تكور خائفاً في فراشة وغطى رأسه .. كان يتمنى أن لا يسمع هذا الصوت الذي أخذ يثير كل هذا الخوف في قلبه ويقطع عليه سكون الليل .. رفع طرف الغطاء قليلاً ونظر ناحية أمه .. كانت تجلس وسط السطح تحوك مكانس يدوية من خوص السعف .. أصبحت تلك مهنتها التي يقتاتون منها بعد وفاة والده، حين هبت نسمة هواء قوية جعلته يركض من فراشة ويرمي بجسده الصغير في حضنها .. امتلأ وجهها بابتسامة لم تمحي أثر التعب البادي عليها "ما بك يا بني" رد عليها وهو يشير إلى النخلة "أنها تصدر أصواتاً كلما مر الهواء فيها".
وضعت أمه إصبعها على فمه الصغير وكأنها تثير انتباهه لكلامها وقالت "تلك النخلة زرعها جدك يوم مولد والدك ومنذ رحيله لم أجد شيء يذكرني به غيرها" "أهي تحدثني عن والدي؟؟" قاطعها بكلماته في حين استرسلت هي تحدثه "نعم .. لا تخف منها هي تحكي حكايات لا نفهمها.. وكأنها تنطق باسم والدك تقص عليك كم كان يرعاها ويسقيها .. وكم لعب وهو صغير مثلك تحتها. سأحملك الآن لتنام وعدني أن تكون صديقاً لها .. كلمها كما تكلمك ولا تخف منها" .
أخفت دموعها وقبلته ثم حملته برفقٍ إلى الفراش وعادت تحوك المكانس ترقب عيناها بين الحين والأخر النخلة وطفلها الذي لم يكتفي بالإنصات لذلك الصوت بل جعل يحرك إصبعه مع السعف حيث ما مال وعيناه تتراقص فرحاً بحديث النخلة عن والده حتى استسلم للنوم .. لتعود مرغمة مع ليالٍ مضت وذكرياتٍ غابت عنها ..