فتحت عينيها وكعادتها بقيت في الفراش في حالة استرخاء وتأمل ، شخصت في سقف الغرفة ،تجولت بنظرها في انحاء الغرفة الى ان وقعت عيناها على كتاب متكئ على رف المكتبة الصغيرة في غرفة نومها.
نهضت بسرعة متجهة الى الكتاب ، التقطته وفتحته بسرعة لتعثر على وردة جورية كانت غافية بين الصفحات منذ زمن، ياااااااااااااااه ، لقد نسيتها تماماً ، لها شهور هذه الجورية غافية بين طيات الكتاب ومازالت تحتفظ برونقها بالرغم من شحوب لونها.
عادت على عجل الى سريرها ، واندست تحت الغطاء والكتاب مازال بين يديها ، اغمضت عينيها ورحلت بافكارها الى تلك الامسية.
شعور بالحنين كان يغلفها ، حنين للطلبة ، للزملاء، لمكتبها الانيق الذي يشهد على احداث اعوام طويلة.
بالرغم من ضغط العمل وطول ساعاته كانت كلمات من حولها تهطل على تعبها كحبات المطر فتغسل كل ارهاقها الجسدي والفكري.
الكل كان مشغولاً في برنامج الحفل ، يتهادى الى سمعها من فترة لأخرى اسمها ، يتردد على لسان الطلبة والزملاء، كانت تتجول بالمكان ولسان حالها يقول وداعاً احبتي، ترنحت دمعة بين اهدابها ولكنها تماسكت واتكأت على حافة عينيها حتى لا تفسد المناسبة، انها اخر حفلة تخريج تقوم هي بالاشراف عليها.
شعور الرحيل كسا وجهها بمسحة من حزن وهي تلوح مودعة لصفحة من حياتها،
مالبث هذا الشعور ان ذاب في زحمة المناسبة ، فعليها ان تقف على منصة التخريج لتسلم الشهادات لأخر دفعة ستقوم بتخريجهم . انتزعت نفسها من حالة الحزن وركضت خلف الكواليس ، هتف أحد الخريجين :"مدام ...... نريد لمساتك الجميلة ."، واخر يقول : " مدام....من فضلك عدلي لي الكاب على ذوقك.."، ضحكت من قلبها وقالت مازحة : "انزل قليلاً حتى استطيع فعل ذلك ايها الزرافة."
تأكدت بأن كل شيء يسير على مايرام وحسب المخطط، خرجت من خلف الكواليس لتحيي بعض الاهالي والضيوف، وجدته يرمقها من بعيد بعينين يسكنهما الاعجاب والتقدير، فحيته ببسمة خجولة ووعد من عينيها بحديث.
وما ان لاحت لها الفرصة حتى سارعت بالاقتراب منه معلنة عن وجودها بجانبه لتنتزعه من حديث جانبي كان قد بدأه مع احد الضيوف.
تهلل وجهه فرحاً لرؤيتها عن قرب لدرجة الارتباك ، دعاها للجلوس والحديث، كان لحديثه مذاق النضوج ونكهة التفاهم ، استمعت له بشغف فانسابت كلماته كنهر بلا سد ، وامتدت يداه الى وردة جورية تزين سترته انتزعها ليضعها بين يديها مكافأة لها على انصاتها الجميل . طلب منها ان تحتفظ بها لتذكرها برجل يكن لها كل الاحترام والتقدير.
احتضنتها يداها وتعاطفت معها عيناها وشعرت بأن بتلاتها سرعان ما ذبلت وكأنها تشاركها شعور الرحيل.
فتحت عينيها و هي لا تزال ممسكة بذلك الكتاب . تنهدت ولسان حالها يقول صعبة هذه الحياة . نلتقي بأناس نحبهم ويصبح بيننا وبينهم حالة من الارتباط الوثيق .. نمارس مهام نحبها وما تلبث ان نتركها مخلفين وراءنا ذكريات كالعسل المر.
سلوى حماد