[د. منذر أبوشعر]

قال الإِمام النووي يحيى بن شرف، ت: 676 هـ: ميلاد الرجل: اسم للوقت الذي وُلد فيه ، والمولد: اسم للموضع الذي وُلد فيه ( تهذيب الأسماء واللغات 4/ 196).
** ** **
المشهور عند الجمهور أن ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم كان عام الفيل. فقيل: بعده بشهر، وقيل: بأربعين يوماً، وقيل: بخمسين، قال السهيلي (عبد الرحمن بن عبد الله، ت: 581 هـ)، وابن كثير (إسماعيل بن عمر القرشي، ت: 774 هـ): وهو أشهر. وقيل: إنه ولد بعد عام الفيل بعشر سنين، وقيل: ثلاث وعشرين سنة، وقيل: ثلاثين (الروض الأُنُف 22 / 159، البداية والنهاية 2 / 262)
وقال الذهبي (محمد بن أحمد، ت: 748 هـ): قال أبو أحمد الحاكم (محمد بن عبد الله ، ت: 405 هـ) وُلد بعد الفيل بثلاثين يوماً، قاله بعضهم . قال الذهبي: وقيل بعده بأربعين يوماً. فلا أُبعد أنّ الغلط وقع من هنا على من قال ثلاثين عاماً أو أربعين عاماً، فكأنه أراد أن يقول: يوماً فقال: عاماً (تاريخ الإِسلام ص 27).
ومما يؤكد أنه ولد عام الفيل ما رواه ابن إسحاق (محمد بن إسحاق المطلبي، ت: 151 هـ) من حديث الصحابي قيس بن مخرمة المطلبي، وإسناده جيد، قال: وُلدتُ أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل، فنحن لِدتان) الروض الأٌنف 2 / 143 ، وأخرجه الإِمام أحمد 20 / 190(الفتح الرباني)، وقال الذهبي في تاريخ الإسلام 23 إسناده حسن ).
وروى ابن سعد (محمد بن سعد البغدادي، ت: 230 هـ) من حديث ابن عباس (عبد الله بن عباس، ت: 68 هـ)، وإسناده صحيح، قال: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفيل، يعني عام الفيل ( الطبقات 1 / 101، وانظر: المستدرك للحاكم 4180) وساقه الذهبي (محمد بن أحمد، ت: 748 هـ) وقال: هذا يكاد يكون مجمعاً عليه عند أهل العلم (تاريخ الإسلام 22 )، وقال خليفة بن خياط العصفري (ت: 240 هـ): المجمع عليه عام الفيل (تاريخ خليفة بن خياط 53 )، وقال ابن القيم الجوزية (محمد بن أبي بكر ، ت: 751 هـ): لا خلاف أنه ولد بجوف مكة وأن مولده عام الفيل ( زاد المعاد 1 / 76 ).
وصحّ عن السيدة عائشة (ت: 58 هـ) أنها قالت: لقد رأيت قائد الفيل وسائسه بمكة أعمييْن مقعديْن يستطعمان الناس) سيرة ابن إسحاق 42، الروض الأنف 1 / 281).
أما الشهر الذي ولد فيه النبي صلى الله عليه وسلم فالجمهور أيضاً على أنه في ربيع الأول، وقيل: في رمضان. قال ابن كثير (إسماعيل بن عمر القرشي، ت: 774 هـ): نقله ابن عبد البر (يوسف بن عبد الله النمري، ت: 364 هـ) عن الزبير بن بكار (القرشي، ت: 256 هـ)، وهو قول غريب جدًا ( البداية والنهاية 2 / 260، وقال في (الفصول في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم) 34: وهو شاذ. وثبت في حديث الصحابي أبي قتادة الأنصاري (الحارث بن ربعي، ت: 54 هـ) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم الإثنين فقال: ذلك يوم وُلدت فيه ويوم بُعثت أو أنزل عليَّ فيه ( المنهاج في شرح صحيح مسلم للإمام النووي 8 / 51).
أما تاريخ ذلك اليوم، فقال ابن كثير (إسماعيل بن عمر القرشي، ت: 774 هـ): قيل لليلتين خلتا من ربيع الأول، قاله ابن عبد البر (يوسف بن عبد الله النمري، ت: 364 هـ) في الاستيعاب، ورواه الواقدي (محمد بن عمر، ت: 207 هـ) عن أبي معشر ا لمدني (نجيح بن عبد الرحمن السندي، ت: 170 هـ).
وقيل: لثمان خلون منه، حكاه الحميدي (محمد بن أبي نصر، ت: 488 هـ) عن ابن حزم (علي بن أحمد القرطبي، ت: 456 هـ)، ورواه الزهري (محمد بن مسلم بن شهاب، ت: 124 هـ) عن محمَّد بن جبير بن مطعم (القرشي، ت: 100 هـ)، ونقل ابن عبد البر (يوسف بن عبد الله النمري، ت: 364 هـ) عن أصحاب التاريخ أنهم صححوه. وقطع به الحافظ الكبير محمَّد بن موسى الخوارزمي (ت: 236 هـ)، ورجحه الحافظ أبو الخطاب ابن دحية ( عمر بن الحسن، ت: 633 هـ) في كتابه (التنوير في مولد البشير النذير).
وقيل: لعشر خلون منه، ورواه ابن عساكر (علي بن الحسن الدمشقي، ت: 571 هـ) عن أبي جعفر الباقر (محمد بن علي بن الحسين، ت: 114 هـ)، ورواه مجالد (بن سعيد الهمداني، ت: 144 هـ) عن الشعبي (عامر بن شراحيل، ت: 103 هـ).
وقيل: لثنتي عشرة خلت منه نصّ عليه ابن إسحاق (محمد بن إسحاق المطلبي، ت: 151 هـ)، ورواه أبي شيبة (عبد الله بن محمد العبسي، ت: 235 هـ) في مصنفه بإسناده وفيه انقطاع، من حديث جابر (بن عبد الله الأنصاري، ت: 78 هـ) وابن عباس (عبد الله بن عباس، ت: 68 هـ)، أنهما قالا: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل يوم الإثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول، وفيه بُعث، وفيه عُرج به إلى السماء، وفيه هاجر، وفيه مات. وهذا هو المشهور عند الجمهور.
وقيل: لسبعة عشر خلت منه، كما نقله ابن دحية ( عمر بن الحسن، ت: 633 هـ) عن بعض الشيعة.
وقيل: لثمان بقين منه نقله ابن دحية من خط الوزير أبي رافع الفضل بن الحافظ أبي محمَّد بن حزم (ت: 479 هـ) عن أبيه، والصحيح عن ابن حزم الأول أنه لثمان مضين منه كما نقله الحُميدي (محمد بن أبي نصر، ت: 488 هـ) ، وهو أثبت ( البداية والنهاية 2 / 260).
فهذه ستة أقوال ذكرها ابن كثير ولا يستند أي قول منها لحديث صحيح، وحديث جابر بن عبد الله وابن عباس في تحديده بالثاني عشر لو صحّ لكان الفصل في الحسم، لكن الحديث ضعيف. قال ابن كثير: فيه انقطاع ( البداية والنهاية 3 / 109 ).
وقال الأستاذ عبد الله بن إبراهيم بن محمَّد السليم: ثبت بما لا يّحتمل الشك من النقل الصحيح أن ولادته صلى الله عليه وسلم كانت في20 نيسان / إبريل سنة 571 هـ عام الفيل .. كما ثبت من طريق النقل الصحيح أن وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم كانت في 13 ربيع الأول سنة 11 من الهجرة، وأنه يوافق 8 حزيران سنة 632 م . وما دامت هذه التواريخ ثابتة ومعروفة فبالإمكان معرفة يوم ولادته ويوم وفاته صلى الله عليه وسلم بالدقة، وكذلك مقدار عمره. وبتحويل السنين الرومية إلى أيام وبتحويل هذه الأيام إلى سنين قمرية كل سنة 11/ 20 (354) يكون عمره صلى الله عليه وسلم 63 سنة وحوالي 3 أيام، ويتفق هذا مع قول الجمهور على أن مبدأ التاريخ الهجري 16 تموز حسب الرؤية، وبالحساب 15 تموز يتفق مع 1/ 1/1 هـ مع اليوم الأول من شهر محرم أول سنة أُرِّخ فيها التاريخ الهجري، وعلى هذا فتكون ولادته صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين الموافق 9 ربيع الأول سنة 53 قبل الهجرة، ويوافق 20 نيسان / إبريل سنة 571 هـ نقلاً وحساباً (تقويم الأزمان في تحقيق مولد النبي صلى الله عليه وسلم 143، الطبعة الأولى 1404 هـ).
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1321 هـ / 2001م ): وقد حقق بعض الفلكيين المتأخرين (مولد النبي صلى الله عليه وسلم) فكان اليوم التاسع لا في اليوم الثاني عشر (القول المفيد على كتاب التوحيد 1 / 491 ).
لقد أخبر صلى الله عليه وسلم أنه ولد يوم الإثنين، لكنه لم يذكر تاريخ مولده، ولم يسأله صحابته عن ذلك، ولو كان هناك من خير في معرفة ميلاده الشريف لما كان له أن يكتمه عن أمته.
والذين يحتفلون بميلاده في الثاني عشر من ربيع الأول من كل عام، إنما يحتفلون بيوم وفاته صلى الله عليه وسلم فالمشهور أنه مات في الثاني عشر من ربيع الأول عام إحدى عشرة كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر وغيره ) التلخيص الحبير 2 / 233).