تمكنت القوات الأمريكية من تحقيق بعض النجاحات في العراق وذلك من خلال تبنيها لتكتيكات جديدة في مواجهة التمرد، بما فيها استخدام خدمات علماء الأنتربولوجيا (الإناسة). حتى أن المرشح الجمهوري جون ماك كاين لانتخابات نوفمبر الرئاسية كان قد صرح بأن الولايات المتحدة هي في طريقها نحو ربح المعركة. ولكن هذه الادعاءات بالانتصار ليست إلا حجاب من الدخان يحاول من وراءه الرئيس جورج بوش تبريرالوجود الأمريكي في بلاد الرافدين.
فبحسب تقرير أمريكي، في غضون سنتين، انتقل عدد الضحايا في صفوف المدنيين العراقيين، من حد أقصى بلغ 000 3 شخص في نوفمبر 2006 وصولا إلى 700 في ديسمبر 2007، وبالنسبة لجنود التحالف انتقل من معدل 300 جندي شهريا في نهاية العام 2006 (130 في مايو 2007) إلى حوالي العشرين في نهاية العام المنصرم. كما انخفض عدد الاعتداءات الكبيرة (السيارات المفخخة، العمليات الانتحارية، إلخ) من 130 في يونيو 2007 إلى 40 في ديسمبر 2007. أخيرا، وفي حين قتل 200 2 شخص في ديسمبر 2006 في أعمال عنف طائفية، انخفضت الحصيلة نفسها إلى حوالي 200 في نوفمبر 2007. وقد حمل هذا النجاح الإدارة إلى الإعلان عن انسحاب تدريجي لـ000 5 جندي شهريا ـ وهو قد بدأ جزئيا: إذ ستنتقل القوات الأمريكية من حد أقصى بلغ 170 ألف جندي وصولا إلى 130 ألف قبل الصيف.
مع ذلك، وفي نهاية العام 2006، بدا وضع الجيوش الأميركية في العراق معرضا للخطر بصورة جدية، وكان الضغط الذي مارسه الرأي العام للانسحاب السريع قويا، وهذا ما أكد عليه انتصار الديمقراطيين في انتخابات الكونجرس في نوفمبر. وقد أصدرت اللجنة الثنائية التي ترأسها وزير الخارجية السابق جيمس بيكر والرئيس السابق للجنة الشئون الخارجية التابعة لمجلس النواب لي هاملتون، حكما قاسيا جدا على سياسات واشنطن. فقد اقترحت تغييرا للوجهة، وانسحابا تدريجيا للجيش الأمريكي، إضافة إلى فتح حوار مع سوريا وإيران، وأخذ المشكلة الفلسطينية بعين الاعتبار.
مع ذلك الضغط، فإن الرئيس بوش قد رفض التنازل. واتخذ وجهة مختلفة، تعتمد على إرسال فرق إضافية وتعزيزها في منطقة بغداد من أجل إعادة الأمن إليها.
فهل كان هذا الخيار هو الأفضل، كما يدعي السيد بوش في خطابه حول وضع الاتحاد؟ لا شك أن وصول 30 ألف جندي قد حسن الوضع الأمني في العاصمة. ومما ساهم في الحد من عدد الاعتداءات القيام ببناء الجدران لفصل الأحياء السنية والشيعية، وتخفيف الاحتكاكات الطائفية، ومضاعفة حواجز التفتيش. ومع أن المقارنة ليست بحجة، يمكننا الإشارة إلى أن الجيش الفرنسي كان قد فاز بـ"معركة الجزائر" في العام 1957، من خلال تعزيز قواته، لكن هذا لم يمنعه من أن يخسر الحرب.
عنصران إضافيان سهلا عملية الحد من العنف في العراق. الأول هو وقف إطلاق النار الأحادي الجانب الذي أعلن عنه السيد مقتدى الصدر في أغسطس 2007. لكن وقف إطلاق النار هذا يبقى هشا، ما دامت أهداف السيد الصدر والولايات المتحدة متعارضة.
العنصر الثاني، وهو الأكثر حسما في انخفاض نسبة الاعتداءات، كان التقارب بين الطائفة السنية والولايات المتحدة، الذي تسارع في ربيع العام 2007 وتضمن خطوتين: من جهة، مول المحتل القبائل بشكل كبير من أجل الحصول على تحالفهم، ومن جهة أخرى عقد اتفاقيات مع مجموعات مقاومة معادية لأميركا. وتضم هذه الحركات التي يدعوها البعض "الصحوة" والتي تسميها واشنطن، بصورة مخاتلة، "مواطنين محليين معنيين"، عشرات آلاف المسلحين (60 ألف على الأرجح).
تختلف حوافز هؤلاء: أولا وخصوصا، رفض تنظيم "القاعدة"، وتطرفه، ورغبته في فرض "دولة إسلامية" متشددة بشكل مفرط، لا تتوازن أهدافها "العالمية" مع أهدافهم، ومن جهة أخرى، تبحث هذه المجموعات، من خلال تحالفها الضمني مع الولايات المتحدة، إلى موازنة "الخطر الشيعي"، أخيرا، يشكل المال محفزا قويا لقادة القبائل. وتظهر نتائج هذا "التحول" جلية، بحسب تقرير الصحافي باتريك كوكبورن: مدينة الفلوجة، "التي لا تزال العديد من مبانيها مدمرة منذ أن استولت عليها قوات البحرية الأمريكية في نوفمبر 2004، هي أكثر هدوءا بكثير مما كانت عليه منذ ستة أشهر. ومحاربو القاعدة الذين كانوا يسيطرون على المدينة إما رحلوا، أو تخفوا".
لكن هذا التحالف الغريب يبقى هشا هو أيضا. أولا لأن مجموعات المقاومة التي تحالفت مع الولايات المتحدة لا تزال معادية، بشكل عميق، للمشروع الأمريكي ولأي تواجد دائم لجيوشه. وثانيا، لأن تلك الحركات السنية المسلحة تعارض الحكومة المركزية التي تسيطر عليها الأحزاب الشيعية، كما يشير إلى ذلك تزايد المواجهات في بغداد ومناطق أخرى سنية بين الميليشيات "الحليفة" للولايات المتحدة والشرطة أو الجيش العراقيين، ذوي الغالبية الشيعية.
كذلك لا توجد أية سلطة مركزية للاستفادة من النجاحات الأمريكية. وقد أدى التحالف بين الولايات المتحدة والميليشيات السنية إلى تفاقم عملية تفتت السلطة. وتسارعت وتيرة "التطهير الطائفي" في العديد من المناطق، ومنها العاصمة بغداد، الأمر الذي ساهم ـ مع إضعاف "القاعدة" وتحالف المجموعات المسلحة السنة وحصار الأحياء عبر بناء الجدران ـ في خفض المواجهات بين الطوائف. مع ذلك، لم يحقق هذا الانقسام حيزا أكبر من الاستقرار على المستوى الإقليمي أو المحلي.
وتسهيلا لإعادة دمج السنة، مارست الولايات المتحدة ضغطا على السلطات الرسمية، وفي نهاية يناير وبداية فبراير، اعتمد البرلمان العراقي ثلاثة قوانين. الأول يتعلق بـ"اجتثاث البعث"، والثاني ينص على عفو جزئي عن عشرات آلاف المساجين (غالبيتهم من السنة)، أما الثالث فيحدد امتيازات السلطات المحلية وانتخابها في الأول من أكتوبر المقبل، وهو الأمر الذي قد يعطي للسنة دورا أكبر في المناطق التي يشكلون فيها الأغلبية أو في المناطق المختلطة.
مع ذلك، سيكون من الصعب تنفيذ هذه القرارات، للعداء بين القوى السياسية، ولضعف سيادة القانون. فمثلا، رفض نائب الرئيس (السني) طارق الهاشمي، التوقيع على النص المتعلق بـ"اجتثاث البعث" لأنه، خلافا للهدف المعلَن، يمكن لهذا القانون السماح بطرد المزيد من الأعضاء السابقين في البعث من جهاز الدولة.
فمن الذي يربح في العراق؟ ، ليس العراقيون على أية حال. لا شك أنه سيستحيل تحديد الكلفة البشرية لهذه الحرب بالأرقام، ومن المعبر أنه لم تتم المبادرة إلى أي جهد جدي لإحصاء القتلى العراقيين، في حين نعلم بشكل دقيق عدد الجنود الأمريكيين الذين سقطوا في الحرب (3967 في 20 فبراير 2008). وقد بات الأمر يقتصر على التقديرات التي تتوافق جميعها على نقطة واحدة، هو حجم الكارثة.
حيث يترافق التقهقر الأمني مع تقهقر للحياة اليومية. فإضافة إلى مراوحة إنتاج النفط حول المستوى الذي كان قد بلغه قبل الحرب، تنقطع الكهرباء لعدة ساعات يوميا، و70 % من السكان لا يمكنهم الحصول مباشرة على مياه الشرب، والمستشفيات غير ممونة، والأطباء قد هاجروا، الخ. ويقارب عدد اللاجئين والنازحين الأربعة ملايين – أي أنها الكارثة الإقليمية الأكبر منذ حرب أفغانستان في الثمانينات.
بعد بضعة أشهر على اجتياح العراق، كتب جان فرانسوا ريفيل: "هنالك كره معمم للأجانب لدى العراقيين، كما في سائر الدول العربية. وهو يستهدف الغربيين بشكل خاص، نجد أنفسنا أمام شعب عاجز عن حكم نفسه، وهو في الوقت نفسه لا يريد من الآخرين أن يهتموا به". كان هذا الممثل البارز لليمين التقليدي، المتوفى فيما بعد ، يستهجن عدم استقبال العراقيين لمحرريهم بالزهور.
وكان أول من فوجيء هم القادة الأمريكيون أنفسهم. فقد كانوا عاجزين عن فهم المشاعر الوطنية العراقية، ورفضهم ـ على الرغم من كراهيتهم لصدام حسين ـ لأي شكل جديد من الاستعمار، وهو رفض متجذر في تاريخ مؤلم من الاحتلال البريطاني الطويل. لم يستمع البيت الأبيض إلى العراقيين في العام 2003. فهل هو مستعد للقيام بذلك اليوم؟ الأمر ليس مؤكدا على الإطلاق.
سمحت الانتصارات التي حققتها الولايات المتحدة في العراق خلال الأشهر الأخيرة، مهما كانت جزئيّة، بالتخفيف من ضغط الرأي العام الأمريكي على إدارة بوش من أجل سحب الجيوش، وأدت أيضا إلى إضعاف الانتقادات الدولية. واقتصر النجاح الأساسي الذي حققه السيد بوش على تحويل السجال إلى داخل الولايات المتحدة نفسها. ففي العام 2006، بدا الفشل محتما، في حين يروق للبعض اليوم الإيمان بالنصر. بهذه الطريقة، يأمل الرئيس تقييد خلفه وحمله على الاستمرار في الوجهة نفسها، علما بأنها طريق مسدود. خصوصا وأن التقدم الذي يحرزه السيد باراك أوباما، وهو مرشح معاد لإبقاء وجود الجيوش الأمريكية في العراق، يظهر بأن السيد بوش ليس متأكدا من النجاح، حتى على الصعيد الداخلي.