الشارع الذي هناك .. الشارع الذي هنا
[frame="10 98"]
[align=justify]
هدى أيتها الحبيبة الغالية
تركض الأيام بل تلهث وتكاد لكثرة تسارعها تتداخل وتتشابك .. يدور الذهن في دوامة لا أعرف تماما ماذا أسميها حين أفكر بكل هذا القرب بيننا وكل هذا البعد في الوقت نفسه .. الشارع الذي هنا يحفظ خطواتي ويترجمها إلى دروب وسكك ربما تنتهي ذات لحظة بلقاء جميل أنتظره .. وربما لا .. والشارع الذي هناك في كندا يحفظ خطواتك ويترجمها إلى الكثير .. فهل يقود الشارع الذي هناك إلى الشارع الذي هنا ؟؟.. صدقيني .. ربما ..
في لحظة من اللحظات أطل من نافذة العمر فأرى صورة طفل يركض هناك في طرابلس .. الجدة كانت تدور بي في كل الأسواق القديمة كي تشتري ما تريد من طعام وأشياء أخرى .. الأخوال كل واحد في اتجاه ، وترينني اشرب من كل كأس ما يروي الظمأ .. خالي نور الدين يبهرني بعلاقاته ومكتبه في جريدة " لسان الحال " ويحدثني عن أشياء اكبر من عمري لكنها تروق لي وإن كنت ضائعا في دروبها التي لا أفهم منها إلا البسيط .. يومها ، أو في ذلك الوقت البعيد ، لم أكن استوعب أن يكون الخال شاعرا ،ولم أكن أسأل عن هذه الأشياء السحرية الغامضة .. هو شاعر وصحفي وأديب يقف ويخطب فيحرك الناس بكلماته.. وأنا ربما لا أجد في كل هذا غير سروري بأن ذلك الذي يقف ويتحدث ويصفق له الناس هو خالي ، وانه بعد أن ينتهي من كلامه سيعود ليجلس إلى جانبي .. أليس مبهرا أن يكون كل ذلك من نصيب الطفل الذي هو أنا ؟؟.. شيء واحد تمنيته دائما وما أزال وهو أن يكون العمر أكبر عندما رحل كي أعرف شعره وأجمعه ليبقى ويستمر بعيدا عن هذا الضياع الذي يشكل غصة في الحلق ..
الشارع الذي هنا هو شارعي بالتحديد .. والشارع الذي هناك في كندا هو أيضا شارعي .. والشارع الثالث هو ذلك الشارع الممتد طويلا في طرابلس .. هذا الشارع لم أزره منذ سنوات طويلة .. ربما بعد رحيل الجدة رحمها الله .. مع رحيل الجدة صارت المدينة بعيدة وشارعها لم يعد هو الشارع الذي أستطيع أن امتد فيه حكاية جميلة كل صيف .. الآن تحضر جدتي بقوة لتحكي وتضحك وتتحرك .. هو الشارع الثالث إذن وربما مشيناه معا في وقت ما .. أقول ربما يا هدى لأن خطانا كانت تتوزع على الدروب في تلك المدينة اللبنانية الجميلة .. وما كنا نعي وقتها أن خطانا ستعود لتمشي على رصيف الكلمات بكل ما فينا من قدرة على العطاء ..
أترين كنت أتمنى أن أطيل أكثر لكن حقا أحب أن تقولي وأسمع ..
طلعت سقيرق
20/3/2007
طلعت أيها الغالي..
كيف لا تحفظك شوارع تسمع وقع خطواتي و بيننا نبضات دافئة في شارع العمر الذي يجمعنا.. هناك في جنتنا السليبة شوارعٌ ترتادها أحلامنا و مشاعرنا.. شوارعٌ تحفظنا و تتلونا تنادينا تنبض لنا و تشدّنا لها دون أن نسطّر فوق أرصفتها وقع خطانا
بين الماضي و الحاضر تحفط ذاكرة الشوارع وقع خطوات كل من مروا.. من كانوا مروراً عابراً أومن اغتصبوا بخطواتهم فرح تلك الشوارع بوقع خطانا و بين من عشقوا تلك الشوارع و كانت دروبهم في الحياة و سطّروا فوقها أيامهم و لياليهم و لا بدّ أنّ الشوارع تدرك كم نعشقها حين نسترجع وقع خطواتنا عليها مع أحبة رحلوا و أحبة لم يرحلوا بعد لكن ملامحهم تغيرت و خطواتهم تعبت و تراخت و ما عادوا يستطيعون الأخذ بأيدينا في شوارع كانت تبدو لنا معهم و بوجودهم جنة
في 21 آذار ذكرى عيد الأم تحضرني تلك الشوارع.. تسكنني...
الوطن أم و الأم وطن ..بين نبضات الشوارع التي منها جذوري و الشوارع التي لي فيها جذور و تفتحت عيناي عليها و رددت طويلا وقع خطواتي....
تبدأ حكاية أجمل امرأة في الدنيا رأتها عيناي و التي كانت دوماً أمي و ما زالت و ستبقى ما بقيت..
و الأم التي تلدنا و نتعرف على الحياة بين ذراعيها هي الأم الأولى في قائمة الأمهات والأغلى بينهن و القائمة تطول أو تقصر تبعاً لحجم العائلة و طبيعة الحياة.. بهية.. أمي الأولى و الأغلى صديقتي الأنا الأعز في دروب الحياة عشقي الأزلي و أجمل النساء و أغلاهن و من بعدها في قائمة الحب و العشق ،تأتي أمي الكبرى أو جدتي نجلاء أم نور و جدتي لأمي غانية و هي أقصرهن عمراً و التي رحلت مباشرة بعد رحيل والدي.. ثم عمتي الغالية حورية/ والدتك، و عمة والدتي بما كان لها من تواجد في حياتي و عشق مشترك، و تبقى واحدة في قائمة أمهاتي ليست من لحمي و دمي لكنها محفورة بي حتى نخاع العظم حبها و وفائي لها و لذكراها يسكنني في كل لحظة من عمري و يثبت أن التربية ليست أقل أحياناً من رابطة الدماء، مربيتنا ظريفة و التي سهرت على تربيتي و أختي و من قبلنا أمّي و حتى ابني نال نصيباً من رعايتها و هي الوحيدة التي حين وصلني في كندا خبر وفاتها خسرت احتياطي الكالسيوم و وقعت مغشياً عليّ و نقلت إلى المستشفى في حالة إسعاف و كان حزني عليها و ما زال بحجم حبي و وفائي لها و كل خطوات و شوارع عمري تحفظها و تقدر جميلها و فضلها.
قصتي مع كل واحدة من أمهاتي اللاتي ذكرت و ذكرياتي و حكاية عشقي لكل واحدة منهن على دروب الحياة تحتاج صفحات و لو أردت الدقّة لاحتاج الأمر إلى مجلدات، إنهن أجمل النساء و أروعهن في مفكرة نفسي و سجل حياتي..
لا يصيب الأهل كثيراً حين يظنون أن محبتهم للأبناء تفوق محبة الأبناء لهم عشقا و وفاء لا يعلم إلا الله قدره فينا..
و تبقى أمي الأولى بكل ما لها من خصوصية و قداسة في مشاعري و تضحيات لا تحصى و لا تقدر و عمر و شباب وهبته لي و لأختي بمنتهى الرضا و الإيثار.. الحب الأول الذي فتحت عيناي عليه و الوجه الذي أعشقه عشقاً لا يضاهى والذي أرى فيه جمالاً أين منه آلهة الجمال..
أمام جمال الأم أقف يا صديقي أحياناً متعجبة أمام غانيات الفضائيات و النسوة اللاتي يجرين عمليات التجميل و الشد و إلخ من السخافات مع أنّ الأمومة أبسط الوصفات لجمالٍ لا يضاهى في حسنه و كلما مرّ عليه الزمن ازداد تألقاً في أعيننا..
كلما ازداد عدد الشعرات الفضية و ارتسمت التجاعيد على محيّاها كلما ازدادت بهاء و حسناً سحراً و ملائكيةً في أعيننا..لتبقى أجمل النساء أمّي و أجمل الأوطان وطني...
و نبقى العمر يا صديقي نبحث عمن يحبنا كحبّ أمهاتنا لنا بكل ما فيه من خصوصية صدق و تميّز.. تتفتح مداركنا بين ذراعيها ملوكا متوجين و حين نخرج للعالم الخارجي و نبتعد قليلا عن دفء صدرها نحس بالبرد و يرودنا الحنين في كل لحظة..
كثيراً ما أفكر لو تركوا الأمهات يحكمن العالم ما كانت لتقوم الحروب وتسفك الدماء و تكبر المطامع و تحتل الأوطان، فالأم التي تهب الحياة و تسهر عليها حتى يشتد العود لا تستهتر أبداً بقلب أم أخرى و تدميه و لا تغتصب أمومة وطن وتشرد عنه الأبناء!! خطواتنا فوق الشوارع تروي للعالم يتمنا ومرارتنا ..
في عيد الأم، هل تعرف الشوارع حرقة فلسطين و معنى أن ينتزعوا من أم أولادها و يرموا بهم في شوارع البرد و الحرمان و عيونها معلقة بهم ثم يضعوا في رحمها!!..في حجرها!!.. عقارب و أفاعي ذئاب تسيل من أنيابهم دماء أولادها؟؟!!!!
يا صديقي في عيد الأم كم ينتظر قلب أم حزينة اسمها فلسطين معايدتنا..
حضن يفتقدنا و نفتقده..تلك الشوارع التي لم تردد وقع خطواتنا أنت و أنا لكنها تسمع صداها و صدانا أينما كنا لأننا نبضها جيلا بعد جيل و في ذاكرتها ما زالت و قع خطى والدك و والدي.. صدى خطوات جدتنا هناك ما زالت و جدّنا صوته ما زال في ذاكرتها من مسجده يخطب و يكبّر: " الله أكبر"...
الله أعز و أكبر.. الله أكبر من الظلم أمنا حيفا.. الله أكبر أمنا يا فلسطين....
أهديها منك و مني بطاقة حبٌ لكل ٌ ذرة من ترابها و سلامٌ لها منّا في عيد الأم.. سلامٌ لشوارعها و حاراتها.. سلام لبيت ينتظر عودتنا و مسجد اشتاق للتكبير والتهليل
ربما نعم صديقي في مثل هذا اليوم أردت أن أقول الكثير.. و لم أقل..
هـدى الخطيب
21/03/07
[/align]
[/frame]
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|