التسجيل قائمة الأعضاء



 
القدس لنا - سننتصر
عدد مرات النقر : 137,847
عدد  مرات الظهور : 162,312,626

اهداءات نور الأدب

العودة   منتديات نور الأدب > جمهوريات نور الأدب > جمهوريات الأدباء الخاصة > مدينة د. منذر أبو شعر
مدينة د. منذر أبو شعر خاصة بكتابات وإبداعات الدكتور منذر أبو شعر

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 28 / 08 / 2021, 05 : 04 PM   رقم المشاركة : [1]
د. منذر أبوشعر
محقق، مؤلف، أديب وقاص

 الصورة الرمزية د. منذر أبوشعر
 





د. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: سوريا

الموضوعات والإسرائيليات في كتب المحدثين


المبحث الأول: الوضع في الحديث
يصور العقلانيون مسألة الوضع في الحديث على أنها الأصل، أمَّا الاستثناء فهو رواية الحديث كما سُمع، وهذا يجعل الثقة بما يُرْوَى من حديث محل شكٍ وترددٍ. قال طيب تيزيني: الإقرار بوجود حديث نبوي متكامل لفظاً ومعنىً مسألة تفتقد المصداقية التوثيقية التاريخية، أو على الأقل تستثير تحفظاً وشكاً شديدين (النص القرآني أمام إشكالية البنية والقراءة 75).
= ثم اختلف العقلانيون في تحديد بداية نشوء حركة الوضع، فزعم بعضهم: أن الوضع بدأ في حياة النبي ﷺ وقتما كان المنافقون واليهود يكذبون عليه ﷺ، قبل أن يُطالب الصحابة بالسند، ممَّا ساعد على قبولها (فجر الإسلام: أحمد أمين 231، نحو فقه جديد: جمال البنا 2 / 161)، واستدلوا بأن أحد المنافقين تقوَّل كذباً على النبي ﷺ أنه أمره بأن يَسْتَطْلِع أيَّ بيوت المسلمين شاء، فلمَّا بلغ رسولَ الله ﷺ الخبرُ قال لأبي بكر وعمر: انطلقا إليه، فإن وجَدتُّماه حَيًّا فاقتلاه ثُمَّ حَرِّقاه بالنارِ، وإن وجَدتُّماه قد كُفِيتُماه فحَرِّقاه، ولا أُراكُما إلا وقد كُفِيتُماه، فأتياه، فوجداه قد خرج من الليل يبول، فلدغته أفعى، فمات، فحرَّقاه بالنار.
** ** ** **
والحديث ضعيف منكر، فيه عطاء بن السائب الثقفي (ت: 136 هـ) وقد اختلط. وتمام لفظه: أنَّ رجلاً لبس حلة مثل حلة النبي ﷺ ثم أتى أهل بيت من المدينة فقال: إن النبي ﷺ أمرني أيَّ أهل بيت شئت استطلعت. فقالوا: عهدنا برسول الله ﷺ لا يأمر بالفواحش. قال: فأعدوا له بيتاً وأرسلوا رسولاً إلى رسول الله ﷺ فأخبروه. فقال ﷺ لأبي بكر وعمر: انطلقا إليه، فإن وجدتماه حياً فاقتلاه ثم حرّقاه بالنار، وإن وجدتماه ميتاً فقد كفيتماه، ولا أراكما إلاَّ قد كفيتماه فحرّقاه. فأتياه فوجداه قد خرج من الليل يبول فلدغته حية أفعى فمات، فحرَّقاه بالنار. ثم رجعا إلى رسول الله ﷺ فأخبراه الخبر، فقال رسول الله ﷺ: من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار (مجمع الزوائد 1 / 150).
وفي رواية: أنه كان حيٌّ من بني ليث من المدينة على ميلين، وكان رجل قد خطب منهم في الجاهلية فلم يزوجوه، فأتاهم وعليه حلة، فقال: إن رسول الله ﷺ كساني هذه الحلة، وأمرني أن أحكم في أموالكم ودمائكم، ثم انطلق فنزل على تلك المرأة التي كان يخطبها، فأرسل القوم إلى رسول الله ﷺ، فقال: كذب عدو الله، ثم أرسل رجلاً فقال: إن وجدته حياً - وما أراك تجده حياً - فاضرب عنقه، وإن وجدته ميتاً فأحرقه بالنار. قال: فجاءه فوجده قد لدغته أفعى فمات، فحرَّقه بالنار، قال: فذلك قول رسول الله ﷺ: من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار.
رواه يحيى الحماني وهو ضعيف، من طريق صالح بن حيان القرشي وهو واه، وعامة ما يرويه غير محفوظ. قال ابن حِبَّان: يروي عن الثقات أشياء لا تشبه حديث الأثبات، لا يعجبني الاحتجاج به إذا لم يوافق الثقات (المجروحين 1 / 369).
وروي من حديث أبي حمزة الثمالي ثابت بن أبي صفية وهو رافضي ضعيف منكر الحديث. وحكم السخاوي (ت: 902 هـ) على هذه القصة بالوضع فقال: لا تصح (الآثار المرفوعة في الأخبار الموضوعة 26).
فسبب الحديث ـ بالرغم من أنه غير صحيح ـ تزويرٌ في حادث دنيوي خاص بِالمُزَوِّرِ، فأين هذا من التزوير في حدث ديني عام يروى للمسلمين على أنه حديث رسولهم، وكيف يكون التزوير في حادث دنيوي وهو حادثٌ واحد لا يروي الرُوَاة غيره، دليلاً على أن الوضع في الحديث النبوي قد بدأ في حياة الرسول ﷺ ذاته؟ فمن الواضح أنَّ الذي قام بهذا العمل مجهول وجاء قوماً خارج المدينة، بل ربما لم يكن أسلم، فهو ليس من الصحابة. فاستظهار ذلك الحديث المنكر لتأييد وضْع الحديث في عهد النبي ﷺ خطأ قام على غير أساس، لمنافاته للحق والواقع، وبنائه على ظنون لا يؤيدها تاريخٌ صحيح ولا حدثٌ ثابت. فجميع الأخبار التي وصلتنا، تجزم بأنه لم يقع في حياة الرسول ﷺ أَنَّ أحداً ممَّنْ أسلم وَصَحِبَه زوَّر عليه كلاماً ورواه على أنه حديثه ﷺ، ولو وقع مثل هذا لتوافر الصحابة على نقله لشناعته وفظاعته، فهم حرصوا على نقل كل ما يتصل به ﷺ حتى مشيه وقعوده، ونومه، ولباسه، وعدد الشعرات البيض في رأسه الشريف.
** ** ** **
= ومنهم من ذهب إلى أن الوضع بدأ زمن الفتنة، قال أبو رية: وقد أجمع الباحثون والعلماء المحققون على أن نشأة الاختراع في الرواية ووضع الحديث على الرسول ﷺ إنما كان في أواخر عهد عثمان، بعد الفتنة التي أودت بحياته، ثم اشتد الاختراع واستفاض بعد مبايعة علي رضي الله عنه (أضواء على السنة المحمدية: محمود أبو رية 91، وانظر: حياة محمد: محمد حسين هيكل 66)، وهذا يتفق مع قول علماء الإسلام، وجعل الدكتور السباعي سنة أربعين فاصلاً بين عصر صفاء السنة من الدخيل وبين عصر اختلاطها بغيرها (السنة ومكانتها في التشريع 92).
** ** ** **
ويسوق العقلانيون جملة من المزاعم التي يتخذونها سبيلًا للطعن في منهج المحدثين، وجعل هذه الطعون حجة لإنكار الثبوت التاريخي للسنة. ومن هذه المزاعم:
أولا: قضية وضع الحديث بدوافع سياسية. قال محمد هيكل: والواقع أن المنازعات السياسية التي حدثت بعد الصدر الأول من الإسلام أدت إلى اختلاق كثير من الروايات والأحاديث تأييداً لها، ومن الحق أن المسلمين بلغ اختلافهم بعد وفاة النبي ﷺ حدَّاً دعا الدعاة إلى اختلاق الآلاف المؤلفة من الأحاديث والروايات، فلمَّا استتب الأمر لبني أمية جعل المحدثون المتصلون ببني أمية يضعفون ما يُروى عن علي بن أبي طالب وفضائله، في حين جعل أنصار علي وأهل بيت النبي يزيدون في هذه الأحاديث ويحاولون إذاعتها بكل الوسائل، كما جعلوا يُعرِضون عما يروى عن عائشة أم المؤمنين (حياة محمد 66 ـ 67). فالجو العام ـ بزعمهم ـ جو تنافرٍ وتباغضٍ دفع كل طرفٍ إلى أن ينشر الموضوعات ويسعى في ذلك، بينما يُعرض عن أحاديث الطرف الآخر ويضعف ما عنده من الروايات.
وهذا خطأ كبير، فبتتبُّع أيّ كتاب من الكتب الجوامع نجد كمَّاً من الأحاديث التي تروى عن أمير المؤمنين عليٍّ وأهل بيت النبي ﷺ، سواء تلك التي تنقل عنهم أحاديث يروونها عن النبي ﷺ أو تلك المخصصة للحديث عن فضائلهم. فروى أصحاب الكتب الستة عن أمير المؤمنين عليٍّ وحده أكثر من ثلاثمائة حديثٍ (تحفة الأشراف 7 / 26)، وروى له ابن حنبل في مسنده أكثر من ثمانمائة حديثٍ (مسند ابن حنبل 562 ـ 1380)، وأفرد البخاري باباً خاصاً في فضائله، سمَّاه: باب مناقب علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي أبي الحسن رضي الله عنه، روى فيه سبعة أحاديث في فضائله، وكذلك فعل مسلم في صحيحه، فروى في فضائله ستة أحاديث.
ولا يخفى أن العصر الذي كتب فيه الأئمة الستة كتبهم كان عصر بني العباس، وكان الجفاء بين بني العباس وبني علي بن أبي طالب هو السائد، فلم كُتبت هذه الأحاديث إذا كان للسياسة يد طولى على المحدثين؟
ثانياً: وزعموا أن البخاري ألفَى الأحاديث المتداولة تُربي على ستمائة ألف حديثٍ، لم يصح لديه منها أكثر من أربعة آلاف، وهذا معناه أنه لم يصح لديه من كل مئة وخمسين حديثاً إلاَّ حديث واحدٌ (حياة محمد 66، النص القرآني: طيب تيزيني 67)، وبقول الإمام الدارقطني: الحديث الصحيح في الحديث الكذب كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود (وقول الدارقطني افتراه عليه هيكل ولا يُدرى من أين جاء به).
فاجتزأوا من خطة تصنيف الإمام البخاري لصحيحه ما يؤيّد فكرتهم، ثم فسروا هذا النص المجتزأ بما تهواه أنفسهم، وكذلك ديدن تلامذتهم إلى اليوم. والحقيقة أن الإمام البخاري وقتما قال: صنَّفتُ كتابي الصَّحيح لستَّ عشرة سنة، خرَّجتُه من ستمائة ألف حديثٍ، وجعلتُه حجَّةً فيما بيني وبين الله تعالى (هدي الساري 1 / 489)، قال أيضاً: لم أخرِّج في هذا الكتاب إلَّا صحيحاً، وما تركتُ من الصَّحيح أكثر (هدي الساري 1 / 7)، فاختيار البخاري لأحاديث صحيحِهِ من هذا الكم الهائل من الروايات يدل على مدى الدقة والتحري لدى هذا الإمام الكبير، لا على حصر عدد الصحيح. ففهموا النص على غير وجهه، ليوظفوه فيما يريدونه. علماً أن المقصود من هذه الألوف المؤلفة من الأحاديث إنما هو الطرق والأسانيد لا المتون، وهذا يعني أن الأحاديث الصحيحة فيها ليست أربعة آلاف حديثٍ فقط، بل هي أكثر من ذلك بكثير. قال البخاري: أحفظ مائة ألف حديث صحيح، وأحفظ مائتي ألف حديث غير صحيح (الإرشاد في معرفة علماء الحديث: الخليلي 3 / 962، تاريخ بغداد: الخطيب البغدادي 2 / 340)، أي أن الأحاديث غير الصحيحة - وهذا يشمل الموضوع والضعيف - ضِعْف الأحاديث الصحيحة في محفوظات الإمام البخاري.
وانتشار الوضع والكذب، لا يدلان على أن هذه الموضوعات قد تسربت إلى كتب المحدثين، فقد كانوا لها بالمرصاد، وبذلوا الغالي في سبيل تنقيتها مما قد يعلق بها. وهذا أمرٌ مستقرٌ في الأذهان، حاضرٌ في الواقع، فأحد الزنادقة وقتما ذُهب به لتضرب عنقه قال: لم تضرب عنقي يا أمير المؤمنين؟ قال: أريح الناس منك، قال: فأين أنت من ألف حديث وضعتها على رسول الله ﷺ ما فيها حرف نطق به؟ فقال له الخليفة: فأين أنت يا عدوّ الله من أبي إسحاق الفزاري وعبد الله بن المبارك ينخلانها نخلاً، فيخرجانها حرفاً حرفاً (تنزيه الشريعة: ابن عراق 1 / 16)، وعندما شكا أحدهم كثرة انتشار الموضوعات قال له ابن المبارك: تعيش لها الجهابذة (الموضوعات: ابن الجوزي 1 / 46).
ثالثاً: ينسب بعض العقلانيين للمحدثين شبهة تساهلهم في رواية الحديث الموضوع، والعمل به في فضائل الأعمال، واعتبروا الحديث الموضوع صنفاً من أصناف الحديث الضعيف التي لا يعمل بها إلاَّ في الفضائل (نحو فقه جديد: جمال البنا 2 / 109).
وصحيحٌ أن المصنفين في علوم الحديث عدُّوا الحديث الموضوع نوعاً من أنواع الحديث الضعيف، لكنهم نصوا على أنه شرها، بل اعترض بعضهم على عدّه قسماً من أقسام الضعيف، قال الزركشي (ت: 794 هـ): أمَّا أن الموضوع من أقسام الضعيف فغير مُسَلَّم؛ لأن الموضوع ليس بحديث أصلاً، بل لا ينبغي أن يعد البتة (النكت على ابن الصلاح للزركشي 1 / 395)، وقال ابن حجر (ت: 857 هـ) تعقيباً على قولهم الموضوع شر الأحاديث الضعيفة: اسْتُنْكِرَت، لأنَّ الموضوع ليس من الحديث النبوي، وإنما أراد بالحديث الموضوع القدر المشترك، وهو ما يُحدَّث به (النكت على ابن الصلاح لابن حجر 2 / 838). أي أن لفظ الحديث الموضوع هو إطلاق لغوي، وليس إطلاقاً مصطلحياً، فهو ليس بحديث من أيّ وجه.
ومغالطة الادعاء أن المحدثين كانوا يقولون بالعمل بالحديث الموضوع، فهذا زعم لم يكن البتة، وأقوال المحققين تنهى عن مجرد رواية الموضوع دون بيان حاله، فكيف بالعمل به! قال ابن الصلاح (ت: 643 هـ): ولا تحل روايته لأحدٍ علم حاله في أي معنىً كان إلاَّ مقروناً ببيان وضعه، بخلاف غيره من الأحاديث الضعيفة التي يحتمل صدقها في الباطن، حيث جاز روايتها في الترغيب والترهيب (علوم الحديث: ابن الصلاح 98، نزهة النظر: ابن حجر 91).
فالعمل بالموضوع لا قائل به، وجمهور المحدثين على العمل بالضعيف في فضائل الأعمال، شرط التقيد بشروط ثلاثة:
الأول: أن يكون الضعف غير شديد، فيخرج من انفرد من الكذابين والمتهمين بالكذب ومن فحش غلطه.
الثاني: أن يكون مندرجاً تحت أصلٍ عامٍ، فيخرج ما يُخترع بحيث لا يكون له أصل أصلاً.
الثالث: ألاَّ يعتقد عند العمل به ثبوته، لئلا ينسب إلى النبي ﷺ ما لم يقله.
فنسبة التساهل إلى المحدثين غير صحيحة أصلاً، ومنهجهم عدلٌ قائم على وضع الأمر بموضعه اللائق به.

المبحث الثاني: الإسرائيليات والمسيحيات في الحديث
الإسرائيليات: نسبة إلى بني إسرائيل، وإسرائيل هو يعقوب عليه السلام، وبنو إسرائيل هم أبناء يعقوب ومن تناسلوا منهم فيما بعد إلى عهد موسى ومن جاء بعده من الأنبياء حتى عهد عيسى عليه السلام، أما من آمنوا بعيسى فقد أصبح يطلق عليهم اسم النصارى.
وأشهر كتب اليهود هي التوراة، والزبور كتاب داود عليه السلام، وأسفار الأنبياء الذين جاؤوا بعد موسى عليه السلام.
وتسمى التوراة وما اشتملت عليه من الأسفار وغيرها (العهد القديم)، وكان لليهود بجانب التوراة المكتوبة التلمود، وهي التوراة الشفهية، وهي مجموعة قواعد ووصايا وشرائع دينية وأدبية ومدنية، وشروح وتفاسير وتعاليم وروايات كانت تتناقل وتدرس شفهياً.
وفي تراثنا الإسلامي يقصد بالإسرائيليات: الروايات التي تنسب لعلماء بني إسرائيل، وهي قصص تتحدث عمَّا كان قبل الإسلام، أو ما ستؤول إليه الخليقة، وفيها الحق والباطل. أمَّا المسيحيات: فهي الروايات المنسوبة للنصارى أتباع المسيح عيسى عليه السلام.
ورأى العقلانيون أن كثيراً من الإسرائيليات والمسيحيات قد تسربت إلى الحديث النبوي، فنسبت إلى النبي ﷺ، وعندما نقل الصحابة علومهم الحديثية كانت الإسرائيليات متداخلة مع الحديث النبوي، فلم يتم التمييز بين ما مصدره الرسول ﷺ وما مصدره كعب الأحبار أو عبد الله بن سلام أو وهب بن منبه أو غيرهم من مُسلمة أهل الكتاب (الحداثة وموقفها من السنة: الحارث فخري عبد الله 171)، وأنه قد ساعد على تسرب الإسرائيليات والمسيحيات عاملان:
الأول: مكر اليهود ودهاؤهم، فقد استطاعوا أن يتغلغلوا في الصف الإسلامي بوصفهم مسلمين، وعملوا على تمثيل دور الأتقياء الورعين، الأمر الذي مكنهم من كسب ثقة الصحابة الذين كانوا يمتازون بالفطرة العربية التي لا تعرف المكر والخديعة، ثم تمكنوا من بث سمومهم الرامية إلى نقض الإسلام من داخله، تارة على أنها معلومات مستقاة من الكتاب المقدس، وتارة على أنها أحاديث سمعوها من النبي ﷺ أو من صحابته، ومن أشهر من قام بهذا الدورِ عبد الله بن سلام وكعب الأحبار ووهب بن منبه (وستأتي قريباً تراجمهم في فصل أشهر رجالات اليهود الذين روي عنهم الحديث).
الثاني: أن السنة لم تكن محدودة المعالم أو محفوظة الأصول بسبب تأخر التدوين (أضواء على السنة المحمدية 118)، فدخلت الإسرائيليات وأصبحت جزءاً من السنة، ولا عجب أن يدخل في الإسلام مسيحيَّات بعد أن دخل فيه إسرائيليات، فإنه قد شِيب من كل دينٍ ومن كل نحلةٍ (أضواء على السنة المحمدية 155). فمجرد رواية الإسرائيليات خطأ كبير وقع فيه المحدثون، فكيف استساغوا رواية الإسرائيليات وكتابُ الله ينبههم إلى أن التحريف طال كلًّا من التوراة والإنجيل؟
= وقال جمال البنا: يقدم المحدثون لتبرير الإسرائيليات أقاويل هي مزيج من السذاجة والتحايل، مع وجود الآيات الصريحة في القرآن عن تحريف الرهبان والأحبار للكتب المقدسة، الأمر الذي يستتبع البعد عنها، لأنَّ الترخص في هذا يمكن أن يدخل على الإسلام هذه التحريفات (الأصلان العظيمان الكتاب والسنة: جمال البنا 292).
والجواب عن هذا في نقطتين:
الأولى: هل تسربت الإسرائيليات إلى السنة، والثانية: موقف علماء الإسلام منها. فمن يقرأ كلام العقلانيين يخيل إليه أنَّ الإسرائيليات قد غالبت السنة النبوية فغلبتها، فأصبحت الكثرة الكاثرة مما يُنسب إلى النبي ﷺ. لكن إذا علمنا أن نسبة الأحاديث التي يرويها مسلمة أهل الكتاب بالنسبة لما رواه غيرهم، وعدنا إلى الكتب الستة فبحثنا عن عدد مرويات عبد الله بن سلام مثلاً، نجد أن عبد الله بن سلام لم يرو أكثر من سبعة عشر حديثاً (تحفة الأشراف 4 / 352)، وروى أصحاب الكتب الستة لكعب الأحبار سبعة أحاديث (تحفة الأشراف 13 / 343)، وروى أبو هريرة ثلاثة أحاديث عن كعب من قوله، ولم يروِ عبد الله بن عمرو أي حديث عن كعب الأحبار، فهؤلاء هم أشهر الرواة من مسلمة أهل الكتاب، وأبو هريرة وابن عمرو بن العاص أشهر الرواة عنهم من الصحابة، لم يتجاوز مجموع مروياتهم جميعاً الثلاثين حديثاً، فالإيهام بكثرة الرواية عن علماء بني إسرائيل ضربٌ مقيتٌ من الدجل والتمويه البغيض. وفي الخبر الصحيح، أن أبا هريرة كان يميز بين ما سمعه من النبي ﷺ وما سمعه من كعب الأحبار، ففي حديث بسر بن سعيد قال: اتقوا الله وتحفظوا من الحديث، فوالله لقد رأيتنا نجالس أبا هريرة فيحدث عن رسول الله ﷺ، ويحدثنا عن كعب الأحبار ثم يقوم، فأسمع بعض من كان معنا يجعل حديث رسول الله ﷺ عن كعب، وحديث كعب عن رسول الله ﷺ (التمييز: الإمام مسلم 175)، أي أن أبا هريرة كان يميز بين الحديثين، ولا يخلطهما ببعضهما، وكذلك حال الثقات من تلامذته، وإنما خلّط بينهما من لم يكن من الحفاظ عنه، وقد عرفهم نقاد الحديث ومازوا رواياتهم.
كما أن أبا هريرة لم يكن يقبل ما يرويه كعبٌ مخالفاً لما سمعه من النبي ﷺ، ففي حديثه قال: أتيت الطور، فوجدت ثَمَّ كعباً، فمكثت أنا وهو يوماً، أحدِّثه عن رسول الله ﷺ، ويحدثني عن التوراة، فقلت له: قال رسول الله ﷺ: خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة؛ فيه خلق آدم، وفيه أهبط، وفيه تيب عليه، وفيه قبض، وفيه تقوم الساعة، ما على الأرض من دابة إلاَّ وهي تصبح يوم الجمعة مُصيخة حتى تطلع الشمس شفقاً من الساعة إلاَّ ابن آدم، وفيه ساعة لا يصادفها مؤمن وهو في الصلاة يسأل الله شيئاً إلاَّ أعطاه إياه. فقال كعب: ذلك يوم في كل سنة؟ قلت: بل هي في كل يوم جمعة، فقرأ كعب [من التوراة]، قال: صدق رسول الله ﷺ هو في كل جمعة (سنن أبي داود 1046، وأخرجه مختصراً الإمام مسلم في صحيحه 854). فانظر إلى تشبث أبي هريرة بما سمعه من النبي ﷺ ورده على كعب لمَّا خالفه، ثم انظر إلى رجوع كعبٍ إلى الحق، لتعلم أن الكل يبحث عن الحق.
فحديث أبي هريرة إذا كان مرفوعاً إلى النبي ﷺ، رفعه، أمَّا ما يحكيه عن أهل الكتاب فينص عليه: فعندما روى عن النبي ﷺ قوله: فُقدت أمَّة من بني إسرائيل، لا يُدرَى ما فعلت، ولا أراها إلاَّ الفأر، ألا ترونها إذا وُضع لها ألبان الإبل لم تشربه، وإذا وُضع لها ألبان الشاء شربته؟ قال أبو هريرة: فحدثت هذا الحديث كعباً، فقال: أنت سمعته من رسول الله ﷺ؟ قلت: نعم، قال ذلك مراراً، قلت: أأقرأ التوراة؟ (صحيح البخاري 3129، صحيح مسلم 2997). قال النووي (ت: 676 هـ): وهو استفهام إنكار، ومعناه: ما أعلم، ولا عندي شيء إلاَّ عن النبي ﷺ، ولا أنقل عن التوراة ولا غيرها من كتب الأوائل شيئاً، بخلاف كعب الأحبار وغيره ممن له علم بعلم أهل الكتاب (شرح النووي 18 / 124، وانظر: الاتجاه العقلي وعلوم الحديث: خالد أبو خليل 369)، ومعنى الحديث: أن لحوم الإبل وألبانها حُرّمت على بني إسرائيل دون لحوم الغنم وألبانها، فدل امتناع الفأرة من لبن الإبل دون الغنم على أنها مسخ من بني إسرائيل. والظاهر من الحديث أنه ﷺ قال ذلك اجتهاداً منه وظناً قبل أن يُخْبَر من الله تعالى أنه لم يُجْعَل لمسخ نسلاً ولا عقباً كما ثبت عنه ﷺ. وعليه؛ فهذه الحيوانات كانت قبل أن يكون المسخ لبعض الأمم، ومَنْ مُسخ منهم قردة أو خنازير أو غيرها فقد انقرض ولم يبق له وجود. وعلى هذا يحمل قوله ﷺ: لا أراها إلاَّ الفأر، وكأنه كان يظن ذلك ثم أعلم بأنها ليست هي.
فشبهة تسرب الإسرائيليات إلى السنة النبوية ادعاء لا دليل عليه، إلاَّ أن يكون مجردُ الرفض العقلي لحديثٍ ما - بالنسبة لهم - دليلاً على كونه من الإسرائيليات، أو أن يكون مجرد التشابه بين ما يحكيه الحديث وما يتضمنه الكتاب المقدس دليلاً على ذلك، وكلا الأمران ليس بدليل:
فمن الأول: قوله ﷺ: لم يتكلم في المهد إلاَّ ثلاثة: عيسى ابن مريم، وصاحب جُرَيج، وكان جُرَيج رجلاً عابداً، فاتخذ صومعةً فكان فيها، فأتته أمه وهو يصلي، فقالت: يا جُرَيج، فقال: يا رب، أمي وصلاتي، فأقبَلَ على صلاته، فانصرفت، فلمَّا كان من الغد أتته وهو يصلي، فقالت: يا جُرَيج، فقال: يا رب، أمي وصلاتي، فأقبل على صلاته، فانصرفت، فلما كان من الغد أتته وهو يصلي، فقالت: يا جُرَيج، فقال: أي رب، أمي وصلاتي، فأقبل على صلاته، فقالت: اللهم لا تمته حتى ينظر إلى وجوه المومسات، فتذاكر بنو إسرائيل جُرَيجاً وعبادته، وكانت امرأةٌ بغيٌّ يُتمثَّل بحسنها، فقالت: إن شئتم لأفتنَّنَه لكم، قال: فتعرضت له، فلم يلتفت إليها، فأتت راعياً كان يأوي إلى صومعته، فأمكنته من نفسها، فوقع عليها، فحملت، فلمَّا ولدت قالت: هو من جُرَيج، فأتوه، فاستنزلوه وهدموا صومعته، وجعلوا يضربونه، فقال: ما شأنكم؟ قالوا: زنيت بهذه البغي، فولدت منك، فقال: أين الصبي؟ فجاؤوا به، فقال: دعوني حتى أصلي، فصلَّى، فلمَّا انصرف أتى الصبيَّ، فطعن في بطنه وقال: يا غلام من أبوك؟ قال: فلان الراعي، قال: فأقبلوا على جُرَيج يقبلونه ويتمسحون به، وقالوا: نبني لك صومعتك من ذهب، قال: لا، أعيدوها من طين كما كانت، ففعلوا. وبَيْنا صبيٌّ يرضع من أمه، مرَّ رجلٌ راكب على دابةٍ فارهةٍ، وشارةٍ حسنةٍ، فقالت أمُّه: اللهم اجعل ابني مثل هذا، فترك الثدي وأقبل إليه، فنظر إليه، فقال: اللهم لا تجعلني مثله، ثم أقبل على ثديه فجعل يرتضع، قال: فكأني أنظر إلى رسول الله ﷺ وهو يحكي ارتضاعه بإصبعه السبابة في فمه، فجعل يمصها. قال: ومَرُّوا بجارية وهم يضربونها ويقولون: زنيت سرقت، وهي تقول: حسبي الله ونعم الوكيل، فقالت أمه: اللهم لا تجعل ابني مثلها، فترك الرضاع ونظر إليها، فقال: اللهم اجعلني مثلها، فهناك تراجعَا الحديث، فقالت: حَلْقى مَرَّ رجل حسن الهيئة فقلتُ: اللهم اجعل ابني مثله، فقلتَ: اللهم لا تجعلني مثله، ومَرُّوا بهذه الأَمَة وهم يضربونها ويقولون زنيت، سرقت، فقلتُ: اللهم لا تجعل ابني مثلها، فقلتَ: اللهم اجعلني مثلها، قال: إن ذاك الرجل كان جباراً، فقلت: اللهم لا تجعلني مثله، وإن هذه يقولون لها زنيت ولم تزن، وسرقت ولم تسرق، فقلتُ: اللهم اجعلني مثلها (صحيح البخاري 3253، صحيح مسلم 2559) وحلْقَى وحلقاً: معناه أَنه دُعِيَ عليها أَن تئيم من بعلها فتْحْلِق شعرها، ويضرب ذلك مثلاً للمرأَة إِذا كانت مؤْذِية مشؤُومة. وقد علّق أحد العقلانيين على هذا الحديث قائلاً: هذه الخرافة غير مقبولةٍ، حتى لو كُتبت في كتاب للأساطير الشعبية؛ لأنها من الخرافات الإسرائيلية التي نهى الله سبحانه المؤمنين أن يستمعوا لمثلها (الحديث والقرآن: ابن فرناس 80). ولم يُبْدِ أيَّ دليلٍ يدعم قوله.
ولعله إنما استشكل هذا الحديث فنسبه إلى الإسرائيليات لأن فيه إثباتاً لحديث الرضيع، وهو مخالف للسنة الكونية؛ إذ المعتاد أن لا يتكلم الرضيع إلاَّ بعد بلوغه سنَّاً معينةً، لكن هذا الذي استنكره غير ممتنعٍ شرعاً، وهو واقعٌ فعلاً، فقد تكلم عيسى ابن مريم وهو في المهد، وإذا ما استرسلنا في إنكار كل ما يخرق المألوفات فإنا سننكر كثيراً من آيات الكتاب الحكيم كنار سيدنا إبراهيم، وعصا سيدنا موسى، وشقّ البحر.
المثال الثاني: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفاً بغير حساب، قالوا: ومن هم يا رسول الله؟ قال: هم الذين لا يكتوون ولا يسترقون، وعلى ربهم يتوكلون. فقام عكاشة فقال: ادع الله أن يجعلني منهم، قال: أنت منهم، قال: فقام رجل فقال: يا نبي الله، ادع الله أن يجعلني منهم، قال: سبقك بها عكاشة (صحيح البخاري 5420، صحيح مسلم 216)، فجعل أحد العقلانيين هذا الحديث من الإسرائيليات لأنَّ الدين الإسلامي لا يجعل وسيطاً بين العبد وربه، ويسوق دليلاً على أن هذا الحديث من الإسرائيليات قصةً منسوبةً لإسحاق بن إبراهيم: عندما طلب من ابنه البكر عيسو أن يأتي بقربان حتى يدعو له ويباركه، علمتْ بذلك زوجته التي تحب ابنه الأصغر يعقوب أكثر من ابنه الأكبر، فجعلته يخدع أباه الضرير، فيأتي بقربانٍ، فيدعو له الأبُّ ظنًّا منه أنه عيسو، وعندما عاد عيسو وقدَّم القربان لأبيه أدركَ الأب أنه وقع في مكيدةٍ، فطلب منه عيسو أن يدعو له، فقال: لا أستطيع أن أدعو لك وأباركك؛ لأني سبق أن دعوت لأخيك يعقوب قبلك (سفر التكوين 27: 16)، وهذا هو منطق التوراة وليس منطق القرآن، وهذا الأسلوب غير موجود في الإسلام أبداً، إذاً فمصدر الحديث وصاحبه من أهل الكتاب (دين السلطان: عز الدين نيازي 166).
فهل مجرد التشابه بين الحادثتين في جزئية ما كافٍ لادعاء أن إحداهما أصل للأخرى؟ إنَّ دعوى إسرائيلية هذا الحديث قائمة على دعامتين:
الأولى: ادعاء أن الحديث يُثبت واسطةً بين العبد وربه، وهذا ليس من الإسلام. وهو زعم بُني على فهمٍ خاطئٍ، فليس في الحديث ما يدل على أن الرسول ﷺ كان واسطةً لعُكَّاشة لدخول الجنة، بل هو أخبر أن عكاشة من أهل الجنة الذين يدخلونها بغير حسابٍ، وهذا من إطْلاع الله له بما سيكون، ومتوافقٌ مع قوله تعالى: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ﴾ ـ الجن 26، 27ـ.
الثانية: الحادثتان مختلفتان، فالرسول ﷺ امتنع عن أن يدعو للصحابي الثاني أن يكون ممن يدخل الجنة بغير حساب، ولعل ذلك لأنَّ الله أطلعه على أن هذا الصحابي لن يدخل الجنة بدون حساب، أو لغير ذلك، بينما تتضمن حادثة إسحاق وأبنائه تعميداً وتبريكاً ليسا في الإسلام أصلاً، وحتى لو تشابهت الحادثتان في تلك الجزئية، فإن ذلك لا يدل على أن مصدرهما واحدٌ، بل قد يدل التشابه على أنَّ كلا النصين وحيٌ من الله تعالى، فينقلب التشابه دليلاً على أن السنة وحيٌ كما التوراة والإنجيل.

ثانياً: موقف علماء الإسلام من الإسرائيليات
تنقسم الأخبار الإسرائيلية إلى أقسام ثلاثة، هي:
أ. ما يُعلم صحته: أي نُقِل عن النبي ﷺ نقلاً صحيحاً، كتعيين اسم صاحب موسى عليه السلام بأنه الخضر، أو كان له شاهد من الشرع يؤيده.
ب. ما يُعلم كذبه: كأن يناقض الشرع، أو لا يتفق مع العقل، وهذا لا يصح قبوله ولا روايته.
ج. ما هو مسكوتٌ عنه، لا هو من قبيل الأول، ولا هو من قبيل الثاني، فنتوقف فيه، فلا نؤمن به ولا نُكذِّبه، وتجوز حكايته؛ دون إعطائه وصفاً. قال ﷺ: «لا تصدقوا أهل الكتاب، ولا تكذبوهم، وقولوا: ﴿آمنا بالله وما أنزل﴾»، وقوله ﷺ: «ما حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم، ولا تكذبوهم، وقولوا: آمنا بالله ورسله، فإن كان باطلاً لم تصدقوه، وإن كان حقاً لم تكذبوه» (سنن أبي داود 3644).
** ** ** **
أشهر رجالات اليهود الذين روي عنهم الحديث
عبد الله بن سلام ووهب بن منبه وكعب الأحبار.
● عبد الله بن سلام: هو حَبْر يهود بني قينقاع، أسلم مَقْدَم النبي ﷺ إلى المدينة، قال الذهبي (ت: 748 هـ): الإمام الحَبْر، المشهود له بالجنة، حليف الأنصار، من خواص أصحاب النبي ﷺ (سير أعلام النبلاء 2 / 414)، وقال النووي (ت: 676 هـ): كان اسمه في الجاهلية حصيناً، فسماه رسول الله ﷺ: عبد الله (شرح النووي على مسلم، كتاب فضائل الصحابة 16 / 34).
وبشارة النبي ﷺ له أنه عاشِرُ عشرةٍ في الجنة، أخرجها الترمذي من حديث معاذ بن جبل مرفوعاً في سننه (3804) وقال: حسن صحيح غريب.
تُوفي في المدينة في خلافة معاوية سنة ثلاث وأربعين.
فعبد الله بن سلام كان من خيار أصحاب رسول الله ﷺ، ومن علماء أهل الكتاب الذين
جمعوا علم التوراة وعلم الإنجيل، وأجمع الأئمة وعلماء الحديث على عدالته وثقته، ولهذا اعتمده البخاري وغيره من أهل الحديث، مما يدل على مبلغ علمه وسلامة دينه. فكيف يكون دسيسة على الإسلام والمسلمين، وأن يكون قد أسلم خِداعاً لينفث سمومه؟ ولو كان كذلك لكان رسول الله ﷺ أول المخدوعين فيه يوم أن جاءه مسلماً، ولو خُدِع رسول ﷺ فيه أول الأمر لما ظل مخدوعاً، لأنَّ الله تعالى ما نبهه على ذلك، فالقرآن كان يتنزل عليه صباح مساء، ويكشف له كثيراً من أحوال المنافقين وخباياهم، وعيَّن له أسماءهم، فأخصَّ الرسولُ ﷺ حذيفة بنَ اليمان حافظ الأسرار، بأسمائهم كافة، ولم يفش حذيفة بهذا السر لأحد.
وأمَّا ما صح عن عبد الله بن سلام من بعض الروايات الإسرائيلية فلا يغض ذلك من شأنه وعلمه، فهي على قلتها، كانت من قبيل ما أذن الرسول ﷺ في روايته، ولا يخدش ذلك في عدالته أو يضعف الثقة فيه. أمَّا ما نُسب إليه كذباً من إسرائيليات ـ بقصد ترويجها ـ فليس ذلك ذنبه، بل ذنب من نسبها إليه. وكم وضع الوضاعون من أحاديث ونسبوها إلى رسول الله ﷺ، وهو خيرٌ منه، فما حط ذلك من قدر الرسول ﷺ ولا غض من مقامه.
وقد طنطن العلمانيون حول حديث عبد الله بن سلام في رجم الزانيين في التوراة، عندما أتى اليهود برجل وامرأة زنيا، فسألهم النبي ﷺ عن حكم الزنا في التوراة، فقالوا: لماذا سألهم النبي ﷺ عن ذلك؟ أليس الواجب أن يكون عالماً بقولهم فى ذلك؟
والجواب: إنَّ سؤاله لهما عن حكم الزنى في التوراة ليس سؤال استفهام بل هو سؤال تقرير وإلزام. قال النووي (ت: 676 هـ): قال العلماء هذا السؤال ليس لتقليدهم ولا لمعرفة الحكم منهم، إنما هو لإلزامهم بما يعتقدونه في كتابهم. ولعله قد أوحي إليه أن الرجم في التوراة الموجودة في أيديهم لم يغيروه، أو أخبره من أسلم منهم. فهو لا يعلم عن الديانات السابقة والكتب القديمة إلاَّ ما أخبره الله به في القرآن وقصَّه عليه أو أخبره به بعض من أسلم من أصحاب تلك الديانات (شرح النووي على مسلم 11 / 351).
** ** ** **
● وهب بن منبه الصنعاني: وُلد في زمن عثمان بن عفان سنة أربع وثلاثين، وتوفي سنة (114 هـ)، وعداده في الطبقة الثالثة من خيار ثقات التابعين. قال الذهبي (ت: 748 هـ): كان ثقة صادقاً، كثير النقل من كتب الإسرائيليات (سير أعلام النبلاء 4 / 545). أخرج له الشيخان، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، في التفسير. وروى عن حبر الأمة عبد الله بن عباس، وأبي هريرة، وأبي سعيد الخدري، والنعمان بن بشير، وجابر بن عبد الله، وابن عمر، وعبد الله بن عمرو بن العاص على خلاف فيه. لكن روايته للمسند قليلة، وإنما غزارة علمه في الإسرائيليات ومن صحائف أهل الكتاب. فما رواه من أخبار بني إسرائيل، لم يسنده إلى رسول الله ﷺ، ولم يكذب فيه على أحد من المسلمين، وإنما كان يرويه على أنه من الإسرائيليات، ويحكيه غير مصدق له، فموقفه منها كموقف الصحابة، فما جاء على وفق الشرع صدقوه، وما خالفه كذبوه، وما لم يوافق أو يخالف الشرع توقفوا فيه وردوا فيه علمه إلى الله عز وجل. مع ملاحظة أن ليس كل ما نُسب إليه صحيحاً، فقد اختلق الوضاعون عليه أشياء كثيرة، واتخذوه مطية لترويج الكذب وإذاعته بين الناس، مستغلين شهرته العلمية الواسعة بما في كتب أهل الكتاب، ثم تناقل هذه الأخبار بعض القصاص والمؤرخين والأدباء، وبعض المفسرين على أنها حقائق، من غير أن يتثبتوا من صحة نسبتها إلى من عزيت له، قال الشيخ أحمد محمد شاكر (ت: 1377هـ/ 1958 م): وبعض أهل عصرنا تكلم فيه عن جهل، ينكرون أنه يروي الغرائب عن الكتب القديمة، وما في هذا بأس، إذ لم يكن ديناً، ثم أنى لنا أن نوقن بصحة ما روي عنه من ذلك وأنه هو الذي رواه وحدَّث به (شرح مسند ابن حنبل 2967).
** ** ** **
● كعب الأحبار: هو كعب بن ماتع الحِميري. تابعي كبير ثقة، قدم المدينة من اليمن في أيام عمر، فجالس الصحابة، فكان يحدثهم عن الكتب الإسرائيلية، ويحفظ عجائب، ويأخذ السنن عنهم. وكان حسن الإسلام، أخرج له البخاري ومسلم وغيرهما، وترجمه ابن سعد في الطبقة الأولى من تابعي أهل الشام، قال النووي (ت: 676 هـ): اتفقوا على كثرة علمه وتوثيقه (تهذيب الأسماء واللغات 1 / 2 / 68)، فما كان دسيسة يهودية تستر بالإسلام - كما زعم الزاعمون -.
أمَّا قول معاوية في حقه: «إن كان من أصدق هؤلاء المحدثين الذين يحدثون عن أهل الكتاب، وإنْ كنا مع ذلك لنبلو عليه الكذب»، فليس مراد معاوية بالكذب ههنا الافتراء، وإنما المراد به الخطأ في النقل عن أهل الكتاب، وهو مثل قول النبي ﷺ: «كذب أبو السنابل»، أي أخطأ. ومنه قول الأخطل:
كَذَبَتْكَ عَيْنُك، أَم رأَيتَ بواسطٍ * غَلَسَ الظَّلامِ، مِن الرَّبابِ، خَيَالا
وقال ابن حِبان (ت: 354 هـ) في كتاب «الثقات»: أراد معاوية أنه يخطئ أحياناً فيما يخبر به ولم يرد أنه كان كذاباً. وقال ابن الجوزي (ت: 597 هـ): المعنى أن بعض الذي يخبر به كعب عن أهل الكتاب يكون كذباً، لا أنه يتعمد الكذب، وإلاَّ فقد كان كعب من أخيار الأحبار (فتح الباري 13 / 345 كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة). فهذا الكلام غير خادش في ثقة كعب وعدالته، بل فيه تزكية وثناء عليه أنه أصدق المحدثين عن أهل الكتاب، لكن في بعض الأخبار التي ينقلها بأمانة ما لا يطابق الواقع، فالكذب حينئذ مضاف إلى تلك الكتب التي ينقل عنها لا إليه. وقال ابن كثير (ت: 774 هـ): يعني فيما ينقله، لا أنه كان يتعمد نقل ما ليس في صحفه، ولكن الشأن في صحفه أنها من الإسرائيليات التي غالبها مبدل مصحف محرف مختلق، ولا حاجة لنا مع خبر الله تعالى ورسول الله ﷺ إلى شيء منها بالكلية، فإنه دخل منها على الناس شر كثير وفساد عريض (تفسير القرآن العظيم 3 / 129).
ختاماً:
ما هو العقل الذي يريدونه؟ وما هي حدوده؟ وما مدى الاتفاق عليه؟
هل يعنون ما يقبله العقل من بدهيات الأمور، وهو أمرٌ واقع في تاريخ الحديث؟ فأئمة النقد اشترطوا لمعرفة الحديث الموضوع «أن يكون متنه مخالفاً لبداهة العقول، وللمقطوع به من الدين أو التاريخ أو الطب أو غير ذلك» وعلى هذا نفوا آلافاً من الأحاديث وحكموا عليها بالوضع.
ولئن كان يريدون ما يستغربه «العقل»، فـ «استغراب» العقل أمرٌ نسبي يتبع الثقافة والبيئة، وغير ذلك، مِمَّا لا يضبطه ضابط ولا يحدده مقياس. وكثيراً ما يكون الشيء مستغرباً عند إنسان، طبيعياً عند إنسان آخر.
كما ليس في الإسلام ما يرفضه العقل ويحكم باستحالته، لكن فيه - كما في كل دين سماوي - أمور قد «يستغربها» العقل، ولا يستطيع أن يتصورها، كأمور النبوات والحَشْر والنشر، والجنة والنار. مما يوجب الاستيثاق من الحديث للوصول إلى الاطمئنان في صدقه أو كذبه.
وطريق التيقن (أو العلم) أحد أمور ثلاثة:
1 الخبر الصادق الذي يتيقن السامع من صِدْقِ مُخْبِرِه، كأخبار الله في كتبه وأخبار الأنبياء.
2 التجربة والمشاهدة، بعد التأكد من سلامة التجربة فيما يقع تحت التجربة والاختبار.
3 حكم العقل فيما ليس فيه خبر صحيح ولا تجربة مشاهدة.
والقرآن الكريم وضع هذه القواعد الثلاثة لتحقق «العلم» أو اليقين، في قوله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} ـ الإسراء 36ـ.
وجاءت مرتبة هكذا: الخبر الصادق (السمع) ثم التجربة (البصر) ثم المحاكمة العقلية (الفؤاد)، فهي (العناصر) الثلاثة التي ينشأ عنها كل علم.
فما يقوم على غير هذه العناصر، لا يسمى «علماً» بل هو إما الظن «غلبة احتمال الشيء»، وإما الوهم والخيال.
والغيبيات التي هي مرتكزات أصول العقيدة، لا بد فيها من العلم وهو «التَيَقُّن الجازِم المُطَابِق للواقع عن دليل» كالإيمان بالله وصفاته، والنبوات والأنبياء، والملائكة، والجنة والنار.
وما كان منها، من فروع الشريعة كـ (الأحكام العملية) فيكفي فيها الظن، لأن اشتراط العلم فيها غير متحقق في كثير منها، وهذا مُسَلَّمٌ به لدى الدارسين للشريعة وعلومها. والأحاديث التي صَحَّحَها علماء هذا الفن، ليس فيها ما يرفضه العقل أو يحيله لأنها إمَّا أن تتعلق بأمور العقيدة، وهذه يجب أن تتفق مع القرآن، وقلنا إن ليس في القرآن شيء يحكم العقل بفساده أو بطلانه أو استحالته، وإما أن تتعلق بالأحكام الشرعية من عبادات ومعاملات وآداب وغيرها، وليس في حديث من هذه الأحاديث التي صَحَّحَها علماؤنا ما يرفضه العقل أو يحكم باستحالته، وإمَّا أن تكون أخباراً عن الأمم الماضية أو أخباراً عن عالم الغيب مِمَّا لا يقع تحت النظر كشؤون السماوات والحشر والجنة والنار، وهذه ليس فيها ما يحكم العقل ببطلانه، وقد يكون فيها ما لا يدركه العقل فيستغربه. فإذا جاءت عن طريق ثابت يفيد القطع فيجب اعتقادها، وإن جاءت عن طريق يفيد غلبة الظن فليس من شأن المسلم أن يبادر إلى تكذيبها.
وبهذا نرى أن فريقاً كبيراً من الناس لا يفرقون بين ما يرفضه العقل، وبين ما يستغربه، فَيُسَاوون بينهما في سرعة الإنكار والتكذيب، مع أن حكم العقل فيما يرفضه، ناشئ من استحالته، وحكم العقل فيما يستغربه، ناشئ من «عدم القُدْرَة على تَصَوُّره» وفرق كبير بين ما يستحيل وبين ما لا يدرك.
وبتتبع التطور العلمي والفكري، نجد أن كثيراً مِمَّا كان غامضاً على العقول أصبح مفهوماً واضحاً، وكثيراً ممَّا كان يعتبر حقيقة من الحقائق صار خرافة من الخرافات، وما كان مستحيلاً بالأمس أصبح اليوم واقعاً. ولو أن إنساناً فكر في مثل هذا في القرون الوسطى أو منذ مائة سنة لعُدَّ من المجانين.
والذين ينادون بتحكيم العقل في صحة الحديث أو كذبه، لا نراهم يُفَرِّقون بين المستحيل، وبين المُستغرَب، فيبادرون إلى تكذيب كل ما يبدو غريباً في عقولهم. وهذا تهور ناتج من اغترارهم بعقولهم من جهة، ومن اغترارهم بسلطان العقل، ومدى صحة حكمه فيما لا يقع تحت سلطانه من جهة أخرى.
ونحن نرى أن أكثر ما يستندون إليه في تكذيب ما صَحَّحه الجمهور، إنما هي أحاديث تتعلق، إمَّا بأخبار الأمم الماضية، وإمَّا بالأمور الغيبية.
** ** ** **
وقصارى القول أَنَّ إنكار حُجِيَّة السُنَّة والادعاء بأن الإسلام هو القرآن وحده لا يقول به مسلم يعرف دين الله وأحكام شريعته تمام المعرفة، وهو يصادم الواقع، فإنَّ أحكام الشريعة إنما ثبت أكثرها بِالسُنَّة، وما في القرآن من أحكام إنما هي مجملة وقواعد كلية في الغالب، قال ابن حزم (ت: 456 هـ): ونسأل قائل هذا القول الفاسد: في أيّ قرآن وَجَد أنَّ الظهر أربع ركعات، وأنَّ المغرب ثلاث ركعات، وأنَّ الركوع على صفة كذا، والسجود على صفة كذا، وصفة القراءة والسلام، وبيان ما يُجْتَنب في الصوم، وبيان كيفية زكاة الذهب والفضة، والغنم والإبل والبقر، ومقدار الأعداد المأخوذة منها الزكاة، ومقدار الزكاة المأخوذة، وبيان أعمال الحج مِنْ وقت الوقوف بعرفة، وصفة الصلاة بها وبمزدلفة، ورمي الجمار، وصفة الإحرام، وما يُجْتَنب فيه، وقَطْع السارق، وصفة الرَّضاع المُحَرَّم، وما يَحْرُم مِنَ المآكل وصِفَتا الذبائح والضحايا، وأحكام الحُدُود، وصفة وُقُوع الطلاق، وأحكام البُيُوع، وبيان الربا، والأقضية والتداعي، والأيمان والأحباس، والعمرى، والصدقات، وسائر أنواع الفقه، وإنما في القرآن جمل لو تركنا وإياها لم ندر كيف نعمل فيها، وإنما المرجوع إليه في كل ذلك، النقل عن النبي ﷺ، وكذلك الإجماع إنما هو على مسائل يسيرة، فلا بُدَّ من الرجوع إلى الحديث ضرورة، ولو أَنَّ امْرُءاً قال: لا نأخذ إلاَّ ما وجدنا في القرآن، لكان كافراً بإجماع الأمة، ولكان لا يلزمه إلاَّ ركعة ما بين دلوك الشمس إلى غسق الليل، وأخرى عند الفجر، لأنَّ ذلك هو أقل ما يقع عليه اسم صلاة، ولا حد للأكثر في ذلك، وقائل هذا كافر مشرك (الإحكام لابن حزم 2/ 79 - 80).


نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
توقيع د. منذر أبوشعر
 تفضل بزيارتي على موقعي الشخصي

http://drmonther.com
د. منذر أبوشعر غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المحدثين, الموضوعات, والإسرائيليات


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 50 : 09 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية

خدمة Rss ||  خدمة Rss2 || أرشيف المنتدى "خريطة المنتدى" || خريطة المنتدى للمواضيع || أقسام المنتدى

|