أستاذ متدرب مهتم بالشعر والنثر يكتب الفكر والخواطر
الدرس الثالث: التشبيه المجمل والتشبيه المفصل
إعداد: أيوب بن مسعود والعرابي لعظيمي
التشبيه المجمل :
لنتدبر الأمثلة التالية مع تحليلاتها.
• قال ابن المعتز:
وكأن الشمس المنيرة دينا ... ر جلته حدائد الضراب
نلاحظ أن ابن المعتز قد شبه الشمس عند الشروق بدينار مجلو قريب العهد بدار السك، إلا أنه رغم ذكره لمشبه ( الشمس المنيرة) والمشبه به( دينار ) وأداة التشبيه (كأن)، لم يذكر وجه الشبه و الذي يمكن تقديره في السطوع والإصفرار.
• قال الشاعر :
وكأن إيماض السيوف بوارق... وعجاج خيلهم سحاب مظلم.
نلاحظ أن في البيت تشبيهان، الأول: تشبيه إيماض السيوف بالبرق، ووجه الشبه محذوف ويمكن تقديره في سرعة الظهور والخفاء دليلا على مهارة وخفة وشدة بأس الممدوحين، والثاني : تشبيه الخيل بالحساب المظلم في سعاده وانعقاده في الجو ووجه الشبه كذلك محذوف.
• قالت فاطمة بنت الخرشب عندما سئلت عن بنيها أيهم أفضل:
"عمارة، لا بل فلان، لا بل فلان. ثم قالت: ثكلتهم إن كنت أعلم أيهم أفضل، هم كالحلقة المفرغة لا يدرى أين طرفاها".
نلاحظ أن ابنة الخرشب تشبه أبناءها بالحلقة المفرغة، لكنها لم تذكر وجه الشبه وهو تعذر واستحالة تعيين أفضلية أشياء متناسبة، أو التناسب المانع من تمييز يصح معه التفاوت. ومعنى ذلك أن أبناءها لتناسب فروعهم وأصولهم، وتساويهم في الشرف يستحيل تفضيل بعضهم على البعض، كما أن الحلقة المفرغة لتناسب أجزائها وتساويها يستحيل تعيين بعضها طرفا والآخر وسطا.
استنتاج:
نستنتج أن التشبيه المجمل هو ما حذف فيه وجه الشبه، مع الإبقاء على باقي مكونات التشبيه ( المشبه، المشبه به، الأداة)،
والتشبيه المجمل قد يكون وجه شبهه ظاهرا يفهمه كل أحد حتى العامة كقولنا " زيد أسد" إذ لا يخفى على أحد أن المراد به التشبيه في الشجاعة، وقد يأتي وجهه خفيا لا يدركه إلا من له ذهن يرتفع عن طبقة العامة كما في مثال فاطمة بنت الخرشب.
التشبيه المفصل: ما صرح فيه بذكر وجه الشبه على طريقته وهي أن يذكر الوجه مجرورًا "بفي" أو منصوبًا على التمييز على معنى "في".
ومن هنا يعلم أن وجه الشبه كما يكون مجرورًا "بفي" يكون منصوبًا على التمييز على معنى "في" واحترز به عن نحو قولهم: يد فؤاد كالنهر تفيض، ووجه هند كالبدر يضيء, فليس ذلك من قبيل المفصل لعدم ذكر الوجه على طريقته المذكورة. كما تقول: طبع فؤاد كالنسيم رقة أو في رقته، ويده كالبحر سخاء أو في سخائه، وكلامه كالدر حسنًا أو في حسنه، وقوامه كالسيف استقامة أو في استقامته، فكل هذه المثل من قبيل التشبيه المفصل للتصريح فيها بذكر الوجه.
ومن قبيل المفصل قولهم في تشبيه الكلام السهل، الخفيف على السمع: "ألفاظه كالعسل في الحلاوة" وفي تشبيه الحجة الواضحة: "حجة كالشمس في الظهور" فوجه الشبه في المثالين مذكور "كما ترى" وهو قائم بالطرفين، غير أنه في المشبه تخييلي، وفي المشبه به تحقيقي.
ومنه قول ابن الرومي:
يا شبيه البدر في الحسـ ... ــن وفي بعد المنـال
جد فقد تنفجر الصــخـــ ... ــرة في الماء الزلال
فالمشبه هو الحبيب، والمشبه به هو البدر، ووجه الشبه هو اشتراك الطرفين في صفتي الحسن وبعد المنال، وكلتاهما مذكورتان في التشبيه.
وقول الشاعر مفتخرا:
أنا كالماء إن رضيت صفاء ... وإذا ما سخطت كنت لهيبا
فوجه الشبه مذكور في البيت الشعري، وهو، صفاء ولهيبا.
يقول الشاعر:
كم وجوه مثل النهار ضياء ... لنفوس كالليل في الإظلام
فالشاعر هنا شبه بعض الوجوه في الشطر الأول بالنهار وفي الشطر الثاني بالليل؛ ووجه الشبه في الأول ضياء، وفي الثاني الإظلام، وكلاهما مذكور في التشبيه، فالأول جاء منصوبا على التمييز، أما الثاني فجاء مجرورا بـ (في).
قال تعالى: ﴿ أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ ﴾ (الأحزاب: 19).
المشبه: نظر المعوقين عن الجهاد مع الرسول عليه السلام حين الخوف والحرب./المشبه به: نظر المغشي من الموت/ الأداة: الكاف/ وجه الشبه: دوران الأعين. في هذه الآية ذكر لوصف من أوصاف هؤلاء المعوقين، التي ذكرها الله تعالى، والتي من بينها الشح الذي قد يكون في الغنيمة أو في النفقة على الضعفاء أو حتى في النفس؛ وهذا تشبيه مرسل مفصل ذكرت أداته ووجه الشبه فيه(الكاف+دوران الأعين). وهو هنا يدل على حالة الشدة، وألم النزَع التي يمر بها المغشي عليه من الموت.
وقوله يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ (7) (القمر: 7)
تشبيه مفصّل لأن وجه الشبه موجود فيه فقد شبّههم بالجراد في الكثرة والتموج. وقد أفاد هذا التشبيه تجسيد الصورة وتشخيصها فهذه الجموع الخارجة من الأجداث في مثل رجع الطرف تشبه الجراد الذي اشتهر بانتشاره واحتشاده دون أن يكون له هدف من هذا الانتشار والاحتشاد وكذلك هذه الجمع قد ألجمها الخوف وعقد الهول أفهامها وضرب عليها رواكد من الحيرة وغشيها بأمواج من الضلالة والرين فهي تسير تلبية لدعوة الداع دون أن تعرف لم يدعوها، ولكنها تعرف بصورة مبهمة أنه يدعوها إلى شيء نكر لا تكتنه حقيقته ولا تعرف فحواه.
قال الشاعر:
وثَغْرُه فِي صفَاءٍ ... وأدْمُعِيَ كاللآلي
الشَّاهِد فِيهِ التَّشْبِيه الْمفصل حيث ذكر فِيهِ وَجه الشّبَه وَهُوَ الصفاء.
مراجع للاستئناس:
المنهاج الواضح للبلاغة، حامد عوني، المكتبة الأزهرية للتراث، (د.ط)، (د.ت).
حفني ناصف وآخرون، دروس البلاغة، شرح محمد بن صالح العثيمين، مكتبة أهل الأثر، ط1، 2004م.
عبد العزيز عتيق، علم البيان، دار النهضة العربية، (د.ط)، 1985م.
عبد المتعال الصعيدي، بغية الإيضاح لتلخيص المفتاح في علوم البلاغة، مكتبة الآداب، ط17، 2005م.
محمد أحمد قاسم، محيي الدين ديب، علوم البلاغة البديع والمعاني والبيان، المؤسسة الحديثة للكتاب، لبنان، الطبعة الأولى، 2003م.
مناهج جامعة المدينة العالمية، البلاغة 1 - البيان والبديع، جامعة المدينة العالمية، (د.ط)، (د.ت).
شهادة الماستر / أستاذة متدربة / تكتب الشعر الحر ومهتمة بالرواية
رد: الدرس الثالث: التشبيه المجمل والتشبيه المفصل
مساء الأنوار
بداية أشكر الأستاذين؛ أيوب بن مسعود و العرابي لعظيمي على إعدادهما الجيد للدرس الثالث الخاص بالتشبيه المفصل و التشبيه المجمل.
سؤالي هو كالتالي: على أي أساس يفصل الشاعر أو يجمل ؟ أي ما الذي يدفع الشاعر إلى الاختيار بين ذكر وجه الشبه أو عدم ذكره ؟ ما غرضه من ذكره و ما غرضه من إضماره ؟
و شكرا
أستاذ متدرب مهتم بالشعر والنثر يكتب الفكر والخواطر
رد: الدرس الثالث: التشبيه المجمل والتشبيه المفصل
اقتباس
عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فاطمة الزهراء بحوص
مساء الأنوار
بداية أشكر الأستاذين؛ أيوب بن مسعود و العرابي لعظيمي على إعدادهما الجيد للدرس الثالث الخاص بالتشبيه المفصل و التشبيه المجمل.
سؤالي هو كالتالي: على أي أساس يفصل الشاعر أو يجمل ؟ أي ما الذي يدفع الشاعر إلى الاختيار بين ذكر وجه الشبه أو عدم ذكره ؟ ما غرضه من ذكره و ما غرضه من إضماره ؟
و شكرا
شكرا الأستاذة فاطمة الزهراء على التفاعل، جوابا عن سؤالك خذي هذا الكلام قاعدة فيما يتعلق بذكر أركان التشبيه بشكل عام:
أقل التشبيهات مرتبة في البلاغة ما ذُكرت أركانه جميعها؛ لأنَّ بلاغة التشبيه مبنية على ادعاء أنَّ المشبه عين المشبه به، ووجود الأداة، ووجه الشبه معًا — يحولان دون هذا الادعاء، فإذا حذفت الأداة وحدها، أو وجه الشبه وحده، ارتفعت درجة التشبيه في البلاغة قليلًا؛ لأن حذف أحد هذين يقوي ادعاء اتحاد المشبه والمشبه به بعض التقوية، أما أبلغ أنواع التشبيه «فالتشبيه البليغ»؛ لأنه مبني على ادعاء أن المشبه والمشبه به شيء واحد.