المذهب الدكتاتوري.
[frame="13 98"]
[align=justify]
الدكتاتورية بوصفها نظام حكم تؤول فيه صناعة القرار إلى شخص واحد، لم تظهر بصورة دقيقة في أي فترة تأريخية. فالدكتاتورية تستوجب انتفاء التراتبية و هي متمخضة عن الثورة البدئية الإستئصالية التي أعلنها المثقفون الغربيون معززين بالإرادة الجماهيرية على الكنيسة. و حيث أن الكنيسة اعتمدت في بسط سيطرتها على الأراضي و المجالات الثقافية و الإنتاجية على استثمار براغماتي للعلاقة بين الإنسان و الله فإن الترجمة الفكرية التي انتقاها مفكرو النهضة و الأنوار في أوروبا لم تحتفظ بالصيغة الأصلية لعلاقة العبودية و الألوهية التي استفادت منها الكنيسة و قامت بإذابتها في نسق يمكن أن ينعت بالسياسي، لتتولد في الأخير: الدكتاتورية كمذهب سياسي متحول عن الملكية المطلقة. لكنه ظل حبيس النطاق النظري فقط.
إن الدكتاتورية، بمقتضى أصلها الذي هو الرابط بين الله و الإنسان، تقتضي انتفاء التراتبية في جهازها الإداري الذي يجب أن يتألف من مركز سلطوي شامل و وحيد يستمد قوته من الجهاز العسكري الذي يخضع له خضوعا مباشرا يداني منطق العبودية الذي يوظفه الإنسان إزاء كل ما يعتبره معبودا. فالدكتاتور إله داخل المنطقة الجغرافية التي تمثل له الوطن. و رغم أن الوطن حسب الرؤية الدكتاتورية ليس محدودا أو مجالا له مساحته المحددة، فإن الدكتاتور يمارس نوعا من الديمقراطية الهشة على المجالات و المناطق التي يضمها إلى الوطن الذي قدم لألوهيته الظروف الملائمة للإنبلاج و بناء رغبة التوسع. سياسة التوسع في المنظور الدكتاتوري البحت تنطلق من دوافع نفسية و ذاتية خاصة بالدكتاتور، لأن الألوهية التي يستشعرها تحضه على الهيمنة على مجال جغرافي شاسع، ينقذه من الإحساس بالإنسدادية و الضعف اللذين يجتاحان عقلية الدكتاتور الصرف حين يبصر الشعوب المجاورة لبلده ترفل في النعيم و الطمأنينة(أو الفوضى) و هي ليست تابعة لإرادته، فالدكتاتور يرادف بين إرادته على مستويين: تطبيقها الذي ينتهي بالرقي و الإزدهار و رفضها الذي يؤدي إلى الخراب و النسف الحضاري. تعزيز هذه الفرضية بنموذج واقعي مسألة مستحيلة، كون جميع الأنظمة السياسية التي رشقها المؤرخون بتهم الدكتاتورية، كانت، في ماهيتها، أنظمة تنتهج سلوكا سلطويا يمكن أن نطلق عليه مصطلح:"الديمقراطية الجنينية" من حيث القيم المعنوية فقط، و هي الخاصية العظمى التي بصمت كل السلطات و أشكال الإدارة التي قرنها المحللون بالدكتاتورية و هم منها براء. إذا تم الإيمان بمشروعية النظرية التي تصهر عقل الدكتاتور في نسق التفاعلات الموجودة بين الألوهية و العبودية، التي هي القانون الجوهري المحيط بالمنظومة الدينية، و ليس مستبعدا ما دام الشرح موضوعيا متصفا بالتسلسل الحجاجي أن يوضع التشابه بين الدكتاتورية و التأويل العقائدي الشاذ الذي يناقش إلزامية الصلاة عندنا في ديننا الإسلامي الحنيف مثلا.
أما التوسع المكاني بالنسبة للنظام الشمولي أي نظام الحزب الوحيد، فيرتكز على المصلحة الإجتماعية و الإقتصادية للشعب و وجوده الإستراتيجي، و هو في ماهيته يتصل بمنهج المجال الحيوي الذي اختطته اقتصاديات الأيديولوجيا النازية، و أباحت به حركتها الإمتدادية. غير أن التحليل الخاطىء الذي يمزج بين الجزء الإقتصادي من الأيديولوجيا و الأيديولوجيا بأكملها كان السبب الذي يتيح لنا شرح التعصب في الطعن في التجربة النازية. فقبل تأطير مميزات نظام الحكم مهما كان، علينا أن نضبط مكامن علاقات الجزء بالكل، و في الحالة النازية، فإن الإخفاق المؤدلج في استدماج الفرق الواضح بين البنية الإقتصادية و النسيج الأيديولوجي الذي تنتمي إليه أثر على انطباعاتنا عن النازية و ما سمي زورا:"الأنظمة الدكتاتورية"، و حولها الى مواقف منشقة عن تحليل مناقض للحياد. و لعل مقولة قائد الجيش الألماني أيام هتلير، غورينغ، في رسالته الأخيرة الى زوجته قبيل النطق بحكم الإعدام عليه في محكمة غوتنبرغ، وثيقة تأريخية صامدة تفسر لنا بالإختصار الشمولي مصير العالم عقب انتصار الحلفاء في الحرب العالمية2. يقول العسكري النازي:"إنهم يطبقون عدالة المنتصر". الدكتاتور لن يستوعب فرضية هزيمته في التحديات القاسية التي يخوضها، و إلا لكتب غورينغ إلى عائلته ما نصه بالتقريب:"إنهم يرفضون النور و الحق". فالدكتاتور الذي هو البشري أو الحاكم اللاموجود، لا يضع في حساباته الإستشرافية احتمال الخسارة، بل إنه لا يضع حسابات استشرافية مطلقا، إنه يواجه الصعاب التي تعترضه باعتباطية مهيبة يخالها كثيرون عبقرية نادرة
[/align][/frame]
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|