أبعاد النكبة.Baruch Kimmerling, Joel S. Migdal
في الفترة الممتدة بين الشهر الأخير من سنة 1947 و الشهور الأربعة و النصف الأولى من سنة 1948،كفت المجموعة العربية الفلسطينية عن الوجود ككيان اجتماعي وسياسي في عملية لم يتمكن لا اليهود ولا العرب من توقعها مسبقا؛ لا اليهود ، بأحلامهم السياسية الأكثر تفاؤلا ولا العرب في كوابيسهم الاجتماعية الأكثر فظاعة.
أكثر من 350قرية وحيا غدت أثرا بعد عين، وابيدت الحياة المدينية في المدن الساحلية بصورة شبه نهائية (كادت الحرب والخروج إلى المنفى يقضيان على سكان يافا كلهم ، بحيث لم يبق من 70 إلى 80ألف الذين سكنوها سوى ثلاثة إلى أربعة آلاف نسمة فقط).
من بين مليون و 400000عربي كانوا مواطنين في فلسطين اقتلع نصفهم وتحولوا لى لاجئين من مختلف الأنواع.
كان هذا"الطوفان" على حد تعبير معين بسيسو مقرونا بإضعاف مفاجئ وحاد للمحورين اللذين بلورا طابع الفلسطينيين الخاص في الأعوام المائة التي سبقته:
الأول : التوتر بين نابلس و يافا ،بين الحياة الأكثر استقلالا والمتمحورة حول الزراعة في المدن الداخلية و بين المدن الساحلية التي كانت عيونها شاخصة إلى أوروبا.
الثاني:التوازن الحساس الذي تم التوصل إليه بين القيادة الملونة من الوجهاء و بين المجتمع.
تفكك العمود الفقري المديني "غير التقليدي "للبلاد سنة 1948؛ سيرجع مركز ثقل الحياة الفلسطينية إلى منطقة الجبل في الشرق.
في نفس الوقت هدمت نكبة 1948و الدور البائس الذي أداه في صنعها الوجهاء مابقي من القيادة القومية بعد التمرد الكبير و بعد أن بدوا لنفسهم مجموعة فخورة بنفسها وبتطورها السريع ،والتي كاد ت تغلب على الدولة العظمى صاحبة الموارد الأكبر في العالم وتحقيق إنجازات سياسية أبطأت من وتيرة تمسك الصهيونيين بالبلاد سيسود الإحساس بأن الفلسطينيين ضحايا مؤامرة رهيبة وظلم كبير يهز أسس النظام العالمي.
فقط باعادة الوضع السابق إلى ماهو عليه يمكن للنظام الأخلاقي العالمي أن يعود لما كان عليه.
يقول فواز تركي المولود في بلدة الشيخ القريبة من حيفا في كتابه "المنهوبون": سارع العالم الغربي الذي عذب ابناء الشعب اليهودي ونكل بهم ، للمباركة على تطور وضع حدا لضحاياه . كان لابد من تسديد الدين . من سيدفع و أين وكيف سيفعل ذلك، كل هذا لم يكن ذا أهمية، شرط أن لايكون من أبناء أوروبا"
سوف تهيمن تجربة اللجوء ـوهي مأساة تم التعامل معها من وجهة النظر الشخصية و القومية معاـ على عيون جيل النكبة فقد خلقت حياة اليأس والفقر والقمع وفي نفس الوقت وبنوع من المفارقة خلقت إشكالا جديدا للغليان الثقافي الذي كان أدبيا بطابعه إلى حد كبير وأدت إلى إرساء ذاكرة جماعية وهويات وروايات قومية كانت من الخليط القديم و الجديد.
تقول الشاعرة فدوى طوقان في شرح ذلك:"في سنة
1948مات ابي وضاعت فلسطين...أعطتني هذه الأحداث قدرة على كتابة الشعر القومي الذي كان أبي دائما راغبا بأن أكتب"
وستنشأ ثقافة شعبية يعبر عنها بالأغاني والأهازيج وبالشعر والنثر حول ثلاث قضايا مر كزية تقع على محور الزمن الخرافي الواصل بين ماضي وحاضر و مستقبل :ذاكرة الفردوس المفقود الذي طرد ا لفلسطينيون منه، المرثية المرة للحاضر ووصف العودة المتخيلة والمكللة بالنصر.
من كتاب :Palestinians the making of a people
Baruch Kimmerling, Joel S. Migdal
الفلسطينيون صيرورة شعب للبروفسور باروخ كمرلنغ و البروفسور يوئيل شموئل مجدال
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|