
عذب هو صوتك مثل وشوشة الينابيع،‏
ووجودك طازج على نحو حرّيف مثل فواكه‏
الخريف المعطرة.‏
وبصفاء يستقر في عينيك‏
المرح المقشعر لأواخر أيلول.‏
ألا إنك لنافورة،‏
شعاعها متألق بشكل مشمس جميل في‏
توازنه، وفي قوسه ذي الشكل الكامل.‏
إنها نافورة جميلة بقوتها‏
وهي تحوز القوة التي تمكنها من أن‏
تحب الحدود والأبعاد النبيلة.‏
تحية للعبك الهادئ، ولصحتك الربيعية.‏
وتحية لنبل روحك العذب الشبيه بالذهب،‏
والمنساب في نقاء ملامحك،‏
وفي التناغم الغنائي لأعضاء جسدك.‏

13 – عزاء النجمة‏
الليلة الماضية، سألت نجمة‏
ترخم بعيداً حيث لا يعيش أحد:‏
«من تنيرين، أيتها النجمة الغريبة؟‏
إنك تتحركين وأنت كبيرة ناصعة».‏
راحت شفقتي تصمت،‏
عندما نظرت النجمة بحملقة كوكبية،‏
«إني أضيء ليلاً أزلياً،‏
إني أضيء فضاءً بلا حياة.‏
وإن ضوئي زهرة تذبل‏
في خريف الفضاءات المتأخر الخشن.‏
ذلك هو عزائي كله.‏
ذلك الضوء هو عزائي الكافي».‏

14 – حالة التنقل‏
اليوم المشبع ليس الأول بتاتاً‏
وأحسن الأيام يوم العطش‏
أجل،ثمة هدف ومعنى في طريقنا ـ‏
ولكن الطريق التي تصنع للفاعل قيمة.‏
أحسن الأهداف استراحة تستمر طوال الليل،‏
استراحة تضيئها النار، ويكثر فيها الخبزالمكسور.‏
في الأماكن التي ينام فيها المرء مرة واحدة،‏
النوم لا خوف عليه، والأحلام مترعة بالأغاني‏
اخترق المخيم، اخترق المخيم! فالنهار الجديد‏
يبدي نوره.‏
ومغامرتنا العظيمة لانهاية لها على المدى المنظور.‏


[/align]

نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
يوسف سامي اليوسف غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 19 / 07 / 2009, 09 : 10 AM   رقم المشاركة : [2]
خيري حمدان
أديب وقاص وروائي يكتب القصة القصيرة والمقالة، يهتم بالأدب العالمي والترجمة- عضو هيئة الرابطة العالمية لأدباء نور الأدب وعضو لجنة التحكيم

 الصورة الرمزية خيري حمدان
 





خيري حمدان has a reputation beyond reputeخيري حمدان has a reputation beyond reputeخيري حمدان has a reputation beyond reputeخيري حمدان has a reputation beyond reputeخيري حمدان has a reputation beyond reputeخيري حمدان has a reputation beyond reputeخيري حمدان has a reputation beyond reputeخيري حمدان has a reputation beyond reputeخيري حمدان has a reputation beyond reputeخيري حمدان has a reputation beyond reputeخيري حمدان has a reputation beyond repute

رد: مختارات من شعر كارين بوي ـــ ترجمة: يوسف سامي اليوسف

الأستاذ يوسف سامي
المقدمة كانت مهمة للغاية لكي تكون قراءتنا متناسقة مع سيرة حياة الشاعرة وهي بلا شك شاعرة حداثة وتجديد عالمية
أغنيت المنبر بهذه الترجمة الثمينة، طبعا الشعر من أصعب أنواع الأدب وترجمته تحتاج لمترجم متمكن وأنت بلا شك وكما هو واضح تمتلك هذه الخاصية
توقفت عند هذه الفقرة

عندما نظرت النجمة بحملقة كوكبية،‏
«إني أضيء ليلاً أزلياً،‏

إني أضيء فضاءً بلا حياة.‏
وإن ضوئي زهرة تذبل‏
في خريف الفضاءات المتأخر الخشن.‏
ذلك هو عزائي كله.‏
ذلك الضوء هو عزائي الكافي».

طبعا يبدو من النص الزخم الفلسفي العميق لدى الشاعرة الكونية
استمتعت بالقراءة حقا
دمت مبدعا
خيري حمدان غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 19 / 07 / 2009, 04 : 12 PM   رقم المشاركة : [3]
نصيرة تختوخ
أديبة ومترجمة / مدرسة رياضيات

 الصورة الرمزية نصيرة تختوخ
 





نصيرة تختوخ has a reputation beyond reputeنصيرة تختوخ has a reputation beyond reputeنصيرة تختوخ has a reputation beyond reputeنصيرة تختوخ has a reputation beyond reputeنصيرة تختوخ has a reputation beyond reputeنصيرة تختوخ has a reputation beyond reputeنصيرة تختوخ has a reputation beyond reputeنصيرة تختوخ has a reputation beyond reputeنصيرة تختوخ has a reputation beyond reputeنصيرة تختوخ has a reputation beyond reputeنصيرة تختوخ has a reputation beyond repute

رد: مختارات من شعر كارين بوي ـــ ترجمة: يوسف سامي اليوسف

قصائد عميقة فيها غوص في الوجدان وتأملات إنسانية متميزة, أشاطرك الرأي أستاذي الكريم بخصوص ماأوردت في المقدمة وأذكر من الأديبات السويديات اللواتي تلاقي أعمالهن إقبالا في هولندا: ماريان فريدركسون;
تحياتي لك أستاذي الكريم و نتمنى أن نقرأ لك المزيد
نصيرة تختوخ غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 21 / 07 / 2009, 41 : 12 AM   رقم المشاركة : [4]
عادل عادل
0 فلسطين كنعان ) كاتب خواطر نور أدبي مضيئ

 الصورة الرمزية عادل عادل
 





عادل عادل will become famous soon enoughعادل عادل will become famous soon enough

رد: مختارات من شعر كارين بوي ـــ ترجمة: يوسف سامي اليوسف

الاديب الراقي تحية عطرة ...
شاعرة حساسة عاشت الالم ... وتجرعت الصمت بعذاب قاهر ... شكري لكم بكل الاحترام على هذه المعلومات القيمة .
عادل عادل غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
شعر كارين بوي، مختارات مترجمة، يوسف سامي اليوسف


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
(مواقد الأصالة) إلى يوسف سامي اليوسف روعة النقد العربي المعاصر ـــ محمود علي السعيد محمود علي السعيد الشعر العمودي 1 11 / 06 / 2010 36 : 03 AM
الغيتو الصهيوني ـــ يوسف سامي اليوسف يوسف سامي اليوسف المقالة السياسية 2 03 / 05 / 2010 02 : 12 AM
المنشد البريطاني سامي يوسف - حسبي ربي وطلع البدر علينا وغيرها هدى نورالدين الخطيب الملف الصوتي و المرئي الديني 3 29 / 07 / 2009 13 : 04 AM
رحبوا معي بانضمام الناقد والمترجم يوسف سامي اليوسف.. مازن شما الترحيب بالأعضاء الجدد 6 27 / 06 / 2009 25 : 11 AM


الساعة الآن 46 : 11 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية

خدمة Rss ||  خدمة Rss2 || أرشيف المنتدى "خريطة المنتدى" || خريطة المنتدى للمواضيع || أقسام المنتدى

|