عيدنا...ليس عيدكم
[align=right]
مثلما كان منتظرا، استقبل الإعلام العربي،العابد لتيار المعدلين العرب، بجفاء بليغ ذكرى تأسيس الجيش العراقي المجيد، مثلما اعتاد أن يغلف رموز الشعب العربي بالإقصاء و الإحياء شبه العدمي، خصص له الإعلام الذي يؤمل فيه أن يحمي رموز الشعب العربي من محاولات الطمس و التزييف المتنامية، نوستالجيا باردة لم تتجاوز السرد التاريخي القاصر. كأن الجيش العراقي يولد الساعة، كأن عمره لا يتخطى الأربع سنوات. أظهرته البرامج الإعلامية و معها الكتابات المتماهية مع المعدلين و مصدر تعديلهم، مواجها لمهمة وحيدة تختزل في مكافحة ما يسمى الجماعات المسلحة و ترسيخ النظام الجديد بمحاربة مصادر الفلتان الأمني.حاول التتبع الكاذب لسيرة الجيش أن يرسم صورة معكوسة عن حقيقة مؤسسة عربية عظمى، تالدة في التاريخ، تمثل أعرق كيان عسكري أسسته النهضة القومية التي تحاك ضدها المؤامرات و تتهاطل عليها مشاريع بائسة لمحو أهميتها المعنوية و الإجرائية الوازنة في التاريخ المعاصر للوطن العربي.ومهما كان موقف الإنسان العربي من الأطروحة القومية، و مهما اشتدت مخططات التدليس المعروفة المنابع، فإنه يتنزه عن التنكر للإنجازات الباقيات للجيش العراقي، كما حصل لبعض المثقفين المعدلين سياسيا. في كل المفاصل الحاسمة من صيرورة قضايانا المصيرية، كان للجندي العراقي الدور الأساسي و البطولي، و في كل مناطقنا المسلوبة ارتقى شهيدا جسورا، في الجولان وفلسطين و الأردن، و في كل التحديات العصيبة التي انبرت للوجود العربي، احتفظ الجندي العراقي بمواقف لا تقدر بأي وصف بطوليتها.
الفترة الحالية قاسية، فقد اختفى النظام العربي القومي، بعد احتلال بغداد، و برز توزيع جديد للجهد المقاوم العربي، متميز في تكافئه مع التصور الأمريكي. حتى أن كثيرين نسوا القومية، و تأكدوا من اخفاقها، و رغم أن الفشل تمخض عن تدخل خارجي و ليس بتناقض ذاتي، فإن رحيل الفكر القومي و انتهاءه تحول إلى قناعة قوية يدافع عنها فريق متعاظم من المثقفين العرب و بلا شك، فإن تزايد المنتقدين لأي نظرية و بروز مناهضيها سينتقل مفعوله إلى الجماهير التي احتضنت لسنين طويلة النظرية و ناضلت من أجل حياتها، بل لأجل خلودها. و لدى الحديث عن مناقب العهد القومي فإن الإنطباع الرجيم الذي يقول برفض النقد الذاتي ذي الغائية التطويرية و الإرشادية يجب أن يمسح بهدوء و اطمئنان، فللقومية من خلال قاماتها أخطاء واضحة استطاع النقد الذاتي أن يجلي ما كان يكتنفها من غموض، و في كل الحالات، فإن الأخطاء التي ارتكبها النظام القومي لا تساوي الإتهامات و الأباطيل المنسوبة إليه و تعد أخطاء موضوعية(بالتدقيق في سياقاتها) باستحضار النهضة السوسيو-اقتصادية و العلمية و العسكرية التي شارك الجيش العراقي في التأسيس لها و تنميتها، ليس فقط في العراق، و إنما في سائر البلدان العربية.
لقد نادى أبو بكر الصديق في العرب و المسلمين إثر وفاة الرسول الكريم:"من كان يؤمن بمحمد، فإن محمد قد مات، و من كان يؤمن ،بالله فإن الله حي لا يموت"، و أكد علماء الدين أن الأفعال الظلامية على تفاوت مستوياتها الجرمية، التي تقترف باسم الإسلام لا تعبر عن حقيقته و إنما تأويلات و اجتهادات تخطىء و تصيب للفقهاء، و كذلك القومية، التي أؤكد على اعتبارها تأويلا دينيا إسلاميا، لا تفنى إن صدام حسين مات أو عبد الناصر مات. هي لن تفنى، فهي تاريخ و سيرة و منهج انتقل إلى الواقع لفترات متعاقبة تقترب من المائة عام. لقد أدركنا، و عبر حدث بسيط يحدد مبدأ الأحداث المشابهة لصنفه، أن الإسلام لا ينادي بحبس العقل و تكبيله بأوهام كثيرة، كما ذهب إليه اجتهاد فقهي أثار جدلا واسعا لعالم مصري، إنه رسالة تصاعدية العظمة.و إذا تكرست الأهمية الإنسانية للإسلام المنطوي على التوجه القومي، فإن "الـتأويل" يصير دليلا للدفاع و التحصين الذاتي. و بخلاف الديانة و الإيمان بصلاحيتها أو على الأقل احترامها التي لا تؤثر فيها الأحداث التاريخية، فإن رؤية الإنسان العربي للماضي القومي شابتها عيوب كثيرة.
لقد كسر الجيش العراقي إبان حرب الخليج الثانية أسطورة الترسانة العسكرية الإسرائيلية، و كان أول جيش عربي يفند أكذوبة الجيش الذي لا يقهر، على العكس مما يروج له المحرفون و المأخوذون بميثولوجيا الوجدان من أن ما يسمى:"حزب الله" أول:"تنظيم مقاوم عربي" ضرب اسرائيل في العمق.و لا أربط هذه المسألة بموقفي من حزب الله و إنما الإعتبار الكرونولوجي، كمنطلق لموقف تصاعدي،هو الذي يحسم في الأمر. فقط كي لا يحتكر أدعياء النضال،في رأيي، تاريخ مقاومة اسرائيل و لا يحصروه في ميليشيات تابعة لدولة-مشكلة في كل القضايا العربية الجوهرية(فلسطين و لبنان و العراق).الأهم في حدود هذا التذكر الأخلاقي لتاريخ الجيش العراقي، أن لا ينسى المواطن العربي صولات الجيش العراقي التي لا تنتهي. فبالإضافة إلى التاريخ الحافل، لاتزال القوات المسلحة العراقية تقاوم في العراق.
لقد تعرضنا لنكسة غائرة يوم شنق صدام حسين، من منطلق الطبيعة الدينية للتوقيت و الطريقة البشعة التي قتل بها، فقد اهتزت مشاعر المسلمين و استشرى الذهول من حجم الإنتقام المرصود للعراق، إذا كانت المشاعر حية في اعتبارات المسلمين، فالموقف القائل بموتها موجود. غير أن الصادحين باستحقاق صدام لما لقيه قائمون أيضا. النكسات و النكبات متلاحقة، فقد خلدت الطقوس اليهودية في القصر الجمهوري العراقي، و احتفل عناصر الجيش العراقي المستحدث مع القوات الأمريكية بعيد الجيش العراقي. في عيني كل مواطن عربي شاهد احتفالات العملاء يظهر ألم: هذا عيدنا...و عيدنا ليس عيدكم.
[/align]
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|