التاريخ القندري للعراق
خالد القشطيني
للعراق تاريخ طويل مع القنادر حتى أن احد العراقيين اصدر مجلة في لندن قبل سنوات باسم " الحذاء" و كان لي شرف المساهمة فيها لا بحذائي فقط بل و بقلمي أيضا. وهذه مساهمة قندرية أخرى مني. لا اعرف السبب و لكن ربما نكتشف أن العراقيين كانوا أول من لبس قنادر في التاريخ أو أول من ضرب المرأة بالقندرة. وهكذا تردد الحذاء في تراثنا كثيرا. كان منها حكاية حذاء أبي القاسم الطنبوري. و قلما خلت قصائد عبود الكرخي من ذكرها. فكان مما قاله :
لسعته لسعة عقربه شيل قندرتك و اضربه
الضرب بالقندرة من علائم الحياة الاجتماعية و الأدبية عندنا. و كيف أنسى تلك المعركة بالقنادر التي جرت بين بلند الحيدري و نجيب المانع عندما قال نجيب شيئا جرح به مشاعر الشاعر الذي لم يتردد بنزع قندرته ليضرب زميله الأديب الذي بادر هو الآخر لنزع قندرته بحيث جرت مبارزة فروسية بينهما بالقنادر. القندرة عندنا أعلى مراحل الاهانة. تقول لخصمك ابن القندرة ، آو آنت وقندرتي ، أو قندرتي تشرفك! آو والله لأحط قندرتي في (...) أمك. وهكذا خلد اسم السيد أبو تحسين عندما نزع قندرته و ضرب بها صورة صدام حسين. و ذاع خبر ما فعله منتظر الزيدي و أصبح قدوة يقتدى بها في سائر أنحاء العالم عندما رمى بقندرته في وجه الرئيس الأمريكي. و بادر القندرجية في تركيا لتصميم قندرة سموها باسم الزيدي.
يجهل الكثيرون أن تاريخ الدولة العراقية يبدأ بقندرة. حدثني بها عمي أبو محمود (القاضي و المحامي الكبير احمد القشطيني) عندما كان حاكم جزاء بغداد في العشرينات. ساقوا إليه لصا سرق شيئا من الجيش البريطاني. حضر ضابط انكليزي ليمثل الجيش. جلس في المقدمة ووضع رجله على الطاولة بحيث واجهت حذائه الحكم. أوعز لكاتب الضبط بأن يطلب من الضابط أن يتأدب و ينزل حذائه. فرفض قائلا أنهم في بريطانيا لا يعتبرون ذلك اهانة.
" و لكنك ليس في بريطانيا و إنما في العراق. و عليك أن تحترم تقاليد البلد."
" العراق تابع لنا. و بالتالي يخضع لقوانيننا و أعرافنا."
" لم يعد العراق تابعا لكم. إننا الآن دولة مستقلة. "
" كلا. إنكم ما زلتم تحت الانتداب البريطاني."
" إذا لم تنزل رجلك و تحترم المحكمة ، فسأؤجل الدعوى و أغلق المرافعة."
وهذا ما حصل. سمعت الصحافة بما جرى فضج ضجيجها . و تعالى الصياح بشأن هذا الاستقلال الكاذب الذي جاء به الملك فيصل. و توقفت سيادة العراق على بسطال ضابط. و تناقلت الصحافة البريطانية أصداء الحدث. حسم الانكليز الموضوع أخيرا باستدعاء الضابط و إعادته لبريطانيا و تعيين ضابط آخر احترم المحكمة و لم يضع حذائه في وجه عمي أبو محمود. وهكذا نال العراق استقلاله بقندرة جندي بريطاني.
غير أن الكثير من العراقيين ظلوا يشككون و يشكون من هذا الاستقلال. دخل احد رجال الثورة على المتصرف السيد القرداغي ( والد زميلنا كامران قرداغي) في قضية معلقة يريد حسمها. قال له في معرض ما قال: "لا تنس يا حضرة المتصرف أنني من الرجال الذين ساهموا بتأسيس هذه الدولة. " فمد أبو كامران يده لينزع حذائه و قال:
" إذن فحضر راسك. لأني حالف يمين. بس أشوف منو هذا اللي عمل على تأسيس هذي الدولة ، لازم اضربه خمسين قندرة على رأسه! "