كُنْتُ أكْبَرَهُمْ، كُنْتُ وحْدِي الكَبِيرَ، وكانُوا يقولونَ لا تَبْكِ لا تَشْكُ مِثْلُكَ أكْبَرُ مِنْ كلّ هذا الهذَرْ
كيفَ أُقْنِعُ يا أبَتِي الطِفْلَ في صورتِي أن يُعَوِّضَنِي اليومَ عَنْ كُلِّ ما فاتَنِي من بُكاءِ الصِغارِ ولهْوِ الصِغَار ومكْرِ الصغارِ وتلك كُنوزُ الصِغَرْ؟)
أنتَ ذا بعدَ خمسينَ. هل كنت تحتاجُ هذي الطواسينَ: بنتًا وأغنيةً من رمادٍ وشِبْهَ متاهٍ وشِبْهَ بِلادٍ وشِبْهَ جُنونٍ وشِبْهَ رشادٍ وشِبْهَ محاولةٍ للبقاء وشبْهَ محاولةٍ للفرارِ وشبْهَ عماءٍ وشبْهَ بَصَرْ
كي تعلّمَ روحَكَ أنّ اللُصوصَ لُصوصٌ وأنّ الفُصوصَ فُصوصٌ وأنّ الحقيقةَ مثل السماء البعيدة تبدو، إذَا لم تُحرِّكْ سواكنَها صُوَرُ الشعرِ، دومًا سعيدةْ؟
ولكنّهم لا يحبّون من صُوَرِ الشعر
إلاّ عَماءَ الصُوَرْ
أنتَ ذا بعدَ خمسينَ. تُطلقُ روحَكَ سَهْمًا إلى قَوْسِهَا في القَصِيدةِ، تَرجِعُ من كلِّ شيءٍ إلى جنباتِ القصِيدةِ، ثمَّةَ تُشْعِلُ ناركَ نارَ القلوب العميدةْ
وتفْتَحُ قوْسًا وتبحثُ عَن جهةِ الشعْرِ. كنتَ مع الشعر دومًا، ولكنّهم لا يطيقونَ شعرًا إذا لم يكونوا سَمَاهُ الوحيدةْ
نَزعْت ثِيابَك لا يَحْفَلُون. وأشرَعْتَ بابكَ لا يدخلون. وأوْلَمْتَ كُتْبكَ لا يأكُلُونَ. فعَلَّمْتَ رُوحكَ بعضَ الشُخُوصِ إلى كُلِّ رُوحٍ شَرِيدةْ
وقُلْتَ لأَمشِ على جمْرَتِي بكتابي، وقلتَ لأصبرْ على محنتي وذئابي، وقلتَ لأَرْمِ الظلام ولو بهشاشةِ أغنيةٍ في جريدةْ
أنتَ ذَا بعد خمسينَ. بيتٌ بلا ساكنينَ. وشيخٌ بدون مُرِيدينَ. لا أنتَ حيٌّ ولا أنتَ ميْتٌ ولا أنتَ بينَ المُعَزِّينَ. تحتكَ تهوِي الهُويُّ، وخلفكَ يجري السلوقيُّ. ماذا فعلتَ بهمْ كي يعيشُوا يعيشُوا وأنت تموتُ، ويسْكُن في حُلْمِكَ العنكبوتُ، كأنّك لا شيءَ أو لا أثرْ؟