[د. ناصر شافعي]

ذكرني الأخ الأديب القدير محمد السنوسي الغزالي بإحدى روائع الشاعر الراحل نجيب سرور .. و هى قصيدة " الحذاء " .. و أقدم قبل القصيدة المقدمة التي كتبها الشاعر الكبير عن قصة هذه القصيدة فيقول :
لقد عانينا من الأحذية منذ زمن طويل... وبالنسبة لنا رمي الحذاء هي أسوء اهانة وعدم احترام وازدراء وكراهية وليست اشارة على وجود مجتمع حر .

قصيدة "الحذاء "للشاعر الكبير الراحل نجيب سرور التي كتبها سنة 1956 وتروي قصّة تعرض أبيه أمامه، وهو طفل للمهانة والضرب من عمدة القرية وكيف تعلم من يومها الثورة وراح يسيرمع القافلة:
[align=center][table1="width:95%;background-color:black;border:4px solid orangered;"][cell="filter:;"][align=center]

الحذاء

أنـا ابـْنُ الشـــقاء ْ
ربيب ُ الـَّزريبــة و المصطبــة ْ

وفى قـريتى كلهم أشـــقياء ْ
وفى قـريتى (عـُمدة ٌ) كالاله ْ
يـُحيط بأعناقنــا كالقــدرْ
بأرزاقنـــا
بما تحتنــا من حقول حـَبــالي
يـلدن الحيــاة ْ

وذاك المســاء
أتانـا الخفيـر ُ و نـادى أبي
بأمر الإله !.. ولبـَّى أبي
وأبهجني أن يـُقــالَ الإلــــه ُ
تنـازل حتى ليدعـو أبى !
تبعت خطــاه بخـطو الأوزِّ
فخورا ً أتيــه من الكبريــاء ْ

أليس كليــم ُ الالــه أبـي
كموسى.. وإن لم يجئـْـه الخفــيرُ
وإن لم يكن مثــلـَه بالنبي
وما الفرق ؟.. لا فرقَ عند الصبى ْ !

وبينــا أسير وألقى الصغار أقول “ اسمعوا..
أبى يا عيــال دعــاه الالــه “ !
وتنطـق أعينهم بالحســد ْ
وقصرٌ هنــالك فوق العيون ذهبنـا إليه
يقولون.. فى مأتـم شــيدوه
و من دم آبائنا والجدودِ وأشــلائهم
فموت ٌ يطــوف بـكل الرؤوسِِ ِ
وذعر ٌ يخيـم فــوق المـٌقــل
وخيــل ٌ تدوس على الزاحفــين
وتزرع أرجلهــا في الجـثت

وجدَّاتنــا في ليـالي الشــتاء
تحدثـننا عن ســنين عجــاف
عن الآكلين لحـوم الكلاب ِ
ولحم الحمير.. ولحم القطط ْ

ذهبنــا إليه
فلما وصــلنا.. أردت الدخول
فمد الخفــير يدا ً من حـديد
وألصقني عند باب الرواق
وقفت أزف ُّ أبى بالنظــر
فألقـى الســـلام
ولم يأخذ الجالسـون الســلام !

رأيت ُ.. أأنسى ؟
رأيت ُ الإله َ يقــوم فيخلـع ذاك الحـذاء ْ
وينهــال كالســيل فوق أبى ! !

أهـــذا.. أبي ؟
وكم كنت أختــال بين الصغــار
بأن أبي فــارع “ كالملك “ !
أيغدو ليعنى بهــذا القصر ؟ !

أهـــذا.. أبي ؟
ونحن العيــال.. لنا عــادة..
نقول إذا أعجزتنا الأمور “ أبي يستطيع ! “
فيصعد للنخـلة العـاليـة
ويخـدش بالظفر وجــه السـما
ويغلب بالكف عزم الأســد
ويصنع ما شــاء من معجزات !

أهـــذا.. أبي
يـُســام كأن ْ لم يكن بالرجــل
وعـدت أســير على أضــلعي
على أدمعي.. وأبث الجــدر

“ لمـاذا.. لمـاذا ؟ “
أهلت الســؤال على أميــه
وأمطرت في حجرهــا دمعيــه
ولكنهــا أجهشــت ْ باكـيهْ

“ لمـاذا أبي ؟ “
و كان أبي صــامتا في ذهول
يعــلق عينيــه بالزاويـة
وجـدِّي الضــريرْ
قعيـد ُ الحصــيرْ
تحسـَّسـَني و تولـَّى الجـواب ْ :
“ بنـي َّ.. كذا يفعل الأغنيــاء ُ بكل القرى “ !

كــرهت ُ الإله..
وأصبح كل ُّ إله لدى بغيض َ الصــَّعرْ
تعلمت ُ من يومهــا ثــورتي
ورحت أســير مع القـافلة ْ
على دربهــا المدلهــمِّ الطــويل
لنلقـى الصــباح َ
لنلقـى الصــباح !
نجيب سرور - 1956
[/align][/cell][/table1][/align]

[محمد السنوسي الغزالي]

سامحك الله ..ايقظت كثيراً من الشوق والحزن والبذاخة..شكرا بعمق

[د. ناصر شافعي]

اقتباس  عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد السنوسي الغزالي سامحك الله ..ايقظت كثيراً من الشوق والحزن والبذاخة..شكرا بعمق

أستاذي الفاضل القدير :

ألم أقل لسيادتكم أننا عمر واحد .. وذوق واحد .. وشجون واحدة ..
هذا النص الشعري بالذات يثير في نفسي الكثير من الألم والحزن كلما قرأته منذ شبابي و حتى الآن .. و أنا أحس بالشاعر يتألم ويكتب بهذه الصراحة و هذا الصدق عن مهانة أبيه أمامه .. عندما يضربه العمدة بالحذاء ... قلما نجد هذا الصدق لدى أديب .. ولكنه تحقق مع الشاعر الراحل نجيب سرور ..

لا مانع من أن نفتح سوياً الجروح .. و سوف أتكفل بعلاجها فأنا الطبيب .. و أنت الأديب اللبيب .

تحياتي و شكري و تقديري .
د. ناصر شافعي

[محمد السنوسي الغزالي]

كانت هذه آخر رسائله لي عبر البريد ..وكنا قد اتفقنا على هذا التناوب..رحمه الله كم كان جميلاً بالرغم من المدة القصيرة التي عرفته فيها:

عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]

أهدي لسيادتكم هذا النص الشعري لنجيب سرور.. و يبدو أننا متقاربين في العمر و في الذوق أيضاً ..
ولقد كنت أبكى .. و تدمع عيناى حتى الآن كلما قرأت هذه القصيدة .
فمهانة الأب ليس بعدها مهانة ..............

تحياتي و تقديري .
د. ناصر شافعي