لا ننسى
مهرجان الدراما التلفزية بمكناس 2021، تم فيه تكريم شخصين لا يذكر اسمها عند المغربي إلا ويهتز فيه شيء من الحنين والحب، وتتجلى الابتسامة بتطلعات إلى تاريخ من العطاء، نذكر: المرأة التي، الرجل الذي، جا وجاب، ... إلى جانب الأعمال التلفزية كالسيتكوم، وبعض المسلسلات أو الأفلام(....) إنهما المتألقان:" محمد الجم" و" مليكة العماري" ، هنا وأنا أشاهد بعض المقتطفات من التكريم الذي جاء في برنامج على الأولى المغربية أثار انتباهي كلام السيد محمد الجم، وهو يشير إلى أن التكريم كما اعتاد الجميع أن يسمع أو يقول هو تشريف وتكليف،لكن الجم لم يكتف بهذه العبارة المألوفة بل أضاف أن هذا التكريم هو اعتراف..
اعتراف من المكرِّم للمكرَّم بعطائه، واجتهاده، وأن هذا الاعتراف يشجع على مزيد من العطاء، مزيد من الحب، مزيد من الاجتهاد... ومزيد من الاستمرار....
أتوقف عند هذا الاعتراف وأتساءل شخصيا، ألهذا يهاجر كثيرون إلى بلدان أخرى لتعترف بثقافاتهم، ومؤهلاتهم، وخبراتهم،؟ ألهذا السبب يلم البعض رحيله وكل معارفه باحثا في جبل ما عن راحة واطمئنان ، لعل صدى الجبل يقول له " قد أبدعت- أنت على حق- جميل ما صنعت- " لعل صدى الجبل هو المشجع والمانح العزيمة القوية، لعل شجرة بظلها الوفير تحفزه على اجتهاد كبير، لعل خرير ماء يروي الظامئ الذي طال عطشه، لعل وَرْدا يحيي به نفسا، أو نحلا يطلب منه عونا.... لعل ولعل ولعل، ...؟!!!
أ لهذا يختفي فجأة عدد من الفنانين عن ساحة الفن، أو ينتسب بعض الرياضيين إلى منتخبات غير الوطني؟ ألهذا نجد بعض الكتاب لا يشهد له أهله بكتاباته التي غالبا ما لا تطبع وتنشر إلا في بلاد الآخر، ولا حتى يعرف الكاتبَ أهله؟ ( بلبل الحي لا يطرب)
أمر سريعا إلى الاعتراف بين أفراد الأسرة الواحدة، وأتساءل مجددا، أنستطيع بسهولة أن نعترف بفضل والدينا، إخواننا، بل حتى أبنائنا؟ أيمكن أن تكون هذه الثقافة سهلة يسيرة بين الزوجين؟ فلنفترض أن واحدا من الزوجين دائم العطاء، أو كثير التشجيع للآخر وإن لم يبد منه اجتهاد في شيء، متشائم ودائم زرع الملل واليأس ، محبط للطرف الآخر، وواضع كثيرا من العقد التي تبتدئ من حاجبيه، بينما الآخر يظل متشبثا بالأمل إلى أن يسقط كله فجأة في لحظة مباغتة، أو يميل إلى من وجد منه الحب لا قولا ولكن فعلا وعملا وتشجيعا واعترافا .... بعدها بمدة يأتي الآخر ليعترف أنه السبب، فيم ينفع الاعتراف بعد زمن من الإحباط وبعد حلول الملل بعد الأمل؟ فيم يفيد الاعتراف الآن بعد إطفاء آخر شمعة تفاؤل؟ فيم يفيد بعد محو الابتسامات وحفر آبار الدموع والدمار..؟ والأدهى أن من يعترف بعد فوات الأوان يكون أكثر ادعاء للحب، تراه كان تمثيلا أو أنه حقيقة لا يدرك تجسيدها؟ الحب أقوى صفة نبيلة لا تصلح للتمثيل، فلم يستغل؟ وكيف لا نعرف التعبير عنه ما دمنا نحسه؟ كيف لا نسعى لأن نجدّ في إرضاء الحبيب بما يحب، بما يطمح ، بما يحب أن يرانا عليه أو أن يرى نفسه عليه، بآماله، بمساعيه؟ كيف بعد أن نقتل فيه آخر قطرة أمل في أن يحبنا يوما نأتي لنعتذر على كسرنا له؟ أليس إن كسرنا كأسا نجمع زجاجه بانتباه حتى لا يجرحنا، ثم نرميه؟ انتبهوا لمن تكسرون... انتبهوا لأولئك الذي حطمتم فمهما سامحوكم لن ينسوا إذايتكم لهم، وإن تخلوا عن أن يبادلوكم الأذية فلربما أسى بالقلب ما عاد يسمح لإحياء الحب أو محاولات الحب بأن تكون ، قد كسرتم الكأس ورميتم زجاجه في ركن آخر،ولربما ذلك الركن يبدع بطريقة فنية ما إعادة تشكيله ولو صَحْنًا فيشجعه أن يكون كما يريد أن يكون ... حيث رميتموهم قد ينبت الأمل ويسقى باعتراف طال انتظاره ...
نعم نسامح ولكن الذاكرة لا تنسى، القلب الذي فاضت دماؤه لا ينسى، العقل الذي شرب المر لا ينسى، الروح التي أفقدتموها الحياة لا ولن تنسى، وإن أسأنا أسأنا لأنفسنا دون أن تصلكم إساءتنا
وإن سامحنا ، وإن لن نسيء أو نؤذي، لا ننسى ...
إذن الاعتراف ليس هو فقط أن أعترف بفضلك ولكن أن أشجعك دائما على ما تحب أنت، أن أعمل بنصائحك المتفائلة شاكرا ، الاعتراف مذموم بعد فوات الأوان، لأنه حينها يأتينا بمزيد من الإحباط، بمزيد من التذمر، وبمزيد من الألم، خاصة إن كان هذا الاعتراف ليس مجرد قول أو شهادة عابرة، الاعتراف هو مشاعر حب واحترام قبل أن يكون قولا..
أما وقد جئت باعتراف أو بحب أو بتشجيع في الوقت الذي شعرت فقط أنك أنت بحاجة إلى ذلك، أما وقد جئت مستفزا، أما وقد جئت بعد كسر لا يجبر فخذ اعترافك، وخذ حبك وتشجيعك، وكل ما أتيت به وارحل بسلام، وإلا فاجمع أطراف ما كسرت و اربطه بحبال وعقد
29/6/2021
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|