يوسف فاضل
قد يبدو لكثيرين في عالمنا العربي أو العرب المقيمين خارج الوطن أن فكرة الحوار العربي ـ عربي هي ضرب من الخيال أو السباحة ضد التيار في خضم الأمواج العاتية التي تعصف بالوطن العربي، دولا وأنظمة والمواطن العربي في نهاية الأمر.
على أن الصورة كما أراها, وأتمنى أن تكون كذلك لكثيرين غيري هي خلاف ذلك. لأنه لا مفر من الوصول إلى تحقيق ذلك الحوار مهما كلف الأمر في الوقت الحاضر، لأن تبعات الفشل يمكن أن تعصف بالمواطن العربي الذي راح ضحية افتقاد ذلك الحوار على مدى عقود من الزمن، بسبب حواجز مصطنعة داخلية مارستها أنظمة حكم، وخارجية فرضتها القوى الخارجية، رسخت أن يتوه المواطن العربي في فلك الصراعات العربية ـ العربية، وأن تعدد فرص الانقسامات والتشرذم التي لم تعد على ذلك المواطن إلا بالتقهقر والتخلف إلى أن أصبح الميدان الخصب للحروب وحقل تجارب لدول تسعى للحفاظ على مصالحها، تارة باسم الحرب على الإرهاب وأخرى بمشاريع الشراكة أو ترسيخ الديمقراطية وحقوق الإنسان وتمكين المرأة المحروم منها المواطن العربي.
وبالتأكيد لا يغيب عن فطنة أحد أن الحالة التي بلغها الوطن العربي والتي ترجمها تقرير التنمية الإنسانية الذي أعدته مجموعة من الخبراء العرب والذي صدر عن الأمم المتحدة، قد ساهمت فيها أنظمة حرصت بالدرجة الأولى أن تبقى متربعة على الحكم إلى أن شاخت عن اللحاق بالتطور العالمي المتسارع، وخلقت بينها وبين المواطن العربي هوة كبيرة تحاول أن تتجاوزها باستعادة العلاقة المفقودة مع المواطن، ليس بهدف سوى أن يكون لها سندا في مواجهة مرحلة ما بعد الحرب على العراق والتي لا تقل خطورة بأي حال من الأحوال عن تلك التي تلت الحرب العظمى الأولى التي قسمت العالم العربي بين القوى العظمى آنذاك.
والمتابع للمشهد الآن في داخل الوطن العربي وخارجه يرى في بعض جوانبه ما يستلزم حوارا عربيا حقيقيا ... فملخص هذا المشهد ما يلي:
ـ هرولت حكومات عربية، وبعضها جدي في مسعاه، لعقد حوارات مع شعوبها تحت مسميات متعددة منها الحوار الوطني أو الإصلاح السياسي والاقتصادي والسعي لاحترام حقوق الإنسان والمرأة.
ـ لجأ البعض إلى تكوين منتديات فكرية وثقافية وعقد مؤتمرات، المسمى عربي والهدف المعلن سام، بينما المستهدف احتواء المثقف العربي لصالح "ممول" المنتدى.
ـ قد عادت النزاعات العربية ـ العربية لتطفح على السطح بدعم من "الظهير الأجنبي" والذي عاد من جديد بوجه مكشوف بعد أن انتفت الحاجة للأقنعة التي تستر خلفها في بدايات القرن الماضي.
ـ كثير من المشاريع الأجنبية تغلف نفسها بالديمقراطية والحريات وحقوق المرأة التي تفتقدها الدول العربية.
ـ تلوح القوى الغربية في سبيلها لفرض هذه المشاريع باللجوء لاستخدام القوة عبر حلف الناتو لإدخاله إلى قلب الوطن العربي.
ـ في الوقت الذي تتحدث فيه هذه القوى عن الديمقراطية والحريات، تتعامل مع قوى وشخصيات عربية تنتهج سياسات تتعارض مع هذه الشعارات أو الأهداف السامية وضد مصلحة المواطن العربي.
ـ أن الحوارات التي أقامتها بعض الدول الغربية مع العالم العربي بصفة أساسية عقب 11 سبتمبر، استبعد منها صوت المواطن العربي وحجبت عنه نتائج تلك الحوارات.
ـ غابت المشاركة الحقيقية للمواطن العربي أو تفاعله مع كل ما يجري من حوله ويستهدف به.
ـــــــــــــــــــــــــ
عضو المجلس التنفيذي للمنظمة العربية لحرية الصحافة في لندن
نائب رئيس جمعية الصحفيين العرب في ألمانيا
عضو مؤسس للاتحاد الأوروبي العربي للديمقراطية والحوار في فرنسا
كاتب صحفي ومؤسس للعديد من الصحف العربية (رحل عن عالمنا مؤخرا)