رد: قصة انتفاصة..... ومراجعة نقدية للقصة
[align=justify]الأخ الغالي نبيل..
بدايةً، أُوافق د. أفنان القاسم، في رأيه، بأنَّ هذا النص ليس قصة، (أستعمل مصطلح "قصة" تجاوزًا، فانتفاضة ليست قصة، انتفاضة في بنيتها ضد-القصة، ضد-السرد، وهي ضد-الشعر).. وبالتالي، فأنا أوافقه الرأي أيضاً في أنها مجموعة أخبار تدور حول محور واحد، ولكن تطرح في كل دورة لها، معلومة مستقلة في بنيتها ودلالتها، أو موقفاً لا يُشبه ما سبقه وما تلاه من مواقف، لشخصيات كثيرة لا رابط بينها سوى الحدث المحوري المتمثل بحظيرة الخنازير على تلك الأرض العربية المحتلة..
هل في هذا الأسلوب إبداع من نوع مختلف؟
بجواب أولي، يمكن أن أقول: (نعم)، فمن ناحية المضمون، لا أُنكر أنَّ فكرة القصة جميلة، وفيها لقطات بمنتهى الذكاء، كما أنَّها تدلُّ على معرفة وثيقة بالنفس البشرية وعيوبها؛ لكن، وبعد إعادتي قراءة القصة أكثر من مرة، أقول: لا بأس بهذا الإبداع، على هذا النحو، ولكن، للمرة الأولى فقط.. وذلك لأنَّه، كما أرى، يحتاج الأسلوب الذي صيغت به تلك الفكرة الجميلة إلى عمل كثير لتخليصه من عيوب، اعذرني على تعداد بعضها:
1) الطول المفرط للنص، وهو طول باعث على الإملال، وخصوصاً لأنَّه لا يغادر موضوعاً محورياً واحداً، هو موضوع حظيرة الخنازير تلك..
2) إن عرض الشخصيات في القصة، لا يتعدى وظيفتها الوحيدة المتمثلة بنقل ردود أفعالها التي يختلف كلُّ واحد عن بقيتها.. وقد لا أعدو الصواب إن قلت: إنها شخصيات تكاد تكون باهتة الملامح، وأنَّ مظهر الحياة الوحيد في كلٍّ منها، هو نوعية ردِّ فعله المختلف على الحدث المحوري..
3) لست ضد التفكيك في سرد الحدث القصصي إن ظلَّ يجمع أجزاءَه خيطٌٌ محوري واحد، ولكنني ضد التفكيك الذي لا يتطور، في النهاية، إلى بلورة موقف واحد.. وأشهد أنَّك حاولتَ ذلك، في نهاية القصة، بدفع شخوصها العرب، على اختلاف أهوائهم ومشاربهم وبواعث مواقفهم، إلى الانتفاض ضد بقاء الخنازير في القرية، لكن لم تتلبور انتفاضتهم إلى حدث محوري مقابلٍ ومضادٍ لحدث إقامة الحظيرة على أرض القرية العربية؛ وكان هذا التبلور ممكناً، بل كان من الممكن أيضاً تطوير ردود فعلهم الغاضبة إلى انتفاضة حقيقية يحفزهم عليها ما حاولتَ الإلماح إليه مراراً، وأقصد بذلك التمييز العنصري الذي لا يساوي بين العربي والخنزير فحسب، بل يجعل الخنزير، في نظر الإسرائيلي، في مكانة أعلى من العربي.. وليت هذا الملمح قد تطور بهذا الاتجاه، إذاً لاكتسبت القصة بُعداً إنسانياً ووطنياً بالغ الروعة..
هذه بعض الملاحظات التي لا أقصد بإيرادها ثنيكَ عن المضي بهذا الأسلوب، ولكن أقصد من ورائها حفزك إلى تهذيبه وجعله أكثر قدرة على شدِّ القارئ والتأثير فيه..
وفي رأيي أنَّه كان بقدرتك توفير الكثير من الجذب للقارئ، لو اشتغلتَ أكثر على محور السخرية التي قاربتَ، في بعض مواضع القصة، أن تُحاكي فيها أسلوب القاص التركي (عزيز نيسن)، لكنَّ تلك المقاربة سرعان ما كانت تتفلَّت خيوطُها من يدك، لتذهب بعيداً في سرد طويل كان يمكن إيجازه ليأتيَ أجمل بكثير، وليكونَ بعيداً عن الإملال أيضاً..
على أي حال، هذا مجرد رأي شخصي في هذه القصة، لا يُغيِّر في رأيي الأصلي بموهبتك كقاص متميِّز.. وفي الواقع، سأحاول، في قراءات قادمة، أن أُسجِّل بعض النقاط التي شهِدَت تطوراً ملحوظاً في أسلوبك القصصي، عما كانت عليه في انطلاقتك الأولى.. وأرجو ألا تُزعجك صراحتي، خصوصاً وأنَّها لا تقصد الإساءة، هذا فضلاً عن أنَّك قد سبق لك وأعطيتني الضوء الأخضر لقول ما أريد، مع وعد بأن لا تنزعج مني.. أتَذْكُر؟[/align]
|