وقد مَيَّزَ الدارسون ما بين القصة القصيرة الفنية بوصفها جنساً سردياً، وأشكال سردية أخرى، كالأسطورة والخرافة والطرفة والمثل والرسالة والمعجزة والحكايات المثيرة وسير الشخصيات، وفي تراثنا نماذج سردية تقترب من القصة القصيرة وتشبهها، مثل قصص الحيوان وفن الخبر وقصص الأحلام وقصص الأمثال وقصص الرحلات...
وفي كتاب "القصةالقصيرة- النظرية والتقنية"، لإمبرت، نقع على أشكال من السرد تشبه القصة، ولكنها ليست هي، ومن تلك الأشكال:
1- مقال التقاليد: وهو نوع يقع بين علم الاجتماع والخيال، وبه يتم رسم لوحات تتضمن مشاهد أصلية مأخوذة من الحياة.
2- لوحات الأخلاق: وهي نوع يقف بين علم النفس والخيال، كأن تعرض أمامنا أخلاق جندي أو شاعر أو صعلوك أو إنسان طيب أو شرير.
3- الخبر : ويقف بين الصحافة والخيال، ومن خلاله نعرف أحداثاً غير عادية وقعت في مسيرة الحياة اليومية.
4- الخرافة : وتقع بين الدين والخيال، والغرض منها تفسير أصل الكون بمشاركة كائنات غامضة.
5- الأسطورة: وتقف بين التاريخ والخيال، فهي قصة غير حقيقية، وتعالج أموراً غير مألوفة وغير متسقة مع القواعد العامة.
6- الأمثال : ويقع المثل بين التعليم والخيال، وأحياناً يقرأ المثل على أنه عمل أدبي، والسمات الخاصة بين الشخصيات هي الفيصل بين القصة والمثل، فحين تكون السمات فردية نكون في نطاق الأدب، وحين تكون ذات طبيعة عامة نكون في إطار التعليم.
7- الطرفة : والطرفة قريبة من القصة القصيرة جداً، ولكن الطرفة قد تتوقف عند مجرد سرد حدث خارجي، دون محاولة لفهم شخصية البطل ودوافعه النفسية، ففي الطرفة يروي المرء ولا يحكي، ولا يحدث جمالية من أي نوع، أما في القصة القصيرة فيفترض وجود حدث مختلق أكثر من الأول، ونسبة الخيال فيه أكثر، بينما نسبة الحقيقة في الطرفة أكثر.
8- الحالة : وهي تقترب جداً من القصة القصيرة، بل من القصة القصيرة جداً، فهي تعبر عن موقف طارئ أو جزئية حياتية، كأن يكون سوء الحظ أو الإخفاق أو الموت
ما القصة القصيرة إذاً؟
يقول (إمبرت): "هي عبارة عن سرد نثري موجز يعتمد على خيال قاص، برغم ما قد يعتمد عليه الخيال من أرض الواقع، فالحدث الذي يقوم به الإنسان، أو الحيوان الذي يتم إلباسه صفات إنسانية، أوالجمادات، يتألف من سلسلة من الوقائع المتشابكة في حبكة، حيث نجد التوتر والاسترخاء في إيقاعهما التدريجي من أجل الإبقاء على يقظة القارئ، ثم تكون النهاية مرضية من الناحية الجمالية. (القصة القصيرة، لإمبرت ص 52).
في التعريف السابق تصف القصة بأنها سرد نثري موجز يعتمد على خيال قاص، فالخيال وحده غير كاف لإنشاء قصة، إذ لا بد من ملكة تركيبية تحبك الأحداث، وسوق المتواليات، وتُنظِّم تتابعها، والقاص البارع ينفذ إلى أدق التفاصيل فيما يعرضه أو يعرض إليه، بغية التنوير والنقد، أو الكشف عن المخبوء بلغة رامزة، دون الاستغراق في تفاصيل مقحمة إقحاماً، أو محشورة حشراً، وفي هذا الصدد كتب القاص الأرجنتيني (بورخيس) يقول عن سبب إعجابه بقصص (كيبيلنغ): إنه لا يوجد في تلك القصص كلمة واحدة لا لزوم لها.
خصائص القصة القصيرة:
تختلف الخصائص عن العناصر في أن العناصر هي المكونات الرئيسية للعمل أما الخصائص فهي المحدد الأساسي للعمل، بمعنى أدق إن افتقاد العمل لأحد عناصره لا يؤثر في تحديد هوية العمل، هل هو قصة قصيرة أم لا، ولكن إذا افتقدت القصة القصيرة لأحد خصائصها كانت شيئا أخر غير القصة القصيرة، وهذه الخصائص بالترتيب هي:
1- الوحدة:
و تعني أن كل شيء فيها يكون واحداً، بمعنى إنها تشتمل على فكرة لها هدف واحد
وهو ما يعني إن الكاتب عليه توجيه كل جهده الإبداعي صوب هدف واحد لا يحيد عنه.
2- التكثيف:
ويقصد به التوجه مباشرة نحو الهدف من القصة مع أول كلمة فيها، فهي كما يقول يوسف إدريس" القصة القصيرة رصاصة، تصيب الهدف أسرع من أي رواية".
3- الدراما:
ويقصد بها خلق الحيوية والديناميكية والحرارة في العمل، حتى ولو لم يكن هناك صراع خارجي، ولم تكن هناك غير شخصية واحدة.
فالدراما هي عامل التشويق الذي يستخدمه الكاتب للفت انتباه القارئ، وهي التي تحقق المتعة الفنية للقارئ وتشعر القاص بالرضا عن عمله.
عناصر القصة القصيرة:
وهي بالترتيب:
الرؤية:
و هي جوهر العمل الفني، ونواته الفكرية التي قد تصدر عن القاص، فهي تعبر عن مفهومه ونظرته للحياة، فالمبدع الحقيقي هو الذي تكون له نظرة ما حول ما يقدمه من أعمال فنية، فبالرؤية يختلف الكاتب الكبير عن الكاتب الصغير.
الموضوع:
هو الحدث الذي تتجسد من خلاله الرؤية، التي يعتبرها المبدع أساس عمله، تنشأ عنه علاقات إنسانية مختلفة، متمثلة في أنماط سلوكية بشرية تسعى لتحقيق هدف ما، ومعبرة عن أمالها ومشاعرها الوجدانية.
اللغة:
وهي المعبر والمصور لرؤية المبدع وموضوعه، فهي أساس العمل الأدبي، فالبناء أساسه لغوي والتصوير والحدث يتكئان على اللغة، والدراما تولدها اللغة الموحية المرهفة، كل هذا يشير بدلالة واضحة على أهمية اللغة وإنه لولاها لكان العمل الأدبي سيئ وغير مفهوم.
سمات اللغة الفنية:
1- السلامة النحوية.
2- الدقة.
3- الاقتصاد والتكثيف.
4- الشاعرية.
5- الشخصية:
وهذه الأخيرة هي جوهر القصة القصيرة، فهي التي تقوم بالحدث الذي تبنى عليه القصة، وقد يكون شخص أو قوى غيبية، أو بمعنى أدق كل شيء مؤثر في اتجاه الحدث صعودا وهبوطا، انبساط أو تأزما.
البناء:
وهي مراحل أو شكل العمل الأدبي، وهي عادة لا تقل عن ثلاثة مراحل هي، البداية، ثم الوسط ، الذي قد يطول أو يقصر وفيه يكون ذروة الصراع، ثم النهاية وفيها يكون الكشف عن كل محتوى العمل وهدفه الأساسي.
الأسلوب الفني:
وهو التقنية الفنية التي يتم بها تصوير الحدث أو الحالة، والكاتب في حاجة لتشكيل هذه الصياغة الفنية بوسائل ينفذ بها لشخصياته ومواقفه، بحيث تتعاون في النهاية في رسم صورة جيدة للعمل الأدبي.
فهي المنظور الذي منه يتم رؤية العمل الفني، فيتم الإعجاب به من قارئه، فحرفية القاص تنبع من الأسلوب الأخاذ الذي عبر به عن قصته، بحيث تبدو كما لو كانت عملا واقعيا وإن كل دور الكاتب فيها هو عمله على نقلها على الورق.
والأسلوب الفني يتأتى بالأتي:
1- السرد:
هو الوصف أو التصوير، فهو جزء من الحدث والشخصية ومن كل عناصر القص، فقصة بلا سرد ولا وصف ليست بقصة.
و يجب أن ينبعا من صميم العمل فلا يكونا دخيلين عليه، كما يتعين أن يكونا فاعلين فيه.
2- الحوار:
هو الديالوج والمحادثة التي تدور بين شخصيات العمل، فهو أحد أهم التقنيات الفنية المشاركة في بناء العمل لأنه نافذة يطل منها القارئ على ثنايا القصة، ووسيلة فنية لتقديم الشخصيات و الأحداث والتعريف بها من داخلها.
الإيقاع:
عنصر هام من عناصر الحركة السردية ،وهو قد يتجسد بالتواتر أو بالاختلاف أو بالتناظر، أو بغير ذلك من الوسائل، أماالسخرية فهي أسلوب يختلف بين كاتب وآخر، ومؤكد أن طرائق تقديم الشخصية ووصف ملامحها المختارة الخارجية والداخلية، والسطحية والعميقة، تختلف من قاص إلى آخر. وربما تمكن بعض القاصين من الكشف عن دخيلة شخصية من شخصيات قصصهم، وعن طباعها وسلوكها في زمان ومكان محددين.
حجم القصة القصيرة:
رأى النقاد أن القصة القصيرة هي ما يمكن أن يقرأ في ساعة أو ساعة ونصف على الأكثر، فهي أقصر من الرواية في حين أن القصة القصيرة جداً، قد تكون سطراً أو سطرين أو ثلاثة، أو على أبعدحد صفحة واحدة، وقد آل هذا القصر إلى اختزال كثير من عناصر القصة القصيرة المعهودة،وإن كان للأدب قوانين، من جميل الابتكار أن تخرق، لكن خرقها يجب أن يكون لمصلحة الجمال والإدهاش، وليس لصالح العبث والتخريب.
الزمان والمكان:
الزمان عنصر هام يستطيع القاص أن يتعامل معه بأشكال مختلفة بين الماضي والحاضر والمستقبل، أو يتنقل بينها نقلات هادفة لأغراض دلالية أو يقيم نوعاً من الحوار بين الماضي والحاضر أو يكتب عن الماضي ويقصد الحاضر.
كذلك الأمر بالنسبة للمكان قد يكون في مكان واحد أو في أمكنة متعددة أو مكان رمزي.
البداية والنهاية بشيء من التفصيل:
البداية الناجحة هي التي تحدد نجاح القصة أو إخفاقها، وللقصة مستلزمات أخرى لا بد من توافرها، أما النهاية، هي اللمسة الأخيرة التي تمنح الكشف عن الشخصية، أو السلوك، أو المعنى والمغزى. وفيها المفاجأة التي قد تثير السخرية أو الابتسام أو الارتياح أو حتى القلق والتساؤل.
وتعددت أشكال النهايات في القصة القصيرة، وأمكن للنقاد أن يروا فيها ستة أنواع من النهايات، هي: النهاية الواضحة، وفيها تحل المشكلة دون تعقيدات تذكر. والنهاية الإشكالية، وفيها تبقى المشكلة دون حل. والنهاية المعضلة، وفيها يمكن أن يكون الحل من خلال مشاركة القارئ في التوقع، دون أن يكون هذا الحل هو الحل المثالي الوحيد، والنهاية الواعدة، وفيها يتم التنويه بمخارج كثيرة دون ذكرها صراحة، والنهاية المقلوبة، وفيها يتخذ البطل موقفاً مناقضاً لما كان عليه في البداية، فإذا كان يكره شخصاً في البداية، ينتهي به الأمر إلى أن يحبه في النهاية. والنهاية المفاجئة، وفيها يفاجئ القاص القارئ بحل غير متوقع.
العنوان:
يمثل العنوان عنصراً هاماً من عناصر تشكيل الدلالة في القصة، وجزءاً من أجزاء استراتيجية أي نص أدبي. وتتنوع العناوين، من حيث وظيفتها في القصة، فثمة عناوين تحيل إلى مضمون القصة، أو تُسْتَمَدّ من مغزاها، وعناوين لها طبيعة إيحائية، وعناوين لها وظيفة تناصية، وعناوين لها طبيعة الاستعارة، وعناوين يقصد بها تشويش الأفكار.
تختلف العناوين من ناحية البناء اللغوي، فبعضها يأتي كلمة واحدة، وبعضها كلمتين أو ثلاثة. ومن القاصين من يعول على أسماء الأمكنة، فيتوج بها هامة قصته، ومنهم من يركز على الأزمنة، ومنهم من يختار جملة اسمية، ومنهم من يختار جملة فعلية، ومنهم من يلجأ إلى أساليب لغوية أخرى كالاستفهام أو التعجب أو التوكيد أو النداء أو غير ذلك... ولكل قاص غرض في اختياره. والعنوان عبارة عن قراءة من المؤلف لنصِّه، وقد يكون مفتاحاً من مفاتيحه.
القصة القصيرة يحسن بها أن تجمع حسن العرض إلى نمو الحدث إلى المشهد المسرحي، كما يتوخى من كاتبها أن يحكم بنائه وحبكته، ويختار مفرداته دونما ترخص في الفصحى ودونما إغراق في التقعر، مراعياً اللغة الوسطى، وذلك لأن تضحيته بما سبق، أو انحرافه إلى لغة شاعرية مفعمة بالتأنق والصنعة، يجعله بعيداً عن المقصود، وقريباً من فنون أخرى، قد لا تحتمل القصة أعباءها. ولا بد أخيراً من التكثيف والتركيز اللذين يجعلان من القصة القصيرة لقطة سينمائية أو قطعة من نسيج تكتنز المعنى والمتعة معاً.