[align=justify]
طلعت أيها الغالي..
كم مر من الزمن زمن لم نسطر نبضاتنا الدافئة في شارع العمر؟!..
منذ أن حلقت روحك طائراً خارج جسد دمه بعض دمي وجيناته بعض جيناتي وطدتا صداقة نادرة وصلة قرابة استثنائية..
في فضاءات هذا الكون الفسيح انطلقت روحك .. فتجمدت النبضات على صفحات رسائلي اليتيمة التي لم تعد تجد منك صدى مادياً ولا رداً مكتوباً ، لتتحول بين أصابعي إلى نبضات حارقة يغذيها الدمع المالح ولا يطفئ نيرانها..!
اليوم أعود لنبضاتنا الدافئة ,, أعود لأكتب لك رسالة لن تجد منك رداً مكتوباً .. فأصابع روحك تسطّر على مسارب روحي أحلى الكلمات دون أن تكتبها ، ولعلّ هذا يكفيني اليوم، ما دامت روحي أسيرة جسد ترابي يتنفس وروحك منطلقة .. وإلى أن نلتقي خلف جدار الزمن في هذا الكون الفسيح ...
كنا يا صديقي أنت وأنا نتحدث ونكتب عن صداقة نادرة الوفاء بيننا لا تموت ولا تفنى ..!
والصداقة – أي صداقة – تحتاج اجتياز امتحان ، يثبت قوتها وديمومتها وعمق أواصرها ..
ولعلّ أكبر امتحان كاشف لعمق الصداقة ، هو الموت والرحيل .. !
الصداقة المزيفة والأقنعة التي تغلف كثير من وجوه البشر تسقط بعد الموت وتظهر الصداقات الكاذبة على حقيقتها بكل بشاعتها التي كانت محجوبة طويلاً ومستترة ..!
هالني وأفجعني يا صديقي الأثير وابن عمتي عدد الأقنعة التي سقطت بعد رحيلك في من كنتَ تظنهم أصدقاء لك وفي أصدقاء لي أو من كنت أظنهم كذلك ، ودون أن أخلع مثلك ثوب جسدي .. حتى أني ما زلت أعيش هذه الصدمات في جراح عميقة تنزف دون توقف ، إلى حد بتّ أتوقع وأنتظر صدمة جديدة عند كل منعطف ..!
أنت وأنا لطالما كتبنا في نبضاتنا وتحدثنا فيما بيننا عن صعوبة امتلاكنا لأرواح طفولية لا تشبه هذا الزمن وناسه ولا تنتمي لهذا العالم .. ولأن الأرواح الطفولية لا تتعلم الدرس تظلّ تصدم وتنزف كلما سقط قناع ..!!
كان على أحدنا أن يرحل ليجتاز الآخر امتحان الصداقة والوفاء.. فهل.. هل أثبتّ لروحك الغالية العزيزة عمق صداقتي وحجم وفائي لصداقتنا المنسوجة بالقرب والقرابة ؟..
أرجو أن أكون وقد رأيتك مراراً في نومي تقابلني بابتسامة مشرقة بها بكثير من الرضى .. الحمد لله .. الحمد لله أني كنت وبقيت وسأظل بإذن الله لك الصديقة الصدوقة..
بعد طول عناء وجهد ومحاولات ويأس كاد يصيبني مراراً وتكراراً تحقق المراد.. في اللحظة التي وطأت أقدام أفراد أسرتك أرض مطار مونتريال ووقعتُ لموظفة الهجرة الكندية على أوراقهم عند استقبالهم شعرت بروحك في عز إشراقها وأحسست بك معنا ، إنعام وسهير ومحمود وديما وأنا .. أحسستك سعيد اً تعتز بصديقتك وابنة خالك وقد وصل فلذات كبدك إلى حيث ينتظرهم مستقبل مشرق بإذن الله..
لا أخفيك يا صديقي أني بحثت عن وجهك بين وجوههم ودموعي تسيل وأنا أعانقهم وأقبلهم ، وفجعت روحي مرة أخرى لأنك لم تظهر ولم أرك معهم وكأني أدمن الحزن – لا أعرف كيف ولماذا – غريب أمر الإنسان فينا - لماذا ذهلت وانتظرت وجهك يطل نابضاً بالحياة وأنا التي حين جهزت لهم منزلهم وضعت صورتك الأكثر إشراقاً وأوسع ابتسامة ، في إطار ليجدوها مباشرة في استقبالهم ما أن يدخلوا من الباب الخارجي..
بكيت اللحظات الهاربة من أنفاسك وحياتك المتسربة من وجه لا أقوى على تخيله شمعياً خالياً من الروح ، فتمتزج لحظة الرحيل بلحظة اللقاء.. كان علي أن أطوي بالفرح حزن الروح على موتك الذي استشعرته تلك اللحظة متجدداً
قلت لهم : (( نورت كندا بكم )) وكنت بالتأكيد أعني ما أقول .. لكني رأيت في قمة فرحتي بهم بقعة قاتمة حزينة جداً، كان عقلي الباطني في غفلة عني يتمنى أن تضيئ بنور وجهك ...
أعرف يا صديقي، وإنعام والأولاد يعرفون بالتأكيد أنك كنت هناك في المطار بروحك وكنت تسبق في البيت صورتك في إطارها حتى لو لم نرك بعيون رؤوسنا .. وبأنك معهم بكل روحك راضياً مطمئناً فأنت الغائب جسداً الحاضر روحاً..
مونتريال في التاسع من آب / أوغست 2018
صديقتك الصدوقة وابنة خالك هدى
[/align]