عالم بلا إسلام آ خر ما يحلم به العالم
المؤلف لم يكتب من منطلق التعصب ضد الاســلام أو العروبة أو يـحـاول كـرجـل مـخـابـرات مـحـتـرف تـحـريـض حكومته وحلفائها لشن حـروب استباقية ضد العرب والمسلمين لخدمة الصهيونية الــعــالمــيــة أو المــخــطــطــات الاســتــعــمــاريــة الأمــيــركــيــة الـــتـــي يـمـثـلـهـا المحافظون الجدد، بل هذا هو تصور فولر الشخصي للعالم لو لم تظهر فيه الديانة الاسلامية، كيف سيكون شكله، وما الصراعاتالتي كان يمكن ان تدور فيه؟
مـــؤلـــف الـــكـــتـــاب هـــو نـــائـــب الـــرئـــيـــس الـــســـابـــق لــلــمــجــلــس الــقــومــي للمخابرات الأميركية، وهو مختص في التنبؤ الاستراتيجي على المدى الطويل، ويعمل حاليا أستاذا للتاريخ بجامعة سيمون فريز الكندية، الكتاب في الأصل هو دراسـة نشرت في مجلة السياسة الـخـارجـيـة الأمـيـركـيـة قبل أشـهـر عــدة، ويـعـد مؤلفه غـراهـام فولر من المهتمين بالشرق الأوسـط، ونشر له كتاب »مستقبل الاسلام السياسي« في العام 2003. نـوه مترجم الكتاب في مقدمته بان المؤلف لم يكتب من منطلق التعصب ضد الاســلام أو العروبة أو يـحـاول كـرجـل مـخـابـرات مـحـتـرف تـحـريـض حكومته وحلفائها لشن حـروب استباقية ضد العرب والمسلمين لخدمة الصهيونية الــعــالمــيــة أو المــخــطــطــات الاســتــعــمــاريــة الأمــيــركــيــة الـــتـــي يـمـثـلـهـا المحافظون الجدد، بل هذا هو تصور فولر الشخصي للعالم لو لم تظهر فيه الديانة الاسلامية، كيف سيكون شكله، وما الصراعاتالتي كان يمكن ان تدور فيه؟.
أشـار المترجم الى الـدور الحيوي الـذي يلعبه الدين الاسلامي فــي كــل المـخـطـطـات الاســتــعــمــاريــة الــغــربــيــة، بــاعــتــبــاره الـعـدو الجديد الـذي اصطنعه أباطرة الشر، لتبرير كل ما يرتكبونه حاليا من جرائم بعد سقوط الشيوعية عدوهم الأول السابق
وتفكك الامبراطورية السوفييتية. وكــان لابـد للاستعمار الغربي الــذي تـقـوده أميركا حاليا من ايــجــاد عـــدو أول جــديــد تـنـسـب لــه كــل الـــشـــرور، وتــبــرر بــه كل الجرائم والمذابح التي يرتكبها الغرب في العالم تحت ما يسمى بالحروب الاستباقية لمكافحة الارهاب. ورغم ان جميع الدلائل بحسب الكاتب قد بدأت تتكشف حول الـعـالـم بــان أحـــداث 11 سبتمبر 2001 كـانـت صناعة أميركية بالغة التعقيد والدقة مازال الكم الاعلامي الغربي الهائل يردد ليل نهار ان هـذه المـؤامـرة المحكمة كانت مـن صنع أسـامـة بن لادن، الذي دبرها في مقره بكهوف جبال أفغانستان. وظل الاعلام الغربي كما يقول المترجم يردد هذه الأكذوبة الى درجة يكاد يستحيل تفنيدها، ويبدو ان د. غوبلز وزير دعاية هتلر كـان على صــواب عندما قـال لمعاونيه »اكـذبـوا وأمعنوا في الكذب واستمروا في ترديده حتى يظنه الناس، بل وحتى تظنوه أنتم صدقا«، ورأى المترجم في مقدمته الطويلة للكتاب ان الحروب العدوانية التي يشنها الغرب بزعامة أميركا على الـعـالـم الـعـربـي والاســلامــي ليست فـقـط حــروبــا ديـنـيـة، وانـمـا اســتــعــمــاريــة أيــضــا لـلـسـيـطـرة عــلــى الـــــدول المـسـتـهـدفـة ونـهـب مـــواردهـــا، ويــجــب ألا يـنـسـى الــعــرب أبـــدا ان الــصــراع الـعـربـي الاسرائيلي صراع وجود وليس صراع حدود، وان النصر في النهاية سيكون من نصيب أصحاب الأرض الأصليين، بشرط ان يدفعوا ثمن حريتهم واسترداد حقوقهم.
تساءل المؤلف منذ البداية هل كان الغرب سينجو من التحديات التي يواجهها اليوم في منطقة الشرق الأوسط لو لم يظهر دين الاسلام قط، وهل كان الشرق الأوسط سيكون أكثر أمنا في هذه
الحالة؟ وماذا عن شكل العلاقة بين الشرق والغرب عندئذ؟ لقد شكل الاسـلام منذ البدايات الأولـى للشرق الأوسـط الكبير الأعــــراف الـثـقـافـيـة وحـتـى الـسـيـاسـات المفضلة لــدى المسلمين فكيف يمكننا ان نتصور الفصل بين الشرق الأوسط والاسلام. وتـسـاءل أيضا هـل كـان الانسجام مـع الـغـرب سيسود منطقة الشرق الأوسط لو بقي هذا الشرق مسيحيا؟! موضحا ان هذا الافتراض فيه مبالغة كبرى، والا كان علينا افتراض ان أوروبا المضطربة والتوسعية خلال العصور الوسطى كانت ستمتنع عـن السير فـي طـريـق الـتـوسـع، وفــرض هيمنتها على الشرق
المجاور لها، بحثا عن المكاسب الاقتصادية والجيوسياسية. وأقر المؤلف بان الحروب الصليبية لم تكن سوى مغامرة غربية مدفوعة أساسا باحتياجات سياسية واجتماعية واقتصادية، ولم تكن المسيحية سوى رمز قوي وصيحة للحشد الشعبي،
لمباركة الاحتياجات الدنيوية للأوروبيين الأقوياء. وقـــد يــقــال ان الـــشـــرق الأوســـــط ربــمــا كـــان أكــثــر ديــمــوقــراطــيــة لـو لـم يكن الاســـلام سـائـدا فـيـه؟ ولـكـن تـاريـخ الديكتاتوريات الأوروبية لا يطمئننا في هذا المجال، فإسبانيا والبرتغال لم تتخلصا من ديكتاتوريات قاسية، الا في منتصف سبعينيات الــقــرن الــعــشــريــن، بــل ان فـرنـسـا وايــطــالــيــا وألمــانــيــا لــم تـعـرف الديموقراطية الغربية المعاصرة الا بعد الحرب العالمية الثانية، أي في النصف الثاني من القرن العشرين، ولم تخرج اليونان مــن قبضة ديـكـتـاتـوريـة مرتبطة بالكنيسة ســوى مـنـذ عقود قليلة ومــازالــت روســيــا المسيحية بـعـيـدة عــن الـديـمـوقـراطـيـة،
وهكذا. ان الاحتلال الأميركي للعراق لم يكن أكثر قبولا لدى العراقيين لو كانوا مسيحيين، وأميركا لم تسقط صدام حسين لأنه كان مـسـلـمـا، بــل كــانــت الــشــعــوب الـعـربـيـة الأخــــرى سـتـسـانـد عـرب العراق على أي حال في صراعهم مع الاحتلال حتى لو كانوا مسيحيين فـلـيـس هــنــاك شـعـب فــي الــعــالــم يــرحــب بـالاحـتـلال الأجنبي وقتل مواطنيه على يد جنود الاحتلال الأجانب. وأكـد المؤلف ان الاسـلام قوة توحيد من أقـوى مستوى لمنطقة واسعة، وباعتباره ديانة عالمية شاملة أقـام حضارة واسعة، اشتركت في كثير من مبادئ الفلسفة والفن والمجتمع ورؤية لحياة أخلاقية وشعور بالعدالة وفقها ونظام حكم صالح، كل ذلك في اطار من ثقافة عالمية عميقة الجذور. كما سـاعـد الاســـلام بـاعـتـبـاره قــوة ثقافة وأخـلاقـيـة فـي عبور الـــفـــجـــوات والاخـــتـــلافـــات الــعــرقــيــة بـــين الــشــعــوب الاســلامــيــة المــخــتــلــفــة، وشـجـعـهـا عــلــى الــشــعــور بــأنــهــا جـــزء مـــن مــشــروع حضارة اسلامية واسعة، وهذا وحده يجعل له وزنا ضخما.
الأثر الجغرافي
يــتــضــح أثــــر الاســــــلام فـــي الــجــغــرافــيــا الــســيــاســيــة فـــي جـنـوب شـــرق آســيــا، فـلـو لــم يـكـن هــنــاك اســــلام، خــاصــة فــي بـاكـسـتـان وبـنـغـلاديـش ومـالـيـزيـا وأنـدونـيـسـيـا كـانـت المنطقة ستصبح
جزءا من عالم الهند الحضاري. لقد قـدمـت الـحـضـارة الاسـلامـيـة مـثـالا مشتركا، يستطيع كل المسلمين مناشدته باسم المقاومة ضد التغلغل الأجنبي، وحتى مع فشل هذه المقاومة في ايقاف الطوفان الاستعماري الغربي، فقد خلقت ذاكرة ثقافية عن مصير مشترك لم ينته أثره. لقد استطاع الأوروبــيــون تقسيم العديد مـن شـعـوب أفريقيا وآسـيـا وأميركا اللاتينية وغـزوهـا، فسقطت فــرادى أمــام قوة الــغــرب، وكـــان مــن الـصـعـب عـلـى هـــذه الـشـعـوب تـكـويـن جبهة مقاومة متحدة بينها، في غيبة عرقية أو ثقافة مشتركة في رموزها للمقاومة. وتـــصـــور المـــؤلـــف أنــــه فـــي عــالــم مـــن دون اســـــلام كــانــت مهمة الاستعمار الغربي في تقسيم الشرق الأوسط وغزوه والسيطرة عليه وعلى آسيا ستكون أكثر سهولة كثيرا. فلم تبق عندئذ ذاكـرة ثقافية مشتركة من المهانة والهزائم في منطقة واسعة، وهذا هو السبب الرئيس اليوم في ان الولايات المـتـحـدة تجد أسنانها تتحطم فـي الـعـالـم الاســلامــي. فاليوم خلقت شبكة الاتصالات الدولية والصور التي تنقلها الأقمار الصناعية وعيا قويا بين المسلمين، وشعورا بالحصار الغربي الأوسع حولهم على الثقافة الاسلامية المشتركة، وهذا الحصار ليس بسبب التحديث، ولكن بسبب المحاولات الغربية التي لا تكل للسيطرة على المجال الاستراتيجي والموارد بل وعلى ثقافة العالم الاســلامــي، ومـحـاولـة خلق شــرق أوســط تـابـع لأميركا، ولـسـوء الحظ فـان أميركا تفترض فـي سـذاجـة ان الاســلام هو الحائل الوحيد الــذي يقف فـي طريق حصولها على الجائزة التي تريدها. ورأى المؤلف في تركيز الغرب على الارهاب تحت اسـم الاســلام أمــرا يـدل على ضعف الــذاكــرة، اذ استعمل رجـال العصابات اليهود الارهاب ضد البريطانيين في فلسطين، كما استعمل نمور التاميل من الهندوس في سريلانكا الارهــاب،وابتكروا فن الأحزمة الانتحارية. ولجأ الارهابيون اليونانيون الى عمليات اغتيال ضد المسؤولين الأميركيين في أثينا، وكان الارهـابـيـون المقدونيون يثيرون الـرعـب فـي كـل البلقان عشية الحرب العالمية الأولى، والقائمة طويلة، فمرتكب الارهاب اذن لا
يحتاج لان يكون مسلما. إرهاب آخر
وأورد المـؤلـف احصائية حديثة للبوليس الــدولــي الأوروبـــي تـقـول ان الــعــام 2006 وقــع فـيـه 498 هـجـومـا ارهـابـيـا فــي دول الاتـــحـــاد الأوروبـــــــي، 424 هـجـمـة مـنـهـا قــامــت بـهـا الـجـمـاعـات الانــفــصــالــيــة و55 هـجـمـة قـــام بــهــا مــتــطــرفــون يــســاريــون و18 هجمة مـن مختلف الارهـابـيـين، ولــم تقع ســوى هجمة واحــدة من اسلاميين، هذه الأرقـام تكشف المدى الايديولوجي الواسع
للارهابيين المحتملين في العالم. فهل مـن الصعب تـصـور ان الـعـرب ســواء كـانـوا مسيحيين أم تغصب أرضهم اسرائيل أو الغزوات الاستعمارية
المتكررة لبلادهم واسـقـاط حكوماتها والتدخل فـي شؤونهم سيقدمون على استخدام عمليات مماثلة من الارهاب وحروب الــعــصــابــات؟ وقـــد يــكــون الــســؤال الأدق هــو لمـــاذا لــم تــبــدأ هـذه العمليات مـن وقــت طـويـل؟ اذ ان الجماعات المتطرفة تستغل مـشـاعـر الــكــراهــيــة فــي عـصـر الــعــولمــة، فــلــمــاذا نـتـوقـع ألا تشن
هجماتها في قلب العالم الغربي؟ وقــــــــال المـــــؤلـــــف اذا كـــــــان الاســــــــــلام يــــكــــره الـــــحـــــداثـــــة، فـــلـــمـــاذا انــتــظــر حــتــى الــــحــــادي عــشــر مـــن سـبـتـمـبـر لــيــشــن هــجــمــاتــه؟ ولماذا نادى كبار المفكرين المسلمين في بدايات القرن العشرين باحتضان الحداثة ونبهوا للحاجة اليها، حتى وهم يحمون الثقافة الاسلامية؟ بل ان المؤلف يعبر عن دهشته وذهوله من ان الغضب الاسـلامـي لـم ينفجر بـصـورة ضخمة فــوق الأرض الأميركية قبل الـحـادي عشر مـن سبتمبر 2001، رد فعل على الأحـــداث التاريخية والـتـراكـمـات الأخــيــرة لسياسات أميركا، ولو لم تحدث 11 سبتمبر لكان من المحتمل ان تحدث أحداث مشابهة لها في مكان ما في الغرب.
مـــن المـــؤكـــد ان الـــتـــاريـــخ لـــم يــكــن لــيــتــخــذ نــفــس المـــسار الذي اتخذه بالضبط لو لم يظهر الاســلام، ولكن في قــرارة المشكلة يبقى الــنــزاع بــين الــشــرق والــغــرب بسبب المـسـائـل التاريخية والجيوسياسية الكبرى في التاريخ الانساني: الأمور العرقية والـوطـنـيـة والــطــمــوحــات والــطــمــع والمـــــوارد والـــقـــادة المحليين والــتــســابــق والمــكــاســب المـــاديـــة والـــقـــوة والــتــدخــلات وكــراهــيــة
الدخلاء والغزاة والاستعماريين. فعندما يواجه الانسان مثل هذه الأمـور المستمرة كيف يمكن تجنب تجنيد قــوة الـعـقـيـدة الـديـنـيـة؟ ويــذكــر المــؤلــف بــان كل الأهــوال الرئيسة التي ظهرت في القرن العشرين جــاءت كلها تقريبا من أنظمة علمانية، منها: ليوبولد الثاني ملك بلجيكا وهتلر وموسوليني ولينين وستالين ومـاو تسي تونغ وبول بوت في كمبوديا وغيرهم. لقد كان الأوروبيون هم الذين فرضوا حروبهم العالمية مرتين على دول العالم.. من خلال نزاعين عالميين مدمرين لا مثيل لهما من قريب أو بعيد في التاريخ الاسلامي.
عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا
[ للتسجيل اضغط هنا ]