أنهم يطلقون الرصاص !!..
[align=justify]
بكل ما في صوته من بحة حزن وألم صاح صاحبي طيب الذكر شحرور الغندور دون مقدمات: أتدري أيها الكاتب الأريب، إنهم يطلقون الرصاص على الوجدان، إنها عملية اغتيال، يجب أن يقف الجميع في وجهها.. قلت بعد أن قال صاحبي شحرور الغندور ما قال: أنا معك في هذه ولن أختلف معك هذه المرة.. وإن كان الموضوع يفتح جرحا، ويجعل الحزن يخيم على كل ما في الروح من فضاء..!! أتدري يا شحرور لا شيء يماثل الوجدان عند الشعوب، وعندما يغتالون الوجدان تضيع الملامح وتسقط كل صور الماضي والحاضر صريعة.. صعب، وأصعب من صعب، يا صاحبي أن يغتالوا الوجدان عندنا.. تصور أن نفقد هذه البوصلة الرائعة من القدرة على الإحساس باللذة والألم.. ماذا يبقى لنا عندها؟؟..
هز صاحبي شحرور الغندور رأسه وقال: أرى أيها الكاتب الصاحب أن الوجدان أكبر من الإحساس باللذة والألم.. أنا معك أن هذا الإحساس هو الأساس، لكن حين نأخذ صورة أو عملية الاغتيال، نجد أنهم يريدون الوصول إلى ضرب الجذور فينا، إلى تخريب الأعماق ، لنكون لا سمح الله، في حالة محزنة من حالات الفراغ والضياع.. ألست معي؟؟..
سرني بطبيعة الحال، أن يكون شحرور الغندور واحدا من القائلين والمنادين بضرورة الحذر مما يحدث في العلن وفي الخفاء.. ولم يكن صعبا الاعتراف بأنه أصاب فيما ذهب إليه.. وكان علي أن أطيل النظر، وأن أدقق في الأمور حولي، لأرى أن الفهم والإدراك ضروريان.. لا أحد ينكر ذلك.. لكن هذا لا يعني السقوط في المستنقع الذي يعمل على مسح كل ما لدينا من وجدان.. الانتباه في هذه الحال واجب.. لأن الوجدان ميزان.. خذوا الوجدان على أنه الإحساس باللذة والألم، وخذوه كما أخذه صاحبي شحرور الغندور.. في كل الحالات، لا بد أن تقفوا أمام صورة تعني الروح والمشاعر والأحاسيس، والارتباط بالماضي والحاضر، بالعائلة والأصدقاء والمحيط.. كل هذا يدخل في باب الوجدان. ولكم أن تتصوروا نتيجة الانسلاخ عن الإحساس بكل ذلك..!!..
شحرور الغندور كان ثائرا صاخبا هذه المرة، وقد تعودت أن يكون ممتلئا بالدعابة والسخرية.. لكن حسب ظن حضرتي، كان الموضوع غير قابل لسخرية شحرور الغندور.. لذلك قال بانفعال: من خلال تصدير كل شيء معلبا، يريدون أن يجعلوا منا نسخا مكررة.. نسخا فارغة الأعماق.. عندها يسهل كل شيء.. إذ أن النسخ لا تملك القدرة على المقاومة، ولا دخل لي هنا بالنعجة دولي.. حتى لا يقال إنني أتدخل بأمر نعجة «محترمة»!!..
ربما طاب لكم أن يكون شحرور الغندور شديد الانتباه والحذر.. فالمسألة في كل الأحوال تحتاج إلى الانتباه والحذر والكثير من الحس العالي بالمسؤولية.. ولست هنا في وارد طرح النصائح كما يظن، فأنا بحاجة إلى من يعلمني قبل أن تكونوا بحاجة إلى ذلك.. واعتقادي يبقى كبيرا بأن كل واحد منكم يعرف ويعي أن الوجدان عندنا معرض لهجوم لا يرحم، وأن الانتباه يعني أن نحافظ على هذه المساحة من الوجدان عند كل واحد منا..
قال صاحبي شحرور الغندور: تصور أيها الكاتب الصاحب أنهم باسم العلم والمعرفة والإدراك والواقعية، يريدون أن نقتلع كل صورة من صور هذا الإحساس الجميل.. ولك أيها الكاتب الصاحب أن ترى إلى هذا الأسلوب الذكي دون شك في التسلل لضرب كل شيء.. شعار العلم والواقعية، شعار مليء بالإغراء.. فهل من العلم والواقعية في شيء أن تكون إنسانا ينبض بكل المشاعر والأحاسيس؟؟ إنك بذلك تناقض العلم والواقعية!!..
.. ها قد عاد الولد المشاغب شحرور الغندور إلى السخرية.. لكن سخريته ذات مغزى والله، وأي مغزى.. فالولد دخل في لب الموضوع، وأصاب كبد الحقيقة، حين رأى أنهم يتسللون من باب، يصعب معه الصراخ في وجوههم.. إذ من منا يقف في وجه العلم والواقعية؟؟ من منا يستطيع أن يرفض التطور والتقدم؟؟ من يستطيع القول إن العلم شيء لا ضرورة لوجوده..؟؟..
كل ذلك صحيح.. لكن من قال إن العلم يتناقض مع الوجدان؟؟ من قال إن الفهم والإدراك لا يتفقان مع المشاعر والأحاسيس؟؟ ولماذا يا سادة يا كرام، كل هذا الإصرار على الفصل والقطع والبتر، وكأننا أمام خطين مستقيمين لا يلتقيان في أي نقطة؟؟..
أرجوك يا شحرور اسمع ولا تقاطعني.. فقد طفح الكيل والله.. لا تشاغب فأنا أحب استعمال هذه التعابير الكبيرة أحيانا.. وحتى لا نبتعد عن الموضوع يا صاحبي شحرور أقول لك بصريح العبارة: جيلنا، أقصد الشباب يا ولد ولا دخل لنا، مليء بالوعي والانتباه، ولا تظن أنهم قادرون على قتل الوجدان عند أي واحد. فالوجدان يا صاحبي متجذر عند كل واحد منا، ولا يمكن أن يقتلع هكذا لنصبح بين ليلة وضحاها، من غير وجدان لا سمح الله.. خذ حضرتك مثالا يا شحرور، من يستطيع أن يكسر عندك هذا الشيء الجميل الرائع، من يستطيع أن يقتل فيك الزهور والنهار والأمل والتفاؤل؟؟ كذلك يا صاحبي كل شاب.. أنا معك بضرورة الانتباه.. لكن صدقني شبابنا يملكون من الوعي ما يكفي..
[/align]
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|