وردة في ساحة معركة
وردة في ساحة معركة
مرت بِقُربِها جحافِلهم .. استوطنوا سفحها.. اتكأت وجعاً.. وأمطرت السماءُ رعدها.. مِن كُل صوبٍ تقدموا ..كان مِن العسير تفسير نظراتهم.. وتصنيف جنسياتهم.. وقع الخُطى وحشيّ.. وأصوات الحناجِر وحشيةٌ.. لم يُدركوا صفاءها.. كانت ماتزالُ طور النمو الأول.. بنفسجة الطريق المؤدي إلى المدينة التي كانت تعشقُ أن تحتضِنها..
عِندما يحضرُ العُشاق لِتبادل الزهور محبةً.. كم تمنت لو تطول أنامِلُ إحداهُن.. فتتلمسها.. وتُفتن بِرائحتها .. كم أطبقت بأوراقها ذات حرٍ صيفي.. وهي تحلمُ بحديقةٍ ارستقراطية.. أسوارها من السرو والحور..ترتوي بماء عذب.. وتستمتع بمداعبة النسيم لها..
أمضت ليلةً دموية.. منعتها مِن التواصل مع حُلمها..صارت الحياة هُناك كما الحياةُ هُنا.. لا بهجة.. ولا كلِماتٌ تُقال.. الدروب جميعها لُغِمتْ غضباً.. والنجوم الدليل لتائهٍ فاته الالتحاق بركب المقاتلين.. لا ملامح للشوارع.. والأرصفةُ فقدت بهجتها بوقع الخطى.. وصارتْ الصباحات حذرة ..
شارِدةً سُحب السماء كانت.. فوق أرض المعركة تعبر بطيئةً.. كانت كما حارس نهارات المدينة..استعصى عليها البُكاءُ.. فقدت المدينة ملامِحها.. والسكون الذي خيم فوق روابيها نشوةً.. أثاره صوت المجنزرات.. صاخِبةً صارت التِلالُ البعيدة.. صوت الحرب .. وفوضى النفوس.. كل شيء في الحياة صار كئيباً..
بدا الذبول على بنفسجة الطريق..
الدِماء التي أُريقت على جانبيها.. عزيزة وغالية.. أبت أن ترشف مِنها..
ولو رشفةً واحِدة..
شارفت الشمس على المغيب.. ثُم هبط المساء قُرمزياً.. والبنفسجة تنتظر قطرة ماءٍ تُحييها.. مالت بأوراقِها فوق مسار الدماء .. اقتربت حتى لامست انعكاس ملامِحها فوقها..ثم انتفضت !!
مرت ساعات الليلة الأخيرة بطيئةً، و البنفسجة تُحتضر.. كُلما ابتعدوا خطوة عنها.. فقدت شيئاً من أنفاسها..
توالت الهجمات حتى ساعات الصباح الأولى.. لِتستقبِلهم مدفعية النفوس الأبية.. رافضةً تقدمهم..داحِرةً مزاعمهم.. بينما البنفسجة.. بدأت بالذبول رويداً رويداً.. حتى لامست الدماء ..التي رفضت رشفها.. لتغفو حيناً..مستودعةً التراب بذورها..واعدةً العودة للحياة.. بقدوم الربيع..
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|