[frame="13 98"]
حظرالمآذن وحظر النقاب أمام عظمة الإسلام
د. سعيد بن حسين
استهزاء بالنبي الكريم في الدنمارك وحظر للمآذن بسويسرا, وحظرالنقاب بفرنسا وبلجيكا: إجراءات تبدأ ولا تنتهي, حتى أضحت ظاهرة تجاوزت الزمان والمكان وعمت شعوب القارة العجوز, يستوي في ذلك الحاقدون الصغار من العلمانيين المتطرفين والمثقفون والإعلاميون والمتظاهرون ببراءة الذئب من دم يوسف من القادة السياسيين. والحقيقة أنهم سواء وإن اقتسموا الأدوار, حيث أسند للحاقدين الصغار الدور القذر وتوارى صانعي القرار وراء الشعارات الزائفة والتصريحات المائعة فتارة يتظاهرون بالمعارضة كما هو في حظرالمآذن وتارة أخرى يبدون وبدون مواربة تأييدهم للقرار كما في منع النقاب والحجاب, ومهما يكن فإن أعمالهم تكشف عن كره شديد وحقد دفين وعداء لئيم للإسلام والمسلمين.
و لحداثة عهدهم بالسياسة, أظهر الحاقدون الصغار خشيتهم من أسلمة المجتمعات الأوربية من خلال بعض الشعائر والمظاهر الإسلامية التي بدأت تقتحم عليهم ديارهم وتهددهم في عقر دارهم. كما وأظهروا وبدون مواربة خشيتهم من طريقة الإسلام في العيش ومن المفاهيم الإسلامية التي تشكل حضارة الإسلام, بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك عندما هاجموا الإسلام صراحة ووصفوه بالتخلف والظلامية, وأمروا المسلمين بتحديثه وتنويره حتى يساير مفاهيمهم ويتماشى مع قوانينهم وصدق الله العظيم عندما قال:( قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ) سورة آل عمران-118.
إن سياسة التهييج ضد الإسلام و المسلمين تسير بشكل ممنهج ومدروس فلا تكاد تنتهي حملة حتى تبدأ أخرى, والمقصود منها الإسلام وأهله لا غير, إذ كيف نفسر منع المسلمين دون غيرهم من أن تكون لمساجدهم مآذن في حين أن المسيحيين واليهود لهم ذلك, حتى البوذيين والهندوس وعباد البقر لا يمنعون من تشييد صوامع لدور عيادتهم. إن القصد من هذه السياسة واحد لا غير, وهو الحيلولة دون تأثير الإسلام على الشعوب الأوربية التي تشكو خواء روحيا وتذمرا من الأوضاع السياسية والاقتصادية و الاجتماعية. وسياسة التهييج والتخويف ضد الإسلام وأهله, هو الحل الأمثل عند المثقفين وصناع القرار في الغرب حيث أنها توجد بلا شك حاجزا كثيفا يحول دون التفكير في الإسلام بشكل نزيه ومن دون أحكام مسبقة.
وإن للمرء أن يتساءل لماذا يخشى من الإسلام وأهله, مع أنهم يمثلون الحلقة الأضعف في العالم جراء غياب دولتهم, وكيف استطاع هذا الدين أن يصمد أمام كل المكائد التي حيكت ولا تزال تحاك ضده وضد أهله. و مع أن وسائل الصراع غير متكافئة فإن الإسلام يشكل اليوم تحديا حضاريا حقيقيا أمام الرأسمالية, إذ لم يعد يشكل عقبة تحول دون عولمة المبدأ الرأسمالي فحسب بل تجاوز ذلك عندما اقتحمت الشعائر الإسلامية مجتمعاتهم وطرقت المفاهيم الإسلامية آذانهم.
إن الحقيقة تكمن في عظمة هذا الدين في عقيدته و تشريعاته. فالعقيدة الإسلامية عقيدة عقلية تقنع العقل وتوافق الفطرة فتملأ القلب طمأنينة. فبالعقل تستطيع أن تقنع المرء بوجود الله وبأن القرآن كلام الله, و ذلك لعجز العرب أن يأتوا بمثله مع أنهم أهل الفصاحة والبيان وبإثبات أن القران معجز تثبت نبوة محمد عليه الصلاة و السلام. و لكن وبالمقابل لا يمكن للعقل أن يثبت صحة العقيدة الرأسمالية التي تفصل الدين عن الحياة, إذ لا يمكن للعقل أن يقتنع بحل ترضية بين متناقضين ومسك العصا من الوسط, بصرف النظر عن الحق من الباطل. والمبدأ الرأسمالي قد ظهرت عفونته وأزكمت رائحته الأنوف, فالنظام الاقتصادي ظهر فساده من خلال الأزمات الحادة التي تعصف به من حين لآخر حتى أضحت جزءا منه بشهادة الخبراء من أهله. ونظام الحكم عندهم تعصف به الأزمات السياسية, حتى الديمقراطية المباشرة التي هي محل فخرهم أصبحت في مهب الريح, و محل انتقاد من كل من هب و دب, وأضحت تقتضي التغيير والتبديل وذلك بإنشاء محكمة دستورية تكون حكما عليها لتلغي بذلك حكم الأكثرية الذي طالما افتخر به الغرب. أما الأزمات الاجتماعية والنفسية والتحلل الأخلاقي والتفكك الأسري فهي غنية عن التعريف. والحريات التي يعتبرونها مبعث عزهم, أصبحت فئوية وتداس بالأقدام عندما يتعلق الأمر بالاسلام و المسلمين. فحرية الرأي مضمونة عندما يراد الطعن في الرسول الكريم وتعتبر إرهابا فكريا وعنصريا إذا ستخدمها المسلمون لانتقاد الغرب وربيبته إسرائيل على جرائمهم التي تترى في فلسطين وأفغانستان والعراق وكشمير وغيرها من بلاد المسلمين. والحرية الشخصية مضمونة حتى للشواذ لكنها ليست كذلك إذا تعلق الأمر بغطاء الرأس والنقاب للنساء المسلمات, وحرية العقيدة مضمونة للمرتدين و لغير المسلمين, أما المسلمين فتضيق عليهم الأرض بما رحبت, حتى لحقتهم في دور عبادتهم.
إن المثقفين وأصحاب القرار في الغرب يتبعون المغالطة في تشويه الإسلام لإبعاد عامة الناس عن هذا الدين, خاصة عندما يقارنونه بالمسيحية وبفكرة الحق الإلهي ذات الصيت السيئ عند الغربيين. والحقيقة أن هناك فرقا بين الدولة الدينية بالمعنى الذي عاشه الغرب في العصور الوسطى وبين الدولة الإسلامية , ولا يوجد أي تشابه بينهما مطلقا, بل بينهما التناقض, وذلك لأن الدولة الدينية التي يعنيها الغرب والتي رزحت تحت حكمها الشعوب الأوروبية لقرون طويلة هي دولة إلهية مقدسة تستمد سلطتها من الله ولا يجوز لأحد محاسبتها, لأن أوامرها مع كونها صادرة من الملك أو القيصر فهي في رأيها إلهية لا تقبل المناقشة, بخلاف الدولة الإسلامية فإنها ليست إلهية ولا مقدسة وتستمد سلطتها من الأمة, لأن السيادة (أي التشريع) وإن كانت للشرع ولكن الحكم والسلطان (التنفيذ) هو للأمة تنيب عنها به الدولة وهي منفذة للشرع وليست حاكما مقدسا , بل لكل مسلم محاسبتها فيما تقوم به من أعمال . وأوامر الدولة الإسلامية هي مع كونها أحكاما شرعية تتبناها من الفقه الإسلامي فهي ليست مقدسة لا تقبل جدلا بل هي آراء وأفكار وأحكام إسلامية تقبل المناقشة بل هي قابلة للتغيير والتعديل والإلغاء باجتهاد صحيح.
و لذلك لا صحة لما يروجه الغرب عن الإسلام, من تخلف وظلامية, فالمسلمون كانوا الأوائل في انتخاب الحاكم وبيعته, ففي الوقت الذي كان فيه حكام العالم عندما بزغ فجر الإسلام, يتصرفون كالآلهة مع رعيتهم, يسوقونهم كما تساق الدواب, كان عبد الرحمان بن عوف يطرق بيوت المدينة يسأل الرجال والنساء من ينتخبون للخلافة من بين المرشحين لها من الصحابة الكرام رضي الله عنهم. كما كان المسلمون الأوائل في محاسبة الحاكم, فقد ثبت أن المسلمين قد اعترضوا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بوصفه رئيسا للدولة لا بوصفه رسولا في مواطن كثيرة : ففي الخندق رفض سعد بن معاذ وسعد بن عبادة موافقة الرسول عليه السلام على إعطاء غطفان ثلث ثمار المدينة, وقال له سعد بن معاذ: "والله لا نعطيهم إلا السيف ", فقال عليه السلام: " أنت وذاك " وعمل برأييهما. كما حاسب المسلمون الخفاء الراشدين وخلفاء بني أمية وخلفاء بني العباس. فهذا عمر يمنع أبا بكر من بيع الثياب حتى يتفرغ لرعاية شؤون الناس. وهذا بلال يحاسب عمر على أرض السواد حتى يقول عمر: " اللهم اكفني بلالا وصحبه ". وتأتي الوفود من الأمصار لمحاسبة عثمان رضي الله عنه. ويحاسب العبادلة الأربعة معاوية حساب شديدا على أخذه البيعة ليزيد . ويحاسب سفيان الثورى المنصور بقوله: " اتق الله فقد ملأت الأرض ظلما وجورا "، فيطأطئ المنصور رأسه. ويحاسب أحمد بن حنبل المأمون على قوله بخلق القرآن. كما كان المسلمون الأوائل في إعطاء كل ذي حق حقه, سواء أكان رجلا أو إمرأة, حتى أن المرأة التي كانت ملكا للرجل تباع و تشترى, لا قيمة لها ولا وزن, أو كما هي اليوم سلعة للمتعة, و مادة إعلامية, فإن الإسلام قد أعزها, فجعلها حرة كريمة عالمة و فقيهة ذات شأن ورأي, كما و لها ذمة مالية مستقلة. كما كان المسلمون الأوائل في الأمور الاقتصادية و العيش الكريم, ينعم الناس بالملكية العامة, و ترعى شؤونهم بملكية الدولة, و تصان و تحفظ ملكيتهم الخاصة, و تدفع الزكاة لمستحقيها, حتى أن الزكاة في بعض الأوقات كانت لا تجد فقيرا يستحقها.
أما حقوق الأقليات التي طالما استغلها الغرب الكافر ولا يزال للتدخل في شؤون المسلمين في لبنان و السودان وأندونيسيا و غيرها من بلاد الإسلام, حيث درج الغرب الكافر على اتهام المسلمين بهضم حقوق الأقليات, لينفذ من خلالها لبلاد المسلمين, فغايته منها سياسية نفعية بحتة لا دخل للنواحي الإنسانية فيها, فهي ورقات للضغط أحيانا وسبب لتقسيم المقسم وتجزئة المجزئ أحيانا أخرى. حتى الأقليات الذين يرزحون تحت حكم الغرب, فإن إثارة موضوعهم إنما لتمييزهم دون أهل البلاد, و غالبا ما يستخدمون كورقة انتخابية أو لتمرير قانون يستعصي على الحكومة تمريره في الحالات العادية.
وأين هذا من عظمة الإسلام الذي خاطب أهل الكتاب بأرقى خطاب فقال: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) سورة آل عمران-64, و جعل العقل حكما بيننا و بينهم في اعتناق العقيدة فقال: ( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) سورة النحل-125, و لم يكرههم على اعتناق الإسلام فقال: ( لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) سورة البقرة-256, و عامل غير المسلمين أرقى معاملة فلم يحرجهم في عقائدهم و في خصوصياتهم, إذ عاملهم في أمور المطعومات و الملبوسات حسب أديانهم و ترك لهم دور عبادتهم, و مقابرهم الخاصة بهم. و قد ذهب الإسلام إلى أبعد من ذلك وفي أمور تعتبر من المحرمات, بل يعتبر مجرد الحديث عنها تطرفا وتشددا كما في سويسرا و فرنسا تحت ذريعة الحيلولة دون نشوء مجتمع موازي لمجتمعاتهم, أقول فإن الإسلام ذهب إلى أبعد من ذلك إذ جعل فصل أمور الزواج والطلاق بين غير المسلمين حسب أديانهم, وتجعل لهم دولة الخلافة في محاكم الدولة قضاة من بني جلدتهم يفصلون بينهم في مثل هذه الأمور.
إن حقوق غير المسلمين محفوظة في كتاب الله وسنة رسوله, و يعتبر إيذاؤهم إيذاءا لله ولرسوله, فقد روي عنه صلى الله عليه و سلم قوله: (من آذى ذميا فقد آذاني ومن آذاني فأنا خصمه يوم القيامة). و لقد كان غير المسلمين في الدولة الإسلامية لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم, وسار العمل بذلك الخلفاء والحكام, وقد نص الفقهاء على حرمة التعدي على أهل الذمة وهم الذين يعيشون تحت سلطان الإسلام من غير المسلمين: يقول ابن حزم (على أن من حق حماية أهل ذمتنا, إذا تعرض الحربيون لبلادنا, و قصدوهم في جوارنا, أن نموت في الدفاع عنهم, و كل تفريط في ذلك يكون إهمالا لحقوق الذمة), و يقول القرافي (إن من واجب المسلم للذميين الرفق بضعفائهم, وسد خلة فقرائهم, وإطعام جائعهم, وإلباس عاريهم, ومخاطبتهم بلين القول, واحتمال أذى الجار منهم مع القدرة على الدفع, رفقا بهم لا خوفا و لا تعظيما, وإخلاص النصح لهم في جميع أمورهم, ودفع من تعرض لإيذائهم, وصون أموالهم وعيالهم وأعراضهم وجميع حقوقهم ومصالحهم وأن يفعل معهم كل ما يحسن بكريم الأخلاق أن يفعله). و هذا كله جعل الذميين ينعمون بحكم الإسلام, و هو ما دفعهم للدخول في دين الله أفواجا, وإن هذا الأمر لعائد بإذن الله بعودة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة, فليتعض الغرب ولا يستغل ضعف المسلمين للتضييق عليهم وعلى دينهم, فضعف المسلمين ليس أبديا, و جيل النصر على الأبواب, وإن غدا لناظره لقريب.[/frame]
نعم عزيزتي فاطمة مهما هاجموا الإسلام والمسلمين
لن يؤثر عليهم بل يزيدهم إصراراً
فإن أعمالهم تكشف عن كره شديد وحقد دفين
وعداء لئيم للإسلام والمسلمين.
شكراً لتواجدك واهتمامك
دمت بخير