التسجيل قائمة الأعضاء اجعل كافة الأقسام مقروءة



 
القدس لنا - سننتصر
عدد مرات النقر : 137,829
عدد  مرات الظهور : 162,247,686

اهداءات نور الأدب

العودة   منتديات نور الأدب > جمهوريات نور الأدب > جمهوريات الأدباء الخاصة > أوراق الباحث محمد توفيق الصواف > رَاهِنُ العَالَمِ الإِسْلاَمِيّ / محمد توفيق الصَوّاف
رَاهِنُ العَالَمِ الإِسْلاَمِيّ / محمد توفيق الصَوّاف كتاب (( رَاهِنُ العَالَمِ الإِسْلاَمِيّ )) للأديب والباحث الأستاذ محمد توفيق الصواف وهو عن " رَاهِنُ العَالَمِ الإِسْلاَمِيّ بين الواقع والتَّطَلُّعات "

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 14 / 08 / 2016, 06 : 07 PM   رقم المشاركة : [1]
محمد توفيق الصواف
أديب وناقد - باحث متخصص في السياسة والأدب الإسرائيليين- قاص وأديب وناقد -أستاذ مادة اللغة العبرية - عضو الهيئة الإدارية في نور الأدب


 الصورة الرمزية محمد توفيق الصواف
 





محمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really nice

راهِن العالَم الإسلامي، تمهيد الفصل الثاني، الصواف

الفصل الثاني
المعتقدات والمذاهب، في العالم الإسلامي، بين التشظي والتكامل


ملاحظة هامة:
أعتقد أن طول أيِّ مادة نصية يساهم في تقليل عدد الراغبين بقراءتها، حتى ولو بَدَت لهم هامة.. لذلك رأيت تقسيم مضمون ما لم يُنشَر من فصول كتابي (راهن العالم الإسلامي) إلى فقرات صغيرة يسهل على قراء الموقع الكرام وغيرهم متابعتها والتعليق عليها وإبداء آرائهم فيها..
وعلى هذا، سيتم نشر مضمون الفصل الثاني من هذا الكتاب مُقَسَّماً إلى فقرات، لكلٍّ منها عنوانه الخاص، وأولها التمهيد التالي بين يدي هذا الفصل..

تمهيد الفصل الثاني
ليس المقصود بالمعتقدات، في هذا الفصل، الإسلام والديانات الأخرى السماوية وغير السماوية فحسب، بل ما تشظَّى إليه الإسلام من مذاهب وطوائف وملل ونحل أيضاً، بالإضافة إلى المعتقدات غير الدينية الممثَّلَة في المذاهب المادية الوضعية ولاسيما الحديثة منها التي تُنكر الدين كليةً، والتي بات يُصطَلَح على توصيفها بالعلمانية، بغضِّ النظر عن مدى صحة اتهام كل تيارات العلمانية واتجاهاتها دون استثناء، بإنكار الدين ومعاداته..
ولعل ما يُسوِّغ إدخال هذا الطيف الواسع من العقائد الدينية وغير الدينية ضمن مصطلح (معتقدات) المستخدَم في هذا الفصل، ذلك التنوُّع الكبير في الانتماءات العقيدية الذي يُعدُّ من أبرز السمات المميِّزة لسكان العالم الإسلامي المعاصر، على اختلاف طبقاتهم الاجتماعية والاقتصادية، وتعدُّد أصولهم العرقية، وتباين مستوياتهم الثقافية واتجاهاتهم الفكرية...
وبدايةً، يلمح الباحث، في الانتماءات العقيدية لسكان العالم الإسلامي الراهن، وجود خطين رئيسين، هما الأكثر بروزاً ووضوحاً: خط التديُّن ونقيضُه الممثلُ باللاانتماء الديني. كما يُلاحظ أن كلا هذين الخطين يضمان ألواناً شتى من الانتماءات الأصغر التي تتشظى، بدورها، إلى أصغر فأصغر.
ضمن خط التديُّن، يبرز بشكل رئيس أتباع الديانات السماوية الثلاث: الإسلام والمسيحية واليهودية، بالإضافة إلى ديانات أقل أتباعاً، كالبوذية والهندوسية والصابئة وعبادة الأوثان والنار والشمس والشيطان وما إلى ذلك.. وضمن خط اللاانتماء الديني، يبرز أتباع مختلف الاتجاهات الوضعية الحديثة، كالشيوعية والرأسمالية والليبرالية والقومية وغيرها، بغضِّ النظر عن دياناتهم الأصلية التي نبذوها وراء ظهورهم، لتناقض مبادئها الاعتقادية وتعاليمها مع أطروحات الاتجاهات الوضعية التي اتخذوا منها عقائد بديلة، والتي ربما ليس خطأً، شمولها جميعاً بالمفهوم الشائع لمصطلح (علمانية) المرادف في أذهان غالبية الناس للإلحاد ونبذ الدين.
ثم تعود الخطوط الرئيسة المنبثقة من خطَّي التديُّن واللاتديُّن، إلى التشظِّي من جديد، متحوِّلةً إلى خطوط فرعية أصغر، ما تلبث أن تتشظَّى، بدورها، إلى أصغر وهكذا.
ومع كلِّ تشظٍّ جديد، تَبهتُ ملامح الأصل الأم، سواء كان ديناً أو اتجاهاً وضعياً، وتَمَّحِي مبادئُه وقيمُه الأصلية الأولى، حتى لتكاد تغيبُ تماماً في الشظايا الأصغر والأكثر قرباً من واقعنا الراهن. ومن يُشكِّك في صواب هذا المعطى ما عليه إلا مقارنة مبادئ وأطروحات أيِّ دين أو مذهب أو اتجاه وضعي، في بداية ظهوره، بما آلت إليه أطروحاته ومبادئه، في صُورة آخر التشظيات التي انتهى إليها؛ لأن نتيجة مثل هذه المقارنة تُؤكد أن صورة أحدث تشظياته ما عادت تمتُّ إلى الأصل الأم بأكثر من الاسم، مع الحفاظ على بعض القشور الظاهرية أحياناً، أما اللباب، فقد يبلغ اختلاف المُحْدَثِ عن لباب الأصل حدَّ التناقض، في كثير من الديانات والمذاهب والأيديولوجيات.
وفي سيرورة التشظِّي النشط والمستمر، يُلاحَظ بوضوح أيضاً، تنامي نوعين من العلاقات المتناقضة، يتمثل أولهما بازدياد ضعف الروابط بين من كانوا أتباع مبدأ واحد، دينيٍّ أو مذهبي أو أيديولوجي، بعدما صاروا أتباعاً لشظاياه المستحدَثة... بينما، وعلى النقيض تماماً، يتمثل الثاني في بلوغ قوة الروابط بين أتباع كلِّ واحدة من الشظايا الصغيرة التي تشظَّت إليها الديانات والأيديولوجيات الوضعية، درجةَ التعصب الذي يتجاوز بأصحابه حدَّ القطيعة أحياناً مع من كانوا بالأمس إخواناً ورفاقاً. وبازدياد التعصب شدَّةً، يبدأ المنقسمون بتبادل الكراهية، فالنبذ، فالتناحر، وقد يصلون في النهاية إلى الاقتتال المدمِّر لطرفيه معاً..
وعلى هذا، ربما ليس خطأً القول إن افتراض صحة هذه الملاحظة، يفضـي إلى الاستنتاج بأن قوة الروابط بين أتباع أي عقيدة، دينية أو غير دينية، تتناسب عكساً مع عددهم وعمر عقيدتهم.. فكلما كان عددهم قليلاً كانت الروابط بينهم قوية، ولا يكونون هكذا، إلا في المرحلة الأولى لولادة عقيدتهم. وبالمقابل، كلما ازداد عددهم، جرَّاء انتشار عقيدتهم، وكلما ابتعدوا زمنياً عن مرحلة ولادتها، كلما ضعفت الروابط بينهم، لانتقال قوتها إلى الوحدات الأصغر التي تشظَّت إليها كتلتهم الأولى، وهكذا، حتى يصلَ ضعف الروابط بين الشظايا المنبثقة عن أصل واحد، إلى حدَّ اختفائها وتلاشيها أحياناً.
وثمة ملاحظة أخرى، في هذا السياق، هي إصرار أتباعِ كلِّ واحدة من الوحدات الصغيرة المتشظية وقادتهم على أنهم وحدهم بنهج المبدأ الأم متمسكون، وعلى قيمه وأصوله محافظون، وأن غيرهم هم الذين حرَّفوا تلك القيم والأصول وخرجوا عنها، فغيَّروا فيها وابتدعوا، مضيفين أو مُنقصين، الأمر الذي يُسوِّغ الانشقاق عنهم ومعاداتهم وقتالهم، لإعادتهم إلى تلك الأصول، كما يراها كل طرف، لا كما هي عليه في الأصل الأم.
ولعل من أكثر الأمثلة دلالة على سيرورة التشظي هذه، بكل ملامحها، آنفة الذكر، علاقات التوتر والشقاق والخصام، قديما وراهناً، بين أتباع المذهبين السني والشيعي. فأتباع كلا المذهبين يزعمون أنهم على نهج الإسلام الأصيل، كما بدأ، وأن مخالفيهم هم المنحرفون والمارقون والمبتدعون، ولذلك انفصلوا عنهم ومازالوا وسيبقون، على الرغم من قناعة أتباع الطرفين بأن استمرار انفصالهم هذا يضعفهم معاً، ويُوهِن ما بينهم من روابطَ صارت، لكثرة ما ضعُفت، تبدو متلاشيةً أو تكاد. وعلى النقيض من وَهَنِ هذه الروابط بين الطرفين وتهتكها، نراها تبدو قوية، حين نقارنها بروابط الشيعة مع بعضهم، أو روابط السنة مع بعضهم.
في ضوء المعطيات السابقة، وعلى افتراض صحتها، يمكن القول إن الخلافات بين سكان العالم الإسلامي المعاصر، على اختلاف ما يعتقدونه، ليست وليدةَ تنوُّعِ معتقداتهم فحسب، بل هي، في الجزء الأهم والأكبر منها، وليدة اختلاف تفسيرات أئمتهم وقادتهم لمبادئ تلك المعتقدات وأصولها وكيفيات تطبيقها على أرض الواقع. وكان حرياً بأولئك الأئمة والقادة ألا يَدَعُوا الاختلاف بينهم في الآراء والتفسيرات يتحوَّل، بين أتباعهم، إلى خلاف مُفضٍ إلى شقاق فنزاعٍ فتشظٍ، لكنهم فعلوا، بعدما طغت مصالحهم الأنانية الضيقة على إخلاصهم لمبادئهم وعلى المصلحة العامة لأتباعهم، تلك التي فاتهم الانتباه إلى أن قدرتها على الاتساع، لاختلاف آرائهم واحتوائها، تتناسب عكساً مع قدرتها على احتمال مواقفهم المتضاربة التي صنعها تباينُ مصالحهم الخاصة، ثم مصالح مَن اتبعوهم وَوَالُوهُم من القادة الذين خلفوهم وكانوا أقلَّ منهم علماً، وأقلَّ وعياً واتزاناً، وأكثرَ أنانية وطمعاً بالمناصب والجاه والثروات.
من هذا المعطى نتبيَّن أن التشظي بين سكان العالم الإسلامي عموماً، وبين المسلمين منهم خصوصاً، كان، وبالدرجة الأولى، وليدَ مصالح وأهداف أنانية أو حزبية أو مذهبية ضيقة لبعض قادتهم وأئمتهم، ليس في عصـر واحد بعينه، بل في عصور متعاقبة؛ الأمر الذي يدفع إلى الاستنتاج بأن الصلة الوحيدة بين خلافات المسلمين مثلاً، ومبادئ الإسلام النقي التي يزعم كل فريق تمسكه بها ليست، في الواقع، إلا صلة ذرائعية محضاً، هدفُها الرئيس، وربما الوحيد، تسويغُ المآرب الضيقة لمبتدعي تلك الخلافات وقادتها والمستفيدين من استمرارها. ولا أظنني مخطئاً لو زعمت أن هذا الاستنتاج ينطبق على علاقات أتباع الديانات والمذاهب الوضعية جميعاً، وليس على المسلمين وحدهم.
لهذا، ومن هذه الزاوية المحددة في الرؤية، تجدر الإشارة إلى أن تناول التشظي العقيدي في العالم الإسلامي المعاصر، لن يتم، في هذا الكتاب، من منظور مناقشة المبادئ والقيم النظرية لكل دين أو مذهب أو اتجاه أيديولوجي، بل من منظور رصد مدى التزام أتباع أي عقيدة بتطبيق ما يؤكدون أنها مبادئ عقيدتهم وقيمها، في سلوكهم الحياتي العملي، ومن منظور ما أفرزه التزامهم، عبر التاريخ، من نتائج وصراعات أو اتفاقات، على صعيد علاقات الأتباع ضمن الوحدة العقيدية الصغيرة أو الكبيرة، فيما بينهم، ثم على صعيد علاقاتهم مع الآخرين الذين يخالفونهم الاعتقاد والمذهب والرأي، ضمن البلد الواحد، أو ضمن البلدان المجاورة والبعيدة.
فعلى سبيل المثال، وبالنسبة للمسلمين تحديداً، كونهم يشكلون غالبية سكان العالم الإسلامي، ماضياً وراهناً، يصعب الزعم بأن سلوكهم الحياتي موافقٌ لتعاليم الإسلام، في أصغر الأمور وأعظمها على السواء. ولذلك من غير الموضوعي اتهام الإسلام بسلبيات سلوك أتباعه الذين انحرف معظمهم عن تعاليمه وأصوله العقيدية والقيمية والسلوكية المنصوص عنها في القرآن الكريم والسنة النبوية. ومثل هذا يمكن أن يقال عن العلاقة بين سلوكيات المسيحيين وتعاليم المسيحية، والعلاقة بين سلوكيات اليهود وتعاليم اليهودية، والعلاقة بين الشيوعيين والشيوعية والديمقراطيين والديمقراطية... الأمر الذي يعني في المحصلة أن انتماءَ غالبية أتباع الديانات والمذاهب الوضعية إلى دياناتهم ومذاهبهم يكاد يكون مجردَ انتماء اسمي لا أثر له في سلوكهم أفراداً ومجتمعات، إلا في أضيق الحدود، وغالباً في حدود ما له صلة بالطقوس والعادات والتقاليد الاجتماعية... بل ربما بدا سلوك أفراد هذه العقيدة أو تلك نقيضَ مبادئها وقيمها، في بعض الأحيان، الأمر الذي يوحي بأن العقائد في العالم الإسلامي المعاصر، دينية كانت أم وضعية، تفتقر إلى تطابق منظومتيها الاعتقادية والقيمية مع ممارسات أتباعها وسلوكياتهم الحياتية التي، وإن اكتسـى ظاهرها بطابع الدين أو الأيديولوجية، تبدو أقرب إلى الانبثاقات الاجتماعية/الاقتصادية/السياسية، أكثر من أن تكون تعبيراً عن التزام ديني أو أيديولوجي أو فكري صادق.
ويتضح هذا المعطى أكثر لدى معاينة علاقة أتباع أي دين أو أيديولوجية بالمؤسسات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتربوية في البلد الذي يعيشون فيه، إذ يُسوِّغون انزياحاتهم المتكررة بعيداً عن تعاليم دينهم أو أيديولوجيتهم بحجج كثيرة، يبتكرونها لصالح صلاتهم المصلحية مع تلك المؤسسات على حساب انتماءاتهم العقيدية؛ وقلما كان الانزياح بالاتجاه المعاكس، وفي حال حدوثه، تكون الغلبة للمؤسسات القابضة على المفاصل الرئيسة لمصالح الناس الذين يُسوِّغون تراجعهم عما يعتقدونه بالاضطرار غالباً.
بالطبع، لا يعني هذا التحليل غياب الدور الوظيفي للدين أو الأيديولوجيا أو الفكر، في مجتمعات العالم الإسلامي، بقدر ما يعني التقلص المستمر لهذا الدور الذي بات أحياناً يقتصـر على الجانب الروحي أو الاعتقادي دون السلوكي، ويدخل أحياناً بشكل جزئي جداً في حركية بعض المؤسسات المجتمعية المحدودة الفعل والتأثير..
ونظراً لاختلاف مصالح المنتمين إلى عقيدة واحدة، في بلدين أو أكثر، كان لابد من اختلاف تفسير مبادئها وتعاليمها من بلد إلى بلد، حسب واقع أتباعها في كل بلد ووزنهم ومصالحهم وحاجاتهم والعوامل الداخلية والخارجية المؤثرة في استراتيجياتهم وتكتيكاتهم وتفكيرهم وفعلهم.
ومن اللافت أن اختلاف تفاسير هذه المبادئ والتعاليم نفسها، لا يمكن أن يعدَّ تنوعاً أو اختلافاً في الاجتهاد، هدفُه الصالح العام، بدليل انتهائه، غالباً، إلى التناقض فالانشقاق فالتشظِّي فالتصادم فالصـراع.. وخصوصاً حين تتحوَّل العقيدة، ديناً كانت أم أيديولوجية وضعية، إلى الطابع المؤسساتي الذي ما يلبث أن يستقر كنظام اجتماعي أو سياسي أو ديني تهيمن عليه فئة قابضة، قد لا يكون لسلوكيات زعامتها أي صلة بمبادئ العقيدة التي تنطق باسمها وتحكم، كما يبدو واضحاً لكل من يحاول تَلَمُّسَ الصلة بين الكثير من أنظمة الحكم في البلدان الإسلامية وأحكام القرآن الكريم والسنة النبوية، بل إن بعض هذه الأنظمة يبدو معادياً للإسلام الذي استمد منه شرعية وصوله إلى الحكم واستمرار هيمنته على مقاليده. والأدهى، أن نرى هذه الظاهرة السلبية باديةً حتى في الصلة بين ممثلي المؤسسات الدينية، على اختلافها، وبين سلوكياتهم التي كثيراً ما تكون نقيضَ ما يدعون أتباعهم، بل الناس أجمعين أحياناً، إلى الإيمان به والتزامه! ومثل هذه الظاهرة يمكن تَلَمُّسها بوضوح أيضاً، بين أنظمة الحكم غير الدينية وأطروحات المذاهب والأيديولوجيات التي أوصلت قادة تلك الأنظمة إلى الحكم.
ونظراً لكون المصالح الاقتصادية والاجتماعية والسياسية هي الناظم السلوكي الفعلي لأتباع العقائد المختلفة، في البلدان الإسلامية، وليس المبادئ النظرية المثالية لعقائدهم، فقد كان لابد أن يؤدي تضارب المصالح بين أتباع العقيدة الواحدة إلى انقسامات وتشظيات جديدة، تحت حجج مختلفة، ظاهرُها متَّفِقٌ مع مبادئ العقيدة، وباطنُها منصرفٌ كليةً نحو مصلحة قائد هذا الانقسام أو الانشقاق وأعوانه. وذلك لإسباغ الشـرعية على أي حركة انفصالية تقوم بالانشقاق عن النظام الحاكم، أو لإسباغ الشرعية على الممارسات القمعية التي يقوم بها هذا النظام أو تلك السلطة لقمع معارضيها.. ولا اختلاف في نوعية الحجج والذرائع التي يستخدمها الطرفان، سواء كانا في خانة العقائد الدينية أو الأيديولوجيات الوضعية، فكل طرف يتهم خصمه بالتنكر لمبادئ العقيدة الأم، متخذاً من هذا الاتهام مسوغاً لضربه وسحقه، أو التحريض ضده والثورة عليه.
ونظراً لتطور وعي أتباع العقائد المختلفة، ولو جزئياً، لم يعودوا يُصدِّقون حجج هذا الطرف أو ذاك فعلاً؛ وإنْ رأيتهم يتظاهرون بتصديقها، فلخوفهم من البطش بهم فقط، الأمر الذي ساهم في اتساع وباء النفاق الاجتماعي والسياسي والديني والأيديولوجي وغيرها من ألوان النفاق الأخرى..
ونظراً لعدم قدرة أولئك الأتباع على إصلاح وضع الفساد القائم، واضطرار غالبيتهم إلى ممارسة النفاق للقوي تجنباً لشـرِّه وبطشه، بدأ كثيرون يعانون الإحساس بالاغتراب في أوطانهم وداخل مجتمعاتهم، وهو اغتراب شبه شمولي أحياناً، لأنه لا يقتصـر على العلاقة بين المواطن ومؤسسته السياسية فحسب، بل يمتد إلى المؤسسات الأخرى، الاجتماعية والاقتصادية والتربوية، وحتى الدينية والأيديولوجية، لإحساسه بأنها جميعها تشارك في قهره وخداعه وحرمانه من قدراته في سائر المجالات والميادين الحياتية، بعد أن تحولت القيم والمبادئ التي ترفعها هذه المؤسسات، كشعارات لها، من مصدر قوة لحمايته وإنصافه، إلى مصدر قوة للسيطرة عليه واستغلاله وقهره واستعباده.
وإذا كنتُ هنا لا أُبرِّئ حتى المؤسسات الدينية من الانحراف إلى هذا الاتجاه المضاد لمصلحة أتباعها، فلأنه صار من شبه البديهي، فساد معظم هذه المؤسسات، إسلامية كانت أم مسيحية، خصوصاً بعدما توطَّد ارتباط معظم زعاماتها بالنظام السياسي الحاكم في كل بلد إسلامي، وتبعيتها له وإيثار مصالحه ومصالحها على مصالح أتباعها.
وبعد،
فمن كل ما سبق، يمكن استخلاص الحقيقة التالية: إن جرثومة التشظِّي العقيدي لا تكمن في ذات أيٍّ من الأيديولوجيات الوضعية أو العقائد الدينية السائدة في العالم الإسلامي الراهن، بل في سلوكيات قادة هذه العقائد والأيديولوجيات وأئمتها وأتباعهم، على السواء... حتى ليبدو للباحث أن سلوكيات أتباع أي عقيدة دينية أو وضعية، لا يمكن أن تكون مرآة صادقة لمبادئها الأم، بل مرآة صادقة لمطامع قادتها ومصالحهم ومصالح أتباعهم التي لا تمتُّ، غالباً، لما يرفعونه من شعارات بصلة.
ولأن مصالح القادة ومطامعهم وأهدافهم متعددة بقدر تعددهم، متباينة بقدر تباين نفسياتهم وعقولهم وارتباطاتهم وأهدافهم، فقد كان لزاماً أن تتشظَّى أيُّ عقيدة بين أيديهم إلى شظايا صغيرة يستقل كلٌّ منهم بشظية منها، مُوهماً نفسه قبل أتباعه، بأنها الوحيدة المطابقة للأصل الأم. ويبدو أن سيادة هذا النمط من التفكير، لفترات طويلة، قد ساهم فعلاً في زيادة تمزيق العالم الإسلامي، حتى آل إلى ما هو عليه من شظايا يصعب إحصاؤها أحياناً، كما سيحاول هذا الفصل أن يؤكد من خلال ما سيتضمنه من إشارات إلى أبرز التشظيات (الدينية والمذهبية والأيديولوجية) التي يُؤمَل أن يقود تَتَبُّعها وبحثها إلى بيان بعضٍ من أبرز أسباب تشظي المسلمين وآلياته.

نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
توقيع محمد توفيق الصواف
 لا عِلمَ لمن لا يقرأ، ولا موقفَ لمن لم يُبدِ رأيه بما قرأ.
فشكراً لمن قرأ لي، ثم أهدى إليّ أخطائي.
محمد توفيق الصواف غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 15 / 08 / 2016, 03 : 12 AM   رقم المشاركة : [2]
محمد الصالح الجزائري
أديب وشاعر جزائري - رئيس الرابطة العالمية لشعراء نور الأدب وهيئة اللغة العربية -عضو الهيئة الإدارية ومشرف عام


 الصورة الرمزية محمد الصالح الجزائري
 





محمد الصالح الجزائري has a reputation beyond reputeمحمد الصالح الجزائري has a reputation beyond reputeمحمد الصالح الجزائري has a reputation beyond reputeمحمد الصالح الجزائري has a reputation beyond reputeمحمد الصالح الجزائري has a reputation beyond reputeمحمد الصالح الجزائري has a reputation beyond reputeمحمد الصالح الجزائري has a reputation beyond reputeمحمد الصالح الجزائري has a reputation beyond reputeمحمد الصالح الجزائري has a reputation beyond reputeمحمد الصالح الجزائري has a reputation beyond reputeمحمد الصالح الجزائري has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: الجزائر

رد: راهِن العالَم الإسلامي، تمهيد الفصل الثاني، الصواف

[align=justify]حجز المقعد الأول ..وقراءة أولى.. ولي عودة إن شاء الله لتسجيل ملاحظاتي كما اتفقنا..شكرا لك..[/align]
توقيع محمد الصالح الجزائري
 قال والدي ـ رحمه الله ـ : ( إذا لم تجد من تحب فلا تكره أحدا !)
محمد الصالح الجزائري غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 15 / 08 / 2016, 35 : 08 PM   رقم المشاركة : [3]
محمد توفيق الصواف
أديب وناقد - باحث متخصص في السياسة والأدب الإسرائيليين- قاص وأديب وناقد -أستاذ مادة اللغة العبرية - عضو الهيئة الإدارية في نور الأدب


 الصورة الرمزية محمد توفيق الصواف
 





محمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really nice

رد: راهِن العالَم الإسلامي، تمهيد الفصل الثاني، الصواف

أنتَ دائماً في المركز الأول أخي الصالح..
يسرني اهتمامكَ دائماً،
ويهمُّني رأيك، لصدقه والمحبة التي تصوغه بها..
دمتَ أخي..
توقيع محمد توفيق الصواف
 لا عِلمَ لمن لا يقرأ، ولا موقفَ لمن لم يُبدِ رأيه بما قرأ.
فشكراً لمن قرأ لي، ثم أهدى إليّ أخطائي.
محمد توفيق الصواف غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الإسلامي،, الثاني،, الصواف, العالَم, الفضل, تمهيد, راهِن


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
راهن العالم الإسلامي/خاتمة الفصل 3/ثقافة المسلمين القدامى، وثقافات العالم الإسلامي ال محمد توفيق الصواف رَاهِنُ العَالَمِ الإِسْلاَمِيّ / محمد توفيق الصَوّاف 0 06 / 08 / 2020 23 : 02 PM
راهن العالم الإسلامي/الفصل 3/تكاملُ الثقافات في العالم الإسلامي أم صراعُها؟ محمد توفيق الصواف رَاهِنُ العَالَمِ الإِسْلاَمِيّ / محمد توفيق الصَوّاف 7 10 / 11 / 2016 27 : 12 PM
راهن العالم الإسلامي/الفصل 2/تأثير تشظي العالم الإسلامي في تخلف معتقدات سكانه محمد توفيق الصواف رَاهِنُ العَالَمِ الإِسْلاَمِيّ / محمد توفيق الصَوّاف 3 04 / 10 / 2016 18 : 02 AM
راهِن العالم الإسلامي، الفصل 2، الضعف الناجم عن التشظي العقيدي محمد توفيق الصواف رَاهِنُ العَالَمِ الإِسْلاَمِيّ / محمد توفيق الصَوّاف 5 25 / 09 / 2016 58 : 10 AM
راهِن العالم الإسلامي - الفصل الأول - محمد توفيق الصواف محمد توفيق الصواف رَاهِنُ العَالَمِ الإِسْلاَمِيّ / محمد توفيق الصَوّاف 10 11 / 08 / 2016 15 : 04 AM


الساعة الآن 00 : 06 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية

خدمة Rss ||  خدمة Rss2 || أرشيف المنتدى "خريطة المنتدى" || خريطة المنتدى للمواضيع || أقسام المنتدى

|