|
حين تنكسر الثقةبين انياب الغدر د. نوال بكيز.
في ليل تسكنه الرياح، و تعتمه الرمال و انين الحذر،قدم من بطاح الصحراء ذئب عيناه شرر من جمر و صدره دخان من غدر
يتقدم بخطى من كيد ووعود من وهم،
حتى حسبه الناس ظل امان لكنه كان نذير خراب
باسم الصلح جاءهم وبكلمة حريرية
قال لهم "السلام عليكم يا اهل المروءة و الوطن"
فاجابه الشيوخ بقلوب مطمئنة لا يدرون ان بين ضلوعه جوعا لا يشبعه الا الدم، تردد بين مضاربهم كانه من القوم
يخفي مخالبه تحت ثياب من سندس وحرير،
حتى اذا هدأت الخيام وسكنت النيران، رفع راسه من خلف الكتبان و اطلق صرخة الليل. فهبت معه كل الذئاب الضارية، انقضوا على البادية، كالسيل على الوادي، لا يرحمون شيخا و لا يتركون طفلا الا القوه في غبار الخوف، تهدمت الخيام و اهتزت الرمال تحت وقع انيابهم، و اختلطت صيحات النساء بصهيل الخيول و جلجلة الحوافر.
وفي تلك الساعة الحالكة، رفع الفرسان رؤوسهم الى السماء: "يارب مالنا غيرك ان خذلنا الخلق". فاشرقت في صدر الليل نجمة وحيدة،
هب اصحاب البادية من جديد كانهم صقور من رماد عادت اليها الروح
فقاتلوا حتى ارتجت الارض من باسهم،
وسقط الذئب في رماده، ولم يبق منهم الا السراب.
مرت الاعوام
و سكنت البادية جرحها،
لكن الرياح كانت تحمل في طياتها هاجسا غريبا،
صوتا يشبه انين الذئب الذي ظنوه هلك في ليلة الهزابرة،
عاد ليس بملامحه القديمة، بل بثوب قشيب يلمع كالسلام، و يتكلم كالحمام، جاء بوجه من بشر و كلمة من وعود حانية.
فنظر بعض القوم اليه وقالوا لعله صدق،
لكن الشيوخ قرأوا في قرارة عينيه شرارة الجوع الى الارض، الى السلطة و الدم.
بدأيلقي الامان من جديد، و يبني الخيام و يقاسم القوم زادهم، يتظاهر بالبكاء على ماضيه، حتى لانت القلوب، و نامت العيون.
ثم في ليلة بلا قمر،
عاد الصوت ذاته، و الصرخة عينها،
لكنها ادهى و امر .فقد صارت اكثر عددا، واشد بأسا،
تقدمت بخطى تعرف الطريق الى القلوب قبل الرقاب،
اهتزت البادية من جديد، و انبعثت النيران من الخيام، و ارتفع الغبار حتى غطى النجوم، و صرخ الناس و((زاغت الابصار و بلغت القلوب الحناجر )).
لكن هذه المرة اهل البادية لم يعودوا كما كانوا من قبل، كان في قلوبهم يقين من لظى، وايمان من صخر، فهبوا صفا واحدا، رجالا و نساء، شيوخا و شبانا، كان الارض تقاتل عنهم.
اخيرا انكسرت انياب الغدر على صخرة الحق، و سقط الذئب- في ثوبه الجديد- جثة هامدة، يلعنه فتات الصخر و تغسل دماءه زوابع العاصفة.
هو ذئب البادية وجهه نار، و نياته ليل حالك، يتسلل بين رمال الصحراء كظل لا يرى، يلقي الامان بلسان معسول ليغرز انيابه في خاصرة الهدوء و السكينة، هو ومن معه من الذئاب الضارية، يحجبون الحق بثوب من الوهم، حتى اذا غابت الشمس انقضوا كالعتمة على النور.
ومن يومها اقر الشيوخ جميعهم :"ان ذئب البادية لا يؤتمن ولو لبس ثوب السلام الف مرة" و ان "من توكل على الله كفاه، ولو تكسرت به جميع السيوف او خذلته كل الخلائق".
[ ]
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|