[هدير الجميلي]

الرسالة الرابعة والخمسون



حبيبي ...
ما هو الحب الذي ليس له حدود...؟
وليس له جذور غير روح تعلقت بك قبل خلقها...؟
كيف أجد نفسي أسيرة لك ..ولا تسير خفقات القلب إلابك...
كيف أعشق الليل وأحصي نجومه وأفرح كوني لا أستطيع أن أحصيها..لأستمر بإعادة حسابها..فكل نجمة أجدها تجسدت بك..
أبحت الكواكب لي ولك... فقط أنا وأنت ساكنيها ...لم يصل لها أناس قبلي وقبلك... فكل تلك الكواكب لم تعشق سوانا..
مغرورة العشق أنا؟ وما يدريني ..؟
كثيراً تأملت الشمس ...فهي تتبع الليل لتشق طريق قلبها وتغفوا على كفيه..فما لجمال وكبرياء نورها وسطوعه ...سوى قلب الليل ..فهو من يحنو عليها .
لم أحتفل سوى بمناسباتنا الوطنية مثلت كما يمثل الناس...وثرثرت كما ثرثر الذين يدعون الشجاعة ..
لكن عندما عشقتك أصبحت كل صرخاتي حناجر تصدح بالحقيقة ...وكل الأيام كانت عيد مولدي وعيد استقلال بلدي..وعيد يلمم عيون غادرتها دموع الاءيتام.

[هدير الجميلي]

الرسالة الخامسة والخمسون


حبيبي ...
تخفق بكل مسام جسدي... وكأن الطين الذي جبلنا منه كان يحويني ويحويك..
ما أجمل الكلمات التي تصنع منا الرغبة في الحب ..
اليوم أشعر يا رفيق الدرب بأن كل شيء يتحقق مادمنا نملك الإرادة بداخلنا..
أنتظرك ويكاد قلبي لايمل انتظارك ...تحمل الريح صوتك ..وتذوب كل ألآمي لمقيدة بجدران الأسى...
أهمس لك قبل خلودي للأحلام ..يرجع صدى همسك لي...فنبقى نحاور الأمل ..ونحرق الشوق بكفوف اليقظة.
فلم تعد الأبواب إلى عالمنا ألاهوتي مغلقة..؟
أنت تملأني ...وأنا أحويك ..فلا تغادرني جزيئاتك العاشقة.
حبك يغرسني فوق شفاه المحبين ...
تستريح كلماتي على قلوبهم التعبة الفراق...
جعلتهم يتصوروني حبيبتهم ..جليستهم كشهرزاد..لا يمل حكاياها الملك ..
هم تصوروا أنفسهم أنت ..فأنا غرستك بكل واحداً منهم..
وأين الخطأ من ذلك مادمت أعشقك...
فكيف أخلع سلطانك وأنت من جعلني ملكة عاشقة تسير مرفوعة الهام..

[هدير الجميلي]

الرسالة السادسة والخمسون


تشق الأرض جيدها لتواري دموعي تحت أديم ترابها..
فأيام العذاب تعتصر خذلانها لفراقك ...
فمتى يخلعني سواد الأطلال...فقد ملت النفس طول ارتداء ثوبها..
متى تأتي لترمي ثمار لوعة غربتك الشهية...فالحب بداخلي أصبح طفلٌ غضوب.
كم تململت الشفاه على ندى صباحك فبقيت أضم شفتاي قابضة ...
كم أجفلتني ملامسة يداك لي.. لتغرس بعنقي قبلة ..
كم ضمني ثلجك وأنا صريعة النار .. مكتنفة على سرير صدرك..
كم اشتهيت أن أقول دون خجل أحبك...
لكن كل ذلك يعطيني دافع لأفكر بنفس الأشياء ..وتضربني كل تلك المشاعر..فأنا لا أريد أن يتغير شيء..
أحدق بصورتك لأروي ظمأ عيناي ...ولأشفي غليل روحي التي غادرها ظلك هارباً كالدخان.

[هدير الجميلي]

الرسالة السادسة والخمسون


مكتوبٌ علينا أن نستميح الغربة ..لتسحب خنجرها ..
وتحمل نعشها الموءود فينا.. تغادر مرافئنا إلى غير رجعة ...
وتنسف عش الأغراب من فيافينا..
تغيرت للغة القلم ..وأبدل حبره بأحبار ..تتناقل ما نتمناه ..جاسوسةٌ هي حتى على أمانينا ..
ليت الورق الذي أكتحل بدموع المقل يخبر الورى ..عني وعنك ..ويفتح أبواب الشجن لمن أراد تجافينا ..
حبيبي تمنيت أن أضم جراحك في غمد قلبي ..يستلك القلب وتستلني علائلك..
كم تمنيت أن تهاجر بين خواصري ..
عيناك هجرت عيون نامت بدون مغمدك ..ليستقر نعاسها على شفاهي ..
كم تعمدت قيودك على مذبح صرخاتي لتنوء للأهل.. للأصحاب .. بأن لا حرية لجسد فارقه مرقدك..
عشقي لك يصارع الريح ..يسقط الغيم على نيران موجعك..

[هدير الجميلي]

الرسالة السابعة والخمسون

تمتلئ فراغات روحي بالكوابيس..
يدغدغ عقلي الوجع ..ليثور الجنون بالشوق ..
يقف أسمك منزوع الجسد ..يذيب الشفاه التي غادرها الندى..
ترتكب الأفكار المعاصي وتستبيح كبير الذنوب ...فكم راودها شيطان عشقك المارد.
من أنت لتسلبني روحانيتي وسلطتي.. وتنتكس مغامراتك على سطور دفتري.
جعلتني أنغمس بقلبك سنواتٌ طوال .. كما وجه الندى ينغمس بقلب زهرة أنتزعها من قلبه الربيع..
مالذي يبقيك محفور بقلب الزوايا ..بأوجه المرايا ..بتنهيدة عذراء تسربل صمتها بالعشق ..كدبيب السم يقتل نبض الوجد بها.
مالذي يبقيك فارس بزمن سحقت فيه الرجولة ..ونعدم السيف والقلم.
مالذي يجعلك مفتون بالسجون ...يضمك القيد وينام على جبينك المغوار المنفى ... كيف أصابتك حمّى الوطن.
أحلامك تراودني ..طائرات يرمينا القبور بالقبل فتنفجر كل العظام وتخلق الثوار..
أفواج الجنود يمشون على صوامع تحمل أسم الشهيد ..ودمعات تيتمت من عين طفل ظل أباه الكفن.
ظلت الحيرة تحرسني..لسنوات طوال ...
أتساءل هل يحزنك لليوم ما يحزنني ..؟

[هدير الجميلي]

الرسالة الثامنة والخمسون

عندما أحببتك لم أفكر يوماً بعقلي ...ما وجدت للعقل داع.
صورتك رسخت بين شبابيك الذاكرة ونوافذ القدر ..
كل جزء فيك مركب كجزيئات الروح ...مبعثر كتغريدة العندليب يحن لصدى صوته ..وملامح فيه منكسرة الصورة.
أنا أفكر بعينيك كيف ترتسم الوطن ..وكيف ترسم شفاهك الكلام ثورة ..
وكيف تغدو طوائف الأمم بين صراعاتك شعلة ...
حرةٌ أنا أرسمك بطبشور يدي على جباه الخانعين ...لأطبع على جباههم رصاصة .
وأخط حبلي حول الرقاب الخاضعة ..ليعرف الحبل قصاصه.
وأزين الفرح على شفاه الغيم... على يدا النخيل ..وأطبع على شفاه الموت قبلة.
فالموت هو الوحيد الذي يذل رؤوس الخائنين و يخرس أفواه الساسة.

[هدير الجميلي]

الرسالة التاسعة والخمسون

عندما تتحد روحانا دون أن تشعران بأن قدرهما سيصب بمصب خالد ...فماذا يكون ذلك ...؟
قد أجمع كل الكلمات ...ولا أجد ما يفسرني بك ويفسرك بي...
قد أجد كلمة من بين كل القواميس التي جمعت لتحرقني حرف في معجمك ..فما تفسير ذلك.. ؟
عدني أولاً بأنك ستحاول.. وتحاول أن تصل لكلمة تحل معجم هذا الكون ..ألن تشك للحظة بأن كل شيء لم يخلق إلا لنا ..
فالتاريخ ألغى كل القصص ..وشطب كل الأحداث ..ونحر كل الأبطال العشاق...ألم يكن ذلك لأجل سوانا..
لا أحب ترتيب الكلمات ...فالمشاعر لا تحتاج إلى رقابة ورتابة ..والقلوب عندما يجتاحها الحب ..تتخلص من كل الزيف الصدئ الذي يطلي جدرانها ويسمم أوردتها .
أتعلم لن تكفيني السنوات القادمة لأطيل الحديث معك ..
قد تمنعني الحدود ...وتغتالنا المسافات ..وتحشرنا في جوفها السجون والمعتقلات لكنك ستبقى ..حديث الساعة والساعات القادمة ..و حبيب العمر لباقي السنوات .

[هدير الجميلي]

الرسالة الستون

حبيبي ...
وزعوا الموت على مناطق بلادي بنسب متفاوتة ...
لم أشعر بالخوف ..فأنا طالني الموت منذ أن فارقتني عيناك...
فما معنى الحياة وهي تجترف بأذيالها الذين يتراقصون فرحاً بشبابهم الذي أهلكه السهر بالملذات ..
أنتظر بريدك بفارغ الصبر ...لم تصلني رسائلك وأنا التي تحييني كلمة تطرق قلبي ليحيا من جديد.
كم أطالع رسائلك القديمة ...فأرى بها صباي ...مشاكستي.. وجنوني..
أليس من حقي أن أعنونك بمذكراتي ..وأكشفك للعالم بعد موتي .
أليس لنا حق المناجاة ..ونحن سكارى على سرير الحلم .
من الغريب أن تكون عواطفك باردة فأنا ما اعتدت أن اتهمك ..أسمعك تناجيني من وراء البحار ..عبر أجنحة السموات ..تنقل لي أخبارك فتعلمت أن أفسر لغة الغيم ..وأتأبط أذرعت السحب المتشكلة بوجهك.
كان الناس في قديم الزمان يتحدثون عن مي زيادة وجبران خليل جبران ...لكنهم يتجاهلونا ...فمي وجبران كانا يتحادثان عبر الرسائل المتبادلة لكثرة الورق وامتلاكهم الأقلام التي ليست عليها قانون أو رقابة ...
وأنا وأنت نفتقر إلى قصاصات الورق..ونخفي قلماً واحداً جعلناه وسيط لنتبادل حزننا وشوقنا عن طريق نزفه المتواصل...فهو نذر روحه لنا .. كي لا نستبدله .
فكم همسنا بالحب في أذن الصمت ...وحامت بين كهوف الحنين أرواحنا.

[هدير الجميلي]

الرسالة الواحدة والستون


يصبح قلبي جمرة تقطف حنين الشوق من حنايا الفراق..
كم أتعبني فراقك ولوعتي ...
ذبلت تقاسيم القدر على يدانا ..فلم ترتوي من خمرة شفتيك بعد..
أكتب أشياء وامحوا أخرى ..
لكنني لم أمحوك من ذكريات شجوني ..ولم أقتبس عشقك من جنون عشق الآخرين..
يصبح وجهك كل نهاية عصر مد ظله بين ظلام الماضي وغياهب الغيب حنطي..
تسجد وجنتيك فوق السنابل ..
تشحذ روحك لتقاتل ..
تنزف شهداء فوق أديم الدهر العابث ..العاثر بجماجم صغيرة الأرواح..
حبيبي ....
كم تمنيت أن أسترهق روحي لتعود بك لي.. على جثماني تتوسدني دموعك.
رسمت حروفك على الغاب لينهار منه دمع الحنين ليجلب الغيم والغيث معاً..
علنّي أسترح بين مزاج الغيم العقيم ..فهناك بين حناياه أكتالُ أكفاني
زينها رسمك ...فبقيت لي أحلى وطن..

[هدير الجميلي]

الرسالة الثانية والستون


اشتقت لك وكأن السنوات التي لا ندري هل هي من أضاعتنا أم نحن من أضعناها تلوك بين فكيها عذابنا المخمور..
ليتك تجبني وتعبر الأسوار المثقلة الفراق...
تنتظرني زفراتك المجنونة الإعصار لتقحمني بقلبك من جديد ..
ترمي بي لردى الوجع القابع في جوفك ...يخبئ غصة أسميتها الوطن..وزفرة من لهب أسميتها أنا .
تسقط من بين شفاه العيون قبلة محرقة الجفون ..تلامسني بنارها ..تكويني رعشة موجعة يستلذ بها القلب الحزين..
لم أعرف للفراق للذة إلا عندما عرفتك..
لم أشعر بغربة الحرمان إلا عندما هجرك جسدي ..بقى هيكل متفحم الصليب ..
أردت أن أخبئ عنك وجعي ..فلم أجد ما أخبئه سوى أوجاع تفضحني بنفسها لنفسها.. تكشفني أوراق تطالعها كل صباح ومساء ..

فتبقيك مغمض العينين تهذي بصمتي...
لم يبقى حلمك بليد الذهن حتى عندما أستوطنه الغزاة ..
وجرحك بقى ينزف مداده بي رغم تغير مجراه ..فبقى مقامه على شجون صبري عنيد..
ألمم في كل الفصول غيابك والحضور ..أدونها على مراكب الشكوى ... لترسي على قيدك فتطلق سراحها من أكمامها الأسيرة المضاجع والخدور.