العز بن عبد السلام من هو ؟؟ تعالو معي لنعرف شي عنه
والعز بن عبد السلام، واحد من هؤلاء الرواد الصادقين، لم تشغلهم مؤلفاتهمووظائفهم عن الجهر بكلمة الحق، وتبصير الناس، ومحاربة البدع، ونصح الحكام، وخوضميادين الجهاد، حتى طغى هذا النشاط على جهدهم العلمي وهم المبرزون في علومه،واقترنت أسماؤهم بمواقفهم لا بمؤلفاتهم، وحمل التاريخ سيرتهم العطرة تسوق إلى الناسجلال الحق وعظمة الموقف، وابتغاء رضى الله، دون نظر إلى سخط حاكم أو تملق محكوم،فهو ينطق بما يعتقد أنه الصواب والحق، غير ملتفت إلى غضب هذا أو رضىذاك.
المولد والنشأة
في دمشق كان مولدعبد العزيز بن عبد السلام المعروف بالعز سنة (577 هـ = 1181م)، وبها نشأ وتلقىتعليمه، وكانت دمشق منذ العصر الأموي حاضرة من حواضر العلم تزخر بالعلماء وتموجفيها الحركة العلمية، ويقصدها العلماء من الشرق والغرب.
ولم يطلب العز العلمصغيرًا مثل أقرانه، وإنما ابتدأ العلم في سن متأخرة، وانتظم في التزام حلقات الدرسوأكب على العلم بشغف ونهم وهمة عالية، فحصل في سنوات قليلة ما يعجز أقرانه عنتحصيله في سنوات طويلة، ورزقه الله الفهم العميق والذكاء الخارق فأعانه ذلك علىإتقان الفقه والأصول، ودراسة التفسير وعلوم القرآن وتلقي الحديث وعلومه، وتحصيلاللغة والأدب والنحو والبلاغة.
وأشهر شيوخ العز ما ذكرهم السبكي في طبقاتالشافعية بقوله: تفقه على الشيخ فخر الدين بن عساكر، وقرأ الأصول على الشيخ سيفالدين الآمدي وغيره، وسمع الحديث من الحافظ أبي محمد القاسم بن عساكر.
الوظائف
اتجه العز إلى التدريس وإلقاء الدروس في مساجددمشق وفي بيته، وفي المدارس التي كانت تتعهدها الدولة، مثل: المدرسة الشبلية،والمدرسة الغزالية بدمشق، وكان في الشيخ حب للدعابة وميل إلى إيراد الملح والنوادريلطف بها درسه وينشّط تلاميذه الذين أعجبوا بطريقته، وبعلمه السيال وأفكارهالمتدفقة وأسلوبه البارع، وسرعان ما طار صيت العز، وطبقت شهرته الآفاق، وقصدهالطلبة من كل مكان، ولما هاجر إلى مصر عمل بالمدرسة الصالحية، وانصرف إلى إلقاءالدروس في المساجد، والتف الناس حوله يجدون فيه عالمًا شجاعًا ومدرسًابارعًا.
الخطابة في الجامع الأموي
ولميكن التدريس فقط ميدانه المحبب، وساحته التي يرمي بأفكاره فيها، ويلتقي بالصفوة منتلاميذه، يمدهم بقبس علمه، وصفاء روحه، وإخلاص نفسه، ويقدم الصورة والمثال لماينبغي أن يكون عليه العالم القدوة من الالتزام والانضباط -وإنما أضاف إلى ذلكمجالاً أرحب بتوليه الخطابة في الجامع الأموي بدمشق سنة (637 هـ = 1239م)، وكانخطيبًا بارعًا، يملك أفئدة السامعين بصوته المؤثر، وكلامه المتدفق، وإخلاصه العميق،ولم يكن يؤثر استخدام السجع المفرط كما كان يفعل أقرانه، ولا يدق مثلهم بالسيفالخشبي على أعواد المنابر، ولا يرتدي السواد، وإنما كان فيه سلاسة ويسر، يبتعد عنالتكلف في الكلام، ويصيب بحديثه الطيب شغاف القلوب، فيعمل فيها ما لا تعمله عشراتالدروس والمواعظ الخالية من الروح، الفقيرة من العاطفة.
وشاء الله أن يخسرالمسلمون في دمشق خطب الشيخ الجامعة، فلم يستمر في الخطابة سوى سنة تقريبًا، وفقدالمنصب بسبب شجاعته وقرعه بالنكير على صنيع الصالح إسماعيل حاكم دمشق، بعد أن وضعيده في يد الصليبيين، وتحالف معهم ضد ابن أخيه الصالح أيوب حاكم مصر، وكان ثمن هذاالحلف أن سلّم لهم صيدا وشقيف وصفد، ولم يكتف الصالح إسماعيل بتصرفه الشائن وإنماسمح لهم بدخول دمشق لشراء السلاح لقتال المسلمين في مصر.
ولم يكن الشيخليسكت عن خطأ أو يسمح بتجاوز في حق الأمة، أو تفريط في ثوابتها؛ فأفتى بحرمة بيعالسلاح للفرنج بعد أن ثبت أنه يُستخدم في محاربة المسلمين، ثم أعقب ذلك بخطبة مدويةفي الجامع الأموي قبح فيها الخيانة وغياب النجدة والمروءة، وذم ما فعله السلطانوقطع الدعاء له بالخطبة.
وما كان من الصالح إسماعيل إلا أن أقدم على عزلالشيخ الجليل عن الخطابة والإفتاء، وأمر باعتقاله، ثم فك حبسه بعد مدة خوفًا منغضبة الناس وألزمه بيته، ومنعه من الإفتاء.
فيالقاهرة
أيقن الشيخ صعوبة الحركة مع حاكم يفرّط في الحقوق، ويقدم علىالخيانة بنفس راضية، فقرر الهجرة إلى بلد يمارس فيها دعوته، ويدعو إلى الله علىبصيرة، عالي الجبين، مرفوع الهامة، فولّى شطره إلى القاهرة، ورفض العودة إلى دمشقبعد أن طلب منه بعض دعاة الصلح أن يترفق بالسلطان، ويلاينه وينكسر له حتى يرضى عنه،وأطلق عبارته الكريمة للساعي إلى الصلح: "يا مسكين ما أرضاه أن يقبّل يدي، فضلا أنأقبل يده، يا قوم أنتم في واد، وأنا في واد، والحمد لله الذي عافاني مما ابتلاكمبه".
وصل الشيخ إلى القاهرة سنة (639 هـ = 1241م) واستقبله الصالح أيوب بمايليق به من الإكرام والتبجيل، وولاه الخطابة في جامع عمرو بن العاص، وعينه في منصبقاضي القضاة، والإشراف على عمارة المساجد المهجورة بمصر والقاهرة، وهي الأعمال التيتناط الآن بوزارة الأوقاف، لكنها كانت تستند في ذلك الوقت إلى القضاة؛ لأمانتهمومكانتهم الدينية والاجتماعية.
بائعالأمراء
قبل الشيخ الجليل منصب قاضي القضاة ليصلح ما كان معوجًا،ويعيد حقًا كان غائبًا، وينصف مظلومًا، ويمنع انحرافًا وبيلا، فلم يكن يسعى إلى جاهوشهرة، وفي أثناء قيامه بعمله اكتشف أن القادة الأمراء الذين يعتمد عليهم الملكالصالح أيوب لا يزالون أرقاء لم تذهب عنهم صفة العبودية، والمعروف أن الملك الصالحأكثر من شراء المماليك وأسكنهم جزيرة الروضة واعتمد عليهم في إقامة دولته وفيحروبه، وهؤلاء المماليك هم الذين قضوا على الدولة الأيوبية في مصر وأقاموا دولتهمالتي عُرفت بدولة المماليك.
وما دام هؤلاء الأمراء أرقاء فلا تثبت ولايتهمونفاذ تصرفاتهم العامة والخاصة ما لم يُحرروا، فأبلغهم بذلك، ثم أوقف تصرفاتهم فيالبيع والشراء والنكاح وغير ذلك مما يثبت للأحرار من أهلية التصرف، فتعطلت مصالحهم،وكان من بين هؤلاء الأمراء نائب السلطان.
وحاول هؤلاء الأمراء مساومة الشيخفلم يفلحوا وأصر على بيعهم لصالح بيت المال، ثم يتم عتقهم ليصبحوا أحرارًا تنفذتصرفاتهم، قائلا لهم: نعقد لكم مجلسًا، ويُنادى عليكم لبيت مال المسلمين، ويحصلعتقكم بطريق شرعي، وما كان ذلك ليرضيهم فرفضوا ورفعوا الأمر إلى السلطان الصالحأيوب، فراجع الشيخ في قراره فأبى، وتلفظ السلطان بكلمة ندَّت منه أغضبت الشيخ، وفهممنها أن هذا الأمر لا يعنيه ولا يتعلق بسلطته، فانسحب الشيخ وعزل نفسه عن القضاء،فما قيمة أحكامه إذا لم تُنفذ، وردها صاحب الجاه والسلطان.
وما أن انتشر خبرما حدث، حتى خرجت الأمة وراء الشيخ العز الذي غادر القاهرة وأدرك السلطان خطورةفعلته، فركب في طلب الشيخ واسترضاه وطيَّب خاطره واستمال قلبه، وطلب منه الرجوعمعه، فوافق العز على أن يتم بيع الأمراء بالمناداة عليهم.
وكم كان الشيخمهيبًا جليلا وهو واقف ينادي على أمراء الدولة واحدًا بعد واحد، ويغالي في ثمنهمحتى إذا ارتفع السعر إلى أقصى غايته وعجز المشترون قام السلطان الصالح أيوب بدفعالثمن من ماله الخاص إلى الشيخ الشجاع الذي أودع ثمنهم بيت مال المسلمين، وكانت هذهالوقعة الطريفة سببا في إطلاق اسم بائع الملوك على الشيخ المهيب.
مع الظاهر بيبرس
وتكرر هذا الأمر منه عند بيعة الظاهربيبرس حين استدعى الأمراء والعلماء لبيعته، وكان من بينهم الشيخ العز، الذي فاجأالظاهر بيبرس والحاضرين بقوله: يا ركن الدين أنا أعرفك مملوك البندقدار -أي لا تصحبيعته؛ لأنه ليس أهلا للتصرف- فما كان من الظاهر بيبرس إلا أن أحضر ما يثبت أنالبندقدار قد وهبه للملك الصالح أيوب الذي أعتقه، وهنا تقدَّم الشيخ فبايع بيبرسعلى الملك.
وكان الظاهر بيبرس على شدته وهيبته يعظم الشيخ العز ويحترمه،ويعرف مقداره، ويقف عند أقواله وفتاواه، ويعبر السيوطي عن ذلك بقوله: وكان بمصرمنقمعًا، تحت كلمة الشيخ عز الدين بن عبد السلام، لا يستطيع أن يخرج عن أمره حتىإنه قال لما مات الشيخ: ما استقر ملكي إلا الآن.
مؤلفاته وجهوده العلمية
تعددت مساهمات العز بن عبدالسلام في الإفتاء والخطابة والقضاء والتدريس والتأليف، وله في كل إسهام قدم راسخةويد بيضاء، وانتهت إليه في عصره رياسة الشافعية، وبلغت مؤلفاته ثلاثين مؤلفًا، وهيدليل نبوغ فذ وقدرة عالية على أن يجمع بين التأليف وأعماله الأخرى التي تستنفدالجهد وتفنى الأعمار فيها، لكنه فضل الله يؤتيه من يشاء، فاجتمع له من الفضل ما لميجتمع إلا للأفذاذ النابغين من علماء الأمة.
وشملت مؤلفاته التفسير وعلومالقرآن والحديث والسيرة النبوية، وعلم التوحيد، والفقه وأصوله والفتوى. ومن أشهركتبه: قواعد الأحكام في مصالح الأنام، والغاية في اختصار النهاية في الفقه الشافعي،ومختصر صحيح مسلم، وبداية السول في تفضيل الرسول، والإشارة إلى الإيجاز في بعضأنواع المجاز، وتفسير القرآن العظيم، ومقاصد الصلاة، ومقاصد الصوم.
وفاته
طال العمر بالعز بن عبد السلام، فبلغ ثلاثةوثمانين عاما قضى معظمها في جهاد دائم بالكلمة الحرة، والقلم الشجاع، والرأيالثاقب، وحمل السلاح ضد الفرنج؛ للمحافظة على حقوق الأمة حتى لقي ربه في (10 منجمادى الأولى 660 هـ = 9 من إبريل 1066م).
من مصادر الدراسة:
ابن شاكر الكتبي: فوات الوفيات – تحقيق إحسان عباس – دار صادر – بيروت – بدون تاريخ.
عبد الوهاب السبكي: طبقات الشافعية الكبرى – تحقيق محمود محمد الطناحي وعبد الفتاح الحلو – مطبعة عيسىالبابي الحلبي – القاهرة – (1383هـ=1964م) وما بعدها.
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|