مشرفة / ماستر أدب عربي. أستادة لغة عربية / مهتمة بالنص الأدبي
رد: مذكرات طفولية
اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة خولة السعيد
قبل أيام كنت عند طبيب..
سؤال جواب.. أخذ ورَدّ...
لا تنزلي الكمامة..
أنا لا أسمعك جيدا وأنت تتحدث كالهامس بكمامتك...
سألني سؤالا ، ولأني أتريث قبل الرد محاولة التأكد من سماعي أو اختيار جواب أنسب لطريقة سؤاله، أجابته بدلا عني بثينة أختي وكانت قد رافقتني ، فطلب منها الصمت بشكل أغضبني، ولعله لاحظ غضبنا معا ، فاعتذر وقال إنه يمزح فقط وتلك طريقته بالكلام..
يرفع صوته ثم يخفضه .. ثم فاجأني بسؤال " ما أصلكم أنتم؟" لم أتوقع أن يسألني سؤالا كهذا.. ما دخل السؤال بما أتيت لأجله؟ أهذا طبيب أم مؤرخ؟.. أجابته بسرعة " مغربية" قال : لا . أقصد أصلكم، كنت سأرد مسلمة، ثم عدلت عن ذلك، فشخص اسمه محمد لابد أنه مسلم وقصده من سؤالي طبعا ليس الإسلام وإنما تعصب لشيء آخر، أكدت مغربيتي، فأبدى الرجل غضبه مدعيا أني أتهرب من الجواب..
لا بالعكس، أنا لا أتهرب من الجواب ، أنا فعلا مغربية.. لم أكن أنو إخباره بأصلي " قد أكون عنيدة في مثل هذه المواقف" ظل الرجل يحرك شفتيه من تحت تلك الكمامة حرف أفهمه وثلاثة أحرف لا أسمع منها نقطة ...
وإذا بأختي تشفي غليله فتجيبه لكنها تؤكد أننا ولدنا بمكناس نحن وآباؤنا فيرد ردا غريبا .
في الحقيقه دائما أقول لنفسي إن بعروقي يجري كل تراب من تراب هذا الوطن، حتى من كل بلاد العالم فلا ندري من أي بلاد قدم أجدادنا السابقون؟ وأين حطوا ثم رحلوا بعد ذلك؟! أو لسنا جميعا نسعى للعودة إلى الجنة؟ أو ليس آدم خلق لها في البدايه وعلينا أن نعود إليها إن عملنا صالحا؟ أو ليس هدفنا جميعا هو الرجوع إلى ذلك الأصل " الجنة"؟ إليها.. نعم .. إنه أصلنا ، فلم نفرق هكذا بيننا بسبب هذه الأصول الدنيوية الزائفة في وهم؟! ....
بدا من كلامه تشدد وعصبية شديدين، حافظت على صمتي، محاولة الهدوء ومتخيلة أني أرد عليه، وأنتظر فحصه ليتم أخيرا، ( ولايني وحلا هذي... منين تسلط عليا هاذ اخينا؟!) في طبعي أحب التعرف على أشخاص كثر من مناطق مختلفة.. أتعلم لهجاتهم؛ أصاحبهم وأشاكس عاداتهم وكلمات لهجاتهم ولكناتهم.. أعشق تقاليدنا المغربية كلها وأحب اللهجات والعادات... كل شيء في وطني أنا أحبه.
أتذكر مرة أستاذا درسني بفاس كيف كان متأثرا للموضوع نفسه وهو يقول بحرقة لنا ( فيما معناه) : "كيف يعقل أن نتنازع عن هذه الأصول وكلنا من بلد واحد ، من جنس واحد، و تحت راية واحدة نعيش ؟!حتى إن الأنساب اختلطت وامتزجت، والأسماء العائلية نفسها تزاوجت، وتلاقحت الأرواح في مدن أو قرى لم تعش فيها من قبل فتجد اسما عائليا مثلا اختار لهذا المكان أو ذاك أصلا له ولخَلفه.
ومرة حدثنا أستاذ آخر في محفل وسط جمع كبير من الناس عن الموضوع نفسه فقال لنا ونظرة حب منه تبسم في وهج الروح لكل الحاضرين.. بل لكل الغائبين أيضا، لكل من فيه عرق عربي لكل من فيه عرق مسلم .. قال " لا إسلام لمن لا عربية له ولا عربية لمن لا إسلام له " حين سمعت هذا الكلام شعرت بقشعريرة، شعرت بحبي الكبير لكل ذرة تراب على هذه الأرض..سكنت هذه العبارة أذني وقلبي منذ ذلك الحين، لكن وأنا أمام هذا الرجل اليوم...
أوه! ما أتفهني وانا لا أستطيع الرد ، خاصة أنه ادعى أن طريقه كلامي هي التي جعلته يسأل عن أصلي وقال إنه سيخبرني عما جعله يقول إن طريقه كلامي مختلفة ، ولكنه لم يفعل، وفي الحقيقة نسيت تذكيره أيضا ،ولم أتذكر إلا بعد خروجي من عيادته .. وأعطاني موعد العودة إليه بعد أيام قليلة... هيههيههيههي أتذكر أن زميلة لي بالعمل في عامي الأول، وبلقاءاتنا الأولى قالت لي: إن كلامي بالعامية، _وكانت لا تسمعني أتحدث إلا بالعامية _ يوحي بأني أمازيغية تتعلم للتو الدارجة المغربية هاهاهاهاها... ضحكت حينها ولم أعرف صراحة كيف أرد على كلماتها ( شبعت ضحك الحمد لله) إيوا لكم واسع النظر
طامة أخرى كانت في لقائي الثاني بالطبيب، وقد ذهبت هذه المرة وحدي دون بثينة.. قبل أن أطرق بابه لأدخل مكتبه ذكرتني الطبيبة بتعديل الكمامة فهو يحب أن يراها قريبة من عيني، يعني أن جزءا منها يكون تحت النظارة ( الله يدوز الساعة على خير)
( يتبع)
24 أكتوبر 2021
هذه المرة تطور الحديث نوعا ما حيث استهله بسؤالي إن كنا نستحق الحياة على هذه الأرض، تذكرت حينها محمود درويش وهو يردد:
" على هذه الأرض ما يستحق الحياة" .، عندما أجبته ولا أذكر كلمتي كما قلتها، لكني أذكر كلمته وهو كالثائر: " ما تجاوبينيش الجواب د الأدبيين" لهذه الدرجة بدا علي تخصصي!؟ وقح هذا الطبيب؛ أف ..!
بعدها لم أعد أجيبه عن أي سؤال خارج إطار مرضي ، إما أظل صامتة أو كما قال المثل المغربي " استخدم الميم ترتاح" _ الميم هنا دالة على " ما النافية" في اللهجة العامية، تستعمل أكثر من " لا"_
وأمر آخر زاده هذه المرة، فبعد أن كان يسب في جنس بشري سابقا، ها هو اليوم بكل لباقة وقحة خبيثة يذكر بعض علماء الدين بسوء، وليته ظل كذلك بل إنه انتقل إلى الصحابة أيضا رضوان الله عليهم، وذكر بعضهم باحتقار، وددت لو أخنقه حينها .. وددت الخروج لكن طاقتي كانت لا تحتمل بعد أن أخرج ، وأنا ما زلت أشعر بضيق واختناق كلما انزعجت من شيء ، وأضاف أن الكتب التي نقرأها كلها كاذبة فما لا تعرفونه أن فلانا قتل علانا وعلانا وآخر وآخر ليكون خليفة وكذلك فعل فلان آخر وآخر، وكذلك استمرت الحياة...
ظللت أتساءل؛ أيعيش بخير هذا السيد؟ أ يعيش حياة عادية؟ ..
عدت إلى البيت وأوقفت كل تلك الأدوية التي كان سجل لي هو ولم يمض على اتباعها أكثر من عشرة أيام، مع أنه كان قد أخبرني بأعراض جانبية صعبة ، وقرأت أكثر مما قال لي بورقة الإرشادات، لكني تحملت في سبيل الشفاء..
هذه المرة طلب أن أعود إليه بعد اتباع الدواء ثلاثة أشهر ، لكني شعرت أني أوافق مجنونا إن فعلت، رميت الأدوية، وما عدت طبعا ...
ضحكت وكنت بخير بحمد الله وفضله..
نسيت إخباركم أنه طلب مني هذه المرة أن أزيل الكمامة، وقال شيئا أضحكني ، فقال : إن كلامه جميل وإن كان جديا ما دمت قد ضحكت ( ابتسامة)
مشرفة / ماستر أدب عربي. أستادة لغة عربية / مهتمة بالنص الأدبي
رد: مذكرات طفولية
ترى كيف تعلمت أن أقرأ؟!
أول تعلقي بالكتب حسبما تخبرني ذاكرتي ليس هو مكتبة أبي التي تزخر بوفرة الكتب في بيتنا،لأني كنت طفلة ولا أرى سوى أنها كتلة من الأوراق التي تهندس ديكور الغرفة، حيث لا أحد يأخذ كتابا لقراءته، ولأني ما أزال صبية تلاعب الكتاب كما تلاعب الدمى ، كنت أحيانا أحب أن أقف على ذلك المكتب الخشبي الأصفر الذي لطالما جربت منه القفز على الحواجز فسقطت أرضا في كثير من الأحيان وكنت أخفي ألمي حتى لا تعرف أمي أني قفزت من عل فأنال عقابي، وقبل القفز أتفق مع حالي على تصفح أوراق الكتب واختيار ما يمكن أن أجد به صورا أو على الأقل كتبا تحمل عناوين كتبت بخط بارز ،واضح، كبير جدا، فقط لأتأملها هيهيهيهه ..... فما كنت أجد الصور غالبا إلا في كتب الطبخ وأغلبها عند أبي كانت باللغة الفرنسية، ولأني لست مهتمة بهذا المجال إلى يومنا هذا فإن الكتاب وإن توفر على صور لن أقرأه، تثيرني بعض العناوين وتفزعني أخرى، حتى إن بعض الكتب ظل تأثير ذكريات الطفولة عليها، فكلما أحببت قراءتها تفَحّصت أول صفحة وأرجعتها لمكانها، لدرجة أني كنت أحفظ مكان أغلب كل كتاب ، وما إن أسمع عنوانا سبق أن رأيته بمكتبة أبي ، أسرع إليه، بل إني ما زلت إلى الآن أستطيع تذكر كتاب إن رأيته كان عندنا وأعطاه والدي لشخص ولم يرجعه له، لكني لا أذكر أبدا أني حاولت مرة قراءة كتاب قراءة كاملة ، فأغلب الكتب المتوفرة إما كتب طبخ أو علوم اقتصاد أو كتب فقه وتصوف ... إلى غير ذلك مما لا يمكن أن يجذب طفلة صغيرة مثلي ، بل حتى طفلة كبيرة مثلي الآن أيضا هيهيهيهي...
أمي كانت هي فيض الكرم ونبع المعرفة، أمي منهل الحرف وسَيْل الكلمة، عشق السرد وذكريات الحكي، أول من خلق لدي متعة القفز فرحا بمجموعة قصصية، كانت السلسلة الزرقاء هي القصص الأولى التي أنهيتها سريعا بلهفة وفرحة، وأنا متعلمة صغيرة تعلمت كيف تقرأ جملا طويلة أو نصا قصيرا، بعدها عدد من القصص الفرنسية أذكر منها قصتين لجحا، لكن الشغف الأول كان للحرف العربي وكما يقول مثلنا العامي " الحب الأول عليه تعول" ( ابتسامة)..
القصص كانت من مكتبة " ابا خلافة" ابَّا خلافة الرجل الذي لا يخفى على ناس الحومة "أهل حي الرياض" ، خاصة شارع القدس من سينما الريف إلى حدود باب الخميس...لا بد أن يمر عليه المرء وهو أمام باب مكتبته الصغيرة فتسمع تحيات متبادلة ، ويشدك ذلك الصوت الجوهري بحس مكناسي ، تلتفت فإذا بك ترى بالضرورة تراثا يتحرك بحكمة، لا أذكر أني رأيت " ابا خلافة " يوما يرتدي شيئا غير الجلباب بكل أشكاله، وأقول هنا بكل أشكاله، لأني قد أراه في مثل هذا الوقت من السنة يلبس الجلباب الجبلي أو ما يطلق عليه " الجلباب الوزاني" .. ولعل شدة الحر في الصيف قد تجعله يتخلى أحيانا عن هذا التقليد، وإن كان وقاره لا يفارقه.
حين اشترت لي أمي المجموعة القصصية قالت لي إن "ابّا خلافة " وعدها أني إن أنهيت القصص سيحضر لي مجموعة أخرى، قصصي تلك أذكر شكلها، وإن غابت عني معظم أحداثها وعناوينها ، لكني لا أنسى أبدا قصة "الأسد في السوق"، _ ربما لأني أعشق الأسد_ الأسد الذي قرر أن يقيم وليمة يدعو إليها حيوانات الغابة ، فكان عليه أن يذهب للسوق ليبتاع كل ما يمكن أن يحتاجه، وعندما التقى القنفذ نبهه أنه اشترى كل شيء إلا أنه نسي أهم ما قد يخفف عليه ثقله وهو سلة وكان ذلك بطريقة تشبه اللغز.
أنا على يقين إن رأيت قصة من تلك المجموعة سأعرفها، وسأذكرها، وإن كانت قد أتلفت، ومع هذا من مجموعات أخرى أحتفظ إلى الآن بقصص أخرى ك " في البادية" ،أو الحداد والشمس..
هنا أريد أن أقول ل " ابا خلافة " : شكرا؛ لأن هذا الرجل، لاحظ ربما أني أحببت القصص، فأعطاني مجلة ماجد أو العربي الصغير وقال لي أن أقرأها وأردها له مع خمسين سنتيما فيعطيني مجلة أخرى، وهكذا سهل علي أن أحصل على متعة قراءة المجلات دون الحاجة لأن أطلب من أبي أو أمي كل مرة ثمنها، يكفي أن آخذ سنتيمات من السنتيمات أو الدراهم التي يمنحها لي جدي أحمد أو أبي بين الفينة والأخرى، وإن أعطيت " ابا خلافة" عشرين سنتيما فإني أحصل على قصة لا مجلة..
ربما هو بهذه الطريقة زرع بداخلي تلك اللهفة وسرعة قراءة ما أحب لقراءة شيء آخر، وحتى أشعر أن لهذه القراءة ثمن كان علي أن أؤدي ثمن كرائي للمجلة أو القصة،شرط طبعا أن أحافظ عليها ، وأحيانا كنت في خجل أرد القصة وأنا لا أملك حتى تلك العشرين سنتيما، مدعية أني هذه المرة لا أريد قراءة شيء، وأعتذر أحيانا عن تأخري في إرجاعها، ويستقبلني " ابا خلافة " بابتسامته وحركته الرصينة الثقيلة، ويقول لي :" مع ذلك ؛ اختاري قصة أو مجلة، يكفي أن تحافظي عليها، اقرئيها بسرعة، وأرجعيها" ولا يأخذ مني أي سنتيم. لم يدم هذا الأمر طويلا، لا أذكر لماذا، لكن ربما يعود السبب إلى أني كنت أستحي أن أكتفي كل مرة بالكراء ، أو أن أبي علم بالأمر فمنعني لأنه سيقول : " باركا ما تْبْسْلي على الراجل، وأنت كل مرة غاديا تأخذي كتاب فابور" يفعلها أبي مع أني لا أذكر.. هو بابا وأنا أعرفه ( ابتسامة) ..
ومن الأدوات المدرسية التي أذكر أني اقتنيتها من مكتبة ابا خلافة كان كرز (Pocahontas ) _ شخصية كرتونية_ ؛ كنت أدرس حينها بالثالث ابتدائي وبقي معي الكرز إلى الإعدادية ، ظل جميلا أنيقا لسنوات ..
كان ابا خلافة يلومني إذا انتبه إلى أني كنت بمستوصف الحي وعدت إلى بيتنا ثم أتيته لأؤدي له ثمن دفتر طلبته الطبيبة مني ، يلومني لأني لم أطلب منه الدفتر دون أن أذهب إلى البيت لأحضر ثمنه، يقول إني هكذا سأتأخر عن دوري ، وأني مريضة لا حاجة لأن أتعب أكثر ، ويلومني لأنه يرى أني هكذا أحسب أنه لن يقبل إعطائي الدفتر حتى أعود له بثمنه في أي وقت، وليس الدفتر الصحي فقط...
إنه ابا خلافة ... إنه الرجل الإنسان .
ومع أننا صرنا نشتري أكثر الأدوات والكتب المدرسية وغيرها من مكتبة أخرى ، إلا أني كلما مررت بجانب تلك المكتبة الصغيرة ، أشعر بانتشاء وأنا أتفحصها وأختلس إطلالة على ابا خلافة داخلها إن لم يكن يقف ببابها، كأني أحب أن أطمئن على أن هذا الرجل دائما بخير، كأني بابتسامتي التي غالبا لا يراها أقول له : " شكرا جزيلا سيدي؛ شكرا جزيلا ابا خلافة" ، ومع ذلك ، و أنا أشتري القصص من المكتبة الأخرى التي سأتحدث عنها أيضا لاحقا إن شاء الله تعالى، كنت أناوب فآخذ مرة من هنا، ومرة من هناك...
وأثناء تفحصي للمكتبة الصغيرة وأنا أمر بها مرة قبل امتحان الأولى باك الجهوي سنة 2005، نادتني رواية معلقة على ذلك الإطار الحديدي الذي توضع عليه بعض الجرائد و المجلات غالبا، وكنت سألت عن الرواية من قبل في أكثر من مكتبة ولم أجدها، ذلك أن أستاذ اللغة العربية بجذع مشترك كان قد تحدث لنا عنها مرة،وعن صيتها الذي ذاع فجأة، فترجمت إلى لغات عدة، ثم بعد أستاذي العزيز، يفاجئني بالحديث عنها أستاذي الذي درسني الاسبانية بالأولى باك، فعزمت على قراءتها مهما يكن، وها هي أخيرا تبتسم لي بمكتبة ابا خلافة.
_ ياه! إنها هي! أقسم أنها هي .. وأخيرا ( و أنا أحدث نفسي )
التفت إلى با خلافة وسألته بعد السلام عن ثمنها.. أجابني، وعلمت بعدها أنه لا يملك غير نسخة واحدة منها، طلبت منه أن يحتفظ لي بها وأخبرته أن فترة الامتحانات لا تسمح لي بأن أختلي بنفسي لقراءة ما أحب. لكنه قال: " بادري وإلا إن طلبها شخص آخر سأبيعها له" ؛ يا إلهي ! أيكون ابا خلافة قد نسيني فما عرف أني أريدها حقا، أ يظن أنه مجرد سؤال عابر مني؟!... مع ذلك رجوته وانصرفت ، كان الشيء الوحيد الذي أنا متأكدة منه هو أني إن حصلت عليها لن أراجع حرفا أو رقما من مواد الامتحان خاصة التربية الإسلامية والفرنسية أما علوم الحياة والأرض والسيد رياضيات فحدث ولا حرج.. ويا ليتني كنت قد اشتريتها حينها ، لأني لم أكن قد حصلت على نقطة جيدة في الفرنسية التي ضحيت بالرواية لأجلها ولعيون ( Antigone , La gloire de mon père , et Eugénie Grandet) ، كنت كل مرة أخرج فيها من البيت لقضاء شيء أهرول إلى ابا خلافة لأؤكد عليه أني ما زلت أريد الرواية، وأخبره أني سآخذها مباشرة بعد إنهائي للامتحانات، وأحيانا لا أجد الرواية معلقة فأطل عليه وهو جالس على كرسيه؛ أسأله في خجل : " ابا خلافة واش بعت الرواية؟" فيرد علي أن لا، ويريني إياها فأبتسم متنفسة الصعداء، و ما إن أنهيت الامتحان حتى كان أول مكان أذهب إليه بعد أن سلمت على أمي من باب البيت دون أن أدخله " مكتبة ابا خلافة" ...
أخيرا اشتريت منه الرواية وعدت إلى البيت وقد بدأت قراءتها من أمام مكتبة ابا خلافة، فقد كانت العبارات الأولى مشوقة والكاتب يقول:
"صباح الخير أيها الليليون،
صباح الخير أيها النهاريون،
صباح الخير يا طنجة المنغرسة في زمن زئبقي "
شكرا ابا خلافة
مشرفة / ماستر أدب عربي. أستادة لغة عربية / مهتمة بالنص الأدبي
رد: مذكرات طفولية
لم أكن أعرف غير مكتبة ابا خلافة، ومكتبتين صغيرتين أيضا سريعا سدتا أبوابهما ، كنت اشتريت من واحدة منهما وأنا بالخامس ابتدائي " منجد الطلاب" وأدوات أخرى، لا أذكر إن كان لهذه المكتبة اسما معينا أم أنها مكتبة بلا عنوان. كان صاحبها قوي النظرات مرعبها، شديد اللهجة مخيفها، تشعر به أو كنت أشعر به وأنا طفلة حينها كأنه يطرد زبناءه بطريقة كلامه ونظراته المخيفة، و ربما هذا ما كان يبدو لصبية مثلي تهوى الابتسامات.. أو على الأقل لباقة الكلمات.
أما مكتبة المعرض الدائم للكتاب فهي مكتبة خاصة ببيع الكتب واللوازم الدراسية ولكنها كانت خاصة بي أيضا وأنا لا علم حينها بوجود مكتبات عمومية.
لا أعرف كيف سكنتني مكتبة المعرض الدائم للكتاب أو سكنتها أو ربما دللني با خلافة حتى صرت أطمع في قراءة كتب من مكتبات أخرى.
مكتبة عمي موسى كما كنا نسميها أخواتي وأنا في أحايين كثيرة؛ غالبا لأن موسى هو أحد أصحاب المعرض الدائم للكتاب وقد كان ولا يزال بمثابة صديق لأبي.. ولهذا السبب أيضا كانت البداية التي لا أذكرها، ما أجد الآن أمامي من الذكريات هو أنه كلما طُلب منا موضوع إنشائي ما وأحيانا مجرد بحث صغير عبارة عن تمرين مثلا ، أفكر في كتابة شيء مميز، مختلف بعباراته وتعابيره، أجد نفسي أمام عمي موسى وأحيانا " اسي سعيد" أخوه الذي كنت أخشى أن أعلمه بحاجتي ،حيث كان يتملكني شعور أنه غير راض عن وجودي بالمكتبة؛ نظراته تجعل عيني لا تفارقان سطور الكتاب إلا إذا اتجهتا مباشرة صوب العناوين المتراصة بالرفوف ، ومع ذلك الإحساس الذي كان ينتابني إلا أني كنت أعود مرة أخرى، فأقول لمن أجده أمامي غيره طبعا :
" إني أريد كتابا يتحدث عن كذا وكذا " فيطلب عمي موسى من أحد العاملين معه مرافقتي لاختيار كتاب من بين عناوين انتقاها هو، وأحيانا يشير إلى عنوان واحد فقط، فآخذ منه ما أراه يهمني، وكنت أطيل المكوث بالمكتبة، أحيانا أقرأ عناوين الكتب، وأحيانا يثيرني كتاب فأفتحه لقراءة فهرسه، أو صفحة من صفحاته، وأنا كما قلت قبلا ، لم أقرأ كتابا ضخما كاملا من قبل ،ولكني آخذه لتفحصه وقراءة بعض أسطره أو صفحاته إن تعلق بي الكتاب ( ابتسامة).
كنت وأنا ألامس الكتب أسترق النظرات لأرى إن كان أحدهم يراقبني، فلا أرى أحيانا غير العم سعيد وقد سكنت الكتب بعينيه كأنه يخشى عليها مني ، لطالما كنت أتأخر هناك إلى الوقت الذي تكاد تغلق المكتبة فيه أبوابها،فيقول لي عمي موسى:
" خذي الكتاب معك ، لكن أرجعيه نهار الغد إن شاء الله" وتداعبني بسمة انتصار فأعانق الكتاب والسعادة تغمرني، وفي أوقات كثيرة أصل إلى بيتنا قفزا، هذا طبعا إن لم يكن أبي قد لحق بي إلى المكتبة ، أو ترسل أمي أحدا ليتفقدني ...
عندما حسبت أن الجميع حتى عمي سعيد قد صار يألف وجودي بينهم، صرت أكتفي بالتحية، وإخبارهم أني سأذهب إلى الكتب مباشرة، وهذا يعني أني لن أشتري وإنما فقط سأقرأ، وطبعا من رآني دخلت أحمل قلما وأوراقا أو دفترا يفهم أني جئت للسكن مجددا بالمكتبة ، ويا لحماقتي حين يستفزني كتاب بعنوانه، ويكون الكتاب عاليا جدا، فأطلب من أحدهم أن يمدني به فقط رغبة في تصفح وريقاته والاطلاع على فهرسه ، والكارثة هي حين لا يقبلني الكتاب ولا أقبله بعد أول تصافح بيننا، أرجعه لهم مباشرة كي يأتوا بالسلم مرة أخرى فيعتلوه ليعيدوا الكتاب إلى ركنه...
أيام الابتدائي لم أشتر غير القصص وكتاب " من كنوز السنة" وكتاب أناشيد مرفقا بكاسيط بعنوان أركان الإيمان إضافة إلى كتاب علمي (موسوعة جسم الإنسان) ، كتاب من جزئين لتراجم الشعراء والأدباء والمفكرين،و عناوين أخرى قليلة
كنت أتوق دائما لشراء القصص ، لكني لم أكن أجد غير قصص الأطفال ، ما إن التحقت بالإعدادية حتى وجدتني مللت قصص الأطفال وأريد قصصا للكبار ، من كان بسني من أبناء العائلة الذين كنت أتبادل معهم أحيانا القصص، أو إن كنت ببيتهم آخذ لي ركنا عندهم لقراءة قصة أو مجلة ، ليس لأي منهم قصص لغير الأطفال .. بالمعرض الدائم للكتاب لا أجد غير قصص الأطفال ، حتى أدركت أني حرمت هذه المتعة، طيلة سنوات الإعدادي الثلاث لم أقرأ قصة إلا إذا كانت بالكتاب المدرسي...
لا أذكر من ذاك الذي كان قد قال لي ( أنت كبرت على قراءة القصص، اقرئي شيئا آخر، القصص للأطفال فقط) ، وكنت أشعر بانقباض حينها ، ولما لا أجد شيئا أفعله، أو إذا أردت البحث عن موضوع ما ألجأ إلى مكتبة المعرض الدائم للكتاب ، فلا أراني إلا قد عوضت نسبيا فقدان القصص بتأمل كتب من نوع آخر.. صرت فيما بعد أتفهم نظرات اسي سعيد لي خوفا على كتبه .. إن المكتبة بيته الأول، يقضي فيها حياة لا يعيشها بين أسرته، يرعى الكتب كأنها هي أبناؤه... بعد فترة صار اسي سعيد يألفني ... بل وييسر لي اقتطاف بعض الكتب وشرائها.. إلى أن وجدت أخيرا بعض الروايات أو المجموعات القصصية بالمكتبة بعد أن كنت اعتدت شراءها من أماكن أخرى ، ولعل أول رواية أخذتها من المعرض الدائم للكتاب هي نزيف القناديل لمحمد غلمي، وأول مجموعة قصصية كانت هي مؤنس العليل لمحمد أنقار...
شكرا أهل المعرض الدائم للكتاب
أما ما يمكن تسميته بالمرحلة الثالثة فلعل المكتبات لم يكن لها فيه دور وقد تأتي مرحلة من المراحل أذكرها سببت ابتعادا عن كل قراءة ...
24 أبريل 2022
مشرفة / ماستر أدب عربي. أستادة لغة عربية / مهتمة بالنص الأدبي
رد: مذكرات طفولية
اقتباس
عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة خولة السعيد
لم أكن أعرف غير مكتبة ابا خلافة، ومكتبتين صغيرتين أيضا سريعا سدتا أبوابهما ، كنت اشتريت من واحدة منهما وأنا بالخامس ابتدائي " منجد الطلاب" وأدوات أخرى، لا أذكر إن كان لهذه المكتبة اسما معينا أم أنها مكتبة بلا عنوان. كان صاحبها قوي النظرات مرعبها، شديد اللهجة مخيفها، تشعر به أو كنت أشعر به وأنا طفلة حينها كأنه يطرد زبناءه بطريقة كلامه ونظراته المخيفة، و ربما هذا ما كان يبدو لصبية مثلي تهوى الابتسامات.. أو على الأقل لباقة الكلمات.
أما مكتبة المعرض الدائم للكتاب فهي مكتبة خاصة ببيع الكتب واللوازم الدراسية ولكنها كانت خاصة بي أيضا وأنا لا علم حينها بوجود مكتبات عمومية.
لا أعرف كيف سكنتني مكتبة المعرض الدائم للكتاب أو سكنتها أو ربما دللني با خلافة حتى صرت أطمع في قراءة كتب من مكتبات أخرى.
مكتبة عمي موسى كما كنا نسميها أخواتي وأنا في أحايين كثيرة؛ غالبا لأن موسى هو أحد أصحاب المعرض الدائم للكتاب وقد كان ولا يزال بمثابة صديق لأبي.. ولهذا السبب أيضا كانت البداية التي لا أذكرها، ما أجد الآن أمامي من الذكريات هو أنه كلما طُلب منا موضوع إنشائي ما وأحيانا مجرد بحث صغير عبارة عن تمرين مثلا ، أفكر في كتابة شيء مميز، مختلف بعباراته وتعابيره، أجد نفسي أمام عمي موسى وأحيانا " اسي سعيد" أخوه الذي كنت أخشى أن أعلمه بحاجتي ،حيث كان يتملكني شعور أنه غير راض عن وجودي بالمكتبة؛ نظراته تجعل عيني لا تفارقان سطور الكتاب إلا إذا اتجهتا مباشرة صوب العناوين المتراصة بالرفوف ، ومع ذلك الإحساس الذي كان ينتابني إلا أني كنت أعود مرة أخرى، فأقول لمن أجده أمامي غيره طبعا :
" إني أريد كتابا يتحدث عن كذا وكذا " فيطلب عمي موسى من أحد العاملين معه مرافقتي لاختيار كتاب من بين عناوين انتقاها هو، وأحيانا يشير إلى عنوان واحد فقط، فآخذ منه ما أراه يهمني، وكنت أطيل المكوث بالمكتبة، أحيانا أقرأ عناوين الكتب، وأحيانا يثيرني كتاب فأفتحه لقراءة فهرسه، أو صفحة من صفحاته، وأنا كما قلت قبلا ، لم أقرأ كتابا ضخما كاملا من قبل ،ولكني آخذه لتفحصه وقراءة بعض أسطره أو صفحاته إن تعلق بي الكتاب ( ابتسامة).
كنت وأنا ألامس الكتب أسترق النظرات لأرى إن كان أحدهم يراقبني، فلا أرى أحيانا غير العم سعيد وقد سكنت الكتب بعينيه كأنه يخشى عليها مني ، لطالما كنت أتأخر هناك إلى الوقت الذي تكاد تغلق المكتبة فيه أبوابها،فيقول لي عمي موسى:
" خذي الكتاب معك ، لكن أرجعيه نهار الغد إن شاء الله" وتداعبني بسمة انتصار فأعانق الكتاب والسعادة تغمرني، وفي أوقات كثيرة أصل إلى بيتنا قفزا، هذا طبعا إن لم يكن أبي قد لحق بي إلى المكتبة ، أو ترسل أمي أحدا ليتفقدني ...
عندما حسبت أن الجميع حتى عمي سعيد قد صار يألف وجودي بينهم، صرت أكتفي بالتحية، وإخبارهم أني سأذهب إلى الكتب مباشرة، وهذا يعني أني لن أشتري وإنما فقط سأقرأ، وطبعا من رآني دخلت أحمل قلما وأوراقا أو دفترا يفهم أني جئت للسكن مجددا بالمكتبة ، ويا لحماقتي حين يستفزني كتاب بعنوانه، ويكون الكتاب عاليا جدا، فأطلب من أحدهم أن يمدني به فقط رغبة في تصفح وريقاته والاطلاع على فهرسه ، والكارثة هي حين لا يقبلني الكتاب ولا أقبله بعد أول تصافح بيننا، أرجعه لهم مباشرة كي يأتوا بالسلم مرة أخرى فيعتلوه ليعيدوا الكتاب إلى ركنه...
أيام الابتدائي لم أشتر غير القصص وكتاب " من كنوز السنة" وكتاب أناشيد مرفقا بكاسيط بعنوان أركان الإيمان إضافة إلى كتاب علمي (موسوعة جسم الإنسان) ، كتاب من جزئين لتراجم الشعراء والأدباء والمفكرين،و عناوين أخرى قليلة
كنت أتوق دائما لشراء القصص ، لكني لم أكن أجد غير قصص الأطفال ، ما إن التحقت بالإعدادية حتى وجدتني مللت قصص الأطفال وأريد قصصا للكبار ، من كان بسني من أبناء العائلة الذين كنت أتبادل معهم أحيانا القصص، أو إن كنت ببيتهم آخذ لي ركنا عندهم لقراءة قصة أو مجلة ، ليس لأي منهم قصص لغير الأطفال .. بالمعرض الدائم للكتاب لا أجد غير قصص الأطفال ، حتى أدركت أني حرمت هذه المتعة، طيلة سنوات الإعدادي الثلاث لم أقرأ قصة إلا إذا كانت بالكتاب المدرسي...
لا أذكر من ذاك الذي كان قد قال لي ( أنت كبرت على قراءة القصص، اقرئي شيئا آخر، القصص للأطفال فقط) ، وكنت أشعر بانقباض حينها ، ولما لا أجد شيئا أفعله، أو إذا أردت البحث عن موضوع ما ألجأ إلى مكتبة المعرض الدائم للكتاب ، فلا أراني إلا قد عوضت نسبيا فقدان القصص بتأمل كتب من نوع آخر.. صرت فيما بعد أتفهم نظرات اسي سعيد لي خوفا على كتبه .. إن المكتبة بيته الأول، يقضي فيها حياة لا يعيشها بين أسرته، يرعى الكتب كأنها هي أبناؤه... بعد فترة صار اسي سعيد يألفني ... بل وييسر لي اقتطاف بعض الكتب وشرائها.. إلى أن وجدت أخيرا بعض الروايات أو المجموعات القصصية بالمكتبة بعد أن كنت اعتدت شراءها من أماكن أخرى ، ولعل أول رواية أخذتها من المعرض الدائم للكتاب هي نزيف القناديل لمحمد غلمي، وأول مجموعة قصصية كانت هي مؤنس العليل لمحمد أنقار...
شكرا أهل المعرض الدائم للكتاب
أما ما يمكن تسميته بالمرحلة الثالثة فلعل المكتبات لم يكن لها فيه دور وقد تأتي مرحلة من المراحل أذكرها سببت ابتعادا عن كل قراءة ...
24 أبريل 2022
بعد أن التحقت بالثانوي عانقت الرواية أول مرة، قد يستغرب عدد كبير من الشغوفين بالقراءة، كيف يمكن لمن يدعي حب القراءة ألا يعرف أن هناك شيء اسمه الرواية في مرحلة عمرية أقل؟!!
لكني فعلا أول مرة أمسك رواية وأعانقها _ بعد أن أقلعت عن قصص الأطفال أو النص السردي عموما لمدة تجاوزت ثلاث سنوات_، أما النص الشعري فكنت لا أقرأ غير نصوص المقرر الدراسي التي غالبا ماكانت تعجبني جلها، وأحفظ بعضها لحين، ثم أنساه، ونادرا ما أجد نصوصا ترغمني على أن أبحث عن موسيقاها لأني لا أستلذها..
نعم يا سادة؛ قد سردت من قبل مرحلتين وها المرحلة الثالثة التي كان من الضرورة أن أذكرها، فإن كنت عرفت القصة صغيرة بفضل أمي، فإني أشكر لتخصصي الأدبي بالثانوية تعرفي على القصة الطويلة /قصة الكبار/ الرواية.. بالثانوية، إذ كانت مقررة عندنا كتلاميذ..
ولكن هذا التعرف ليس كافيا لأقول إنه المرحلة الثالثة..
أيام دراستي كان أول روائي تعرفت عليه هو نجيب محفوظ مع روايته بداية ونهاية، أخذني أسلوبه وسلبتني بساطة سرده، ودقة وصفه. عشت الرواية بتفاصيلها فوجدتني أشتري رواية أخرى له " زقاق المدق " ؛ بالمناسبة؛ لم أكن أحب كتابة حرف واحد على القصص التي تخصني أو كتبي ، ولا أحب أن أطوي جزءا من الورقه ليتبين لي فيما بعد أين وصلت بالقراءة فأتابع ، لأن هذا يجعلني أحس أني أضر الكتاب وأوذيه؛ أعذب تلك الورقة بطيها .. لا أحب أن أضيف على الكتاب بقلمي حرفا واحدا ، ولا أسجل عليه اسمي أو أضع به علامة؛ لكن هذا قد تغير بعض الشيء في ما بعد، فقد حدث مرة وقد بدا ربما علي أثناء الحصص الدراسية في مادة اللغة العربية أني أميل لحصة المؤلفات، وهي حصة واحدة بالأسبوع، أي ساعة واحدة من خمس ساعات.. كان أستاذي قد أعطاني مرة مؤلف "مسرحية 'شهرزاد"' الخاص به وطلب مني نسخ أو نقل آخر ما جاء بالمؤلف.
وكان مؤلف شهرزاد مقررا لدينا بالفصل الدراسي الثاني.
إن آخر ما جاء بالمؤلف هو عبارة عن مجموع عناوين مؤلفات توفيق الحكيم ومجموع عناوين مؤلفات نجيب محفوظ .. شيء ما دفعني لنقل الجدول الذي ضم هذه المؤلفات بقلمي بدل نسخه؛ لا أعرف لماذا فضلت الكتابة على النسخ حينها!! أو هل كنت أعرف؟!!!!
بفضل تلك الكتابة قد رسخ في ذهني حينها جملة من العناوين حتى إني ظللت لفترة طويلة سابقة ما إن أسمع عنوانا خاصا بتوفيق الحكيم أو نجيب محفوظ حتى أستطيع تمييزه سريعا..
حين أعطيت أستاذي تلك الأوراق التي نقلت بها ما طلب مني تفاجأت بقوله : إنه لم يطلب مني فعل ذلك لأعطيه إياها بل هو طلب ذلك لأجلي ولأجل أن أتعرف أنا بطريقة مبسطة على هذه المؤلفات. طبعا هو لم يقل هذه الجملة الطويلة التي ذكرتها ؛ أذكر أنه اكتفى بعبارة سريعة تلخص جملتي الطويلة.. تعرفون طبعا ذلك الإحساس الجميل حين تزهو نفس التلميذ وقد اختاره أستاذه لمهمة، ربما كان هذا ما دفعني لأن أكتب بقلمي والسكر الجدول بعناية، وأختار الألوان التي سأكتب بها، بدل أن يكون النسخ بلون واحد _ الأسود القاتم_ . كان هذا الفعل من أستاذي أجمل طريقة حينها تجعلني أسعى لمتابعة قراءاتي الصغيرة القليلة، التي كنت قد تخليت عنها حيث إنها أكثر ما جذبني للقراءة آنذاك..
للسرد وقع بالنفس مميز .. طابع خاص يبصم أثره بالقلب مبتسما، فكأن أستاذة أدرك حبي للأدب/ للسرد، وجهلي به أيضا رغم الحب، فرحة عارمة سلبتني حينها وأنا أعلم أن القصة الكبيرة/ الرواية موجودة على أرض الواقع؛ موجودة بوفرة ،لكنني غبية كسول، ومتهاونة خمول أيضا..
ما تعلمته من أستاذي هذه المره كان دون أن يقول أية كلمة أو يضطر للوقوف أمامنا ساعة أو ساعتين ليشرح حاملا طبشوره متوجها إلى السبورة حينا وإلى وجوهنا أحيانا..
ما تعلمته كان في مؤلف شهرزاد الخاص بأستاذي..
تعلمت اأني ما دمت أحب القراءة فعلي أن أقرأ..
تعلمت أن أكتب اسمي في أول الكتاب الخاص بي مع تاريخ حصولي عليه ففي هذا ذكرى يجب الاحتفاظ بها..
بالمناسبة؛ وتعلمت أيضا أن أتأمل..
أذكر أن مسرحيه شهرزاد لم تعجبني كثيرا عندما قرأتها أول مرة لكن اشتغالنا عليها بالفصل الدراسي جعلني أحس أني أكاد أحفظها وأحببتها ..
ومما تعلمت من الأستاذ العزيز كذلك بهذا الخصوص ما يمكن أن يدفعنا أكثر للقراءة وهو أن ندون كل كتاب قرأناه مع تاريخ بداية قراءته والانتهاء منه ، والإشارة إلى دار النشر وطبعته ، " هذا كان هو من قاله بلسانه" وهذا ما كنت أفعل في وقت من الأوقات، لكني لم أعد وفية لهذا العمل إلا نادرا جدا خاصة أني أهملت القراءة من جديد لفترة طويلة... عبارات كثيرة ودروس أكثر التقطتها من هذا السيد العظيم من هذا الأستاذ الكريم، من هذا الأستاذ العزيز ، حتى إني أحببت فيما بعد بعض الكتب أو المؤلفات حينما قرأت فيها شيئا سبق أن ذكره أستاذنا ... إنه الأستاذ الذي يمكن أن تسميه قدوة، لهذا أجدني دائما كلما أحببت الحديث عنه أقول" أستاذي العزيز" فعبارة أستاذ وحدها لا تكفي، وإن كان حديثي سريعا وأغفلتها ألوم نفسي فيما بعد.
فعلا أفدت منه الشيء الكثير، وما قلته الآن ليس إلا نقطة من بحر ما أخذت منه ، لذلك أشعر أنه كان من الواجب علي أن أقول له شكرا وإن كان هذا الشكر لا يكفي، حتى وإن سبق وقلت هذه اللفظة من قبل "شكرا " فإني لم أوفه حقه بالشكر. عندما جرتني إحدى زميلاتي بعد حصولها على الباك وكانت تسبقني بموسم دراسي، وكانت درست عنده بعدي، فأتت لزيارته بالمؤسسة بعد نجاحها حتى تقدم له هدية عربون شكر ومحبة لم أفعل أنا وإن كان درسني قبلها، لا أعرف لماذا كنت لا أحبذ هذه المبادرة مع أني احس برغبه فيها، لن يكون حينها تقرب من الأستاذ لأجل نقطة إضافية مثلا فهو لم يعد يدرسني ، لكن !!!! السبب إذن لا أعرفه.. حسنا فلأكتف أنا بالدعاء له دائما دائما دائما علي لا أقصر..
حفظك ربي أستاذي العزيز عادل بوجنان ... بقية الدعاء بيني وبين ربي ( ابتسامة)
أما أنتم فلتضيفوا إلى الأوصاف السابقة( غبية ؛ كسول ؛متهاونة ؛خمول )وصفا جديدا : وبخيلة ...
هاهاهاهاهاهاهاهاها
التعديل الأخير تم بواسطة رشيد الميموني ; 11 / 09 / 2022 الساعة 34 : 12 PM.
مشرفة / ماستر أدب عربي. أستادة لغة عربية / مهتمة بالنص الأدبي
رد: مذكرات طفولية
* عاشوراء مباركة*
لابد وأن كلا منا يحمل مجموعة من الذكريات خاصة تلك التي ترتبط بمناسبة معينة، وتعتبر عاشوراء من المناسبات التي تجمعنا كمغاربة بذكريات موحدة غالبا، حيث إننا نتشارك جميعا في شراء الألعاب للأطفال، وفي شراء بعض المكسرات والنقل والفواكه الجافة ..
مجموعة منا تصوم تاسوعاء وعاشوراء، مجموعة منا تجتمع مع الأهل والأحباب، وهناك من يحب أن يلتم على قصعة الكسكس أو الرفيسة ...
وكنا نحن نجتمع غالبا في بيت جدي " عبد الرحمن" نستنشق من خلاله هواء المدينة القديمة، وتعب علينا خالتي فاطمة القادمة من الدار البيضاء خصيصا لتحضر لنا بهذه المناسبة : " الكسكس بالكرداس" ، والأهم من ذلك " لمة الحباب" حتى وإن كان منا لا يحب طعم " الكرداس"..
شعور جميل حين يأخذ الطفل في مناسبة العيد من جده أوجدته أو من والديه بعض الدريهمات لكنه يكون جميلا أكثر حين يقترن بالألعاب، وهو ما يحصل أيضا بعاشوراء؛ أتذكر جيدا حين كان جدي أحمد رحمه الله تعالى يجود علينا بدريهمات أكثر من الأيام العادية في مثل هذه المناسبات ، ولكني كنت أشعر بالسعادة عندما أفتح علب اللعب مع بثينة أختي، تلك اللعب التي جلبتها لنا ماما مفاجأة، وأحيانا تختارها لنا برفقتنا، حتى إني مازلت أحتفظ مثلا ب"بيانو" صغير منذ ما يزيد عن عشرين عاما، وإن كنت أحب الاحتفاظ بلعب أخرى، لكن كان هناك من يرفسها رفسا ويكسرها كسرا ويحطمها تحطيما ، والمفاجأة أيضا حين كان يعود أبي ليلا من وليلي ولا يدخل البيت إلا وقد جلب لنا مجموعة من اللعب هو الآخر، فنفرح كثيرا أختي وأنا ونلعب كثيرا ويزيد من فرحنا حين نقف مشدوهتين أمام أمي وأبي حفظهما ربي، وهما كذلك يسترجعان ذكرياتهما بالألعاب.
أذكر أن أبي قد أحضر لنا مرة لعبة على شكل بطة صغيرة نجرها بحبل، لكنه بدأ اللعب هو أولا مع ماما، يجريان بها وسط الدار ،و أختي وأنا نضحك خاصة ونحن نسمع منهما: " اللي يبغيوها الصغار يحماقو عليها الكبار" ؛ كانت فعلا ذكريات جميلة.
اليوم أحاول إعادة تلك الحياة مع أسماء وآلاء وإن بشكل شبيه بالماضي نوعا ما فلست كأمي وليس أحد كآخر، ولم يكن الحاضر يوما هو الماضي وإن كان عليه يستقيم ...
ومن عاداتنا أيضا رش الماء على بعضنا البعض بفكرة " الزكاة"، وقد تضيف بعض الأمهات قص جزء من شعر بناتهن على أساس أنه سيطول سريعا بعد ذلك..
لكن ما رأيكم أن نتحدث عن رش الماء قليلا، هذا الذي تحول عند البعض اعلى ضرب ب بالونات مليئة بالماء بل وصل للضرب بالبيض؟! الحمد لله أني لم أصل بيتنا مبللة بذلك، ولكني كنت أرى وأشاهد ما يحدث من مواقف، ومن الطرائف التي أتذكرها بمثل هذه المناسبة، حتى قد يراني البعض أضحك _ بلا سبب كما يبدو _ .
كنت أدرس بمستوى الثالثة إعدادي،و في أول حصة مسائية بذكرى عاشوراء _ الثانية بعد منتصف النهار_ أثناء انتظار دخول أستاذ ماده الفيزياء، دخلت تلميذة معي بالصف تنظف شعرها بالماء المتواجد بالحوض الخاص بقسم الفيزياء، وما إن أوشكت أن تنهي غسل شعرها وهي تمشطه كأنها في بيتها حتى دخل الأستاذ وقد استغرب لفعلها، فلما علم أن السبب هو أن أحدهم ضربها بالبيض، طلب منا جميعا أن نضع محافظنا على طاولاتنا حتى يفتشها، وفتشنا واحدا واحدا، فلم يجد إلا عند تلميذ واحد ثلاث بيضات، كسرها على رأسه، ومزجها كأنه سيحضر " الفقاص" ولما أنهى خليطه قال لنا هكذا سيظل طيلة الحصة ، أي لساعتين، ضحكنا كثيرا حينها، ولم ينه التلاميذ ضحكهم، بل تابعوه بقوة عندما وصل لحضرتي ...
يا سلام!!
لا تستغربوا، ولا تتساءلوا كثيرا، سأخبركم حالا..
يا سادة ؛ عندما وصل إلي أخبرني أنه متأكد لن يجد عندي ما يبحث عنه عند الآخرين، وأنه فقط لا يمكنه استثنائي عنهم، شعرت بالحرارة بدأت ترتفع في جسمي النحيل ، وهو يهم بالبحث والتفتيش والتنقيب، والسكون يعم القسم، فزملائي يعرفون أني من عشاق أكل الحلويات والمكسرات وووو داخل القسم، ولكن في حياتي الدراسية كلها لم يكتشف أستاذ أمري، إني آكل بهدوء تام، حتى جيراني الذين أشاركهم ذلك لم يقل منهم أحد أني أعطيته شيئا حين ينفضح أمره، والآن؟!
هاهي قطع الشوكولاطة والمصاصة وبعض الحلويات والمكسرات والتمر...، منها ما أضعه في علبة ومنها ما رميته بمحفظتي بطريقة عشوائية ، أخذ لي الأستاذ كل ذلك، وضحكات زملائي تفرقع القسم، وأنا بابتسامة حمراء أراقب الأمر ، حين انتهت الحصة وناداني الأستاذ لأبقى حتى يخرج الجميع وآخذ مأكولاتي ، كنت أخشى منه لوما ، فقلت له: " شكرا أستاذ هي خوذهم" وخرجت مسرعة، منذ ذلك الحين وهو يحاول أن يراقبني إن كنت آكل شيئا، ولكنه يعلن في كل حصة أنه أبدا لا يعرف كيف ألتهم الحلوى دون ملاحظته ، حتى يأتي ليجلس بجانبي _ وقد صرت منذ ذلك الحدث، أجلس وحدي بآخر طاولة بالصف أتأرجح بكرسيي كما يحلو لي _ فيرى ذلك الركن الذي أخبئ فيه لفافات الحلوى الفارغة قد امتلأ ... وهكذا ( غمزة وابتسامة)
8 غشت 2022
عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة خولة السعيد
* عاشوراء مباركة*
لابد وأن كلا منا يحمل مجموعة من الذكريات خاصة تلك التي ترتبط بمناسبة معينة، وتعتبر عاشوراء من المناسبات التي تجمعنا كمغاربة بذكريات موحدة غالبا، حيث إننا نتشارك جميعا في شراء الألعاب للأطفال، وفي شراء بعض المكسرات والنقل والفواكه الجافة ..
مجموعة منا تصوم تاسوعاء وعاشوراء، مجموعة منا تجتمع مع الأهل والأحباب، وهناك من يحب أن يلتم على قصعة الكسكس أو الرفيسة ...
وكنا نحن نجتمع غالبا في بيت جدي " عبد الرحمن" نستنشق من خلاله هواء المدينة القديمة، وتعب علينا خالتي فاطمة القادمة من الدار البيضاء خصيصا لتحضر لنا بهذه المناسبة : " الكسكس بالكرداس" ، والأهم من ذلك " لمة الحباب" حتى وإن كان منا لا يحب طعم " الكرداس"..
شعور جميل حين يأخذ الطفل في مناسبة العيد من جده أوجدته أو من والديه بعض الدريهمات لكنه يكون جميلا أكثر حين يقترن بالألعاب، وهو ما يحصل أيضا بعاشوراء؛ أتذكر جيدا حين كان جدي أحمد رحمه الله تعالى يجود علينا بدريهمات أكثر من الأيام العادية في مثل هذه المناسبات ، ولكني كنت أشعر بالسعادة عندما أفتح علب اللعب مع بثينة أختي، تلك اللعب التي جلبتها لنا ماما مفاجأة، وأحيانا تختارها لنا برفقتنا، حتى إني مازلت أحتفظ مثلا ب"بيانو" صغير منذ ما يزيد عن عشرين عاما، وإن كنت أحب الاحتفاظ بلعب أخرى، لكن كان هناك من يرفسها رفسا ويكسرها كسرا ويحطمها تحطيما ، والمفاجأة أيضا حين كان يعود أبي ليلا من وليلي ولا يدخل البيت إلا وقد جلب لنا مجموعة من اللعب هو الآخر، فنفرح كثيرا أختي وأنا ونلعب كثيرا ويزيد من فرحنا حين نقف مشدوهتين أمام أمي وأبي حفظهما ربي، وهما كذلك يسترجعان ذكرياتهما بالألعاب.
أذكر أن أبي قد أحضر لنا مرة لعبة على شكل بطة صغيرة نجرها بحبل، لكنه بدأ اللعب هو أولا مع ماما، يجريان بها وسط الدار ،و أختي وأنا نضحك خاصة ونحن نسمع منهما: " اللي يبغيوها الصغار يحماقو عليها الكبار" ؛ كانت فعلا ذكريات جميلة.
اليوم أحاول إعادة تلك الحياة مع أسماء وآلاء وإن بشكل شبيه بالماضي نوعا ما فلست كأمي وليس أحد كآخر، ولم يكن الحاضر يوما هو الماضي وإن كان عليه يستقيم ...
ومن عاداتنا أيضا رش الماء على بعضنا البعض بفكرة " الزكاة"، وقد تضيف بعض الأمهات قص جزء من شعر بناتهن على أساس أنه سيطول سريعا بعد ذلك..
لكن ما رأيكم أن نتحدث عن رش الماء قليلا، هذا الذي تحول عند البعض اعلى ضرب ب بالونات مليئة بالماء بل وصل للضرب بالبيض؟! الحمد لله أني لم أصل بيتنا مبللة بذلك، ولكني كنت أرى وأشاهد ما يحدث من مواقف، ومن الطرائف التي أتذكرها بمثل هذه المناسبة، حتى قد يراني البعض أضحك _ بلا سبب كما يبدو _ .
كنت أدرس بمستوى الثالثة إعدادي،و في أول حصة مسائية بذكرى عاشوراء _ الثانية بعد منتصف النهار_ أثناء انتظار دخول أستاذ ماده الفيزياء، دخلت تلميذة معي بالصف تنظف شعرها بالماء المتواجد بالحوض الخاص بقسم الفيزياء، وما إن أوشكت أن تنهي غسل شعرها وهي تمشطه كأنها في بيتها حتى دخل الأستاذ وقد استغرب لفعلها، فلما علم أن السبب هو أن أحدهم ضربها بالبيض، طلب منا جميعا أن نضع محافظنا على طاولاتنا حتى يفتشها، وفتشنا واحدا واحدا، فلم يجد إلا عند تلميذ واحد ثلاث بيضات، كسرها على رأسه، ومزجها كأنه سيحضر " الفقاص" ولما أنهى خليطه قال لنا هكذا سيظل طيلة الحصة ، أي لساعتين، ضحكنا كثيرا حينها، ولم ينه التلاميذ ضحكهم، بل تابعوه بقوة عندما وصل لحضرتي ...
يا سلام!!
لا تستغربوا، ولا تتساءلوا كثيرا، سأخبركم حالا..
يا سادة ؛ عندما وصل إلي أخبرني أنه متأكد لن يجد عندي ما يبحث عنه عند الآخرين، وأنه فقط لا يمكنه استثنائي عنهم، شعرت بالحرارة بدأت ترتفع في جسمي النحيل ، وهو يهم بالبحث والتفتيش والتنقيب، والسكون يعم القسم، فزملائي يعرفون أني من عشاق أكل الحلويات والمكسرات وووو داخل القسم، ولكن في حياتي الدراسية كلها لم يكتشف أستاذ أمري، إني آكل بهدوء تام، حتى جيراني الذين أشاركهم ذلك لم يقل منهم أحد أني أعطيته شيئا حين ينفضح أمره، والآن؟!
هاهي قطع الشوكولاطة والمصاصة وبعض الحلويات والمكسرات والتمر...، منها ما أضعه في علبة ومنها ما رميته بمحفظتي بطريقة عشوائية ، أخذ لي الأستاذ كل ذلك، وضحكات زملائي تفرقع القسم، وأنا بابتسامة حمراء أراقب الأمر ، حين انتهت الحصة وناداني الأستاذ لأبقى حتى يخرج الجميع وآخذ مأكولاتي ، كنت أخشى منه لوما ، فقلت له: " شكرا أستاذ هي خوذهم" وخرجت مسرعة، منذ ذلك الحين وهو يحاول أن يراقبني إن كنت آكل شيئا، ولكنه يعلن في كل حصة أنه أبدا لا يعرف كيف ألتهم الحلوى دون ملاحظته ، حتى يأتي ليجلس بجانبي _ وقد صرت منذ ذلك الحدث، أجلس وحدي بآخر طاولة بالصف أتأرجح بكرسيي كما يحلو لي _ فيرى ذلك الركن الذي أخبئ فيه لفافات الحلوى الفارغة قد امتلأ ... وهكذا ( غمزة وابتسامة)
8 غشت 2022
ذكريات جميلة ، ليت الأيام بنا تعود ، كم تتشابه مواقفنا في المناسبات ، وخصوصا في المدرسة ، وايام الشغب والإصرار على الاكل داخل الصف وخصوصا الحلوى والأكثر منها افتضاحا لامرنا وهو الحب الذي نسميه ( اللب ) أو القزقزة أو الفس فس بضم الفاء ، لأن رائحته نفاذة جدا ربما نقزقز بصمت لكن سرعان ما ينكشف السر ولو في اخر طاولة كان لنا طاولة بالامام ، وطاولة في اخر الصف وهي الركن الخاص بالعمليات السرية من أكل إلى نوم إلى أشياء وكوارث لا يعلمها الا الله فلنبقى على الستر ما دام الله قد سترنا (ابتسامة) نعم ايام جميلة ، كلما هممت بالحزن عليها ، لاستحالة عودتها ، اتصبر بقولي لنفسي أن شاء الله تعالى في الجنة سأطلب من الله أن أعيد تلك الأيام الخوالي بنفس مشاعرها بضحكاتها الخارجة من القلب ، أن شاء الله .. شكرا خولة تحرثين أرض الذكريات لتخرجين كنوزها ، لتستعيد فيها أنفسنا نماء ابتساماتنا الحقيقية ، ولنشتم منها عبق الزمان الجميل ..
مشرفة / ماستر أدب عربي. أستادة لغة عربية / مهتمة بالنص الأدبي
رد: مذكرات طفولية
+
عيون القلب
+:
كنت أحاول دائما أن أكون بالثانوية قبل بداية الحصة بعشر دقائق على الأقل، وأحيانا قبل الحصة بنصف ساعة، وأظل أطرق ذلك الباب الحديدي ، ثم أدقه بالمفاتيح التي معي حتى أجد أذنا تسمع ليفتح لي صاحبها، ذلك أن بُعد المؤسسة كان يجعلني أخرج من البيت في وقت مبكر جدا، حتى أصل وآخذ نفسا جميلا استعدادا لبداية العمل، لم يكن هذا النفَس الذي آخذه إلا قراءة كلمات للأحباب على موقع نور الأدب، أو وضع بصمة جديدة بحروفي، أو تصفح وريقات الهاتف من فايس وواتس أو البحث عن شيء ما بالعم كوكل، وأحيانا بعض الظروف في البيت قد تمنعني من الإطلالة على درس من الدروس التي سأقدمها ، لذلك إن بدا لي أن الدرس يستحق تركيزا وضعت كل شيء وركزت عليه قبل بداية الحصة، وإذا كنت سأمر سريعا عليه ، شغلت أغنية على هاتفي أو أغنيات متسلسلة بصوت ضعيف نوعا ما ، ليس بالضرورة أن تكون الأغنية هادئة فقد أشغل عيساوة أو الحضرة الشفشاونية أو مجموعة من الأمداح، كما يمكن أن أسمع لمحمد الحياني، عبد الصادق شقارة مارسيل ، فيروز أو Julio iglesias..... لكني بذاك المساء كنت ربما أقرأ أصابع لوليتا لواسيني ، فتذكرت سربروس الذي في بابل، وقلت علي أن أعود إليه لعلي أقطف حقلا من ألغام سربروس وحقول تموز وعشتار وحياة بابل الخصبة، وبما أنها لم تكن إلا الحصة الثانية فتحت هاتفي على الأغنية صاحبة الحظ، التي كنت أسمعها كثيرا في تلك الفترة..
الساعة تشير للثانية وخمس وثلاثين دقيقة، لم يحضر من التلاميذ إلا أقل من الربع، إضراب الحراس العامين والمدير كان مُسْهِما بشكل كبير في تحرر التلاميذ من قيود الحضور والغياب، ناهيك عن ظروف جل المتعلمين بذاك القسم التي أحطت بأغلبها..
حسنا ، مازلت سأنتظر خمس دقائق أخرى قبل بداية الدرس، وفي وقت الانتظار أخذت القلم اللبدي الخاص بتلك السبورة البيضاء العجيبة، وبدأت أخط التاريخ عليها بكل هدوء ، إذ أخشى أن أكتب بدل " الثلاثاء": "وانا رمشي ما ذاق النوم وهو عيونه تشبع نوم .... روح يا نوم من عين حبيبي روح يا نوم.. " وبينما أنتظر همس الأغنية بالمقطع الذي أحبه مترنمة بالكلمات والموسيقى ، وعزف بخواطري يغني مع عيون القلب:
"انت تقول وتمشي وانا اسهر منامشي .... ياللى مبتسهرشي ليلة ياحبيبي" كنت أكتب عنوان الدرس وإذا بي أسمع طرقا بالباب، لم ألتفت؛ اكتفيت بأن أشرت بيدي للواقف بالباب أسمح له بالدخول معتقدة أنهم بعض تلامذتي المتأخرين لكن أصوات التلاميذ الحاضرين باغتتني مرددة: " أستاذة؛ إنه السيد الناظر مع رجل آخر" حينها ابتسمت للسبورة، وصوت الأغنية زاد وهجا بمسمعي، وعدت أنظر ناحية الباب. " يا إلهي! من هذا الرجل الآخر؟!!!!! إني أعرفه، والتقيت به من قبل .. إنه السيد المفتش _ المراقب التربوي_ ، و كمن يريد عبور الشارع من رصيف إلى آخر التفت يمنة إلى المكتب حيث هاتفي يغني ويسرة إلى الباب حيث يقف السيد الناظر والسيد المفتش؛ هل أذهب لهاتفي؟ ماذا سيقولان هذان المبتسمان أمام وجهي؟! قلة أدب أن أتجه نحو المكتب أولا ، إذن؛ ابتسمت كذلك وتلاقت الابتسامات، إلا أن ابتسامتي أنا كانت مختلفة لو كنت رأيتها بالمرآة حينها لكنت ضحكت كثيرا من حالي، وما إن وقفت أمامهما وتبادلنا التحيات، حتى ظل خاطري يردد بعض الأدعية..
كانت كلمات السيد الناظر الطيبة في حقي تمتزج بصوت الأغنية التي ضجت بأذني، خاصة أنه أخبره بأسف عن عودتي بداية الموسم المقبل إلى الثانوية من حيث أتيت، قاطع المفتش مديحه ليخبره مؤكدا أنه يعرفني، ثم يصدمني بقوله : " لا لا ما عندها فين تمشي خاصها تبقى معنا ... إنها شاعرة وأديبة مميزة" الله أكبر ! أتعرف أني شاعرة وأنا لا أعرف... لم أكن قد أظهرت حرفا شعريا، فمن أين جاءني بهذه الصفة؟ حتى يوم كنت بمركز تكوين الأساتذة، وألقيت أمام نخبة من الأساتذة معارضة إبراهيم طوقان لأحمد شوقي "
شوقي يقول وما درى بمصيبتي .... قم للمعلم وفه التبجيلا"
لا أذكر أنه كان من الحاضرين؛ وعندما كنت أحضر بعض حصصه الأسبوعية ، كنت أسارع للوصول إلى كرسي لا يراني منه بشكل جيد حتى إذا بدأ حديثه عن النظريات التربوية والتعليمية التعلمية وما يقاربها من ملل بعيد عن التطبيق نمت ، أو في أحسن الأحوال رسمت بعض الخربشات ؛ ومازالا يرمياني بورد كلماتهما وأنا لا أملك إلا " هيهيهيهيهي" ، وفكري يقول لهما : " ماذا لو تقدمتما خطوة إلى الأمام وسمعتما عيون القلب؟! _ أهي ذي هي إنت تقول وتمشي وانا اسهر مانامشي؛ اللي كنت منتظراها ... آه ياني" ،ومع هذا كنت أقف حينها كجوليا بطرس وهي تصدح بصوتها: " على ما يبدو دمو خفيف..على ما يبدو شكلو ظريف ...وجوّ لطيف .. وحكيو طريف... ومنو سخيف ...على ما يبدو..
على ما يبدو طبعو كريم ...وفكرو سليم.. وصوتو رخيم..... " . في الوقت الذي كنا نتحدث بالباب، دخل التلاميذ المتأخرون، لأرحب بعدها بالمفتش، فيدخل القاعة، أحاول أن أسرع ناحية مكتبي لأخرس هاتفي، وإذا بي أجده قد أحس بي وسكت لا أدري متى سكت ...
بدأت حصتي، شرعت في عملي ، ونسيت دائي حين جاء دوائي ، أقصد نسيت أن المفتش معي ما دام هاتفي الوفي المطيع معي.. عشت وقتا طيبا ونشاطا ممتعا مع تلامذتي ، عكر صفوه نوعا ما حضور هذا الرجل الذي يريد كتلة من الوثائق وأنا ليس معي إلا دفتر النصوص الذي لم يمسه الحبر منذ أشهر ، ومع ذلك وضعته أمامه وعدت أتابع درسي متجاهلة نظراته التي لابد أنها كانت معاتبة على إهمال الوثائق ....
لم يتبق على نهاية الحصة إلا بضع دقائق عندما وقف المفتش أمام التلاميذ موجها إليهم سؤالا ثم آخر، لأجلس أنا مكانه، ويتابع أسئلته ما تبقى من الوقت، كنت أغالب دمعات الفرح وأنا أرى جل الأصابع ترتفع ، والكل يتهافت ويتسابق ليجيب عن السؤال أو الأسئلة وإن كنا قد رأينا جواب بعضها بأوائل الحصص الدراسية، حقا كنت أشعر بروحي تحلق كفراشة أو نحلة بالفضاء، فهذا أيمن يقول وقد قاطعه المفتش ليوجه سؤالا لشخص آخر:
" اسمح لي أستاذ أن أكمل كلامي فأنا لم أنه بعد كل ما كنت أريد أن أقول" وهذه سماح تؤكد أني علمتهم كذا وكذا وكذا، حتى زهير الكثير الصمت فاجأني يومها بمشاركته وأجوبته المتألقة ..
انتهت الحصة بأزهار كلمات أهداها المفتش لنا _ أنا وتلامذتي الذين كانوا حينها هم عيون القلب ..._
وأنا أهم بالخروج من القاعة وقفت سماح أمامي:
* أعتذر منك أستاذتي إذ لمست هاتفك، فأنا عندما خشيت أن يدخل الناظر والمفتش إلى القسم، قمت إلى مكتبك وأوقفت تشغيل الأغنية...
_ بل شكرا لك سماح ...
تلقيت منهم أسئلة يطمئنون من خلالها أني فرحة بهم وراضية عليهم... وقد كنت راضية جدا ،كانوا هم أجمل وأرق من عيون قلب نجاة الصغيرة..
[الحمد لله والفضل لله وأفضل عين كانت معنا عين الله الراعية الحافظة ...
*وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبكَ فَإِنكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّك حِينَ تَقُوم*
صدق الله الكريم الحفيظ العظيم
مشرفة / ماستر أدب عربي. أستادة لغة عربية / مهتمة بالنص الأدبي
رد: مذكرات طفولية
*عبق من مؤسسة ابن خلدون*حي الرياض الجميل ، جعلني أعيش في ظل ذكريات حلوة لي بمدرسة ابن خلدون الابتدائية ، كم أحب ذلك الباب الخشبي الخاص بالإدارة!!! يا سلام! كنت أشعر أني طويلة جدا ولي شأن كبير حين أدخل أو أخرج منه، أما الباب الحديدي الذي شهد دخولنا وخروجنا منه صباح مساء، في تزاحم أو قد أمر منه أحيانا داخلة أو خارجة كأني مشاركة بالعدو الريفي ، أحب ذلك المنظر كثيرا وأسترجع قاماتنا الصغيرة ونحن أطفالا ، وأحاديثنا البريئة ، في مدخل الباب كنا نجد الحارس " ابا إدريس" أو " ابا عبد السلام" ...
الرجل وأباه ، كان لهما مسكن هناك... وكان يبيعنا كأس عصير بعشرة ريالات ( ابتسامة).. العصير كان لذيذا جدا، رغم أني كنت أحاول تجنبه، إلا أني كنت أنتبه إلى أني احتسيت كأسا بسرعة البرق، بعد ردي للكأس فارغا، وحين أتذكر اليوم ذلك العصير أتحسر على المرات القليلة جدا التي شربته فيها، حيث كنت أرى مع ذلك أن عصير أمي أفضل وأحلى وألذ..
درست هناك بدءا من الموسم الدراسي 1996/ 1997 .. الثاني ابتدائي، أعرف أسماء جل الأساتذة الذين كانوا هناك إلى حدود 2000 ، ولي بعض الذكريات الجميلة حتى مع الذين لم أدرس عندهم، كالأستاذ "اسي الفتحاوي" مثلا ، الذي كان رجلا طيبا، أذكر أني حين مرضت مدة شهر تقريبا لا أكاد أحرك فيها رأسي ، ويؤلمني عنقي بشدة مع كل حركة، انتبه لذلك " اسي الفتحاوي" _ وهو مدرس فرنسية ورياضيات... بالقسم السادس ابتدائي، وأنا حينها تلميذة بالصف الخامس _ كان كل مرة يأتي لزيارتي بالقسم، ليطمئن علي، ويحاول أن يحرك عنقي بالقوة فأتألم أكثر ( ابتسامة) ، ومع ذلك كنت أحسه عطوفا.
الأستاذة الرمال؛ مع أني لم أكن تلميذتها إلا أنها استطاعت أن تذكرني حين التقيتها بعد عشر سنوات أو أكثر من مغادرتي " ابن خلدون" ... وتحدثنا قليلا ..
لم أكن موفقة في اجتهادي، ربما كنت بين بين ، ومع ذلك ترافقني ذكريات أحلى من نكهة عصير السيد الحارس..
بالثاني ابتدائي تتلمذت على يد الأستاذة " أم كلثوم" لا أذكر اسمها العائلي، ولي معها ذكريات كثيرة جدا ، بالثالث: مادة اللغة العربية: الأستاذة عزيزة
اللغة الفرنسية: الأستاذة جليلة
الرابع/ العربية : الأستاذة الصباري
الفرنسية: الأستاذة دنيا
الخامس/ العربية : الأستاذة النشواني
الفرنسية: الأستاذة الحطاب
السادس/ العربية : الأستاذ اسي جومار
الفرنسية : اسي العلمي
كنا قد اعتدنا مناداة الأساتذة الرجال ب " اسي" قبل ذكر أسمائهم...
أكن لهم جميعا حبا عظيما واحتراما لطيفا وشكرا وفيرا....
وفي جعبتي ذكرياتهم أريج ورد
في تعليق لي على كتابة ما تجود به ذكرياتنا في مؤسسة " ابن خلدون" قبل أيام مطلع شتنبر 2022
أديب وقاص ومترجم أدبي ويعمل في هيئة التدريس -عضو الهيئة الإدارية / مشرف عام على المنتديات والأقسام / نائب رئيس رابطة نور الأدب
رد: مذكرات طفولية
أحيانا تعجز الكلمات عن وصف هذا الشعور الجميل الذي ينتابني وأنا أغوص في ذكرياتك التي شاركتنا إياها بكل صدق وعفوية .. وأجدك أحيانا تسردين أحداثا أو مواقف أو عادات تشبه ما يحدث لي .. (تجنب طي ورقة كتاب ما لمتابعة قراءته في ما بعد حرصا على الكتاب وعدم إذايته) .. ما أجمل هذا الإحساس تجاه الكتاب !
شكرا خولة .. تابعي