من مذكرات أستاذة في اليوم العالمي للتوحد:Rob &Melvin
أدركت منذ الأسابيع الأولى التي تعرفت فيها على روب و ملفين أنهما مختلفان عن باقي التلاميذ.
طريقتهما في التفاعل وردات أفعالهما كانت تحمل شيئا غريبا قد يستهزء به أقرانهما أو شخص جاهل بدروب السلوكيات و الشخصيات لكن من غاص في المجال النفسي التربوي ستأخذه ظنونه مباشرة للتساؤل عن نوعية ودرجة التوحد عندهما.
التوحدAutisme
من خصوصيات التوحد إنطواء الشخص على ذاته وتصرفه أحيانا أو غالبا بشكل مخالف لأقرانه خاصة عندما يتعلق الأمر بعلاقته مع الآخرين.
فنجده مثلا لايظهر أي تأثرأو قليلا من التأثر في مواقف قد تكون بالغة الحساسة و العاطفية و كأنه دون مشاعر.
قد يتجنب الشخص المعاني التقاء النظرات أثناء الحديث كما يمتنع الكثيرمن المعانين من التوحد حتى وإن كانوا أطفالا عن البكاء وعن البحث عن الحنان في لحظات ألم أو أستياء.
الأمر العادي هو أن تكون من بين أولى الكلمات التي ينطقها الطفل كلمتي "ماما" أو"بابا" لكن الطفل المتوحد قد ينطق إسم شيء مختلف تماما بعيد عن العاطفة وقد يغيب تلك المناداة الطبيعية لوالديه.
يكرر بعض الأطفال المتوحدين حركات وتصرفات لمدة طويلة مثلا:النقر على شيء ما أو اللف بشكل آلي في مكان ما ..يرددون ما يسمعون بشكل تلقائي وكأنه الصدى ,فالأم التي تسأل إبنها الصغير الذي يعاني من هذا الخلل: هل نذهب للتسوق؟ قد تلقى كجواب: هل نذهب للتسوق؟
قد يظن البعض هنا أن المعانين من التوحد متخلفون عقليا أو معاقون ذهنيا وهذا منافي تماما للحقيقة فإذا عدت لنموذجي روب و ملفين فإنني سأضرب بهما مثلا للتفوق الدراسي كلاهما يتبعان شعبة العلوم الرياضية والتقنية التي لا يختارها إلا المتفوقون وإلى جانب اللغات الحية الأربعة:الهولندية؛ الألمانية، الإنجليزية والفرنسية فهما يدرسان اللاتينية أيضا ويحصلان على أعلى العلامات.
سأضيف هنا أن بيوغرافيين أوردوا أن إينشتاين كان يعاني من التوحد وبالضبط من متلازمة آسبرجر (التي هي نوع التوحد) ذات الأعراض الأساسية:
*نقص التقمص العاطفي.
*ضآلة المقدرة على عقد الصداقات.
*الحديث ببعد واحد.
*قوة التركيز على اهتماماتهم و نسيان ما يدور حولهم.
*وضوح صفة الخرقة في حركاتهم و تصرفاتهم.
كما تضيف دراسات إلى لائحة العباقرة المتوحدين:بتهوفن ،إيمانويل كانط،طوماس إيديسون،جورج أورويل..
وهذا لا يضحد فقط التنبؤ بالإعاقة الذهنية للطفل المتوحد لكنه قد يربط التوحد بالذكاء و العبقرية ويبعث على التساؤل عن العلاقة بينهما.
العبقرية والتوحد وحتى الجنون ثلاثية لازال الكثير من الباحثين يعكفون على كشف ألغازها وطلاسمها.
بينما كانت تغيب ابتسامة روب حتى وسط انفجار زملائه من الضحك ظلت طريقة تحليله لتمارين الرياضيات دوما دقيقة و كان يكتشف الأخطاء الواردة في كتاب الحلول ويصححها مقتنعا بمنطقية مايفعل.
هذا التفوق أكسبه احترام الآخرين رغم عدم محاولتهم الدخول إلى عالمه أو تجاذب أطراف حديث ذو شجون معه.
حاولت على مدار سنة كاملة أن أخصص وقتا للمهارات الإجتماعية إلى الجانب المعرفي الذي أزود به فوج ملفين وروب .كان يبدو الأمر تلقائيا و ثرثرة طلابية لكنني كنت أتعمده لإخراج المزيد من الأفواه الصامتة و لرفع عيون المتوحدين من على الكتب لتنظر إلى الوجوه من حولها.
لازال ملفين يمشي بخطى كبيرة ،واضعا محفظته على ظهره كطفل في السابعة من عمره وهو ابن 17سنة؛ ولازال روب يحني رأسه ويرشق نظراته بين خطوط الكتاب .
لكنني حين أصادفهما في ممر أو مدخل أكافئ منهما بابتسامة نادرة وتحية مميزة أعتبرها كرما وإنجازا وعلامة حب تسعد قلبي الذي يحترم الإنسان طبيعيا أو متوحدا أو مجنونا.
Nassira
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|