فضل الفقراء
قال صلى الله عليه وسلم : (( خيرهذه الأمة فقراؤها , وأسرعها تضجعاً في الجنة ضعفاؤها )) وقال صلى الله عليه وسلم : (( إن لي حرفتي اثنتين فمن أحبهما فقد أحبني , ومن أبغضهما فقد أبغضني : الفقر والجهاد )) . وروي : أن جبريل عليه السلام نزل على رسول الله ( ص ) . فقال : (( يا محمد إن الله عز وجل يقرأ عليك السلام , ويقول لك : أتحب أن أجعل هذه الجبال ذهباً وتكون معك أينما كنت ؟ )) فأطرق رسول ( ص ) ساعة , ثم قال : (( يا جبريل : إن الدنيا دار من لا دار له ومال من لا مال له ولها يجمع من لا عقل له وعليها يعادي من لا علم له , وعليها يحسد من لا فقه له , ولها يسعى من لا يقين له )) . فقال له جبريل عليه السلام : (( يا محمد ثبتك الله بالقول الثابت )) .
وروي : أن المسيح عليه السلام مرَّ في سياحته برجل نائم ملتف في عباءة فأيقظه . وقال : ( يا نائم قم فاذكر الله تعالى ) فقال : ما تريد مني ؟ إني قد تركت الدنيا لأهلها )) فقال له : فنم إذاً يا حبيبي ) .
وقال كعب الأحبار : ( قال تعالى لموسى عليه السلام : ( ياموسى , إذا رأيت الفقر مقبلاً , فقل : مرحباً بشعار الصالحين وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها الأغنياء والنساء ) . وفي لفظ آخر : ( فقلت أين الأغنياء ؟ فقيل : حسبهم الجد ) وفي حديث آخر ( فرأيت أكثر أهل النار النساء , فقلت : ما شأنهن ؟ فقيل : شغلهن الأحمران : الذهب والزعفران وقال ( ص ) : ( تحفة المؤمن في الدنيا الفقر , وأخر الأنبياء دخولاً الجنة سليمان بن داوود – عليهما السلام – لمكان ملكه , وآخر أصحابي دخولاً الجنة عبد الرحمن بن عوف لأجل غناه .
وقال موسى عليه السلام : ( يا رب من أحباؤك من خلقك حتى أحبهم لأجلك ؟ ) فقال : ( كل فقير ) ويمكن أن يراد به شديد الضر .
وكان أحب الأسامي إليه صلوات الله عليه وسلامه أن يقال له : ( يا مسكين )
وقال صلى الله عليه وسلم : ( دخلت الجنة فسمعت فيها خشفة بين يدي فقلت : ما هذا ؟ قال : بلالٌ , قال : فمضيت فإذا أكثر أهل الجنة فقراء المهاجرين وذراري المسلمين ولم أر أحداً أقل من الأغنياء والنساء , قيل لي : أما الأغنياء فهم هاهنا بالباب يحاسبون ويمحصون وأما النساء فألهاهن الأحمران الذهب والحرير . قال ثم خرجنا من أحد أبواب الجنة الثمانية فلما كنت عند الباب أتيت بكفة فوضعت فيها ووضعت أمتي في كفة فرجحتُ بها ثم أُتي بأبي بكر – رضي الله عنه – فوضع في كفة وجيء بجميع أُمتي في كفة فوضعوا فرجح أبو بكر رضي الله عنه – وجيء بعمر فوضع في كفة وجيء بجميع أمتي فوضعوا فرجح عمر – رضي الله عنه – وعرضت أمتي رجلاً رجلاً فجعلوا يمرون فاستبطأتُ عبد الرحمن بن عوف ثم جاء بعد الإياس فقلت : عبد الرحمن ؟ فقال : بأبي وأمي يا رسول الله والذي بعثك بالحق ما خلصتُ إليك حتى ظننتُ أني لا أنظر إليكَ أبداً إلا بعد المشيبات , قال : وماذاك ؟ قال : من كثرة مالي أُحاسبُ وأُمحصُ ) . وروي عن علي – كرم الله وجهه – أن رسول الله ( ص ) قال : ( إذا أبغض الناس فقراءهم , وأظهروا عمارة الدنيا , وتكالبوا على جمع الدراهم رماهم الله بأربع خصال بالقحط من الزمان , والجور من السلطان , والخيانة من ولاة الأحكام , والشوكة من الأعداء ) قال أبو الدرداء : ( ذو الدرهمين أشد حبساً – أو قال : حساباً – من ذي الدرهم )
قال صلى الله عليه وسلم : ( اللهم اجعل قوت آل محمد كفافاً ) وقال : ( ما من أحد غني ولا فقير إلا ود يوم القيامة أنه كان أوتي قوتاً في الدنيا ) .
وأما الآثار في الرضا والقناعة . فكثيرة . ولا يخفى أن القناعة يضادها الطمع . وقد قال عمر رضي الله عنه : ( إن الطمع فقر , واليأس غنى , وإنه من يئس عما في أيدي الناس وقنع , استغنى عنهم ) . وكان محمد بن واسع – رحمه الله تعالى – يخرج خبزاً يابساً فيبله بالماء ويأكله بالملح , ويقول : ( من رضي من الدنيا بهذا , لم يحتج إلى أحد ) .
وقال الحسن – رحمه الله تعالى - : ( لعن الله أقراماً أقسم لهم الله تعالى ثم لم يصدقوه ) ., ثم قرأ : ( وفي السماء رزقكم وما توعدون فوربِ السماء والأرضِ إنه لحقٌ مثلَ ما أنكم تنطقون ) . الذاريات : 22 – 23 ) . وقد قيل في القناعة :
اضرع إلى الله لا تضرع إلى الناس واقنع بيأس . فإن العز في اليأس
واستغنِ عن ذي قربى وذي رحم إن الغني من استغنى عن الناس
مكاشفة القلوب للإمام أبي حامد الغزالي