من بابل إلى أمريكا .. المشعل المتنقل
أظن كل باحث في تاريخ العلوم أو الحضارات سينبهر بقدرة الإنسان على التحدي و التفوق و الإبداع لكنه في نفس الوقت سيأسف على نزعة البشر العدوانية و طغيانهم بعد التمكن و التألق.
فهاهي بلاد مابين النهرين تشهد على عبقرية الإنسان فنراه يكتب بالمسمار على الطين و يتركه يجف لأنه لم يكن إهتدى بعد إلى صناعة الورق, لكنه في الوقت ذاته ابتكر نظاما عدديا يحسب به و طور طرقا جديدة للري و الزراعة بل ويتربع على عرش البلاد حاكم مثل حمورابي ليشرع القوانين و يبني المدن و المدارس و ينظم حياة الشعب في وقت لم تكن فيه كلمة دستور قد اخترعت بعد.
ورغم ذلك,رغم المجد و الغنى و العز, تسقط بابل و يدمرها الآشوريون وتشهد الثورات و الصراعات و يأفل نجمها يوما ما.
وهاهم الفراعنة ينشؤون أقدم مرصد في العالم لعلوم الفلك , يبنون و يشيدون الأهرام التي حارت في إنشاءها و ضخامتها العقول, يتفنون في الحساب والهندسة والتحنيط والطب والصيدلة و يخترعون الهيروغليفية كلغة للتوثيق و الكتابة( لنأتي بعدهم بمئات السنين ننقب و نجد و نفكر لعلنا نكشف جزأ من أسرارهم الدفينة).
لكن يشاء القدر أن يأتي قمبيز بن قورش الفارسي ليغزو مصر بكل همجية بل و يجعل ابنة ملكها و بنات كبار رجال الدولة الفرعونية يحملن الجرار ويمشين حافيا ت وشبه عاريات ليسقين جنوده المنتصرين أمام أعين الفرعون المهزوم .
الفرس لهم تاريخهم المضيء أيضا فإمبراطوريتهم التي كان يعتلي عرشها كل مرة كسرى جديد يبطش و يطغى كان لها صداها و قوتها و عتادها.
لكن التاريخ الذي كتب للفرس فوزهم كانت في طياته صفحات فارغة ستملأها خطوط كثيرة تروي عن لأسكندرالمقدوني أو الأكبر كما يسميه البعض رغم أنه لم يعش طويلا لكنه كبر بكبر المساحة التي غزاها.
فالأسكندر أنشأ الإسكندرية الجميلة و هزم الفرس وجعل غزوهم لمصرمجرد ذكرى .
وهل دام نجاح الرجل المقدوني الأسطورة الذي تعلم على يد أريسطو؟؟
طبعا لا التاريخ ينفي ذلك فامبراطوريته مزقت من بعده.
وكان عصر الرومان على الموعد ليتركوا مبان لازالت آثارها قائمة في مشارق الأرض و مغاربها و مقولات لا تزال تذكر حتى يومنا هذا فمن لا يعرف مثلاveni vedi vici: أتيت و رأيت و انتصرت ليوليوس القيصر.
لكن هل خلدت انتصارت البيزنطيين أو الرومانيين ??
ألم تكن الحضارة الإسلامية لتقوم و تنبثق من عقر الظلام ليولد الهدى بعد الشرك و العزيمة بعد التهاون و القوة والحكمة بعد التيه و العربدة.
لقد هزم خالد ابن الوليد الروم و قهر طارق ابن زياد البيزنطيين و القوطيين.
و من دار الحكمة ببغداد أشعت أنوار العلوم ليضع الخوارزمي أصول الجبر و قوانين للحساب و يبحر علماء العرب في دروب علم الفلك .
هاهوا لكاشي من سمرقند يكتشف مسارات عطارد الإهليليجية و يجد تقريبا دقيقا للعدد بي لحساب محيط الدائرة.
وابن سينا من بخارى يضع للطب الحديث أسسا و يخوض غمار الفلسفة ليكتب ما سينير دروبا من بعده.
وجابر ابن حيان و أبو بكر الرازي يخرجان الكيمياء من براثن الخرافة ويكتشفان مواد كيميائية جديدة لم يعرفها أحد قبلهما. و ثابت ابن قرة يتحول إلى موسوعةويتمكن من تعميم خصائص و فيتاغورس التي كانت محدودة التطبيق و ماأكثر علماء و نجباء ذلك الزمان و ماأوفر إنجازاتهم
كل الفنون و العلوم سطع نجمها الزخرفة و العمارة و الفلك و الهندسة و الرياضيات والطب والكيمياء...
لكن هل دام مجد الحضارة الإسلامية.
التاريخ يقول لا لقد إنطفأت شعلتها و إنتقل عصر الأنوار إلى أوروبا و طاف ملاحوها العالم و اكتشفوا أمريكا .
قمع الهنود الحمر و قتلوا و لم يعرف لأرض لنكولن أساطير مثل أساطير بابل أو مصر أو بغداد أو حتى روما لكن من أمريكا صعد رجل إلى الفضاء و طارت قنبلة لتدمر هيروشيما و أرسلت بوارج لتقصف بلاد مابين النهرين و دبلوماسيين لتطويع حكام المسلمين.
من أمريكا صار الجزر و النهي .
لكن التاريخ يقول انظروا البابليين و الفراعنة و الفرس و المقدونيين و الروم...
المشعل يتنقل و التاريخ سجله طويل و صفحاته الفارغة تنتظر دوما مدونين جدد و أبطال من جنسيات و أزمنة مختلفة.
Nassira
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|