[طلعت سقيرق]

[ALIGN=CENTER][TABLE1="width:95%;background-image:url('http://www.nooreladab.com/vb/mwaextraedit2/backgrounds/13.gif');border:4px inset green;"][CELL="filter:;"][ALIGN=justify]
كان ذلك مجرد حلم، أو هكذا تبدّت له الأمور.. قال في نفسه: “يا أبا العبد عليك أن تكون أكثر واقعية.. ما جرى لا يمكن أن يجري على أرض الواقع.. لا بدّ أنه مجرّد حلم” ولكن كيف له أن يفسّر تجمع الجيران في منزله صباحاً.. وما معنى تلك الكلمات التي كانت تجيئه وكأنها رسائل خاصة تملأ عالمه “عليك أن تفخر به… ابنك عظيم يا رجل”.. “اسمع.. ابنك سيعود ذات يوم.. إنه أقوى منهم” وافق بهزّات متتابعة من رأسه.. رفع الغطاء عن جسده النحيل وترك الفراش.. ابتعد قليلاً وجلس على الكرسي المركون في الزاوية.. نقَّل نظره في الغرفة.. زوجته تنام بهدوء.. انعكس نور القمر المتسلّل من زجاج الشباك على ملامح وجهها. تنهّد، وتنحنح.. وصلى على النبي، ثم قال: “والله أم العبد جميلة”….
عندما أخبروه، لم يصدق.. خرج إلى الشارع بسرواله القطنيّ، وصدره العاري.. ارتفع صوته يملأ المخيم وهو ينادي: “أين أنت يا ولد.. أريد أن أقول لك شيئاً..” نظر إليه البعض باستغراب.. بينما ظن آخرون أن أبا العبد فقد عقله.. وعندما استفسر نفر عن القصة، أخذ يحكي بافتخار كيف حاصر الجنود الولد عبد الرحيم في مكان ضيق لا مجال فيه للفرار.. والولد عبد الرحيم بطل – يشهد بذلك أهل المخيم – وتابع: عندما حاصروا الولد عبد الرحيم في مكان ضيق كما قلت لكم، انقضّ على أحد الجنود وسرق رشاشه.. وأخذ يطلق الرصاص.. اتّسع المكان.. اتّسع العالم.. اتّسعت الشوارع.. أنهكهم.. أنهكوه.. ما قبضوا عليه إلا بشق الأنفس.. وها أنا أبحث عنه..
تقلّبت زوجته في الفراش.. انعكس نور القمر على وجهها مرة أخرى، تبدّت ملامحها بصورة مدهشة.. تمنى للحظة أن يجمعها تفاحة بين يديه، لتطلع ضحكتها مثل السكر.. كان يحب هذه الضحكة.. انفلت الخيط وكرّ.. الولد عبد الرحيم شارك في الانتفاضة منذ اليوم الأول واستطاب العطاء. كان مثل بقية الأولاد في المخيم.. من حقه أن يشارك ولده في الانتفاضة كبقية الأولاد في فلسطين.. هل كان ولده متميزاً عن بقية الأولاد؟؟.. يكفي على أقل تقدير، أنه عبد الرحيم الذي ملأ والده الدنيا قصصاً عن بطولاته وتضحياته.. كان المخيم كله يتحدث عنه.. قدّم الكثير.. ومن حقه أن يكون له ولد يشارك في الانتفاضة كبقية الأولاد….
تقلّبت أم العبد في الفراش “آه يا أم العبد سنوات مضت على وجودنا معاً..” حاول ضوء القمر أن ينسحب قليلاً.. قال أبو العبد “يا امرأة ابنك بطل.. كيف تنامين في هذه الليلة المباركة؟؟”.. وتساءل: “ترى هل يعذّبونك كثيراً يا ولدي؟؟” هزّ رأسه عدة مرات، ومطّ رقبته بعصبية.. قال: “البطولة يا عبد الرحيم بطولة.. وجزء منها أن تحتمل العذاب” قال أيضاً “ربما قتلوه.. ولكن الشهادة بطولة أيضاً..” ترك الكرسي ونقل خطواته في الغرفة.. حدّث أم العبد “ستكون قصة عبد الرحيم ملء الأسماع غداً..” ضحك وتابع “جميل أن يكون لك ولد مثل عبد الرحيم” وانفلت الخيط كله عندما أغمضَ عينيه واندفعَ إلى أعماق ذاته بسرعةٍ مذهلة.. كان مسكوناً بهاجس الشجرة التي تمتدّ عروقها في السماء ويبقى الجذر ضارباً في عمق الأرض.. تذكّر كيف لاكها الطبيب ودفعها في وجهه وكأنها قنبلة “زوجتك لن تحمل أبداً..” كان ذلك منذ سنوات.. ربّما تعوَّدَ ذلك.. لكن الانتفاضة أشعلت الحنين لولد.. تقلّبت زوجته في الفراش.. وبقيت دمعة على طرف العين تحاول أن تنفلت بشكل ما..

[/ALIGN][/CELL][/TABLE1][/ALIGN]