نصوص عربية عن اكتشاف أمريكا .د. رجب البيومي
[align=center][table1="width:95%;"][cell="filter:;"][align=center]
يوجه بعض الكاتبين نقده المعرض إلي العناية بالتراث العربي القديم نشرًا وضبطًا وتحقيقًا زاعمًا أن مؤلفات العصور السابقة – في أكثرها – أوعية فضفاضة تحمل الغث والثمين وقد وقفت عقول كتابيها لدى ما سمحت به عصورهم الماضية من ثقافية بدائية عفى عليها الزمن إذ أتت العصور اللاحقة بما يجعل من حديث القدامى شواهد عملية علي تطور الأذهان أكثر منها حقائق محترمة يؤكدها الاختبار وهذا الكلام واه لا يحتمل المناقشة في شيء إذ أننا نجد في كتب القدامى من الحقائق ما يعجب ويروع بل إننا لنقف منها في بعض الأحايين علي أخبار تعد كشوفًا عملية جديدة تقلب الحقائق الراسخة رأسًا علي عقب ! .
[align=center][table1="width:95%;"][cell="filter:;"][align=center]وحديث الإدريسي عن محاولة بعض الأندلسيين في القرن الثالث الهجري عبور المحيط [/align][/cell][/table1][/align]واكتشاف القارة المجهولة أحد هذه العجائب التي يجب أن نقف أمامها متأملين ، ونبادر فنعلن أن العلم الإنساني لا وطن له فالمعارف البشرية تنتقل من الشرق إلي الغرب ومن الجنوب إلي الشمال رائحة غادية وقد أسهم كل زمان ومكان في تنميتها وجلائها بحيث أصبحت أو كادت أن تصبح نهبًا مشاعًا بين الأمم المتحضرة جميعها فإذا حاولنا الآن أن نثبت فضل ريادة المحيط الأطلسي لبعض الناس فلن يدفعنا إلي ذلك تعصب جنسي أو قومي ولكن يعز علينا أن تمتلئ الكتب شرقاً وغربًا بأنباء خرستوفر كولمبس ثم لا نجد من مؤرخيه الكثيرين من يمتد نظره إلي هؤلاء الرواد الحقيقيين للمحيط كحلقة أولي في دنيا الريادة الجغرافية ، مع أنهم يستحقون بكفاحهم الرائع أن يذكروا في سجل السابقين من ذوي البطولات ، ولن يكون حديثنا عنهم رجمًا بالغيب ، وجريًا مع الظن ، وإنما هو منطق العقل وصوت التاريخ .
ولابد أن نشير إلي من تحدث عن هؤلاء الرواد من كتاب العرب المحدثين لنذكر الفضل لأصحابه في تصحيح الأوضاع ، وتوجيه الأنظار إلي الجديد المفيد ، فالمؤرخ الكبير المغفور له الأستاذ عبد الحميد العبادي بدأ بكتابة مقاله الرائع [align=center][table1="width:95%;"][cell="filter:;"][align=center]" حديث الفتية المغررين من أهل لشبونة [/align][/cell][/table1][/align]" بمجلة الثقافة ، العدد 136 (5 أغسطس سنة 1941) ، ثم تبعه العلامة الجليل الأب أنستاس ماري الكرملي بمقاله القيم " عرف العرب أميركة قبل أن يعرفها الغرب " بمجلة المقتطف (فبراير سنة 1945) ، ثم الباحثة الفاضلة الأنسة دولت أحمد الصغير بمقالها " اقتحم العرب المحيط قبل أن يقتحمه كولمبس " بمجلة / الرسالة العدد 612 (26 مارس سنة 1945) ، ثم الأستاذ الدكتور زكي محمد حسن في كتابه " الرحالة المسلمون " في العصور الوسطي 1945 ما بين ص 46 ، 51 ، كما سبق إلي ذلك الأمير شكيب أرسلان في كتابه الحلل السندسية ! ثم جاء الأستاذ الأديب محمد سعيد العريان فصاغ من الموضوع قصة أدبية من أحسن قصص الرحلات العربية ! وقد طبعتها دار المعارف المصرية سنة 1961 ، وسنخصها ببعض الحديث عن قريب . [align=center][table1="width:95%;"][cell="filter:;"][align=center]ولقد كان كتاب " نزهة المشتاق " للإدريسي في القديم صاحب الإشارة الأولي الفاحصة عن هذا الحدث الجلل ، والإدريسي غير منكور الفضل عند المنصفين ، فقد درس بجامعة قرطبة ، ثم طاف بالأندلس وشمالي أفريقيا وآسيا الصغرى ، ونزل ضيفًا كريمًا علي رجار ملك صقلية ، وبتوجيه كتب مؤلفه الخالد عن الآفاق المعروفة في الشرق والغرب ، ووضع مصورًا جغرافيا لأول مرة في تاريخ العلم ، كما أشار علي الملك أن يبعث وفوده إلي مختلف الأصقاع البعيدة والقريبة في أوروبا ليرجعوا إليه بالجديد عن أنباء هذا الكون المجهول .
[/align][/cell][/table1][/align] ومن هنا كان كتاب " نزهة المشتاق " أول في سجل عربي لأنباء أوروبا في العصور الوسطي ، إذ أنه نقل عن شهود العيان بما لا يدع مجالا لتسرب الأساطير إلا فيما ندر ، أما أخبار المغرب والأندلس وصقلية فقد كان الإدريسي مرجعها الأول ، وإذا كان الرحالة الكبير قد عاش في قرطبة وتنقل في حواضر الأندلس ، فإنه فيما يحكيه عن مغامرة الرواد الأوائل من أهل لشبونة في اجتياز المحيط إلي أمريكا إنما ينقل أمرًا مشهورًا يتداوله الأندلسيون ، والرجل بحاسته الجغرافية يدرك لا محالة مدى خطره العلمي فيسارع إلي تسجيله ، فإذا أغفل ذلك الحدث الهائل غيره من المؤلفين لعهده أو قبل عهده بعصور ، فإنها الحاسة الجغرافية التي تميز بها الإدريسي ونأت عن سواه ، وسننقل هنا ما قاله الرحالة لنسقط عليه الأضواء بالتفسير والتحليل . جاء في نزهة المشتاق إلي اختراق الآفاق ما نصه :
[align=center][table1="width:95%;"][cell="filter:;"][align=center] " من مدينة لشبونة كان خروج المغررين في ركوب بحر الظلمات ليعرفوا ما فيه وإلي أين انتهاؤه . كما تقدم ذكرهم ، ولهم بمدينة لشبونة بموضع من قرب الحمة درب منسوب إليهم يعرف بدرب المغررين إلي آخر الأبد ، وذلك أنه اجتمع ثمانية رجال كلهم أبناء عم ، فأنشأوا مركبًا حمالا ، وأدخلوا فيه من الماء والزاد ما يكفيهم لأشهر ، ثم دخلوا البحر في أول طاروس (كذا) – يريد هبوب الريح الشرقية فجروا بها نحوًا من 12 يومًا، فوصلوا إلي بحر غليظ الموج كدر الروائح ، كثير العروش ، قليل الضوء ، فأيقنوا بالتلف ، ثم فردوا قلاعهم في اليد الأخرى ، وجروا في البحر في ناحية 12 يومًا ، فخرجوا إلي جزيرة الغنم ، وفيها من الغنم مالا يأخذه عد ولا تحصيل ، وهي سارحة لا راعي لها ، ولا ناظر إليها ، فقصدوا الجزيرة فنزلوا بها ، فوجدوا عين ماء جارية وعليها شجرة تين بري ، فأخذوا من تلك الغنم فذبحوها فوجدوا لحومها مرة لا يقدر أحد علي أكلها ، فأخذوا من جلودها وساروا مع الجنوب 12 يومًا ، إلي أن لاحت لهم جزيرة ، فنظروا فيها إلي عمارة وحرث ، فقصدوا إليها ليروا ما فيها ، فما كان غير بعيد حتى أحيط بهم في زوارق هناك ، فأخذوا وحملوا في مركبهم إلي مدينة علي ضفة البحر ، فأنزلوا بها في دار ، فروا رجالا شقرًا زعرًا ، شعور رءوسهم سبطة ، وهم طوال القدود ، ولنسائهم جمال عجيب ، فاعتقلوا فيها بيت ثلاثة أيام ، ثم دخل عليهم في اليوم الرابع رجل يتكلم باللسان العربي ، فسألهم عن حالهم ، وفيم جاءوا ، وأين بلدهم ، فأخبروه بكل خبرهم ، فوعدهم خيرًا وأعلمهم أنه ترجمان الملك ، فلما كان في اليوم الثاني من ذلك اليوم أحضروا بين يدي الملك ، فسألهم عما سألهم الترجمان عنه ، فأخبروا بما أخبروا به الترجمان بالأمس من أنهم اقتحموا البحر ليروا ما به من الأخبار والعجائب ويقفوا علي نهايته ، فلما علم الملك ذلك ضحك .
وقال للترجمان : خبر القوم أن أبي أمر قومًا من عبيده بركوب هذا البحر وأنهم جروا في عرضه شهرًا إلي أن انقطع عنهم الضوء وانصرفوا في غير حاجة ولا فائدة تجدي ، ثم أمر الملك الترجمان أن يعدهم خيرًا وأن يحسن ظنهم بالملك ففعل ، ثم صرفوا إلي موضع حبسهم إلي أن بدأ جري الريح الغربية ، فعمر بهم زورق وعصبت أعينهم ، وجري بهم في البحر برهة من الدهر ، قال القوم : قدرنا أنه جري بنا ثلاثة أيام بلياليها ، حتى جئ بنا إلي البر فأخرجنا ، وكتفنا إلي الخلف وتركنا بالساحل إلي أول تضاحي النهار ، وطلعت الشمس ونحن في ضنك وسوء حال من شدة الأكتاف حتى سمعنا ضوضاء وأصوات ناس ، فصحنا بأجمعنا ، فأقبل القوم إلينا ، فوجدونا بتلك الحال السيئة ، فحلونا من وثاقنا ، وسألونا ، فأخبرناهم بخبرنا ، وكانوا برابرة ، فقال لنا أحدهم : أتعلمون كم بينكم وبين بلدكم ، فقلنا : لا ، فقال : إن بينكم وبين بلدكم مسيرة شهرين ، فقال زعيم القوم : واأسفي ، فسمي المكان إلي اليوم أسفي ، وهو المرسي في أقصي المغرب " .
[/align][/cell][/table1][/align]
هذا ما قاله الإدريسي ، وقد نقلناه على طوله ، لا لنجزم بكل حرف منه ، بل لنحيط بالفكرة المعقولة التي يمكن أن تستنتج من مجموعه ، إذ أن الرحالة قد دون الحادث بعد مرور ثلاثة قرون عليه ، فقد تلقاه من أفواه الناس ينبئونه ، وكأنه قد مر بما يسمي بدرب المغررين ، فسأل عن التسمية ، فأجيب ، وإذا كان من طبيعة هذا النبأ الغريب أن يكون مدعاة التزيد في الرواية وبخاصة حين تمتضغه الأفواه من جيل إلي جيل ، فإن المؤرخ الدقيق لا يستطيع أن يتجاهل عناصره الأولي التي أدت إلي خلوده علي الأيام ، فلو لم تكن بذراته الأولي صحيحة ما تدوول علي هذا النطاق ، والبذرات الأولي إذا جردت مما يحتمل الزيادة والتلفيق لا تخرج عن أن قوما من أهل لشبونة تشوقوا إلي معرفة ما وراء المحيط ، فجهزوا مركبا مشحونا بالزاد والعتاد ، ثم نزلوا بعد جهاد شاق إليبعض الجزر ، وسيقوا إلي حاكمها ، فعصب عيونهم وأمر بإرجاعهم ، فعادوا إلي بلادهم بعد أهوال ، وطفقوا يتحدثون بما شاهدوه . والناس ما بين مصدق ومكذب ، وقد اشتهر عملهم في لشبونة حتى سمي بهم الدرب الذي كانوا يسكنونه ، هذه البذرات الصادقة هي مجال تحقيقنا الآن ، وعلينا أن نتخيل – عن طريق – النتطق العلمي – كيف اندفع هؤلاء إلي المغامرة العجيبة ، فكانوا روادا كبارا لم يتح لمعاصريهم أن يعرفوا أي مجد يحاولون ! .
لقد نشأ هؤلاء الفتية في لشبونة بالقرن الثالث الهجري حين كانت الحضارة العربية بالأندلس مزدهرة تحفل بشتى المعارف والفنون ، وحين كانت كتب بغداد تظهر في الشرق لتنتقل في سرعة الريح إلي الأندلس في الغرب ، ونحن نعلم أن كتاب المجسطي لبطليموس قد ترجم في مطلع العصر العباسي ، وقد ذاعت حقائقه ومن بينها ما يؤكد كروية الأرض ، وإذا كان هناك من علماء العرب من قابل هذه الحقيقة بالشك ، فقد وجد حينئذ بينهم من وقعت لديه موقع التصديق ، حتى اعتنقتها الدولة في عهد المأمون . وعلي أساسها أمر الخليفة العالم ببناء مرصد فلكي فوق جبل قاسيون ، كما أمر بعض الرياضيين بحساب طول الأرض ، وغير غريب أن تجد هذه الحقائق العلمية صداها المعاصر في الأندلس ، حتى صار الاعتقاد بكروية الأرض مدعاة تفكير جاد لإختراق المحيط ، وفي كتاب " مروج الذهب " للمسعودي ما نصه : " ذكروا أن الأرض مستديرة ومركزها في وسط الفلك ، والهواء محيط بها من كل الجهات ، وأخذوا عمرانها من حدود الجزائر الخالدات في بحر إقيانوس إلي أقصي عمران الصين " . وهذه الحقائق الخاصة بكروية الأرض قد فتحت العقول إلي التفكير فيما وراء المحيط ، وفي ضوئها تحمس فتية لشبونة إلي اكتناه المجهول آهلين ؟ .
هذا ما يوحي به المنطق النزيه ، ولكن المنطق المغرض يسدل علي الحقيقة حجابًا كثيفًا لا منفذ فيه للضياء ، فقد تضافرت الكثرة من كتاب الغرب علي رمي المسلمين بالجهل وإغفال الحقائق المؤكدة ، فذهبوا – في بعض ذلك – إلي اتهامهم بإنكار كروية الأرض حتى في القرن العشرين نفسه ، وأذكر أن مجلة البانفيندر الأمريكية قد نشرت سنة 1934م مقالاً تقول فيه ما نصه : " بالرغم من أن كولمبس قد أثبت سنة 1492م أن الأرض مستديرة إن جامعة الأزهر بالقاهرة تلقن طلبتها لأكثر من تسعمائة سنة أن الأرض مسطحة " وذلك افتراء صارخ دحضه المرحوم الأستاذ محمد الحسيني رخا بالمجلد الخامس مجلة الأزهر ص 272 ، فساق من النصوص الجازمة ما يدل علي أن علماء الإسلام كانوا يجزمون بكروية الأرض قبل أن يظهر كولمبس بأكثر من مائة عام ، وليس من الاستطراد البعيد أن ننقل هنا بعض هذه النصوص عن الكاتب الفاضل لنري إلي أي حد يصل التطاول المغرض بمن يتعصبون علي المسلمين منقولين .
1 – قال الإمام عضد الدين في كتاب المواقف ، وقد ألف قبل كولمبس بنحو قرن :
أما في الطول ، أي ما بين المشرق والمغرب ، فلأن البلاد كلما كانت أقرب إلي الغرب كان طلوع الشمس عليها متأخرًا بنسبة واحدة ، لا يعقل ذلك إلا في الكرة ، فإذا رصدنا خسوفاً معينًا في وقت من الليل وجدناه في بلاد شرقية مثلاً آخر الليل في بلاد غربية عنها بمسافة معينة كألف ميل قبله بساعة ، وفي بلاد غربية عنها بتلك المسافة بعينها قبل الأول بساعتين ، وقبل الثاني بساعة ، وعلي هذا القياس ، فعلمنا أن طلوعها في الغربية متأخر بنسبة واحدة ، وأما العرض فلأن السالك كلما أوغل فيه ازداد القطب ارتفاعًا عليه حتى يصير بحيث يراه قريبًا من سمت رأسه ، وكذلك تظهر له الكواكب الشمالية وتختفي الجنوبية ، والسالك في الجنوب بالعكس . أهـ
2 – يقول ابن حزم – من علماء القرن الخامس بالأندلس – ما ملخصه .
" قد جمع المسلمون علي أن صلاة الظهر تجب بزوال الشمس ، فلو كانت مسطحة لكان زوال الشمس عند أهل المشرق ، عقب الشروق ، وعند أهل المغرب قبيل الغروب ، ولم يقل أحد من المسلمين أن صلاة الظهر تحل قبل نصف النهار ، ولا أن وقتها قبيل الغروب ، بل هذا خارج عن حكم الدين الإسلامي وإنما وقتها هو نصف النهار ، فكان من هو علي ظهر الأرض لا يصلي الظهر إلا عند انتصاف النهار " . أهـ
3 – قال الفخر الرازي – بصدد تفسير قول الله : (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا) .
" من الناس من زعم أن الشرط في كون الأرض فراشًا ألا تكون كرة واستدل بهذه الآية علي أن الأرض ليست كرة ، وهذا بعيد جدًا ، لأن الكرة إذا عظمت جدًا كانت القطعة منها كالسطح في إمكان الاستقرار عليه ، والذي يزيده تقريرًا أن الجبال أوتاد الأرض ثم يمكن الاستقرار عليها ، فهذا أولي " . أهـ
4 – وكذلك قال البيضاوي في تفسير الآية الكريمة ما نصه :
[align=center][table1="width:95%;"][cell="filter:;"][align=center]" ومعني جعلها فراشًا أن تجعل بعض جوانبها بارزًا عن الماء مع ما في طبعه من الإحاطة بها ، وصيرها متوسطة بين الصلابة واللطافة حتى صارت مهيأة لأن يقعدوا ويناموا عليها كالفراش المبسوط ، وذلك لا يستدعي كونها مسطحة ، لأن كرية شكلها مع عظم حجمها واتساع جرمها لا تأبي الافتراش عليها " . أهـ [/align][/cell][/table1][/align]
هذه النصوص الصرحة تثبت أن القول بكروية الأرض مما اشتهر واذع بين المسلمين شرقاً وغربًا منذ عصر المأمون ومن وليه من العلماء قبل ظهور كولمبس بأجيال كثيرة ! وإذا كانت رحلة الفتية الأندلسيون في القرن الثالث الهجري فإنها تجد دعامتها المنطقية لديهم من هذه الحقيقة الجغرافية المتداولة من عهد المأمون الخليفة العباسي ، فليست إذن مما يقابل بالإنكار ، كما أن رحلة كولمبس فيما بعد ليست إلا صدي لما تردد عن الرحلة الأولي بين الناس ، وتناقلته الأفواه . نقول ذلك لأننا نعرف أن خرستوفر كولمبس قد نشأ في جنوا ، ذلك الثغر الإيطالي التجاري الذي يغري بالرحلة ، ويدفع بالطموح إلي نفس فتي ذكي يتطلع إلي المستقبل في عزم ، ويري عمه كولمبس الكبير رحالة يجول في الآفاق ، ويرجع مسرورًا يقص الأنباء عما شاهد من الأرض والناس ، فيحظي بالإكبار المعجب ، وإذا ذاك يصر علي مصاحبته في رحلاته ، مستهينًا بما يسمعه من أنباء القراصنة ، وغرائب الوقائع بين وحوش البحر وملاحي السفن ، حتى ترمي به الأقدار إلي لشبونة عاصمة البرتغال لعهده ، فيعيش في دروبها ويخالط أهليها ينقل عنهم ويسمع . نقول إذا كان كولمبس حقاً قد سلخ قدرًا من حياته في لشبونة ، وهو المتطلع الذكي اللامح ، أفليس من الممكن أن تأتيه الأنباء عن فتية المحيط وقد عرف باسمهم شارع مشتهر وامتدت مغامرتهم عبر الزمن حتى اختلطت ببعض الأساطير ؟ . ذلك ليس بعيد .
إذا كان الزمن قد ترامي بين الفتية الثمانية الأوائل وبين كولمبس بقرون عدة ، فإن التاريخ العربي يحتفظ بين سطوره بمغامرة عربية في المحيط وقعت قبل رحلة كولمبس بأكثر من قرن ونصف ، حكاها القلقشندي في " صبح الأعشى " وابن فضل الله العمري في " مسالك الأبصال " وقد حدد صاحب الصبح من تاريخها ما يمكننا من الجزم الصريح بمقدار الزمن بين الرحلتين ، إذ ذكر أن ملك مالي " موسي بن أبي بكر " مر بمصر في طريقه إلي الحج في عصر الناصر محمد بن قلاوون سنة 1324م ، فأوفد السلطان الناصر أحد كبار موظفي القصر لاستقباله ، ثم استفسروا منه عن أمور كثيرة بعد حفاوة بالغة وترحاب عظيم ، كما سئل عن سبب انتقال الملك إليه ، فأجاب بأن ابن عمه السلطان السابق " محمد بن فو " كان يظن أن البحر المحيط له غاية تدرك ، فجهز مئات السفن وشحنها بالرجال والمؤن التي تكفيهم سنين ، وأمر من فيها ألا يرجعوا قبل أن يبلغوا نهاية الماء أو تنفذ أزوادهم ، فغابوا مدة طويلة ، ثم عادت سفينة واحدة ، وحضر مقدمها ليخبر بأن السفن سارت زمنًا طويلاً حتى هاج عليها البحر ذات يوم هيجة عظيمة فابتلع تلك المراكب ، وكان المتحدث في المؤخرة فكر راجعًا ، فأطرق السلطان مستريبًا ، ثم أراد أن يباشر الرحلة بنفسه ، فأعد ألفي سفينة للرجال وألفا للأزواد ، وأقلع بنفسه علي رأس الحملة الاستكشافية ، فكان ذلك آخر العهد به .
هذا مجاهد عربي مسلم آخر ! كانت روح المغامرة تملؤه من فرع إلي قدم ، فمع تضحيته في الرحلة الأولي بمئات السفن وآلاف الرجال ، فقد قرر أن يواجه الخطر بنفسه مع تضحية أخري بثلاثة آلاف سفينة تحمل العدد الكبير ، ثم راح ولم يعد ، ولو كان هذا المغامر الباسل في أمة تسجل التاريخ ، وترصد الظواهر لملأ حديثه الدنيا وشغل الناس! ولكنه ظل ردحًا في ضمير الغيب حتى أتيح له أن يسجل في الموسوعات المصرية في بضعة أسطر معدودة ، لا في صحائف تتوالي بالغرائب والأعاجيب ؟ وقد استطاع المؤرخ الكبير الأستاذ عبد الحميد العبادي أن يحدد سير الرحلة اللشبونية وفق ما اهتدى إليه ظنه الجغرافي ، فقال رحمه الله : [align=center][table1="width:95%;"][cell="filter:;"][align=center]" ومهما يكن رأي أهل لشبونة في هؤلاء الفتية ورحلتهم ، فإن ما قاموا به طريف حقاً ، ورحلتهم هي الأولي من نوعها بعد رحلات الفينقيين القدماء ومعالم قصتهم صحيحة صادقة من الوجهة العلمية ، فالظاهر أنهم عندما ساروا أول الأمر أحد عشر يومًا متجهين شمالا ، إنما أصبحوا في محازاة إيرلندا ، فلما ساروا بعد ذلك من الجنوب اثنى عشر يوما وبلغوا الجزيرة التي سموها جزيرة الغنم ، إنما بلغوا الجزيرة المسماة الآن بماديرا ، ويذكر العلامة دافزاك نقلا عن العالم الطبيعي برتلو أن بهذه الجزيرة كثيرا من الماعز تقتات بنوع من عشب هذه الجزيرة هو السبب في مرارة لحومها " .
[/align][/cell][/table1][/align]
هذا وقد شاع – كما في رواية الإدريسي – إطلاق اسم الفتية المغررين علي هؤلاء الرواد ، وتسمية دربهم المشتهر في لشبونة باسم " الفتية المغررين " . وفي هذا الوصف بالتغرير ما يدعو إلي الوقوف قليلا ، إذ أننا نراه إطلاقا عفويا صدر من معارضيهم حين فوجئوا بعزمهم علي ركوب المحيط ، فرأوا في هذه المجازفة الخطيرة من التغرير ما أوحي لهم بهذا الوصف ، وهؤلاء المعارضون علي كثرتهم آنذاك لم يعبروا به عن غير الشعور الطبيعي الذي ينتاب من يسمع عن مغامرة خطيرة تقوم دونها الصعاب ، ولا يتوقع لها النجاح ، وهم معذورون فيما يصفون ، وقد آثر الأستاذ سعيد العريان كلمة المغرورين بدلا من المغررين ، ارتكازًا لبعض المحفوظات التي تعددت من نزهة المشتاق . والفارق الكتابي بين اللفظين حرف واحد هو الواو ، ولكن الفارق المعنوي جد كبير ، إذ يصف هؤلاء القوم بما يجب أن ننأى بهم عنه ، وإذا كانوا مغرورين حقاً في منطق معاصريهم ، فهم اليوم غير مغرورين في منطق الواقع الجغرافي المشاهد ، والأمر في ذلك أهون من أن يتسع له الخلاف .
وقد جاءت أنباء القرن الحادي عشر تتحدث عن رحلة قام بها راهب أرلندي في القرن السادس يعرف بالقديس براندان ، وقد زعمت أن القديس توهم الجنة في إحدى جزر المحيط الأطلسي ، فصمم علي الذهاب إليها في جماعة من الرهبان يبلغون ثمانية عشر راهبًا . وقد حلوا – كما تزعم الرواية – بجزيرة الغنم التي تحدث عنها فتية الأندلس ، ثم رأوا قطعة أرض كبيرة جرداء فنزلوا إليها وأوقدوا نارًا لإنضاج طعامهم ، فاهتزت بهم الأرض ، وخافوا علي أنفسهم ففروا ، فإذا الأرض تطير ، وقد كانت حوتًا هائلا يختطف الوحوش ، فذعر القوم وكروا راجعين إلي أولندا يقصون ما يعلمون ؟؟ .
وبالتأمل في أحداث هذه الرحلة نراها صعبة التصديق إذ أن الراهب المسيحي يعلم بداهة أن الجنة لا تكون في الأرض الفانية ، ولن يرحل إليها إلا بعد الموت ، فمحاولة الذهاب إليها وسط المحيط هذيان مضحك لا يتطرق إلي ذهن طفل ، فضلا عن ثمانية عشر راهبًا من رجال الدين ، كما أننا نعلم أن الكنيسة المسيحية للقرن السادس كانت كتبها المتداولة تري البحر الأعظم مسرحًا للغيلان والوحوش والشياطين ، وتنذر راكبيه بالصواعق والحتوف ، حتى ظن أنه مهوى الآثمين من بني الإنسان في القديم ممن خسفت بهم الأرض ، وتحولت إلي مياه مشتعلة أخذت تبرد بفعل الزمان . فأين تكون الجنة إذن مع هذه الأفكار التي يلوكها الرهبان مصدقين ، أما جزيرة الغنم ، فصدي رنان لما تداولته الأنباء عن رحلة الأندلسيين ، وخاتمة الرحلة مما يوحي بأسطورتها ، لأن الأرض الجرداء التي تتحول إلي حوت هائل ، خيال شرقي نجده في قصة الرخ الطائر بألف ليلة وليلة حين هبط بجناحه السوداوين الكبيرين علي البحر فظنه الملاح جزيرة وسط الماء وحول السفينة إليه ، فنزل الركاب فأخذوا مقاعدهم من جناحيه ، ثم طار بهم الرخ إلي الفضاء ؟ أليس هذا الخيال الأسطوري في ألف ليلة وليلة هو ما نسب إلي الراهب براندان في القرن الحادى عشر ! بعد أن ملأت قصص ألف ليلة وليلة ربوع الغرب ! ثم إن قيام الراهب بالرحلة في القرن السادس وتدوينها في القرن الحادي عشر علي نسق رواية الفتية المغررين مما يوحي بالاحتداء المصطنع ، وستظل شكوكنا قائمة بإزائها حتى نظفر بالدليل .
وبعد ، فهذا هو حديث التاريخ العلمي عن رحلة الفتية الأندلسيين ، فما حديث الفن الأدبي عن هذا الكشف العلمي العجيب ؟ لقد اعتاد الأدباء في الشرق والغرب أن يأخذوا من صفحات التاريخ بعضالمواقف الرائعة لتكون مجال إلهامهم الأدبي ، فينفخوا من إبداعهم في الهيكل المجرد ما يجري به الدم الفائر ، ويكتسي اللحم الشاخص ويتنفس بالحياة علي المسرح كائنا حيا ينبض بالآمال ويجيش بالآلام ، وقد كانت رحلة كريستوفر كولمبس إحدى هذه المواقف التي اتسعت أدوارها لجولات الفن الأدبي ، فتحدث عنه الروائيون في شتى مواقفه ، وصوروا ميلاد الفكرة الاكتشافية في رأسه ، ثم سعيه الجاهد علي تحقيقها مترددًا علي بلاط الملوك في فرنسا وإسبانيا والبرتغال ، ثم نجاحه في إقناع الملكة إيزابيلا بتهيئة السفن والملاحين ، وكم تحدثوا كثيرا عن خواطره في عرض المحيط ، ورسموا مسارح الغداة والعشي والشفق والأصيل علي القبة الزرقاء منعكسة علي سطح البحر ، كما صوروا تلاعب الموج وهبوب الإعصار ، وثورة الناقمين من رفقائه ممن أجبرتهم الملكة علي مصاحبته دون اختيار ، ثم تآمرهم علي اغتياله بين الحين والحين ، وشخوص الأنظار إلي الأفق ترقب طائرا يبشر بالأرض ، أو غصنا أخضر يرمي به الموج ، دليلا علي الحياة في مأزق قال عنه الأستاذ العقاد :
يسـأل السـحب أين مـسـراك غربـًا
أين ترمـين بالحـيـا المـسـجـور
لو نعـيـب ابن دابـة سـمـعـت إذ
نـاه لاعـتـدّه دعـاء بـشـيــر
فـي سـمـاء مـا قـط حـوم فيـهـا
غـير غـادي سحـابـها من طيور
أجل ، لقد كتب الروائيون والشعراء عن رحلة كولمبس مبدعين ، وكان من حظ الفتية المغررين أن ينهض الأديب العربي المرحوم الأستاذ محمد سعيد العريان إلي تصوير رحلتهم في قصة بارعها يقدمها للنشء العربي ، وإن التفات العريان إلي هذه الحادثة الرائعة ليقابل بالاغتباط والنشوة ، ولا ينقص منه أن كتب قصته للنشء وحدهم ، دون أن يرتفع بها إلي الأوج الفني فتكون فنا أدبيا كاملا ينعم به الكبار من المثقفين ، إذ أن توجيه الطلاب إلي أمثال هذه المواقف الرائعة مما ينفخ فيهم حمية البطولة ، ويدفع بنفوسهم إلي التطلع السامي ، محتقرين الصعاب ، هازلين بالعقبات ، وأعظم من هذا كله أن يعرف طلابنا العرب روائع بارزة عن سياحات السلف المتقدم تكون حداء ساحرًا لهم في دروب المجد ، وقد ختم الأستاذ العريان قصته التي تقع في 158 صفحة بتعقيب قال فيه :
كل ما تضمنته هذه القصة من الحوادث الكبار ذكره المؤرخون العرب القدماء واعترف به كثير من المؤرخين الأوروبيين ، وفي كثير من المخطوطات العربية القديمة ، والمحفوظة في المكتبات الأوروبية ، تفصيلات وافية عن بعض المحاولات العربية التي وصفناها . [align=center][table1="width:95%;"][cell="filter:;"][align=center]وقصة الشبان اللشبونيين الثمانية مذكورة في بعض المؤلفات العربية التي مات مؤلفاها قبل أن يولد خريستوفر كولمبس ، ولم تزل الصحف العربية والأوروبية تنشر في أوقات أو متباعدة بحوثا جديدة لمؤرخين أوروبيين أو جغرافيين أوروبيين تثبت أن العرب قد عرفوا ذلك الطريق ، ووصلوا إلي تلك الأرض ، قبل أن يصل إليها خرستوفر كولمبس ، وقبل أن يكون فرديناند وأيزابيلا ، ولو لم يكن العرب في ذلك التاريخ البعيد مشغولين يرد العدوان الصليبي علي بلادهم في مصر والشام وفي المغرب والأندلس لكان تاريخ أمريكا غير ما هو اليوم . إن عجلة التاريخ كانت تتجه إلي أن تكون أمريكا أرضا عربية ، فلو لم تنحرف العجلة يومئذ عن اتجاهها بسبب الأحداث التي وصفناها لكانت أمريكا اليوم جزءا من الوطن العربي .
[/align][/cell][/table1][/align] بدأ العريان رحلته بالحديث عن بحر الظلمات وعن حضارة العرب العلمية بالأندلس – في أسلوب سلس هادئ – ثم ارتضي لفنه الأدبي أن يجعل أول رحلة عربية للمحيط هي رحلة ملك السودان الغربي حيث جهز السفن من مواني أفريقية الغربية عابرة المحيط برجالها الذين ذهبوا دون أن يعودوا ، فاضطر الملك إلي رحلة أخري يقوم علي رأسها مجهزة بالسفن والبضائع والزاد ، فابتلعها المحيط دون أن يبقي علي غير عربي واحد سبق إلي القارة الجديدة . وقد علمنا في صدر هذا المقال أن ما رواه القلقشندي وابن فضل الله العمري عن رحلة ملك مالي السوداني يقف بها عند القرن الثامن الهجري ، مع أن رحلة الفتيان الأندلسيين كانت في القرن الثالث ؟ فتفصل بين الرحلتين خمسة قرون ، فكيف ارتضي الأديب لفنه أن يجعل المتأخر متقدما ، والمتقدم متأخرًا ؟ لا شك أن الفن الأدبي يتيح لصاحبه هذا التصرف ، إذ أن الجوهر التاريخي لم يمس في شيء إذا نظرنا إلي تصوير الأحداث بمنأى عن حدود الزمن والمكان ، ولكن أما كان الأوفق – في رأيي علي الأقل – أن يكون الصدق الزمني في ترتيب الأحداث مما يقوي عناصر التأثير لدي قارئ محقق ينظر إلي الرحلة في ضوء ما تنطبق به أحداث التاريخ .
لقد فكرت كثيرًا فيما صنع العريان من تقديم وتأخير ، باحثًا عن سر اتجاهه في ذلك ، ثم اهتديت إلي أن الذي دفع به إلي هذا الاتجاه هو ما حكاه الإدريسي نفسه في قصة الفتية المغررين ، إذ ذكر – فيما ذكر – أن ترجمانا عربيا جاء إلي الفتية فسألهم بلسانهم العربي فأجابوه ، كأن الأستاذ العريان رحمه الله كان يفكر فيما بينه وبين نفسه : كيف يكون بالجزيرة الغربية رجل ينطق باللسان العربي ومن أين جاء ؟ ثم رأي – وفقاً لتفكيره الفني – أن فردًا يكون هو الترجمان المنشود . ذلك في رأيي الخاص ما حدا بالعريان إلي التصرف التاريخي ، وهو في مجال الفن الأدبي – أمر لا غبار عليه ، ويخيل إلي أن الأستاذ العريان كان بمنجاة من هذا الترجمان لو لم يلتزم بكل ما أورده الإدريسي . وقد قلت في صدر هذا المقال ما نصه : " وإذا كان من طبيعة هذا النبأ الغريب أن يكون مدعاة التزيد في الرواية وبخاصة حين تمضغه الأفواه من جيل إلي جيل فإن المؤرخ الدقيق لا يستطيع أن يتجاهل عناصره الأولي التي أدت إلي خلوده ، فلو لم تكن بذراته الأولي صحيحة ما تدوول علي هذا النطاق ، والبذرات الأولي إذا جردت مما يحتمل الزيادة والتلفيق لا تخرج عن أن قومًا من أهل لشبونة تشوقوا إلي معرفة ما وراء المحيط فجهزوا مركبًا مشحونا بالزاد والعتاد ، ثم نزلوا بعد جهاد شاق إلي بعض الجزر وسيقوا إلي حاكمها ، فعصب عيونهم وأمر بإرجاعهم فعادوا إلي بلادهم بعد أهوال .
وإذن فقصة الترجمان العربي مما لا أضافه التزيد ، وكان من المنتظر من مثل الأستاذ العريان ألا تلجئه إلي هذا التحرير الكبير ، إلا أن يكون له وجهة محترمة لم أقف عليها بعد . وقد أبدع الكاتب حين تحدث في الرحلة نفسها عن رحلة كولمبس ، وقد جعلها صدي واقعيًا لرحلة الإخوة المغررين ، وكان مما قال في ذلك ص 103 : " بلغت قصة الإخوة المغررين حظها من الذيوع والانتشار ، وتناقلها الناس في كل مكان ، وسمع بها العامة ، وأهل الأسواق وكل مدن الساحل ، تحكي كالأساطير أو القصص الخيالية ، وكان البحارة يحكونها لرفقائهم في أثناء رحلاتهم ، ومجالس سمرهم ، وتقصها العجائز علي أحفادهن في ليالي الشتاء الطويلة الباردة .
ولم تزل مذكورة علي كل لسان ، مروية في كل مجلس من مجالس الأنس والمسامرة علي توالي الأجيال واختلاف الزمان ، حتى سمع بها خرستوفر كولمبس في ليلة من ليالي السمر بمدينة جنوة ، فتعلق بها قلبه ، واشتغل بها فكره ، وتمني أن تتاح له الفرصة للوصول إلي تلك المجاهل الواقعة في غرب المحيط ، وكان خرستوفر كولمبس شابًا فقيرًا من أهل جنوة علي الساحل الإيطالي ، وكان مولعا بالرحلات البحرية ، فزار مواني البحر المتوسط ، ووصل إلي شمال أفريقيا ، ووظئت قدماه جبال أطلس في المغرب العربي ، وهبط إلي السودان العربي حيث بدأت أول محاولة عربية – هكذا شاء العريان – في اكتشاف غرب المحيط ، وكان يسمع كلما ذهب إلي بلد من تلك البلاد قصة الإخوة المغررين فامتلأت نفسه أملاً في الوصول إلي تلك الأرض التي وطئتها قبله أقدام العرب منذ مائتي سنة والتي كان يظن أنها بلاد الهند " .
ثم تابع الكاتب رحلة كولمبس ليلقي بها الأضواء علي رحلتي الأندلسيين والسودانيين . هذا ، ولا نزال ننتظر بعد قصة العريان أدبيًا آخر يكتب رحلة هؤلاء الأبطال ، أو شاعرًا يضع عنهم إحدى ملاحم البطولة ، وما ذلك بكثير ..
[/align][/cell][/table1][/align]
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|