أقْبِلي كالصّلاةِ رَقْرَقها النُّسْـ       =        ـكُ بمحرابِ عابدٍ مُتَبَتِّلْ
أقبلي آيةً من الله عُلْيا        =      زَفَّها للفُنون وَحيٌ مُنزَّلْ
أقبلي فالجراحُ ظمأى ! وكأس الْـ      =      ـحُبِّ ثكلَى ! والشعرُ نايٌ مُعطَّلْ
أنت لحنٌ على فمي عبقريٌّ     =     وأنا في حدائق الله بلبلْ
أقبلي .. قبل أن تميلَ بنا الرّيـ      =     ـحُ ! وَيهوِي بنا الفناءُ المعجّلْ
زَوْرقي في الوجودِ حيرانُ شاكٍ   =  مثقَلٌ بالأسى ، شريدٌ ، مُضلّلْ
أزعجته الرياحُ ، واغتالَهُ الليْـ    =    ـل بجنحٍ من الدياجير مُسبلْ
فهو في ثورة الخضمِّ غريبٌ   =   خلط النوحَ بالمنى وتنقّلْ
أقبلي يا غرام روحي ! فالشّطّ    =     م بعيد! والروحُ باليأس مثقلْ
وغمامُ الحياةِ أعشى سواديّ   =   م ونور المنى بقلبي ، ترحّلْ
أنا ميتٌ تغافلَ القبرُ عنّي   =   وهو لو درى شِقوتي ما تمهّلْ
فاسكبي ليَ السنا ، وطوفي بنَعشي    =    يُنْعشُ الرّوحَ سحرك المتهلّلْ
أنت نبعي ، وأيكتي ، وظلالي    =   وخميلي ، وجدولي المتسلسلْ
أنت لي واحةٌ أفيءُ  إليها   =   وهجيرُ الأسى بجنبيّ مُشعلْ
أنت ترنيمة الهدوء بشعري  =  وأنا الشاعر الحزين المبلبلْ
أنت تهويدة الخيال لأحزا   = ني بأطياف نورها أتعلّلْ
أنت كأسي وكرمتي ومدامي     =     والطلا من يديك سكرٌ محلّلْ  
أنتِ فجري على الحقُولِ..حياةٌ    =    وصلاةٌ ، ونشوةٌ ، وتَهَلّلْ
أنتِ تغريدة الخلود بألحا     =   ني..وشعر الحياةِ لغوٌ مهلهلْ
أنتِ طيفُ الغُيوب رفرفَ بالرّحْمـ      =    تةِ والطهر والهدى والتبتّلْ
أنتِ لي توبةٌ إذا زلّ عُمري     =     وصَحا الإثمُ في دَمي وتَملمَلْ
أنتِ لي رحمةٌ براها شعاعٌ     =    هلّ منْ أعين السما وتنزّلْ
أنتِ لي زهرةٌ على شاطيءِ الأحْـ      =    ـلامِ تُرْوَى بمُهجتي وتظللْ
أنتِ شعرُ الأنسامِ وسوست الفجْـ    =   ـر وذابت على حفيفِ السنبلْ
أنت سحر الغروب ، بل موجةُ الإشْـ     =    ـراق عن سحرها جناني يُسأَلْ
أنت صفو الظلال تسبح في النّهْـ     =   ـر وتلهو على ضفاف الجدولْ
أنت عيد الأطيار فوق الروابي..    =    أقبلي فالربيع للطير أقبلْ..
أنتِ هَولي ، وحيرتي ، وجنوني    =    يومَ للحسن زهوة وتدلّلْ
أنتِ ديرُ الهوى وشِعْرِي صلاةٌ       =     لكِ طابتْ ضراعتي والتّذلّلْ
أنتِ نبعٌ من الحنان ، عليهِ     =    أطرقَ الفنّ ضارعًا يتوسّلْ
أعيُنٌ للخشوع تُغري ، فخلّيـ     =   ـها على لوعتي تُغَصُّ وتُسبلْ
واترُكيها وسحرَها يتمادى     =    علّما "بابل" بنجواه تُشَغلْ
هو فنّي و مُلْهِمي..فابْعثيهِ    =    فهوَ من زهْوه شحيحٌ مُبخّلْ
يتغلفى على الجفون ، فإنْ رُحْـ      =    ـتُ أناجيهِ لجَّ في الكرَى وتوَغّلْ
وانْتشى من سناكِ وانسابَ في لحـ    =    ـظِكِ يحسو الضياءَ منهُ وينهلْ
وانبَرَى من جُفُونكِ السود كالأقـ     =    ـدار يُرْدِي كما يَشاءُ ويقتلْ
ليتَ لي من صِراعِهِ كلَّ يومٍ   =    غزوَةً في سكون قلبي تُجَلجِلْ
ولكِ الصوتُ ناغمٌ! عادَهُ الشّوْ    =    قُ فأضحى حنينُهُ يترسّلْ
نَبَراتٌ كأنها شجنُ الأوْ   =   تارِ في عود عاشقٍ مُترحّلْ
أو حفيفُ الآذانِ في مِسْمع الفَجْـ       =    ـرِ ندِيُّ الصّدَى ، شذيُّ المنهلْ
أو غناءُ الظّلالِ في خاطر الغُدْ    =    رَانِ شعرٌ في الصمتِ عانٍ مكبّلْ
أو نشيدٌ أذابهُ الأفقُ النّا   =   ئي ، وغنّاهُ خاطري المتأمّلْ !
ولكِ البسمةُ الوديعةُ .. طُهرٌ    =   وصفاءٌ ، وصبوةٌ ، وتغزّلْ
لذّةُ الهمسِ في دَمِي تنقلُ الرُّو    =    حَ لوادٍ بصفو عمري مظلّلْ
فاسكُبيها علَى جَنَاني ، وخلّي     =   سحرَها في مشاعري يتهدّلْ!
ولك الهدأةُ التي تغمرُ الحسّ    =    فَيُرْوَى من السكون ويثْملْ
واحةٌ للجمال ، قلبي فيها    =   من أسى الدَّهر نَاسكٌ مُتغزّلْ
عَلَّمتني ظلالها كيفَ أَنْسى    =   صَخَبَ الهمِّ وهو عَصفٌ مُزلزلْ
ولكِ العفّةُ التي عادَ منْها       =     "مَرْيَميُّ" الستور فوقك مُسْبَلْ
ولكِ الحب ساعدي في وغى الأيا    =    م والقلبُ وهنانُ أعزلْ
فتعاليْ نغيبُ عن ضجّة الدّنـ     =   ـيا ، ونمضي عن الوجودِ ونرْحَلْ
وإلى عُشّنا الجميلِ.. ففيهِ    =    هزجٌ للهوى، وظلٌّ وسلسلْ
وعَصافيرُ للمنى تتغنّى   =    بالترانيم بين عشبٍ وجدولْ
وغرامٌ مقدّسٌ ، كاد يَضْوي   =   نورُهُ العذبُ في سمانا ويُشعلْ
ووفاءٌ يكادُ يَسطعُ للدُّنـ   =    ـيا بشرْعٍ إلى المُحبّين مُرسلْ..
عادَ للعشّ كلّث طيرٍ ، ولم يَبْـ      =     ـقَ سِوى طائرٍ شريدٍ مخبّلْ
هو قلبي الذي تناسيتِ بلوا     =    هُ..فأضحى على الجراح يُولوِلْ
أقبلي .. قبل أن تميلَ به الريْـ   =    ـحُ ، ويهوي به الفناءُ المُعَجّلْ!
[/poem]