الاخت الفاضلة دينا الطويل
الحمد لله بالبحث عثرت على موضوعك
وما انشره كرد ، هو مقال نشرته منذا 13 عاما ، كما هو مدون في بدايته،
ورأيي ما زال كما كان لم يتغير
***
أنوه في البداية أن المقال نشر في بتاريخ 18 / 7 / 1997 ، فهو ليس وليد اليوم ، لكن ما زال رأيي كما كان بل ازددت قناعة في زيف وكذب التسمية " قصيدة النثر " ، وقد أضفت تعديلا صغيرا على المقال ، وهو ما يتعلق بالمتدارك ونقاش ابن عبد ربه للخليل .
تحت هذا العنوان نشرت صحيفة " الفينيق " الصادرة في عمان في احد اعدادها الاخيرة ما يلي ( مؤخرا دارت حوارات ساخنة حول قصيدة النثر في الصحافة والتلفزيونات العربية ترى ، ما هو تصوركم الشخصي لهذه الاشكالية وكيف ترون في نهاية القرن مصير هذا الجنس الكتابي الجديد : هل هو نثر ام شعر .. الخ ) وتقول الصحيفة في نهاية الخبر ( نحن بانتظار اجاباتكم حول هذا السؤال – الاسئلة – وستنشر الاجابات في ملف خاص ننشره حرفيا كما يردنا . مع الشكر على تعاونكم ).
رغم تحفظي بل رفضي لهذا المسمى ( قصيدة النثر ) الا انني اقول من البداية ان مجرد طرح الموضوع للنقاش والسؤال حوله يدل على الشك في كون هذا الجنس الادبي من الشعر . الامر الثاني ، انه يدل على عدم ثقة الجمهور بهذا النوع وعدم اطمئنانه اليه . الامر الثالث ، انه حتى الان وبعد مضي ما يقارب نصف قرن على محاولات فرض وتثبيت هذا النوع في مساحة الشعر ، ما زال غير مقبول على الذائقة العربية لعدم شرعية الامر . الامر الرابع : انه لو كان هذا النوع يحمل في ثناياه ادنى شيء من التطور فوق شعرنا لما تركه ممارسوه الاوائل في الوطن العربي ومنهم : جبرا ابراهيم جبرا ، خليل حاوي وغيرهما ، رغم ان هناك بعضا ما يزال يصارع من اجل تثبيت هذا النوع ، ولن اعود في مقالتي الى بدايات ادخال هذا النوع منذ امين الريحاني وجبران خليل جبران بل اكتفي من مجلة شعر واقطابها فصاعدا . ولا اريد ان اعود على ما قلته في مناسبات كثيرة من ان هذا النوع لا يمت بصلة الى الشعر ، بل يمت الى الشعرية وفرق كبير بين الشعرية وبين الشعر (1)، ومكان هذا النوع شرعا هو النثر.
واذا كان البعض يحاول اقناعنا بانه يحمل في طياته لغة شعرية فاننا نقول : ان الشعرية واللغة الشعرية موجودة في أي نص او جنس ادبي ، سواء القصة ، الرواية ، المسرح ، اللوحة التشكيلية ، الفيلم السينمائي ، وبهذا ايضا تقول صحيفة الفينيق ويشهد الواقع كذلك ، ولكن من السخرية والاستهتار ان نقول ان القصة او الرواية قصيدة شعرية (2)، لان حكما كهذا بالاضافة الى زيفه فهو يعني طمس معالم الاجناس الادبية غير الشعر ، وهذا لا يقبله عاقل ولا يؤيده حكم او منطق .
ولكن المأساة لدينا ان من يروج لهذا النوع يسميه تطورا ، وهذا هو الجهل بعينه ، ومصيبة هؤلاء اما الجهل واما انهم مخدوعون بما وفد ويفد الينا من الغرب وكل ما اتى من هناك فهو في عرفهم جديد ومتطور . وتراث عربي امتد خمسه عشر قرنا ، -- بعد الجاهلية طبعا - اصبح قديما بمجرد ظهور هذا النوع ولم يعد صالحا !!
ادونيس وهو احد اعلام هذه ( القصيدة ) يقول في " بيان الحداثة "
" ولعلنا نعرف جميعا ان قصيدة النثر ، وهو مصطلح اطلقناه في مجلة
" شعر " انما هي ، كنوع ادبي - شعري ، نتيجة لتطور تعبيري في الكتابة الادبية الامريكية – الاوروبية ) ".
وتعقيبا على قول ادونيس يقول احمد بزون : ( نوضح ان تسمية قصيدة النثر التي اطلقها العام 1960 ، كانت بعد مناقشة اركان مجلة شعر لكتاب سوزان برنار " قصيدة النثر من بودلير حتى ايامنا " وهذا يعني ان التسمية العربية التي تأرجحت بين " الشعر المنثور ، الشعر الحر " الذي اعترض مبتدعوه عربيا على ادخال شعر الاوزان اليه كانت التسمية الاولى على المستوى العربي ، لنوع شعري ساد منذ كتابات بودلير وويتمان ومن تلاهما في العالم ) (3).
معلوم ان بودلير اول من كتب ( قصيدة النثر ) ولم يسأل احد لماذا وما الدافع ، لكن اذا نظرنا الى النظام ( الاوزان الشعرية ) الفرنسي والنظام الانكليزي نجد في الاول ستة اوزان وفي الثاني اربعة اوزان ، وعدد قليل كهذا يصبح قيدا بالنسبة لشاعر في حجم بودلير واذا عدلنا الى العروض ، وفي الشعر العربي نجد ان ( البيت يرتكز على عدد التفعيلات عينها التي تتألف بدورها من مقاطع صوتية متساوية في الكمية ، وبمقارنة نظام النبر في الشعر الانكليزي ومسافات المقاطع الصوتية في الشعر الفرنسي ، اضف الى ذلك تنوع البحور الشعرية العربية وغناها ودقتها ، يمكن للدارس ان يستخلص بسهولة تفوق النظام العروضي للشعر العربي على مثيليه في الادب الفرنسي والانكليزي ، ويملك هذا النظام بحورا واوزانا اكثر مما يملك مثيلاه المذكوران ، فهناك ستة عشر بحرا في العربية اضف اليها ما يسمى بالمجازئ وهي بحور قصيرة تشتق من البحور البسيطة باسقاط تفعيلة من كل شطر ) وازيد : هناك ايضا المنهوك والمخلع والمشطور ونظام البند وشعر التفعيلة الذي يخضع لقوانين العروض واذا اخذنا البحر السادس عشر (المتدارك) الذي أهمله الخليل ولم يلتفت اليه ، وشاع أن الاخفش تدارك به على الخليل ( ثبت اليوم ان الخليل هو صاحب المتدارك ، ولم يتدارك عليه الأخفش بشيء ، وفي كتاب العقد الفريد يناقش ابن عبد ربه الاندلسي وزن المتدارك ولا يقره في الاوزان ويتهم الخليل فيه بالخروج على الذائقة الشعرية العربية ، ولم يذكر الأخفش اطلاقا ) ، نجد ان بحر ( الايامبكس ) الانجليزي ياتي ضمن صورة من صور هذا البحر وهي ( دق النواقيس ) وصورتها ( فعلن بتسكين العين ثماني مرات ) وهو صورة من صور المتدارك كقول الامام علي كرم الله وجهه ( ان الدنيا قد غرتنا / واستهوتنا واستلهتنا ) وجاء عند بعض العروضيين (المتدارك الثاني عشر )، فهل يسمح لنا بالسؤال عن كثرة ورود تفعيلة الخبب وهو احد اشكال المتدارك ( فعلن بتسكين العين وتحريكها ) بكثرة في اشعار شعراء العربية في عصرنا والاعلام منهم بشكل خاص ، الا يوجد نوع من العلاقة او التأثر بالشعر الانجليزي خاصة بحر الايامبكس ( باعتبار تقليد المغلوب للغالب ) .
نعود الى اعلام مجلة شعر وقد رأينا البداية وكيف كانت ، لنرى النهاية ونسوقها على السنتهم ، يقول ادونيس ( .. فقد توقفت عن هذه الكتابة " باستثناء المزامير في اغاني مهيار الدمشقي " ولا اعدها "قصائد " حتى سنة 1960 . ورأيت ان علينا ان نعيد النظر فيما قلناه ومارسناه ، مما يتصل بما سميناه : " قصيدة النثر " ) .
اما المرحوم جبرا ابراهيم جبرا فيقول : ( بعد ثلاثين سنة من بدايتنا في عملية التحديث الشعري تحقق الكثير لكنه في تحققه انفلت ، كان للشعر العربي نوع من القدسية والان فقد الشعر العربي هذه القدسية ، لقد حضرنا ثلاثين سنه حتى اصبح قول مثل هذه القصائد الحديثة ممكنا ، ولكن يخيل لي احيانا اننا اخطأنا بذلك التحضير لاننا مهدنا لهذا النوع من الشعر ) .
وهذا خليل حاوي الذي خرج على مجلة شعر وشهر نقمته في اكثر من مناسبة ، يقول :( ان كثيرا من النثر الرديء دخل مجال الشعر باسم قصيدة النثر او الشعر الحر ، ولم يكن قصيدة نثر بالمعنى الصحيح كما لم يكن شعرا حرا بالمعنى الصحيح ، انما كان نثرا رديئا )
وهنا نقول ان فوضى الكتابة في ظل غياب النقد زادت حتى عمت وطمت ، والصفحات الادبية تتحمل مسؤولية كبرى في هذا المجال وقد ادى هذا الامر بشاعرنا الكبير درويش الى اطلاق صرخته ( اوقفوا هذا الشعر ).
لقد كنت وما زلت الاول والوحيد بين ادباء العربية في بلادنا – القصد فلسطين - يوم اطلقت اسم " نثيرة " على هذا الجنس الادبي ولا فخر.
---
ملاحظات ارتأيت تفصيل المقصود منها :
1 – المقصود بالشعرية ، هو التخييل وانزياح اللغة.
2 – هناك الشعر القصصي ، والمسرحية الشعرية ، لكن هنا الكتابة شعرا، وليس بطريقة النثر.
3 – التسمية قصيدة النثر هي ترجمة حرفية للتسمية التي وضعتها سوزان برنار ، في كتابها (قصيدة النثر من بودلير حتى أيامنا) وهذا النوع تقليد لما ساد هناك ، وليس من بيئتنا، ومن ترجمه لم يكلف نفسه حتى عناء الاجتهاد في ابتكار تسمية تناسب النوع ، بل أخذ ما قُدِّمَ له دون فحص ولا تمحيص ، وتسلق به على عمارة الشعر العربي وبدأ عملية الهدم ، لانه لا بناء على قائم بلا هدم القائم، لكن شعرنا العرب اصله ثابت وفرعه في السماء لان ( جميع أوزان الشعر العربي منزلة من السماء، بمعنى انها موجودة في القران الكريم ، وجاءتنا كما هي )، كشجرة طيبة تؤتي أكلها كل حين باذن ربها ، وهذا يوضح سبب رفض رواد مجلة شعر لكل شعر موزون او موزون مقفى .