أديب وناقد - باحث متخصص في السياسة والأدب الإسرائيليين- قاص وأديب وناقد -أستاذ مادة اللغة العبرية - عضو الهيئة الإدارية في نور الأدب
ضوء على أبرز وظائف اللاسامية في الأدبين الصهيوني والإسرائيلي
محمد توفيق الصواف
[align=justify] منذ ظهورها كدولة، ما يكاد إنسان يفتح فمه منتقداً سياسة إسرائيل وممارساتها ضد الفلسطينيين، مهما كانت مخالفة للقوانين والشرائع الدولية، حتى تسارع أبواق إعلامها وأبواق أصدقائها والمنتفعين منها في العالم كله إلى اتهام هذا المنتقد بالعداء للسامية.. وهي تهمة جاهزة قاسية الغرض النهائي منها كمُّ أفواه المعادين المنتقدين لإسرائيل، بل كمُّ أفواه أصدقائها أيضاً، فيما لو فكروا بلومها، وهم يرونها تتجاوز، في ممارساتها، كل مألوف ومشروع. وبالتأكيد ليس كمُّ الأفواه هو الوظيفة الوحيدة للسامية في سياسة إسرائيل وإعلامها، بل ثمة وظائف أخرى عديدة، احتفل بها الأدب الإسرائيلي وروّج لها أيضاً، كما تُبيِّن الإطلالة السريعة التالية. في أطروحاتها الفكرية والسياسية، وفي الكثير من نتاج أدبائها، تزعم الصهيونية أن اليهود تعرضوا، منذ بدء ظهورهم وحتى قيام إسرائيل، لاضطهاد متواصل على أيدي غير اليهود.. ولتقديم هذا الزعم في صبغة الحقيقة، ابتدعت الصهيونية أسباباً استقتها من طبيعتها العنصرية، وكان في مقدمتها أن اليهود يتمتعون بصفات خاصة لا يشاركهم في امتلاكها أي شعب أو عنصر بشري آخر في العالم، وأنهم بسبب تفردهم بهذه الصفات، وعجز غيرهم عن امتلاكها، تشكلت بذرة العداء الذي أطلقت عليه الصهيونية صفة العداء (اللاسامي) التي تحولت فيما بعد، إلى تهمة راحت أجهزة الصهيونية تطلقها على كل من يحاول التصدي لمخططاتها أو الحؤول دون تنفيذها، أو حتى مجرد إبداء بعض الانتقاد لها...
ومن خلال الدراسات الكثيرة التي كُتبت عن موضوع اللاسامية، في الأيديولوجية الصهيونية وأدبها، يبدو واضحاً أن العنصرية هي الأرضية التي نبت فيها هذا الموضوع ونما، بكل أبعاده ووظائفه المختلفة التي رسمها له مهندسو الأيديولوجية الصهيونية. ومن بين أبرز هذه الوظائف ثلاثة تعدُّ الأهم في نسيج تلك الأيديولوجية، وأهداف مشروعها الاستيطاني في فلسطين، وهي: ً1ـ خلق حاجز نفسي يُخرج يهود العالم من الأسرة البشرية، ويحول، بعد ذلك، دون اندماجهم داخل المجتمعات التي يعيشون فيها، بحجة تفوقهم العنصري على أبناء تلك المجتمعات، وما يثيره هذا التفوق المزعوم ضدهم من مشاعر الكراهية والحقد، وما ينجم عن هذه المشاعر من اضطهادات...
وكما أسهبت الأدبيات الصهيونية/الفكرية والسياسية في الحديث عن هذا الحاجز المصطنع، لتكريسه في النفسية اليهودية، شارك الأدب الصهيوني بدوره في هذه المهمة، وقبل وقت طويل من تبلور الصهيونية كحركة سياسية...
ويُعتبر الشاعر الصهيوني (حاييم نحمان بياليك) الذي عاش في الفترة بين عامي (1873ـ1934)، من أسبق الشعراء الصهيونيين، في هذا المجال... ففي إحدى القصائد التي نشرها، في زمن روسيا القيصرية، نراه يصل في تقريع دعاة الاندماج من اليهود، إلى حد اعتبار ما يدعون إليه كفراً بالرب، واعتبار ما يتعرض له يهود العالم من اضطهاد مزعوم على أيدي الأمم التي يريدون الاندماج فيها، عقاباً من الرب، لمخالفتهم وصاياه بإبقاء اليهود متميزين بين أمم الأرض كـ (تميُّز الحجارة الكريمة عن الحجارة الرخيصة)! ثم يرفع بياليك درجة تقريعه للاندماجيين أكثر موجها أسئلته إليهم بلهجة استنكارية غاضبة، بعد تذكيرهم بما أسماه (وصية الرب) لهم، فيقول: لقد أُوْصِيتُم: «لي كل مرمر كريم».... أهكذا تندمجون في الحجارة الرخيصة، لقمةً سائغة بين أسنان الشرهين، تتركونهم يأكلون أجسادكم الحية؟؟!!! أهكذا صار أبناؤكم، إسمنتاً بين الحجارة والخشب؟!!
لعل من الواضح، أن بياليك يعني بالمرمر اليهود، بينما يعني بالحجارة الرخيصة والخشب والإسمنت، غير اليهود من أبناء الأمم الأخرى...
وبعد بياليك جاء كثيرون نهجوا على منواله، وترسموا خطاه في محاربة الاندماج، والتصدي لتياره الذي قاده اليهودي الألماني الأصل (موزيس مندلسون)، في أواسط القرن الثامن عشر، والذي تصدت الصهيونية، بعد ظهورها، لحركته الاندماجية بعنف شديد، وحاربتها مع أتباعها، في شتى المجالات، حتى قضت عليها.... ومن أبرز الشعراء الذي دعوا إلى محاربة الاندماج، بعد بياليك، منطلقين من خلفيتهم العنصرية، الشاعر (شاؤول تشيرنخوفسكي)، والروائي (شموئيل يوسف عجنون)، والشاعر الإسرائيلي الغنائي (ناتان ألترمان) وغير هؤلاء كثيرون، ممن يتربعون على قمة هرم الأدب الصهيوني، داخل إسرائيل وخارجها...
ً2ـ وكعادة الصهيونية، في بناء ذريعة على ذريعة، واستخدام زعم سابق كحجة لإسباغ المصداقية على زعم لاحق، عمدت إلى توظيف مزاعمها حول الاضطهاد اللاسامي لليهود كذريعة لتسويغ احتلال أرض فلسطين، وتجميع يهود العالم فوقها، بحجة إقامة (وطن قومي) خاص بهم، ادعت أن أسواره ستحميهم من استمرار التعرض لذلك الاضطهاد الذي بلغ أوجه ـ كما تدعي في أدبياتها ـ على يد النازية الألمانية أثناء الحرب العالمية الثانية...
بداية، وبغض النظر عن صحة هذا الادعاء أو بطلانه، تجدر الإشارة إلى حقيقة تهافت ادعاء الصهيونية وإسرائيل باستمرار العداء اللاسامي لليهود في العالم، بغية توظيف هذا الادعاء كمحرض لهم على الهجرة إلى فلسطين المحتلة.. أما دليل تهافته فموجود في وقائع السياسات الدولية ومواقفها تجاه اليهود عموماً وإسرائيل خصوصاً. إذ من الثابت المعروف اليوم، أن دساتير كل دول العالم تقريباً، تنصُّ على حق جميع مواطنيها في اختيار العقيدة التي يريدون، وعلى حقهم في حرية ممارسة شعائرها... وبالنسبة لليهود خاصة، لم يعد أحد في العالم يستطيع أن يعلن مجرد إعلان أنه معادٍ لهم، بل إن معطيات الواقع تؤكد أن يهود العالم يتمتعون اليوم، في معظم الدول التي يعيشون فيها، بوضع الابن المدلل، فأين إذن هذا الاضطهاد الذي تتحدث عنه إسرائيل، والذي تدعي أن استمراره يوجب استمرار تدفق هجرة يهود العالم إليها؟!
وكما هو الحال بالنسبة للبعد السابق، ساهم الأدب الصهيوني، ثم الأدب الإسرائيلي، في توظيف ما يسمى بـ (الاضطهاد اللاسامي) لليهود كذريعة لتسويغ احتلال فلسطين من جهة، ولتسويغ استمرار الهجرة اليهودية إليها... ومن أوائل الأدباء الصهيونيين الذين نهجوا هذا النهج، الروائي (شموئيل يوسف عجنون) الذي لعبت الصهيونية دوراً بارزاً في منحه جائزة نوبل للآداب، رغم ما يمور به أدبه من عنصرية واضحة ضد العرب الذين لم يتورع عن وصفهم بأبشع الصفات وأحطها، كما يتبين لأي قارئ في رواياته، وخصوصاً روايته المسماة (إيتمول شلشوم)، أي (أمس الأول)...
وفي هذا المجال نلاحظ أن الصهيونية وأدبها، قد ركزا على الجانب التاريخي/الديني الذي يزعم بأن فلسطين هي (إرث) يهود العالم من أجدادهم، رغم بطلان هذا الزعم أيضاً بالكثير من الأدلة والمعطيات الثابتة علمياً. بل إن المفكرين والأدباء الصهيونيين لم يتورعوا، في هذا المجال، عن تزوير الكثير من تلك المعطيات، وتصوير فلسطين على غير حقيقتها التاريخية والحضارية، لتسويغ هجرة اليهود إليها..
وقد بلغ هذا التزوير حداً دفع بالباحثة والناقدة الإنكليزية (رايزا دومب)، في كتابها (صورة العربي في الأدب العبري) إلى القول: (إن جميع أدباء إسرائيل لم يصوروا أرض فلسطين كما هي عليه في الواقع، بل كما تخيلوها هم، من منظور رغبتهم في خدمة أهداف الصهيونية)...
وتبرز في هذا المجال أسماء مفكرين وأدباء كثيرين، ظهر بعضهم قبل قيام إسرائيل، وظهر بعضهم عقب قيامها، نذكر منهم على سبيل المثال: «يسرائيل زانغويل، عجنون، آحاد هعام، موشيه شامير، ناتان ألترمان، ناتان رتوش، عاموس عوز، نعمي شيمر، نعمي فرنكل» وآخرون...
ً3ـ استخدام الزعم بالاضطهاد اللاسامي لليهود كوسيلة لتأجيج العداء ضد العرب الفلسطينيين، وكذريعة لتسويغ طردهم من أرضهم وتشريدهم خارجها، ولاضطهاد من يرفض الخروج أو قتله. وبعد عدوان 1967، تم تطوير استخدام هذه الذريعة لتسويغ عدم انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية التي احتلتها نتيجة ذلك العدوان، بحجة ضرورتها للحفاظ على أمن يهودها، من التهديد العربي لوجودهم واستمرار بقائهم داخل ما أسموه وطنهم القومي...
[/align]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت هذه الدراسة في صحيفة الأسبوع الأدبي، العدد /667/ الصادر بتاريخ 10/7/1999، الصفحة /7/.
المدير العام وعميد نور الأدب- شاعر أديب وقاص وناقد وصحفي
رد: ضوء على أبرز وظائف اللاسامية في الأدبين الصهيوني والإسرائيلي
[align=justify]
الأستاذ توفيق الصواف
فعلا ليتنا ننتبه إلى ما يركز عليه عدونا .. حتى نعرف الخلل الكبير الذي نقع فيه .. كم عدد السنوات التي مرت .. كم تناقشنا .. وها نحن !!..
[/align]