|
اهداءات نور الأدب |
|
14 / 07 / 2009, 25 : 10 AM
|
رقم المشاركة : [11]
|
أديب وناقد - باحث متخصص في السياسة والأدب الإسرائيليين- قاص وأديب وناقد -أستاذ مادة اللغة العبرية - عضو الهيئة الإدارية في نور الأدب
|
الانتفاضة... ثورة إنسانية...
[align=justify]
الانتفاضة... ثورة إنسانية...
من أي نواحيها نظرنا إليها وتمعناها، باحثين ومحللين، نخرج بقناعة ثابتة تؤكد أن الانتفاضة ثورة إنسانية، بكل ما تحمله كلمة إنسانية) من معنى... فهي إنسانية في منطلقها وبواعثها؛ إنسانية في أهدافها وغاياتها... وإنسانية حتى في أساليب ممارسة أبطالها لفعلهم النضالي اليومي..
وبالطبع، لا يمكن اتهام هذا التوصيف بأنه من قبيل المبالغة التي قد يوحيها إنسياق الباحث العربي وراء مشاعره القومية، ذلك أنه -أي التوصيف- يستمد مصداقيته وموضوعيته وقوة اشعاعه، كحقيقة وواقع من استقراء سيرورة وقائع الانتفاضة وأحداثها، منذ انطلاقتها وإلى اليوم..
فمن ناحية البواعث، واستناداً إلى ما تقدم في الفصل الأول، وعلى ضوئه؛ نلاحظ أن انطلاقة الانتفاضة جاءت، بالدرجة الأولى، تعبيراً عن رفض الإنسان الفلسطيني لاستمرارية وجود المحتل الإسرائيلي فوق الأرض العربية، بأي شكل، وتحت أي ذريعة... أي كانت الانتفاضة تعبيراً عملياً عن الرغبة الفلسطينية الكامنة والمصممة على تحقيق الحرية للأرض الفلسطينية، وللإنسان الفلسطيني، في آن واحد معاً... هذه الرغبة التي ولدت لحظة وضع المحتل قدمه فوق الأرض العربية، معلناً اغتصابه القسري لها...
وبالتأكيد، ليس ثمة من يستطيع الزعم بأن سعي الإنسان، أي إنسان، لتحرير أرضه من غاصبها، وتحرير نفسه من نير هذا الغاصب وسيطرته وممارساته، يعدّ سعياً لا إنسانياً.. ذلك أن الحرية، وبأي المعايير قيمناها، هي مطلب إنساني مشروع ومسوغ... وكيف لا، والحرية تعني قضاء على الظلم والاضطهاد، وخلاصاً من كابوس القهر الذي يجثم على صدر من يتعرض لهما ولما يدفعان إليه من ممارسات، يتناقض، حتى أهونها، مع أبسط حقوق الإنسان والمبادئ الإنسانية؟ كيف، وعلى الصعيد الفلسطيني تحديداً، تعد الحرية الشرط الأول والأخير والوحيد، لاعادة اللحمة إلى الكيانية الفلسطينية المتشظية، والمبعثرة هنا وهناك، في شتى بقاع الأرض...؟ وهل يمكن للشعب العربي الفلسطيني أن يمتلك القدرة على تقرير مصيره بنفسه، أو أن يحقق حلمه بإقامة دولته المستقلة على كامل تراب وطنه، إلا إذا نجح أولاً، في تحرير هذا التراب تحريراً كاملاً، يتيح له لملمة شظاياه المبعثرة، وإعادة تركيب كيانيته من مجموعها...؟
من هذا المنظور المحدد، وحسب معاييره، تبدو بواعث انطلاقة الانتفاضة ودوافعها، ذات اتجاهات وأهداف إنسانية واضحة، لا لبس فيها... ومن هذا المنظور المحدد أيضاً، طرحها نبيل عودة في قصته الرائعة الزمن الجديد)(1) ، مؤكداً هويتها كثورة إنسانية مشروعة، تستمد مسوغات انطلاقها واستمرارها، من كونها محاولة لتجسيد تطلع الإنسان الفلسطيني إلى تغيير واقعه المأساوي القاسي الذي عانى فيه، ما عانى، من عيش باهظ مرهق، خلال عشرين سنة، في ظل الاحتلال الإسرائيلي العنصري، بواقع آخر جديد، أهم ما يميزه هو كونه نقيض واقع الاحتلال الذي انطلق منه، في المعطيات والسمات والآفاق، على حد سواء...
ويقدم نبيل رؤية الفلسطيني الخاصة لواقعه الجديد المأمول، عبر شريط الحلم الذي يكبر في نفس أحد أبطال القصة أمنيات، ولهذا نراه يسلط الضوء على مخيلة هذا البطل، ليمكننا من قراءة ما يتشكل على صفحتها... " كان يحلم بزمن مختلف يخلص الإنسان من غربته، ينقذه من وحشته... زمن يعطي للثمر طعمه الحقيقي، وللكلمة وقعها الصحيح، وللحب معناه الإنساني الأصيل. فيه تنتهي المعاناة وتمتد السعادة. يتضاءل القهر وتفيض النشوة."(2)
بشيء من الجرأة، يمكن الزعم أن هذا الحلم الطيب البسيط والعادل هو وإلى حد ما، الجانب الأكبر من الوجه الإنساني للانتفاضة، وهو أساس رسالتها... وانطلاقاً من مفردات هواجسه، يبدو واضحاً أن الإنسان الفلسطيني لم ينطلق في ثورته، يطلب مستحيلاً، أو يسعى إلى هدف غير مشروع... بل انطلق طالباً أبسط حقوقه كإنسان... انطلق حالماً بالخلاص من كابوس غربته ووحشته، وراجياً عودة المياه إلى مجاريها الطبيعية في حياته... كيما يتمكن من تذوق الطعم الحقيقي للثمر في فمه، وكيما تلتقط أذناه الوقع الصحيح للكلمات... انطلق ليشعر بالمعنى الإنساني للحب في قلبه المتعب... انطلق جائعاً للسعادة والفرح اللذين حرمته منهما قسرية معاناته للقهر في ظل الاحتلال...
إن مجمل هذه الأهداف /الرؤى، هي بواعث الثورة الفلسطينية الحالية، وهي، في نفس الوقت، نقيض بواعث الإسرائيليين في سعيهم الهستيري الرامي إلى قمعها والقضاء عليها... إن ثمة توحداً مثيراً، يقدمه نبيل عودة، في المقطع الآنف بين الباعث والهدف في نفس الفلسطيني... وهو توحد يعطي لثورته دفقاً رائعاً، وقدرة مذهلة على الاستمرار، على الرغم من كل الصعاب والعوائق.. لأنها، في نظره، ثورة الإنسان لاستعادة إنسانيته، ولرفض كل ما من شأنه محاولة إلغاء هذه الإنسانية أو تحطيمها..
ولكم تتأكد إنسانية هذه الثورة، وتزداد ألقاً وروعة، حين نتمعنها من زاوية السلاح الرئيس لأبطالها... هذا السلاح البسيط والبدائي جداً، ما كان يمكن له أن يكون فعالاً ومجدياً في مواجهة أعقد أنواع الأسلحة الحديثة، وأكثرها تطوراً وقدرة على الفتك، لو لم يكن معبأ بإرادة إنسانية صادقة، همها الرئيس أن تعيد للسماء زرقتها وشمسها، ولعيون الأطفال ألقها وحيويتها وإنعكاسات الاطمئنان والحبور في نظراتها... لم يستورد الإنسان الفلسطيني سلاحه هذا من الدول الصناعية المتقدمة، ولم يصنعه من مواد لا حب فيها، بل أخذه جاهزاً للإستعمال من الأرض التي أحبها، ويسعى إلى تحريرها من غاصبها وظالمه... حتى ليتهيأ للوهم أحياناً، أن هذه الحجارة الرائعة ليست سوى قلب الأرض الذي فتتته همجية الغاصب، فانتثر على السطح، فحمله ابن الأرض سلاحاً وقرر به، وبه وحده، إعادة الأمور إلى نصابها... والأفلاك التي تاهت سنين إلى مداراتها الأصلية... وعبر هذه الرؤية تتوحد الانتفاضة /الثورة ... ثورة الأرض وإنسانها، في كلّ لا يتجزأ...
ولعل من المثير حقاً، ثقة الإنسان الفلسطيني بجدوى حجارة أرضه كسلاح فعال، وبقدرة هذا السلاح على هزيمة البنادق والقنابل وغيرها، أي على انتزاع النصر... ويمكننا استشفاف هذه الثقة عبر متابعة ما يعرضه شريط الأمنيات على مخيلة /وليد/ أحد أبطال قصة الزمن الجديد)
ففي لحظة استشراف للمستقبل المرتجى، يرى هذا الطفل الفلسطيني نفسه، وقد صار طاعناً في السن، يجلس بين أحفاده، ليقص عليهم معجزة النصر الذي صنعه جيله بحجارة الأرض... "عندما يبلغ من العمر أعتاه ويجلس مع أحفاده، سيحدثهم عن أيام زمان. حاول أن يصغي لصوته. أن يكون فكرة عن هيئته عجوزاً طاعناً يحدث أحفاده عن زمانه الكبير السابق، يوم صار الحجر أسلوباً سياسياً."(3) ومن اللامعقول الذي صيرته إرادة التحرير الصلبة، في نفس الفلسطيني، معقولاً، ينطلق خيال وليد في محاولة لإضاءة المعجزة، "ثورة حجارة في عصر الفضاء. ينظر إليه الأولاد مشدوهين بحديث العجائب، غير قادرين على التصديق، محاولين استخراج الحقائق من جدهم الذي تعتعه الكبر. ولكن الجد يبتسم، ويهز رأسه متأملاً أحفاده، قائلاً بصوته الخشن،
-الذي لا يفهم بالكلام يفهم بالحجر."(4)
هذا هو العنوان الإنساني لهذه الثورة الشعبية الجبارة... إنها ليست إرهاباً أو عصياناً، أو فوضى وعدوانية متطرفة، كما يصفها أعداؤها، وإنما هي حوار، ولكن بلهجة أخرى وأسلوب آخر... وحتى حين يثور القلق في نفس وليد الصغير سؤالاً حول جدية الحوار بالحجارة وجدواه، وحول واقعية المواجهة بين الحجر والبندقية أو القنبلة، ما يلبث أن تزيل ثقته.بحجارته ما ثار في نفسه من قلق عابر... "والذي لا يفهم بالحجر؟ احتار بعض الشيء... وفكر في السؤال الذي طرحه على نفسه، ثم اشرقت ابتسامة خجلى على وجهه، وتمتم نفسه مجيباً نفسه على سؤاله: سيفهم بالمزيد من الحجارة.".(5)
وهذا الاصرار على بلوغ النصر بالحجارة وحدها، يفتح المجال أمام إشراقة إنسانية الانتفاضة، ورؤيتها من زاوية ثالثة، هي زاوية موقف الثائر الفلسطيني /الإنسان/ من عدوه العنصري ومحتل أرضه... وهو الموقف الذي عرضنا الجانب الأكبر منه، في الفقرة السابقة من هذا الفصل...
فمن خلال إعادة القراءة للحوراية التي أدارها نبيل عودة على مسرح وعي بطل قصته الحاجز)(6) ، بين ذلك البطل ونفسه، في لحظة صراع فريدة وحرجة بين نداء واجبه الإنساني، كطبيب، تجاه جريح ينزف دماً، ويجب اسعافه، وبين نداء واجبه القومي والوطني، كفلسطيني، يعد هذا الجريح عدواً له وغاصباً لأرضه من خلال هذه الحوارية، والموقف الهاملتي) الذي تجسده، ومن خلال إصرار /وليد/ وغيره من ثوار الانتفاضة على أن يكون الحجر سلاحهم الوحيد لتحقيق أهداف ثورتهم، يمكننا إضاءة إنسانية الموقف الفلسطيني، وإنسانية الرسالة الثورية المبنية عليه والمنبثقة منه، أكثر...
إن أبطال هذه الثورة، لم يخرجوا مقاتلين بحجارة أرضهم انتقاماً، وإنما رغبة في التغيير... وبالتالي فليس هدفهم القتل وإنما الدفاع عن أنفسهم، وعن أجيالهم القادمة، من التعرض للقتل، بسبب وبدون سبب على الغالب.. وإذا كان ثمة ما يؤكد هذا التوصيف، فهو موقفهم من عدوهم الساعي إلى قتلهم حين يتمكنون منه، وقد فقد حوله وقوته، بوقوعه جريحاً، أوأسيراً في أيديهم...
ففي مثل هذه الحال، لا نراهم يحاولون قتله، تشفياً وانتقاماً، بل على العكس، يعزفون عن استغلال فقدانه القدرة على حماية نفسه والدفاع عنها، ويتعالون عن الإضرار بمن غدا عاجزاً عن إلحاق الضرر بهم... لا، بل أكثر من ذلك، نراهم- كما في قصة الحاجز)، يمدون له يد المساعدة، ويحاولون انقاذه، دافعين عنه كأس الموت التي كان يريد تجريعها لهم... كل هذا من فيضان نبع الحب الإنساني وطهارته ونقائه في قلوبهم.. فبمجرد فقدان هذا العدو لقدرته على مواصلة العدوان، يتحول، في نظرهم، إلى مجرد إنسان... إنسان "لدمه نفس اللون، لجراحه نفس الآلام..."(7) ولهذا، لا يرون كبير ضير في إنقاذه.... ولا يشعرون، لحظتذاك، بأي تناقض بين موقفهم الوطني والقومي وما يحتمه عليهم تجاهه، كعدو، وبين مشاعرهم الإنسانية تجاهه أيضاً، كجريح ينزف... "أكرهه كعدو... لا جدال في ذلك، لكنه ينزف."(8)
إنه امتزاج عميق ورائع بين مشاعر قوية... امتزاج بين الوطني والقومي والإنساني، في إطار رؤية نبيلة وشاملة، رؤية تمتد جذورها عميقاً في أرض التاريخ العربي والرسالة العربية الإنسانية التي حرمت على جدّ هذا الفلسطيني الثائر اليوم، أن يتعرض لامرأة أو شيخ أو طفل أوأن يقتل جريحاً أو مسالماً، أو يقطع شجرة، مع أن ذلك الجد العظيم لم يكن، وقتها، في موقع المستضعف، بل في موقع الفاتح المالك لكل مقدرات القوة والبطش...
نعم، فمن صلب هذه الفلسفة، من معين هذه الرؤية النبيلة، حددت الانتفاضة هدفها وموقفها تجاه عدو الإنسان الفلسطيني وأرضه، وحددت ما تريده من هذا العدو، بشكل واضح... إن فعالياتها تتجه رأساً إلى محاولة تحطيم عدوانيته، وإلى القضاء على ممارساته العنصرية اللاإنسانية، إلى قتل الذئب الكامن فيه... أي إلى محاولة القضاء على وجود الاسرائيلي كمحتل للأرض ومضطهد لانسانها، وليس إلى محاولة القضاء على وجوده كإنسان... بل، وربما ليس في هذا أي مبالغة، يمكن القول: إن الانتفاضة تدافع عن الإنسان في نفس الإسرائيلي، وتحاول أن تنقذه من براثن ذئبيته العنصرية، حين تحاول منعه من ممارسة هذه الذئبية ضد الإنسان الفلسطيني..
وهذا كله يعني: أنه لا يجوز، بحال من الأحوال، النظر إلى الانتفاضة كعدوانية مضادة لعدوانية المحتل العنصري، بل كثورة إنسانية هدفها التصدي لتلك العدوانية وتعطيلها، والحيلولة بينها وبين بلوغها ما تهدف إليه، وذلك عن طريق وصول هذه الثورة إلى هدفها الاستراتيجي الأخير، إلى تحرير الفلسطيني وأرضه...
(1) الزمن الجديد، قصة نبيل عودة... نشرت في صحيفة الاتحاد) بعددها 60/45) الصادر بتاريخ /22/ تموز 1988 الصفحتان /4- 5/.
(2) قصة الزمن الجديد)، مصدر سبق ذكره.
(3) قصة الزمن الجديد)، مصدر سبق ذكره..
(4) قصة الزمن الجديد)، مصدر سبق ذكره..
(5) قصة الزمن الجديد)، مصدر سبق ذكره..
(6) قصة الحاجز)، مصدر سبق ذكره...
(7) قصة الحاجز)، مصدر سبق ذكره..
(8) قصة الحاجز)، مصدر سبق ذكره..
[/align]
|
|
|
|
14 / 07 / 2009, 27 : 10 AM
|
رقم المشاركة : [12]
|
أديب وناقد - باحث متخصص في السياسة والأدب الإسرائيليين- قاص وأديب وناقد -أستاذ مادة اللغة العبرية - عضو الهيئة الإدارية في نور الأدب
|
الدعوة إلى الشمولية..، ورفض المحايدة...
[align=justify]
الدعوة إلى الشمولية..، ورفض المحايدة...
بين أبرز ما ركزت عليه الانتفاضة، في رسالتها، تلك الدعوة الدائمة والملحة التي تحث أبناء الشعب العربي الفلسطيني، في الوطن المحتل، على ضرورة مشاركتهم جميعاً، بمختلف فئاتهم وطبقاتهم ومستوياتهم، في فعاليات الثورة ضد الوجود الاحتلالي الإسرائيلي، وممارساته العنصرية... وهي تحثهم على المشاركة، سريعاً، في هذه الفعاليات، مهما تكن الظروف المحيطة بكل منهم قاسية وصعبة... إذن، هي دعوة ترمي إلى توسيع نطاق الثورة وممارسة فعالياتها، لتكون نتائجها أبعد تأثيراً وأكثر عمقاً وأسرع في تحقيق الأهداف المرجوة...
ولدى تلمس آثار هذه الدعوة، في مضامين المتوفر من قصص الانتفاضة نلاحظ أن من أشار إليها، من مؤلفي تلك القصص، داخل الوطن المحتل، قد ضمن إشارته إليها، في سياق معالجته لموضوع رفض المحايدة، ولم يعمد إلى إفراد تلك الإشارة في محور مستقل، بين ما يشتمل عليه مضمون قصته من محاور أخرى... ولذا، وتقيداً بالنصوص القصصية المختارة للمناقشة، في إطار هذه الدراسة، وتوازياً مع طرائقها في طرح الموضوعات، ستتم مناقشة هذه الدعوة إلى شمولية المشاركة في الانتفاضة، في سياق مناقشة الدعوة إلى رفض المحايدة..
والدعوة إلى رفض المحايدة مصدرها -إذا صح التخمين- الاعتقاد بأن لا محايدة في زمن الثورات الشعبية الضخمة التي يهدف مفجروها إلى إحداث انعطافات حادة وحاسمة، في المسارات المألوفة والسائدة لحياة ابناء شعبهم كافة. ذلك أن ماينجم عن هذه الانعطافات من نتائج ومتغيرات، لا ينحصر تأثيره في المجالات الحياتية للذين شاركوا في فعاليات الثورة فحسب، بل يمس ذلك التأثير المجالات الحياتية لسائر فئات الشعب وطبقاته، على مختلف المستويات والصعد، ودون استثناء...
ومن هذه الزاوية المحددة، في الرؤية، لا خيار لأحد في أن يتخذ موقفاً محايداً، إزاء صراع تمسه النتائج التي سيسفر عنها، شاء أم أبى... وبالتالي، يبدو أن لاذريعة يمكن أن يسوقها المستنكف عن المشاركة في الفعل الثوري، كمسوغ مقبول لعدم مشاركته، لأنه، في النهاية، معني بنتائج هذا الفعل، ايجابية كانت أم سلبية...
وتأسيساً على افتراض صحة الرؤية السابقة، وانطلاقاً منه، يمكن القول إن المحايدة، كموقف، ليست سلبية فقط، كونها هدراً مجانياً لجزء كبير من الطاقات التي تحتاجها الثورة، أي ثورة، في اندفاعها نحو أهدافها، بل هي أيضاً، محاولة هروبية لا مجدية في مجال توفير النجاة، لمن يلتزمها موقفاً، من أذى العدو وعسفه وإرهابه... وسبب عدم جدواها، في هذا المجال، واضح وبسيط جداً، يتمثل في اختفاء المناطق المحايدة بين أي طرفين يخوضان صراعاً مصيرياً، يهدف كل واحد منهما، في نهايته، إلى تحطيم إرادة خصمه وقواه، تحطيماً كاملاً .. ذلك أنه من البدهي، في الأجواء والمناخات التي تسود صراعاً كهذا، أن يصير أفراد كل طرف، دون استثناء، أعداءً، في نظر أفراد الطرف الاخر سواء من يشارك منهم في فعاليات الصراع وأحداثه، ومن لا يشارك.. ومصدر هذه النظرة، وخصوصاً عند الطرف المستهدف بالثورة، هو القناعة التي تتشكل في وهمه يقيناً، بأن محايد اليوم هو احتمال ثائر لم يتحرك ضده بعد، لهذا السبب أو ذاك... أي هو رصيد احتياطي كامن من الطاقة المعادية له... ولذا، فإن البطش به وتحطيمه قبل انتقاله من وضعية الكمون، إلى وضعية الحركة والفعل، تعد ضرورة، تمليها حاجة هذا الطرف إلى تقليص حجم الطاقات المعادية له، الكامنة والفاعلة، على حد سواء، ما استطاع إلى ذلك سبيلاً..
وبعد، فإن الدعوة إلى رفض المحايدة، وتركها إلى المشاركة في فعاليات الثورة، وصنع شموليتها، كانت محوراً رئيساً لاثنتين، من قصص الانتفاضة التي توفرت امكانية الإطلاع عليها وقراءتها... وكلتا القصتين تناولتا هذه الدعوة، وأشارتا إليها، من زاوية رؤية واحدة، تقريباً، هي كون المحايدة موقفاً لا يحمي صاحبه من أذى العدو، ولا يجنبه احتمالات التعرض للممارسات العنصرية اللاإنسانية التي ينهجها هذا العدو ضد الفلسطينيين، دون تمييز بين ثائرهم ومحايدهم...
في أولى القصتين، وهي بعنوان اسحب تربح)عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] يقدم لنا مؤلفها صبحي حمدان، بطلها الصغير جوالاً في الشوارع والأزقة الضيقة، يبيع أوراق اليانصيب في الصباح، والترمس في المساء، منصرفاً بكليته إلى المشاركة في تأمين لقمة عيش أسرته، بعد أن استقال أبوه من عمله في سلك الشرطة، استجابة وتلبية لنداء قيادة الانتفاضة... وهذا يعني أن الذريعة التي سوغ بها لنفسه الاستنكاف عن المشاركة في الثورة، ذريعة ذات طابع اقتصادي /معيشي، ترتكز على حاجة حياتية يومية لا يمكن تجاهلها...
لكن اختياره البقاء خارج دائرة الصراع المحتدم، والاستغراق في البحث عن اللقمة، لا ينجيه من احتمالات التعرض لعدوانية قوات الاحتلال الإسرائيلي التي لا تفرق بين فلسطيني وآخر، لأنها لا تتعامل مع الفلسطينيين حسب نوعية مواقفهم، وإنما حسب هويتهم الواحدة المشتركة... وعلى هذا، وجد الصغير نفسه، وعلى غير توقع، هدفاً لرصاصات المحتل، الحية والمطاطية...
كان ذلك حين قاده قدره إلى شارع مستهدف من قبل قوات الاحتلال التي راحت تتعقبه، كونه الوحيد الذي رأته في ذلك الشارع الخالي، آن عبورها فيه، ودون أن يحاول أيّ من أفرادها استبانة موقفه، محايد هو أم ثائر... "ووجد أن خطاه قد قذفته إلى شارع رئيسي، الشارع خالٍ. زاد ضغط أصابعه على الورقة بشكل غريزي، أسرع الخطا، قاصداً الولوج إلى أول زقاق، هدر صوت عربة فجأة، أسرع أكثر "بو، بو" سمع زعيقاً فجأة فأسلم ساقيه للريح لم يدر كيف، أو إلى أين جرى. ولم ينتبه إلى صوت الرشاشات وذخائرها الحية والمطاطية تتعقبه، كل ما انتبه إليه أنه دخل أول بيت صادفه، وأن ربة البيت هي أول من قابله، والتي استوعبت كل شيء في لمح البصر، فاقتادته إلى إحدى الغرف وأحضرت له قميصاً وبنطالاً، وقالت له: خذ، بدل ثيابك، واجلس مع الأولاد."عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
وهنا، في هذا البيت الفلسطيني الذي استقبلته ربته، مدركة سبب لجوئه إلى بيتها هارباً، بدأ الصغير يدرك خطاً موقفه، كمحايد، ولا جدواه، بعبارة أدق، بدأ يدرك أن لا وجود لأي مناطق محايدة على أرض الصراع الدائر بين أبناء شعبه ومحتل وطنهم... فكما لم تميز قوات الاحتلال، حين طاردته، بينه وبين أي فلسطيني آخر، ولم تحاول استبانة موقفه مما يجري، محايد هو أم ثائر، كذلك فعلت صاحبة البيت الذي لجأ إليه... فقد استقبلته، وراحت تبذل كل ما بوسعها لحمايته، على الرغم مما قد يجر إليه تصرفها هذا من مخاطر على بيتها وأهله، وذلك لمجرد كونه طفلاً فلسطينياً... فهي أيضاً لم تسأله عن موقفه، بل لم تحاول أن تسأله حتى عن سبب هربه ومطاردة عسكر الاحتلال له...
وقد كان المؤلف موفقاً، حين جعل اشراقة الإدراك التي أضاءت وعي الصغير بالحقيقة، تبزغ من خلال ذلك الحوار القصير الموحي الذي أداره بين ذلك الصغير وصاحبة البيت، وهما في ذروة الاحساس بالقلق والخوف من احتمال مداهمة عسكر الاحتلال للبيت... فبعد أن خلطته تلك المرأة الرائعة بأطفالها، تحسباً لاحتمال أن يميزوه، فيما لو داهموا البيت، وأن يقتادوه معتقلاً، ظل القلق عليه يساورها، وخصوصاً حين التقطت آذانهما" أصوات الدربكة مختلطة بتكسير أبواب وشتائم بذيئة، وكان ثمة صليات إطلاق نار تأتيه واضحة من بعيد يتخللها أصوات اطلاق قنابل الغاز اللعين..عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] عندها، خطر لها، زيادة في الحيطة والحذر، أن تجعله يبدو مريضاً طريح الفراش... وما كاد هذا الخاطر يستقر في وهمها كمخرج مضمون لنجاة الصغير، حتى بادرته بلهجة آمرة: "اسمع، نَمْ في الفراش وادع المرض.".عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
قالت له ذلك، وهي تعتقد يقيناً أنها إنما تحمي ثائراً، وأن مساعدتها له على النجاة من الاعتقال، إنما هو جزء من صميم واجبها كفلسطينية... لكن هذا الاعتقاد ما لبث أن انكشف متحولاً إلى شك استنكاري، حين فاجأها الصغير، مستغرباً ما تحيطه به من أسباب الحيطة والحماية، قائلاً" باحتجاج رقيق: لكن لم أفعل شيئاً."عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
وبالطبع لم تغيرّ معرفتها لهذه الحقيقة المؤسفة والمخيبة، من موقفها تجاهه شيئاً، إلا أنّها لم تملك نفسها من توجيه السؤال الاستنكاري له: "ولماذا هربت إذن؟ تساءلت بشك."عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] وكان هذا السؤال كافياً لوضع الصغير على أول مدارج الوعي الصحيح... فقد قادته بسؤالها المتشكك إلى إعادة حساباته كلها... حقاً، لماذا هرب من الشارع، ولماذا يختبئ هنا خائفاً متدارياً، إن كان لم يفعل شيئاً، كما يقول ويعتقد؟
ويأتي الجواب عفوياً، متضمناً اشراقة الإدراك لخطأ المحايدة، في زمن المواجهة الشاملة.. يأتي مؤلفاً من كلمتين فقط، تسيلان على لسانه، كمحصلة للمحاكمة السريعة التي أجراها، بينه وبين نفسه، لموقفه المحايد، ولموقف المحتل منه ومن أمثاله، فينطقهما، وكأنه مازال يتحدث مع نفسه: "إنهم لا يميزون"عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] .
ويكون إدراكه لهذه الحقيقة بداية رحلة تحوله من المحايدة إلى الثورة... فما داموا لا يميزون، لماذا يختار أن يكون سلبياً، في موقفه منهم...؟ لماذا لا يقتدي بهذه المرأة التي استقبلته وحمته، معبرة بتصرفها الرائع هذا عن تضامنها مع ثورة شعبها الذي تلاحم معظم أفراده مع بعضهم، وصاروا كلاً واحداً وكياناً متجانساً، في مواجهة عدو لا يميز بين ثائرهم ومحايدهم...؟
وتأتي الأحداث التالية لتؤكد قناعته بصحة تحوله إلى مشروع ثائراً، أو إلى ثائر محتمل... فما كاد يصل إلى بيته بعد مغادرته لبيت المرأة التي حمته، حتى فوجئ بخبر اعتقال أخيه جميل)، وغياب أبيه المثير للقلق... وكان هذان الخبران كافيين لتسريع مبادرته إلى الانخراط والمشاركة في فعاليات الانتفاضة... وهذا ما حصل فعلاً...
ففي "صباح اليوم التالي15 أيار، يوم الاضراب والمواجهة، كان يقف عند ناحية الشارع الرئيس مشرفاً على مفترق طرق حساس، مستكشفاً الأطراف البعيدة والقريبة، ممسكاً بين أصابعه الغضة ورقة السحبة، محولاً عينيه بين الحين والحين صوب الشباب المتأهبين على حذر، ليسمعوا نداءه العصفوري الحاد منذراً أياهم على أي خطر أو مفاجأة، يتردد مموسقاً في جنبات الشارع المقفر من السابلة، ويسمعه القاصي والداني.. اسحب تربح..."عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
وبهذا التحول، يكون قد تمّ الإعلان، في خاتمة السياق الحدثي للقصة، عن ميلاد ثائر فلسطيني جديد... وهو تحول فذّ، على الرغم من عجز صياغته الفنية عن مطاولة دلالاته، وعن الايحاء بكامل أبعاده... وبسبب توصيفه بـ "الفذ" ما يوحي به من مزج بارع بين الثورة السياسية للفلسطيني، ببعديها: الوطني والقومي، وبين ثورته الطبقية... فكما هو ملاحظ من بناء خاتمة القصة، لم يلغ انتماء الصغير إلى الثورة ومشاركته في فعالياتها، عزمه على مواصلة السعي من أجل المساهمة في تأمين لقمة العيش لأسرته، وخصوصاً بعد اعتقال اثنين من معيليها الرئيسين، هما: والد الصغير وأخوه... بل العكس هو ما حدث... فقد تحول النداء الذي كان يطلقه بطل القصة، في بدايتها، من مجرد نداء لترويج ما يبيعه، إلى نداء موظف في خدمة فعاليات الانتفاضة واهدافها... أي إلى تلك الشيفرة التحذيرية التي تنبه الثوار إلى اقتراب قوات الاحتلال من مكامنهم... وهكذا، صار نداء مزدوج المغزى والهدف...
وفي سياق حدثي مختلف، وصدوراً عن نفس القناعة التي انتهى إليها بطل قصة اسحب تربح)، يطرح القاص الفلسطيني سمير رنتيسي موضوع رفض المحايدة، ولا جدواها كموقف، في قصته القصيرة حوار مع النورسي) عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] التي صاغ حوارها بالعامية الفلسطينية، ظناً منه أن اللهجة العامية تكسب أحداث قصته وطروحاتها طابعاً أكثر واقعية، وأكثر قدرة على التأثير في متلقيها...
وكما في قصة اسحب تربح)، نلاحظ أن بطل قصة حوار مع النورسي) هو طفل فلسطيني من الوطن المحتل، لا يتجاوز الحادية عشرة من العمر... وهذا الطفل الذي يدعى عماد)، ليس محايداً كبطل القصة السابقة، بل هو ثأئر مقتنع بالثورة حتى الشهادة.. ومن هذه القناعة، وعلى خلفيتها، ينطلق في تعليله لرفض موقف المحايدة إزاء ما يشهده شعبه ووطنه من أحداث كبيرة ومصيرية... وعماد هذا لا يتوجه بخطابه المعلّل لضرورة مشاركة كل فلسطيني في الانتفاضة، إلى فلسطيني مثله، وإنما كما يوحي سياق القصة - إلى صحفي أو إلى محقق إسرائيلي كان يستجوبه...
فحين يسأله محدثه، وكأنه يستغرب إقدام طفل بعمر عماد على تحدي جنود كالذين في الجيش الإسرائيلي. "ليش كنت تسب وتضرب حجار عالجيش؟"عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] تنتقل حالة الإحساس بالاستغراب، إلى الصغير عماد، وذلك عندما يفتش في تلافيف عقله عن سبب منطقي واحد يدعو ذلك الرجل إلى طرح هذا السؤال عليه، فلا يجد...
فحسب قناعات هذا الثائر الطفل، وحسب المنطق الذي تغذى به عقله، يبدو بدهياً، أن يرد المرء على من يتحرش به، معتدياً، بما يمكن أن يدفع عنه هذا العدوان، ويحول دون تكراره... فإن لم يستطع، فلا أقل -وهذا أضعف الإيمان- من أن يرد على المعتدي بشتيمة، أو حجر يقذفه به، مؤكداً بذلك حرصه على كرامته، واستعداده للدفاع عنها، وإن لم يكن بقدرته الدفاع عن وجوده... أما أن يستسلم للإعتداء، ويتقبله ذليلاً، ثم ينسحب مجرجراً شظايا كرامته التي أهدرها عدوه، دون أن ينم عنه أي رد فعل من أي نوع، فهذا ما لم يجد ما يسوغه، ويدعو إلى القبول به، بين كل المبادئ والقيم التي ربي عليها...
ولهذا، وانطلاقاً من هذه المبادئ والقيم، نرى معالم وجه الصغير تحتد، لدى سماعه سؤال محدثه، وتبدو عليه العصبية يركز نظرته نحو الرجل وينطلق صوته حازماً لا تحشرجه البحة..."عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] ليشرح في دفاعه عن أسباب محاجرته لعسكر الاحتلال، وليسوق بين يدي هذا الدفاع، كل ما يعتقده اعتقاد اليقين، تعليلات لا تقبل الجدل، لاصراره على الاستمرار في محاجرتهم، حتى ولو كلفه إصراره على ذلك، أن يدفع حياته ثمناً... يقول عماد، راسماً، بكلماته العفوية البسيطة، دهشة المفاجأة على وجه الرجل الذي سأله:
"ليش لأ..؟ آه ليش لأ..! يعني أنا قبل شهر كنت في الحارة.. أجوا.. واحد منهم طب علي... ضربني على وجهي... قال إنه أنا ضربت حجار... والله يومها طوله كنت ألعب بنانير... ما ضربت ولا حجر... بعدها دعس على أصابع رجلي بالبسطار... شوف.. اصبع رجلي... شوف. من يومها ما بقدر أحركه... وبعدين.. حضرة جنابك... بتقول ليش براجل عليهم حجار...؟!عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
فعلاً، لكم يبدو سؤال محدثه، مستغرباً ومستهجناً، أمام ما ساقه عماد من أسباب محاجرته لعسكر الاحتلال... ذلك أن هذا السؤال يتعارض مع أبسط حقوق الإنسان، أي إنسان، في الدفاع المشروع عن نفسه وكرامته... أما جواب الصغير، فواضح الدلالة في قصديته إلقاء التبعة أولاً وآخراً على جنود الاحتلال الذين يتحرشون بالعرب، ويعتدون عليهم دونما سبب واضح ومعقول... وإذا كان تحرشهم الاستفزازي لامسوغ له، في نظر هذا الطفل الفلسطيني، سوى إرواء نزعتهم إلى ممارسة عنصريتهم، فإن ردّه، وردّ الفلسطينين جميعاً على هذا التحرش، له ما يسوغه من الذرائع، وأولها، الرد على هذا التحرش العنصري نفسه...
وما دام الأمر كذلك، وما دامت عنصرية الإسرائيلي لا تميز بين فلسطيني وآخر، فمن الغباء أن يتخذ أي فلسطيني موقف المحايد... هذا الموقف السلبي الذي لا يحمي من يلتزمه، ولا يصون كرامته... بل على الجميع -جميع أبناء الوطن المحتل- أن يبادروا إلى المشاركة في الرد على استفزازات المحتل العنصري وممارساته العدوانية، لاشعار المعتدي بأنهم يرفضون المهانة ويأبون الضيم والسكوت على الذل في وطنهم.
وواضح أن عماداً ومن في سنه، وكذلك الغالبية من أبناء شعبه، لم يجدوا أفضل من حجارة وطنهم المحتل وسيلة، يترجمون بقذفها على عدوهم اصرارهم على هويتهم وكرامتهم ورفضهم لبقاء ذلك العدو غاصباً لأرضهم، ومضطهداً لهم... وهذا ما توحي به كلمات الصغير عماد التي اختتم بها المؤلف قصته، مفجراً، بما اشتمل عليه مضمونها من دلالات، القناعة الخاطئة التي يحاول العدو ترويجها، والتي مفادها أن السلامة في المحايدة)... ليؤكد من خلال تفجيره لها وإلغائها أن السلامة الحقيقية تكمن في نجاح الإنسان الفلسطيني بتحقيق هدف واحد ووحيد، مهما غلت التضحيات في سبيل تحقيقه؛ وهذا الهدف هو تحرير الوطن الفلسطيني من غاصبه، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على ترابه، وقد تطهر بكامله، من رجس ذلك الغاضب...
يقول عماد، رداً على استثارة محدثة له بتخويفه من احتمال التعرض للموت، إذا ما استمر يقذف جنود الاحتلال بالحجارة: "مش مهم كثير... أن بستشهد... بس بصير مع الشهداء... وبصير عندنا وطن.. وكمان دولة..."عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] وبهذه الكلمات التي ينطقها بعفوية، يؤكد عماد أن الثورة والشهادة -وليس التزام موقف المحايد الخائف من الموت- هما، فقط، وسيلة الفلسطيني وخياره لتحقيق حلمه بالعيش في وطن حرٍّ ودولة مستقلة تخصه...
(1) قصة اسحب تربح) لصبحي حمدان. نشرت في صحيفة الاتحاد)، بعددها ذي الرقم 43/45)، الصادر بتاريخ(1) تموز1988، الصفحة (4) .
(2) قصة اسحب تربح)، لصبحي حمدان. نشرت في صحيفة الاتحاد) بعددها ذي الرقم 43/45) الصادر بتاريخ (1) تموز 1988، الصفحة (4)
(3) قصة اسحب تربح)، مصدر سبق ذكره.
(4) قصة اسحب تربح)، مصدر سبق ذكره.
(5) قصة اسحب تربح)، مصدر سبق ذكره.
(6) قصة اسحب تربح)، مصدر سبق ذكره.
(7) قصة اسحب تربح)، مصدر سبق ذكره.
(8) قصة اسحب تربح)، مصدر سبق ذكره..
(9) قصة حوار النورسي)، لسمير رنتيسي، نشرت في صحيفة الاتحاد)، بعددها ذي الرقم 265/45) الصادر بتاريخ عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] آذار 1989 ، الصفحة (5) وهي، كما يشير التذييل الوارد في خاتمتها، من مجموعة قصصية للمؤلف، بعنوان دولة الصغار).
(10) قصة حوار مع النورسي)، مصدر سبق ذكره.
(11) قصة حوار مع النورسي)، مصدر سبق ذكره.
(12) قصة حوار مع النورسي)، مصدر سبق ذكره..
(13) قصة حوار مع النورسي)، مصدر سبق ذكره..
[/align]
|
|
|
|
14 / 07 / 2009, 30 : 10 AM
|
رقم المشاركة : [13]
|
أديب وناقد - باحث متخصص في السياسة والأدب الإسرائيليين- قاص وأديب وناقد -أستاذ مادة اللغة العبرية - عضو الهيئة الإدارية في نور الأدب
|
الدعوة إلى مواصلة الثورة... حتى التحرير...
[align=justify]
الدعوة إلى مواصلة الثورة... حتى التحرير...
من البدهي أن تحتل هذه الدعوة الحيز الأكبر من رسالة الانتفاضة... ذلك أن الإصرار على مواصلة الثورة واستمراريتها حتى بلوغها كامل أهدافها، وبشكل خاص، هدفها/ الغاية الذي هو تحرير الوطن الفلسطيني وإنسانه من ربقة محتلهما الإسرائيلي، هذا الإصرار هو الشرط الأول والأهم للوصول إلى تلك الغاية... ومصدر هذه الأهمية هو، بالدرجة الأولى، قناعة الثوار، في الوطن المحتل، بأن أي توقف، في منتصف الطريق، أو أي فتور أو تراجع، لا يعني ارتداداً انتكاسياً إلى نقطة البداية فحسب، وإنما يعني ضربة عنيفة جداً لإرادة التحرير الفلسطينية، قد تؤدي إلى إصابة هذه الإرادة بالعجز، ولفترة طويلة، عن متابعة محاولتها التجسد واقعاً... فعبر قراءتهم التحليلية المتأنية والواعية لسجل النضال الفلسطيني الطويل والحافل بالكثير من الاخفاقات المريرة، والنجاحات الصعبة، توصل أولئك الثوار إلى القناعة التامة، بأن الضربة التي لا تقصم ظهر عدوهم، تقويه...
وعلى خلفية هذه القناعة، تتبدى واضحة ضرورة الإصرار على مواصلة الثورة، مهما بهظت التضحيات، ومهما بدت الطريق إلى الغاية المنشودة ملغومة باحتمالات الإخفاق، في بعض المواضع والميادين... ذلك أن الإخفاق المرحلي، أو المحدود يمكن تدارك نتائجه وتجاوز سلبياتها، لكن النكوص أو الهزيمة لا يعنيان إلا السقوط وسط طقوس تراجيديا عنصرية مروعة، سوف يمارسها العدو إذا نجح في القضاء على الثورة، قبل وصولها إلى غايتها المنشودة...
ومن زاوية الرؤية الخاصة هذه، تحول الإصرار على مواصلة التحدي والنضال، إلى استراتيجية ترسم حركية ثوار الانتفاضة، وأهداف نشاطاتهم وفعالياتهم... وبالفعل، يستطيع من يتابع ما يصنعه هؤلاء الأبطال من أحداث، وكيف يصنعونه، وبأي روح وإرادة وتصميم، يستطيع أن يتبين، ودون كبير عناء، بأنهم قد أحرقوا جميع سفن احتمالات عودتهم إلى الأجواء الكابوسية لواقع ما قبل الانتفاضة الذي انطلقوا منه، ثائرين على استمراريته، وعلى استمرارية بقائهم القسري فيه...
وفي القصة، كما في الواقع تقريباً، نلاحظ اهتمام عديدين من مؤلفي قصص الانتفاضة، في الوطن المحتل، بالدعوة إلى الإصرار على مواصلة التحدي والنضال حتى تبلغ الثورة كامل أهدافها... وهم، في معرض طرحهم لهذه الدعوة وتأكيدها، لا يغفلون ما تكلفه تلبيتها من تضحيات باهظة جداً، ولكنهم يحاولون تسويغ احتمال تلك التضحيات بالإشارة إلى أنها مهما بهظت، يظل احتمالها أهون وأقل بما لا يقاس، من احتمال نتائج اخفاق الانتفاضة في الوصول إلى أهدافها... وعلى أساس قناعتهم بصوابية هذه الرؤية، نراهم يرفعون اصبع التحذير، معلنين أنه من الممنوع على من شقوا الطريق أن يتوقفوا في منتصفه، أو أن ينكصوا عائدين مسربلين بيأسهم وإخفاقهم...
ولأن التزام هذا الممنوع ضرورة، لا جدال فيها، برأيهم، نراهم يحرصون على تجنب تقديم ثائر الانتفاضة، إلى قارئهم، كبطل فرد، كلي القدرة، بوجوده وبقائه تستمر الثورة، وبانقصامه أو استشهاده تتوقف وتنتهي... وهذا يعني، اقتناعهم بضرورة نفي البطولة الفردية، في القصة والواقع، على حد سواء، والتأكيد بالمقابل، أن الانتفاضة هي فعل جماعي، وأن نموذج البطل فيها، هو مجموع الشعب وليس أي فرد من أفراده، حتى وإن تهيأ للوهم احتمال أن يكون هذا الفرد خارقاً...
ومن الملاحظ أن طرح مؤلفي قصص الانتفاضة، في الوطن المحتل، لموضوع الدعوة إلى الإصرار على مواصلة التحدي والثورة، لم يكن طرحاً خطابياً مباشراً، كما أنه لم يشكل، في أيّ من القصص، محوراً موضوعياً مستقلاً، بل كان متضمناً في سياق التأكيد لنفي مفهوم البطولة الفردية، في صنع أحداث الانتفاضة ومنجزاتها، وبالتالي، نفي احتمال توقف استمرارية الانتفاضة بسقوط أيّ من أبطالها أو القضاء عليه...
ومن أكثر قصص الانتفاضة احتفالاً واهتماماً بهذين الموضوعين، ومن أكثرها وضوحاً في طرحهما، قصة الزمن الجديد) لنبيل عودة. ففي نهاية هذه القصة الغنية، يسقط قائدها الفذ سليم) شهيداً، قبل أن يكمل ما بدأه من تغيير في قناعات أهل قريته ومفاهيمهم ومواقفهم، وقبل أن تكتحل عيناه برؤية نتائج التغييرات التي أحدّثها واقعاً ملموساً.... ولكن استشهاده لا يعني توقف أهل قريته عن مواصلة الثورة التي هيّأهم لتفجيرها والاستمرار فيها، سواء بقي هو الذي يقود خطواتهم فيها، أو صار القائد غيره.. فالثورة ليست هذا الفرد أو ذاك، حتى وإن كان صانعها ومفجرها... وبالتالي، فإن استشهاد القائد لا يهم كثيراً، ما دام يوجد بين أتباعه والمؤمنين بنهجه وأفكاره، من يستطيع حمل المسؤولية بعده..
بل إن أي ثائر صادق، يرفض أن تنتهي ثورته وتنطفئ بانتهائه قائداً لها... ذلك أن مثل هذا الثأئر لا يعنيه كثيراً أن يشهد بعينيه نتائج ما بدأه، بل يعنيه استمرارية السعي إلى تحقيق ما خطط له، في حركية من يليه /النابعة من إصرارهم على إكمال الدرب التي بدأها.. لأنه، وبهذه الإستمرارية فقط، يتحول استشهاده إلى حياة، فيسطيع أن يرى ثمار نضاله وانتصار رسالته بعيون الذين تابعوا حملها بعده، ونجحوا في تحقيق أهدافها واقعاً.. أي يتحول موته إلى معبر لخلوده...
وإيماناً من سليم نفسه بهذه الحقيقة، نجد أن جوهر الوصية التي يتركها لأتباعه هو دعوتهم إلى ضرورة مواصلة الثورة بعده، فيما لو سقط شهيداً وبالفعل، ما يكاد خلفه وليد) يتيقن من استشهاد ذلك القائد الفذ، حتى ينطلق في أزقة القرية وحواريها، ناشراً تلك الوصية، ليحضّ أهل القرية على متابعة الثورة التي فجرها سليم، صارخاً بأعلى صوته:
"سليم لم يمت... سليم معنا للأبد... سليم يقول لكم لا تصدقوا أنه يموت... سليم يقول لكم اصمدوا، واحموا كل البلد. سليم يحبكم وينتظر أن يسمع أخباركم المشرفة... سليم معكم في كل مكان. سليم يوصيكم أن تدفنوه في تراب وطنه المحرر سليم لا يموت... لا يموت... لا يموت.".عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] من الواضح أن سليم في الصياغة السابقة، قد خرج من محدودية كينونته المادية الضيقة، ليصير رمزاً تتجسد فيه روح الثورة الشعبية التي فجرها في أهل قريته، وليصير رمزاً لكل الشهداء الذين ضحوا بحيواتهم الدنيا من أجل إيصال مبادئ الرسالة التحريرية لثورة شعبهم إلى أهدافها، ومن أجل تجسيد هذه الأهداف كحقائق، على أرض الواقع... ولهذا، فهو لا يموت، ولا يمكن للموت أن يجد سبيلاً إليه... لأن موته، على مستوى الرمز الذي يجسده، يعني انطفاء شعلة الثورة بعده، واستحالة وصولها إلى تحقيق أهداف رسالتها...
وعلى افتراض صحة القراءة السابقة لنهاية قصة الزمن الجديد)، يمكن القول إن الدعوة إلى ضرورة مواصلة الثورة، متضمنة في كل جملة دخلت في تركيب تلك النهاية... وتكاد هذه الدعوة تتخذ صيغة الخطاب المباشر، في دلالات الجملة الأخيرة التي يوصي فيها سليم أهل قريته بأن يدفنوه في تراب وطنه المحرر... إذ كيف لهذه الوصية أن تنفذ، إن لم تستمر الثورة بعده، حتى تحقق كامل أهدافها، وخاصة هدفها /الغاية... أي تحرير تراب الوطن الذي أوصاهم أن يدفنوه فيه...؟
وبإشارات أقصر تردداً، واقل وضوحاً وتركيزاً، دعا أدباء آخرون في ثنايا مضامين قصصهم إلى ضرورة الإصرار على مواصلة التحدي والنضال حتى تحقق الانتفاضة أهدافها جميعاً..
ففي قصة اسحب تربح)عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] لصبحي حمدان، نجد أن بطلها الصغير هو الذي يحمل على عاتقه مواصلة دور أبيه وأخيه في المساهمة بصنع أحداث الانتفاضة، وذلك بعد اعتقال سلطات الاحتلال لكليهما... وفي انتقال مسؤولية هذا الدور إلى الصغير، إشارة غير مباشرة، من مؤلف القصة، إلى أن اعتقال هذا البطل أو ذاك، من أبطال الانتفاضة، لا يعني إيقافاً لاستمراريتها، أوحدّاً لتصاعد فعالياتها، ما دام يوجد، دائماً، من هو مستعد للحلول محله، ولملء الفراغ الذي يتركه أي ثائر، حين يتم اعتقاله..
وفي سياق حدثي مختلف، نلاحظ الإشارة السريعة غير المباشرة إلى الدعوة لضرورة الإصرار على مواصلة الثورة، في قصة صباح.. بعد انحسار الغطاء)،عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] لسعيد نفاع... فإيماناً من بطلة القصة صباح) بأن السجن لا يمكن أن يعدّ حائلاً يمنع تدفق الحياة وإرادتها في الإستمرار، وبأن السجين مهما طال حبسه لا بد خارج يوماً لمواصلة نضاله، تقرر الزواج من سجين ما يزال محتجزاً خلف القضبان... وهي حين تصر على إعلان خطبتها له قبل إطلاق سراحه، لا تعبر بإصرارها هذا عن "حب مراهق"عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] بل تعبر عن إيمانها القوي" بحتمية زوال السجن وزوال السجان أمام إرادة الحياة.".عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] وبالفعل ما يكاد يخرج هاشم من سجنه، حتى يسارع إلى متابعة عمله النضالي، غير هيّاب من احتمال اعتقاله ثانية، أو من أي احتمال سيئ آخر. حتى ولو كان التعرض للموت..
إن الإشارة المتضمنة للدعوة إلى ضرورة الإصرار على مواصلة الثورة، تبدو، في هذه القصة ومثيلاتها، مترافقة ومتداخلة مع الدعوة إلى ضرورة الإصرار على تجاوز العقبات المعرقلة التي يضعها العدو الإسرائيلي عصياً في عجلات انطلاقة الثورة، بغية منع استمراريتها... والسجن هو إحدى تلك العقبات.. وهو بين الوسائل التي يعتقد العدو، متوهماً، أنها قادرة على تثبيط إرادة الثورة في نفوس أبناء الوطن المحتل..
ومن القصص الأخرى التي تلازمتِ وتداخلت، في دلالات مضمونها، الإشارتان السابقتان إلى ضرورة الإصرار على مواصلة الثورة، وعلى تجاوز العقبات المعيقة لاستمراريتها، قصة وتكون لنا راية)،عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] لنبيه القاسم... ففي نهاية هذه القصة أيضاً؛ وبينما كان جنود الاحتلال يدفعون بطلها، خارج بيته، ليسوقوه أمامهم معتقلاً؛ أي في اللحظة التي من المفترض أن تكون قواه خائرة أثناءها، نراه يندفع هاتفاً بأعلى صوته: "بلادي بلادي... الله أكبر... ليسقط الاحتلال... الفاشية لن تمر..."عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] مؤكداً بهذا الهتاف المتحدي إصراره، كفلسطيني، على مواصلة الثورة، من جهة، ومؤكداً، من جهة ثانية، أن اعتقاله، كثائر، لن يكسر ذلك الإصرار ولن يحدّ من اندفاعه أو تصاعده... وذلك انطلاقاً من قناعته العميقة والراسخة، بأن ما يفعله ليس عبثياً، وإنما هو سعي واعٍ لهدف محدد ومقدس، هو تحرير نفسه وشعبه وأرضه، مرة واحدة وإلى الأبد... ولعل رغبة المؤلف في الإشارة إلى قدسية هذا الهدف، وضرورة الإصرار الفلسطيني على تحقيقه، على الرغم من واقع الاعتقال والاضطهاد والقمع، هي ما حدت بذلك المؤلف إلى إنهاء قصته بتكرار مضمون ذات الجملة التي بدأها بها: "وشعر للمرة الثانية هذا اليوم، أن له راية وله نشيد وله ما يقاتل وما يعتقل من أجله.".عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] فبهذه النهاية، يتحد هدف نضال الفلسطيني بدافعه إليه، في كلّ واحد مقدس، هو إلغاء واقع الاحتلال، والتحرر منه...
وأخيراً، وفي القصة القصيرة هنية)عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] التي تلاحقت أحداثها متسارعة، على إيقاعات الانفعال المتوتر لمؤلفها محمد نفاع)، تنطلق الدعوة إلى ضرورة الإصرار على مواصلة الثورة حتى تصل إلى تحقيق كامل أهدافها، مجسدة في حركية إنسانية رائعة ومدهشة، تمارسها تلك الأم الفلسطينية هنية)، على نحو لا يملك القارئ معه السيطرة على رغبة حنجرته في إطلاق صيحة إعجاب بها، وإكبار لتضحيتها...
فهذه الأم التي دفعت بأولادها الثلاثة إلى ساحة المعركة، الواحد تلو الآخر، ليكونوا وقوداً لاستمرارية الانتفاضة، نراها، وقد فقدتهم جميعاً، تتعالى على إحساسها الفاجع بثكلهم، وتقف، فوق أحزان أمومتها الملتاعة، بشموخ الأرض التي ترمز إليها، في القصة، ثم ترفع أصابعها "راسمة شارة النصر"عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] مؤكدة استمرار تحديها، على الرغم من التضحية الباهظة التي تكبدتها، ومهيبة بغيرها من الأمهات الفلسطينيات أن يحذيّن حذوها، ويقدمن فلذات أكبادهن وقوداً جديداً لمواصلة الثورة واستمراريتها...
(1) قصة الزمن الجديد)، مصدر سبق ذكره..
(2) قصة اسحب تربح)، مصدر سبق ذكره..
(3) قصة صباح... بعد انحسار الغطاء)، مصدر سبق ذكره..
(4) قصة صباح... بعد انحسار الغطاء)، مصدر سبق ذكره..
(5) قصة صباح... بعد انحسار الغطاء)، مصدر سبق ذكره..
(6) قصة وتكون... لنا راية) مصدر سبق ذكره..
(7) قصة وتكون.. لنا راية)، مصدر سبق ذكره..
(8) قصة وتكون.. لنا راية)، مصدر سبق ذكره..
(9) قصة هنية)، لمحمد نفاع، نشرت في صحيفة الاتحاد)، بعددها ذي الرقم 224/44)، الصادر بتاريخ (5) شباط 1988، الصفحة (4) .
(10) قصة هنية) لمحمد نفاع ، مصدر سبق ذكره.
[/align]
|
|
|
|
14 / 07 / 2009, 36 : 10 AM
|
رقم المشاركة : [14]
|
أديب وناقد - باحث متخصص في السياسة والأدب الإسرائيليين- قاص وأديب وناقد -أستاذ مادة اللغة العبرية - عضو الهيئة الإدارية في نور الأدب
|
الانتفاضة مخاض الوطن الفلسطيني الحر...
[align=justify]
الانتفاضة مخاض الوطن الفلسطيني الحر...
ما من مفكر أو أديب أو باحث، فلسطيني أو غير فلسطيني، توهم أن تكون الانتفاضة الفلسطينية الراهنة، نهاية المطاف، أو غاية الانتظار الطويل الذي استمر أكثر من عشرين سنة متواصلة، قضاها الإنسان الفلسطيني قلقاً مقهوراً، في وطنه المحتل... قضاها على رصيف الأمل مفعماً بالرغبة الجامحة في إعلان ثورته، ومترقباً لحظة الخلاص من كابوس الاحتلال العنصري، تأتي تتويجاً لنضاله الثوري ومكافأة مجزية لتضحياته وصبره ومعاناته، في آن معاً... بل إن كل من عرض لأي جانب من جوانب الانتفاضة، ثم وقف محاولاً استشراف ما سيعقبها، خرج مقتنعاً، قناعة أكيدة، بأن هذه الثورة على أهميتها البالغة وعظمتها، لا تعدو كونها مخاضاً صعباً يبشر بولادة الزمن الفلسطيني المأمول... بولادة الوطن الفلطسيني الحر، أرضاً وإنساناً..
وعلى خلفية القناعة/ الأمل، بأن الانتفاضة هي المخاض الذي سينتهي بولادة ذلك الوطن/ الحلم... الوطن الذي لما يولد بعد، يمكن توصيفها، بتعبير آخر أكثر موضوعية، أنها مجرد مرحلة نضالية متميزة.. أو أنها مرحلة متقدمة وهامة ومصيرية يؤمل أن تكون آخر مراحل السعي إلى إطلاق شمس الحرية من عقالها، لتعود مشرقة في سماء الغد الفلسطيني الآتي، وليس غاية تلك المراحل...
وبالعودة إلى المتوفر من قصص الانتفاضة، نلاحظ أن كثيرات... هنا، قد اكتفى مؤلفوها، بالإشارة إلى مرحلية هذه الثورة العظيمة، إشارات عابرة، بهذا الشكل الفني أو ذاك، وعلى نحو غير مباشر غالباً... وربما ذلك، من منطلق الاعتقاد بأن هذه المسألة، من البدهيات التي لا يمكن أن تثير جدلاً، أو خلافاً في الرأي حولها...
وعلىالرغم من أن مضمون قصة نهاية الزمن العاقر)عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] يوحي بأن مؤلفها نبيل عودة لا يخالف الاعتقاد ببدهية النظر إلى الانتفاضة كمرحلة، فإن تناوله لها بتفصيل أطول مما يحتمله أسلوب الإشارة العابرة، يوحي بأنه يوليها من الأهمية، أكثر مما يوليها غيره.. ولعل هذا ما جعل وعيه يقود موهبته إلى إبداع نص قصصي طويل، يتمحور جزء كبير من مضمونه حول التركيز على مرحلية الانتفاضة...
وبداية، يمكننا الاستدلال على مرحلية الانتفاضة من عنوان القصة ذاته... فنهاية الزمن العاقر... زمن ما قبل الانتفاضة، هي ما تشهده الساحة الفلسطينية اليوم من أحداث مصيرية وكبيرة، تبشر باقتراب بداية الزمن الفلسطيني الجديد... الزمن المغاير... زمن الحرية.. وعلى هذا، فالانتفاضة هي بشرى الميلاد، وهي مخاضه الصعب... هي الاخصاب بعد انتظار ممض استمر أكثر من عشرين سنة.. وبتجاوز عنوان القصة إلى نصها، يمكننا العثور على ما يؤكد مرحلية الانتفاضة، في تلك المساحة المتألقة والمنيرة التي استطاع نبيل عودة أن يبقيها؛ بين المدلولات الرمزية والمدلولات الواقعية، لشخصيات قصته وأحداثها..
فنحن في نهاية الزمن العاقر)، أمام عالم غني بالإيحاءات، كونه عالماً ملوناً، متعدد الأبعاد، يمتزج فيه الرمزي بالواقعي، ويتفاعلان، ضمن شروط خاصة، لينتجا أحداث القصة وشخصياتها... وعلى هذا، ثمة ما يغري القارئ بتتبع الدلالات الرمزية لهذه الأحداث والشخصيات، وعدم التوقف عند دلالاتها الظاهرية المباشرة، والإكتفاء بها، ذلك أن مثل هذا التتبع، لا شك يبسط أمام بصيرة القارئ وعقله، عوالم زاخرة بالمعاني والإرهاصات.. عوالم ينبض الرمز فيها موحياً بمعادله الواقعي، دون غموض أو تعقيد، ودون حاجة إلى ممارسة السباحة في الخيال، بحثاً عن تأويل يقرب ذاك الرمز، أو عن تكهن يجلو غموضه..
فوهيب، بطل القصة، لايعدو ظاهرياً، كونه ذلك المواطن الفلسطيني العادي، وكذلك زوجته.. وما مرا به من أحداث، على الرغم من إثارته للتعاطف، لا يملك القدرة على إثارة الدهشة، لو لم تتزامن بدايته مع بداية نكسة عام 1967، ونهايته مع انطلاقة الانتفاضة.. أي لو لم يكن بينه وبين مسار الأحداث الفلسطينية، بصعوده وهبوطه وتعرجاته، تلك العلاقة العضوية الوثيقة، لظل، على قلة ما يماثله، مجرد حدث عادي... ذلك أن الإثارة كامنة في تلك العلاقة، ونابعة منها... لنتابع، تالياً، تطور هذا الحدث، محاولين رصد ما يصدر عنه من إيحاءات قوية الدلالة على أنه مجرد معادل موضوعي لتطور الحدث السياسي الفلسطيني، عبر عشرين سنة، بدأت منذ عام 1967، واستمرت حتى1987..
لقد شاء الحظ التعس لهذين الزوجين أن تكون ليلة زفافهما، "قبل دخول الاحتلال بليلة واحدة".عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] وهكذا انقلب فرحهما تعاسة، وتحولت فترة عسلهما) إلى أسبوع قاسٍ، تشردا خلاله" في الخلاء هروباً من القتال الذي حاذى قريتهم..."عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] وكان من الممكن، أن يصير حالهما إلى ما صار إليه حال الأغلبية، بعد ذلك، وأن لا يتميزا بشيء عمن حولهما، لو لم يطاردهما سوء الحظ، فيحرمهما القدر من الأولاد، عشرين سنة متواصلة "مضى عقدان من الزمن وبطنها قاحل"عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
ومن تزامن العرس مع بداية الاحتلال واستمرار حرمانهما من الأولاد مع استمرار بقاء ذلك الاحتلال، تشع أولى الإيحاءات إلى رمزية شخصيتيهما القصصيتين، ورمزية ما يمران به من أحداث... إذ يبدو الزوج رمزاً واضح الدلالة على الشعب العربي الفلسطيني، أما الزوجة فهي رمز للأرض الفلسطينية المحتلة. وأما مانع الإخصاب والحمل، فهو الوجود الاحتلالي الغريب..
ولعل مما يسوغ توهم الدلالات الرمزية الآنفة، في شخصيات القصة وأحداثها، احتواء النص القصصي على العديد من القرائن التي ترقى بذلك التوهم إلى مرتبة اليقين... وأول هذه القرائن، وربما أهمها وأقواها، على الإطلاق، ذلك العشق الصوفي الذي يربط بين الزوجين، محيلاً ذاتيهما إلى ذات واحدة.. "عشرون سنة من اندماج الذاتين في ذات واحدة.."عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] ذلك أن هذا الاندماج، يقف حائلاً قوياً دون إقدام وهيب على ترك زوجته العاقر، أو الزواج عليها من أخرى تنجب له ولداً تكتمل به رجولته.. بل إن هذا الإندماج الصوفي، يتحول، على العكس، إلى دافع قوي يشحذ وهيباً بالإصرار علىالتجول مع زوجته، ساعياً بها، بين عيادات الأطباء، على أمل أن تحدث المعجزة، فتخصب بطنها القاحلة، بعد طول انتظار وترقب..
وإلى هنا، يظل بالإمكان القول: إن كل هذا الحب المتوهج، لا يكفي مسوغاً للتوهم بأن البطلين يرمزان للشعب الفلسطيني وأرضه وبالتالي، لا بد من دلالات أكثر مباشرة ووضوحاً... وهذا يعني وجوب العودة إلى النص ثانية، بحثاً عن تلك الدلالات التي سرعان ما تتبدى للقارئ واضحة، تارة في لغة الحوار بين الزوجين الحبيبين، وتارة أخرى في جملة التعليلات التي يسوقها الزوج، مصبراً بها نفسه وزوجته، ومسوغاً أمامهما إصراره على التفاؤل بحدوث معجزة الإخصاب والحمل يوماً، على الرغم من اصطدامه بالخيبة تلو الخيبة، كلما خرج مع زوجته من مراجعة طبيب جديد...
فإثر كل خيبة، نراه يخاطب نفسه، محاولاً تبديد إحساسها باليأس، ومجدداً فيها الشعور بالتفاؤل: "هذه طبيعة النفس البشرية، مترددة، متقلبة، ولكنها على العموم تتفاءل بالخير، تطفح بالأمل وهي في ذروة الخسارة، تيسر الهدف وهو في ذروة العسر والامتناع".عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] وفي المرات النادرة التي يداهمه فيها اليأس قوياً، وتعذبه معضلته، و"يضنيه الأمل"عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] نراه خائفاً من مجرد التفكير باحتمال أن يقوده يأسه إلى الإبتعاد عن زوجته... ذلك أنه "لا يرى حياته بدونها، يرتاح لحبها ووجودها بقربه، ينفر من دنياه إذا ابتعدت بالخيال عنه، يرتعد من أحلامه إذا خلت من طلعتها، تتسامى ذاته بقربها، يتجدد عزمه بعناقها."عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] وبهذا، يعود أكثر إصراراً على الإحتفاظ بها، أخصبت أم لم تخصب... ترى ألا يوازي هذا... الإصرار، على المستوى الرمزي، إصرار الإنسان الفلسطيني على الاحتفاظ بأرضه على الرغم من كل العنت والاضطهاد الذي يلاقيه على يد محتلها..؟
ويبلغ هذا الإصرار أعلى ذرى الإيحاء باندماجية هذا الإنسان بأرضه، وذوبان ذاته في ذاتها، عبر نص الحوارية التي يديرها نبيل عودة، بين بطلي قصته، وذلك في سياق مقطع اختار له عنوان دخائل).عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] ونظراً لما يتمتع به هذا المقطع من قدرة على إقناع القارئ بأن وهيباً وزجته ما هما إلا رمزان للإنسان الفلسطيني وأرضه، ربما يبدو من المفيد، اقتباس أجزاء مطولة من هذا المقطع الذي يبدأ بخطاب وهيب لزوجته، قائلاً:
"أنت حبي. أنت عالمي، بدونك أذوي..."عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
ويكون هذا الخطاب فاتحة خلوة عشق جديدة، تجمع الجبيبين، جسداً لجسد، في نهايتها... وفيما ينسى وهيب "أمنيته بطفل من صلبه"عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] حين يحتضنها، نراها وهي في قمة نشوتها "ترجوه أن يأخذ عليها من تستطيع تحقيق أمنيته، فيردها خائبة:
-تطلبين البعد وأنت في ذروة القرب؟
-أشعر بالخيبة والقصور.
-ما عليك، الموضوع يخصني فلا تلجيه.
-ويخصني.
-احتضنها بقوة، ضغط عظامها بين ذراعيه، عضت بأسنانها على شفتيها متحملة لذة الاحتضان، وهمس بأذنها:
-حبي لك هو الجذور، أنا أحبك لنفسك، لذاتِك، أحببتك لأنك أنت، لا تخلطي بين مشكلة الحمل وحبنا. حبنا قدس الأقداس، فهمت؟!"عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
إن همسته الأخيرة واضحة الدلالة على نوعية العلاقة بين الفلسطيني وأرضه، إذ ليس ثمة أي مشكلة بقادرة على المساس بحبهما لبعضهما... فهذا الحب هو الجذور، وهو قدس الأقداس... ذلك أنه حب منزه عن الغاية والغرض... حب يسمو فيه المحب والحبيب معاً... حب ينبع من الذات متجهاً إلى الذات، دون أي تفكير بأي ثمن...
وكان لا بد لدورة الرمز أن تكتمل، ببلوغ الحدث القصصي ذروته...فكما ابتدأت هذه الدورة، بث أولى إشاراتها الدلالية، بتزامن ليلة الزفاف مع ليلة دخول الاحتلال إلى وطن العروسين، نراها تكتمل حين تتزامن بشارة الأطباء لوهيب وزوجته بحدوث معجزة الحمل، مع انطلاقة الانتفاضة..
فكما حدثت معجزة الحمل فجأة، بعد عشرين سنة، من الانتظار المبركن بالترقب والخوف والقلق، قضاها الزوجان مراوحين بين اليأس والأمل، صابرين" حتى صار الصبر علقماً"عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] كذلك انطلقت الانتفاضة من ذروة الإحساس باليأس، وبعد نفس الفترة من الإنتظار المرهق... لنتأمل ازدواجية الدلالة في كلمة حامل) التي زفها الأطباء بشرى في أذن وهيب: "حامل... لهذه الكلمة أكثر من معنى، ولها أكثر من نتيجة، تشمل أكثر من أفق، تتسع لعالم كامل متكامل من المشاعر والرغبات والأحلام والإنبعاث والتجدد..."عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
إنها الأرض... الأرض الفلسطينية هي الحامل، وليست زوجة وهيب فقط... بل كلتاهما، وقد صارتا واحداً... وكيف لا، وهما معاً دخلتا طقس الاحتلال، ومعاً قاستا الجدب في زمنه العاقر، عشرين سنة متواصلة، ومعاً صبرتا، وثبتتا على تفاؤلهما بحدوث المعجزة، وها هما معاً تحملان؟!!
وتبدأ رحلة انتظار جديدة... ليست طويلة هذه المرة، وليست غائمة بالكدر والخوف والقنوط، بل قصيرة ومعبأة بتوقعات الفرح القادم.. إنها مرحلة وتمضي... صحيح أن فيها من العذاب ومعاناته الكثير، ولكنه كثير محتمل... ومصدر القدرة على احتماله أنه سينتهي بما سيغير حياة الإثنتين معاً... سينتهي بتجلي عصر مختلف...
وتمر فترة الحمل بسلام، وها هو المخاض الصعب يبدأ.. والمخاض ألم وأمل، في آن.. فرح وعذاب.. قلق يمتزج بالسعادة على نحو فريد... وها هو وهيب يتهيب من طول الانتظار أمام باب غرفة المخاض، وكذلك الشعب الفلسطيني يقف متهيباً منتظراً معه النتيجة نتيجة مخاض الأرض... ولكن دون يأس...فمن استطاع طرد وساوس الاستسلام لليأس والقنوط عشرين سنة، لن يتركهما يتمكنان من نفسه الآن.." تأمل الباب المقفل، واعترته طمأنينته. دفق من التفاؤل ملأ صدره، انتشر الفرح في كيانه، وطرب لهذه الولادة المتجلية في هذا الزمن المتفجر. هل كان يتمنى لزوجته ولادة في زمن آخر؟ كيف لا تتوغل السعادة بكيانه، والخصب يجيء مع الانفجار؟ مدد مبارك. ثمر بعد انقطاع أمل. خير بعد جدب. ثورة بعد صبر.".عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
وفي القصة، كما في الواقع، لا يختم نبيل عودة الحدث القصصي، بل يُبقي مجاله مفتوحاً على مختلف الاحتمالات، السيء منها والجيد... وذلك حين يتركنا في نهاية قصته، نقف مع وهيب، وأقربائه وأقرباء زوجته، مبركنين بالترقب والقلق، أمام باب غرفة المخاض، ننتظر متلهفين، ما ستلده زوجته... إنه حرص واعٍ على التزام الواقعية، في نسج الحدث القصصي، وعلى توفير أكبر قدر من الانسجام بينه وبين معادله الموضوعي في الواقع...
فكما أن الانتفاضة ما تزال مخاضاً مجهول النتيجة، حتى الآن، كذلك ظل مخاض زوجة وهيب مجهول النتيجة، في نهاية القصة، حيث لم يخبرنا المؤلف بنوع المولود أو شكله أو حالته، بل اكتفى بتركنا وعيوننا متعلقة بباب غرفة المخاض "حيث الخبر والأمل"عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] وستظل عيوننا متعلقة بذلك الباب، حتى يبشرنا صوت المولود بولادته، ليطلع علينا جميعاً، بعد ذلك، فجراً فلسطينياً حراً، يبزغ في سماء الوطن الفلسطيني الحر..
(1) قصة نهاية الزمن العاقر)، لنبيل عودة، نشرت في صحيفة الاتحاد)، بعددها ذي الرقم 1/45) الصادر بتاريخ (13) أيار 1988، الصفحة (4)
(2) قصة نهاية الزمن العاقر)، مصدر سبق ذكره..
(3) قصة نهاية الزمن العاقر)، مصدر سبق ذكره..
(4) قصة نهاية الزمن العاقر)، مصدر سبق ذكره...
(5) قصة نهاية الزمن العاقر)، مصدر سبق ذكره..
(6) قصة نهاية الزمن العاقر)، مصدر سبق ذكره..
(7) قصة نهاية الزمن العاقر)، مصدر سبق ذكره..
(8) قصة نهاية الزمن العاقر)، مصدر سبق ذكره.
(9) قصة نهاية الزمن العاقر)، مصدر سبق ذكره.
(10) قصة نهاية الزمن العاقر)، مصدر سبق ذكره..
(11) قصة نهاية الزمن العاقر)، مصدر سبق ذكره.
(12) قصة نهاية الزمن العاقر)، مصدر سبق ذكره..
(13) قصة نهاية الزمن العاقر)، مصدر سبق ذكره..
(14) قصة نهاية الزمن العاقر)، مصدر سبق ذكره..
(15) قصة نهاية الزمن العاقر)، مصدر سبق ذكره.
(16) قصة نهاية الزمن العاقر)، مصدر سبق ذكره..
[/align]
|
|
|
|
14 / 07 / 2009, 39 : 10 AM
|
رقم المشاركة : [15]
|
أديب وناقد - باحث متخصص في السياسة والأدب الإسرائيليين- قاص وأديب وناقد -أستاذ مادة اللغة العبرية - عضو الهيئة الإدارية في نور الأدب
|
وثمة محتويات أخرى..في الرسالة..
[align=justify]
وثمة محتويات أخرى..في الرسالة..
من الممكن أن تساعد إعادة استقراء مضامين المتوفر من قصص الانتفاضة، على تبيّن إشارات قصيرة وعابرة، هنا وهناك، إلى غير ما سبق ذكره، في سياق هذا الفصل، من محتويات رسالة الانتفاضة. وذلك على افتراض أن ما ذكر منها لا يمكن أن يكون هو كل ما تضمنته هذه الرسالة من مبادئ ودوافع وأهداف بل بعضه، وربما أقله... ومما يمكن تبينه، في قصص الانتفاضة من تلك الإشارات العابرة، غير ما ذكر سابقاً:
أولاً: الدعوة إلى الامتناع عن جميع أشكال التعامل مع سلطات الاحتلال:
بعد مرور فترة قصيرة على انطلاقة الانتفاضة، وفي أعقاب تبلور قيادتها الموحدة، أطلقت هذه القيادة دعوتها إلى الفلسطينيين العاملين في المؤسسات والأجهزة الإسرائيلية المختلفة، مطالبة إياهم بالتخلي عن وظائفهم في تلك الأجهزة. وذلك، في إطار تقييمها لجميع أشكال التعامل مع سلطات الاحتلال، كخطأ من الضروري تصحيحه، أو كرجس لا بد للفلسطينيين من ممارسة طقوس التطهر منه..
وقد اتجهت هذه الدعوة، أول ما اتجهت، إلى رجال الشرطة الفلسطينين العاملين في جهاز الشرطة الإسرائيلية... ثم ما لبثت أن اتسعت لتشمل آخرين بينهم.:جباة الضرائب، ورؤوساء المجالس البلدية والقروية وأعضاؤها، ممن عينتهم سلطات الاحتلال، وسائر العمال العرب في المعامل الإسرائيلية... وسرعان ما استجاب عدد كبير من هؤلاء وأولئك، ملبين هذه الدعوة التي عُدّت تلبيتها بين الروائز العديدة الأخرى لوطنية الإنسان الفلسطيني، ومدى التزامه بثورة شعبه وتلاحمه معها..
وبين ما أتيح الوصول إليه من قصص الانتفاضة الصادرة داخل الوطن المحتل، ثمة قصة قصيرة واحدة، أشارت، وبشكل عابر جداً، إلى هذه الدعوة، على أهميتها البالغة، وأهمية النتائج التي نجمت عن الاستجابة الفلسطينية السريعة والواسعة لمضمونها... وهذه القصة هي اسحب تربح) لصبحي حمدان..
ففي سياق حوار قصير جداً، أجراه المؤلف، بين بطل قصته الصغير الذي يبيع أوراق السحب، وبين زميل له، في المدرسة، التقاه مصادفة، في الشارع، يتوجه ذلك الزميل إلى بطل القصة، بعدة أسئلة، كان من بينها: "هل استقال أبوك من الشرطة؟؟"عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] فيجيبه بطل القصة، باقتضاب، من شهرين"عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] وبعد ذلك لا نعود نعثر على أي ذكر لهذا الأب، حتى نصل إلى نهاية القصة، حيث نعرف أن سلطات الاحتلال قد اعتقلته، ولكن دون أن نعرف سبب اعتقاله وظروفه..
ثانياً: الدعوة إلى تطهير صفوف الشعب الثائر من العملاء:
إلى حد ما، يمكن القول: إن إطلاق هذه الدعوة قد تزامن مع إطلاق الدعوة السابقة... وإذا كانت الدعوة السابقة هي نداء موجه للفلسطينيين، في الوطن المحتل، من أجل المبادرة، ذاتياً، إلى التطهر من رجس العمل في مؤسسات العدو و أجهزته، لما يجلبه هذا العمل من العار لصاحبه، فإن الدعوة الثانية هي أشبه ما تكون بإنذار تهديدي موجه إلى المتورطين، من أبناء الوطن المحتل، في التعاون مع سلطات العدو، ضد أبناء شعبهم... وعلى هذا يمكن توصيف الهدف من اطلاق هذه الدعوة بأنه محاولة جادة لتطهير هذا الشعب من عملاء العدو المندسين، بين صفوف أبنائه الثائرين..
ومن مراجعة مضمون هذه الدعوة التطهيرية، يتبين لنا أن قيادة الانتفاضة لم تقف عند مطالبة أولئك العملاء، بمجرد الكف عن الاستمرار في ممارسة عمالتهم للعدو، وإنما دعتهم، إضافة لذلك، إلى الإعتراف العلني بجرمهم، ثم طلب الصفح من الشعب، وإعلان التوبة والالتزام بها، على رؤوس الأشهاد فمن استتاب منهم وأقلع، تاب الشعب عليه، وصفح عمّا سلف منه، أما من أبى، فقد استحق عقاب الخائن، أي الإعدام..
وبين المتوفر من قصص الانتفاضة، وردت إشارة قصيرة إلى هذا الموضوع في قصة الزمن الجديد)، لنبيل عودة. وكان ورودها، في سياق صراع بطل القصة سليم، بعد أن زعمّه أهل قريته عليهم، مع المختار القديم الذي كان -كما توحي القصة- متعاوناً مع سلطات الاحتلال، ومستزلماً لهم...
فوسط حشد من كبار القرية، وأهلها، توجه سليم إلى المختار القديم، داعياً إياه إلى الاستتابة عن التعامل مع العدو، تحت أي ذريعة، وبأي صيغة وإلى إعلان التزامه بهذه التوبة، أمام الملأ جميعاً.. ثم منذراً إياه، في ذات الوقت، بأن الأمور قد خرج زمامها من يده، وآل إلى الثوار؛ وعلى هذا، فليس أمامه، وأمام أمثاله، سوى خيارين لا ثالث لهما: إما إعلان التوبة، ويعفو الشعب عما مضى، وإما مغادرة القرية، دون إبطاء: "نحن نرحمك ونقبل توبتك. ونحن لا نفرق بين أحد. نظمنا كل شؤون البلد. الشباب أمسكوا بزمام الأمور. وليعلم الجميع أن الذي لا يتوب لن يكون له موطئ قدم بيننا.".عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
وفي القصة، كما في الواقع، يدرك المختار، ومن ترمز إليهم شخصيته القصصية، أن التغيرات المستجدة، والأوضاع التي نجمت عنها، لا تساعدهم على تحدي هذه الدعوة التحذيرية الجادة الموجهة إليهم... ولهذا، فإن من الحكمة والخير لهم، كما قدّروا ، أن يبادروا، إلى تلبيتها، وإظهار الانصياع لما تطلبه منهم. أي، أن يبادروا، فيحنوا رؤوسهم وهاماتهم أمام عاصفة الانتفاضة، ريثما تمر، على أمل أن تعود مياههم إلى مجاريها القديمة، بعد أن تهدأ الأحداث، وتستقر وهذا ما رمى إليه نبيل عودة، في صياغة جملته الإخبارية التي ضمنها إعلان المختار لتوبته: "وبعد أن أيقن المختار أن البلد لم تعد تلك البلد قبل تفجّر الأحداث، أعلن توبته، ولكنه بقي بنفس العقلية.".عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
وواضح، في المقطع الأخير من الجملة السابقة، أن المؤلف قد قصد، من صياغتها، الطعن بصدق توبة المختار، والإيحاء، بالتالي، أن معظم الذين استجابوا لدعوة قيادة الانتفاضة، من أزلام الاحتلال وأعوانه وعملائه، وأعلنوا توبتهم، لم يتوبوا توبة نصوحاً وصادقة، وإنما تظاهروا بالتوبة فقط، مداراة وتقية، ولفترة، بانتظار ما ستسفر عنه فعاليات الانتفاضة، من نتائج في المستقبل القريب أو البعيد... وهذا يعني أنهم، في قرارة نفوسهم، ما تزال قناعاتهم المهترئة على حالها، لم تتغير، وأنها ستظل، مما يستوجب الحذر الدائم منهم..
ثالثاً: الدعوة إلى استلهام تجارب النضال الفلسطيني الماضية:
أبدأ، لم تكن الانتفاضة، وفي أي لحظة من لحظات عمرها الزاخر بالعطاءات، نبتاً شيطانياً غريباً، لا جذور له؛ أو بدعة لا أصول لها، يمكن أن يستلهمها صانعو أحداث هذه الثورة العظيمة... بل هي، وبأي المعايير قيمناها، تعد ذلك الامتداد الطبيعي، الامتداد /الذروة لخط النضال الفلسطيني المتصاعد، والذي تزامنت لحظة انطلاقه، مع اللحظة الأولى التي بدأ فيها المشروع الصهيوني أولى خطوات تجسده واقعاً، فوق أرض فلسطين العربية...
ولكن، وكما أن تأكيد انتساب الابن لأبيه، لا يستوجب ضرورة أن يكون أيّ منهما نسخة طبق الأصل عن الآخر، فإن انتساب الانتفاضة إلى تجارب النضال الفلسطيني الماضية، لا يستوجب إلغاء الخصوصية المميزة لهذه الثورة والاستعاضة عنها بالملامح المميزة، أيضاً، لكل واحدة من التجارب النضالية التي سبقتها... بل إن هذا التميز، مع القناعة بحتمية حدوثه، شاء فلان أم أبى، يبدو ضرورة حين يتعاطى معه كدلالة على تطور التجربة النضالية الفلسطينية، ونموها المضطرد، نحو التصيّر تلك التجربة /الغاية، التجربة التي ستنتهي بتحقيق هدف التحرير الشامل، والتي يعتقد كثيرون أن الانتفاضة الراهنة تمثلها الآن..
إذن، وعلى خلفية القناعة بأن الانتفاضة تطور هام يشير إلى بلوغ تجربة النضال الفلسطيني مرحلة النضج، كما يشير إلى حيوية هذا النضال، وقدرته على الاستمرار حتى يبلغ غايته، وعلى خلفية القناعة أيضاً بأن أي حركة لا تنبع من أصول عميقة وغنية، تعد حركة آيلة إلى التوقف، ومن ثم إلى الموت، لا محالة، مهما بدت درجة اندفاعها قوية، لدى انطلاقتها؛ فقد حرصت قيادة الانتفاضة على التواصل مع التجارب القديمة للنضال الفلسطيني، وعلى محاولة إعادة قراءتها، تحت أضواء الراهن، بغية النجاح في تجنب عثراتها وإخفاقاتها، من جهة، وبغية الإفادة، ما أمكن، من نجاحاتها وانتصاراتها، من جهة أخرى.. وضمن هذا الإطار المحدد من الحرص، أطلقت الدعوة إلى ضرورة استلهام تلك التجارب.
وعلى المستوى القصصي، نلاحظ تسرب هذه الدعوة إلى مضامين بعض قصص الانتفاضة، متضمنة في إشارات قصيرة التردد، ولكنها موحية... ومن هذه القصص التي اهتمت بتلك الدعوة، قصة الملثمون)،عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] لجمال بنورة..
ففي هذه القصة المتماسكة بناءً، و الغنية مضموناً، يفطن بنورة إلى ضرورة اقناع ثوار الانتفاضة، وبشكل خاص، الشباب الذين يقودون أحداثها ويصنعون نتائجها الرائعة، إلى الحذر الشديد من أي فكرة قدّ تجول بخواطرهم، وتزين لهم الإقدام على تقويض جسور تواصل ثورتهم مع تجارب النضال الفلسطيني السابقة... ذلك أن مسيرة هذا النضال لن تبلغ غايتها المرجوة، ولن تؤتي أكلها، ما لم تحافظ على اتصال حلقاتها...
وقد ضمن بنورة دعوته إلى ضرورة تواصل تجربة الانتفاضة مع ما سبقها من تجارب نضالية، في سياق المشهد الحواري الذي أداره بين راوي القصة العجوز المتحدر من الجيل النضالي القديم، وبين الملثم الذي آواه هذا الراوي، في بيته وحماه من الوقوع معتقلاً في أيدي جنود الاحتلال..
فبعد أن عرف ذلك الشاب الملثم، في شخص مؤويه العجوز، صديقاً قديماً لأبيه، أراد، وقد اطمأن إليه، أن يعرفه بنفسه، فقال له مخاطباً: "حدثني والدي عن اشتراكك معه في المظاهرات أيام الشباب.".عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] ويبدو أن هذه العبارة كانت كافية لإثارة ذكريات العجوز، والارتداد به، عبرها، إلى أيام شبابه الذي مضى، وما حفلت به تلك الأيام من نضال شارك فيه أبناء جيله، آنذاك... وبعد طواف سريع في رحاب الذكريات، ومقارنة سريعة، أيضاً، بين ما فعله وجيله، وبين ما يفعله هذا الملثم وجيله، عاد ليرد على الملثم، وقد استحوذ عليه إحساس طاغ بالتواضع: "كان هذا في الخمسينيات".عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] ثم، وكمن بوغت بسماع مالم يكن يتوقع، أضاف مسروراً: "أنت تعرف عن ذلك إذن... يسرني أنكم تدرسون تاريخنا النضالي.."عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] فأجابه الملثم، بثقة -وهنا بيت القصيد، في هذه الحوارية القصيرة -قائلاً. "ونتعلم منه أيضاً.".عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] وبهذه الجملة التي وضعها بنوره على لسان أحد أبطال قصته، من الجيل الفلسطيني الشاب/ مفجر الانتفاضة الراهنة وصانع أحداثها، يكون قد رسم بوصفه واحداً من الطليعة الفلسطينية المثقفة، شكل رؤيته للعلاقة التي يتوخى أن تربط جيل أبطال الانتفاضة، بأجيال المناضلين الفلسطينيين الذين سبقوهم..
وهذه العلاقة، كما تراها الطليعة المثقفة في الوطن المحتل، ليست علاقة تناقضية يتصارع طرفاها ويتنازعان، كما أنها ليست علاقة اندماجية، يذوب في صيغتها أحد الجيلين في الآخر ويتلاشى كينونة وخصوصية، بل هي علاقة تواصل، يكمل فيها الجيل الجديد، ما كان قد انتهى إليه جيل آبائه، ويرفد فيها جيل أولئك الأباء، جيل أبنائهم بخلاصة تجاربهم النضالية الماضية والثرة... بتعبير آخر، هي علاقة تبادلية، ايجابية الدوافع والغايات... علاقة أخذ وعطاء بين جيلين نضاليين، دافعها الرئيس وهدفها، في آن معاً، تعاون هذين الجيلين، لتحقيق أمنية التحرير للأرض الفلسطينية وشعبها، ممثلاً بكل أجياله القديمة والراهنة والتي ما تزال وعداً في رحم المستقبل..
وبعد..
ليس ما سبق استعراضه، من محتويات رسالة الانتفاضة، سوى بعض من أبرزها وأهمها، وربما أقلها أيضاً، من ناحية الكم... وعلى هذا، ثمة بنود أخرى حوتها هذه الرسالة، ولم يرد لها ذكر في سياق هذا الفصل، مع أن بعضها، واحتمال أن تكون كلها، على جانب كبير من الأهمية... وإذا كان لا بد من ذريعة تسوغ عدم ذكرها، يمكن القول إن ذلك يعود إلى عدم تطرق النصوص القصصية التي توفرت للباحث، لما يذكره في دراسته، من بنود رسالة الانتفاضة وبالتالي كان دافعه إلى عدم ذكرها هو، بالدرجة الأولى، حرصه على التقيد بمضامين القصص التي درسها، وعدم الاستطراد خارجها.
(1) قصة اسحب تربح)، مصدر سبق ذكره..
(2) قصة اسحب تربح)، مصدر سبق ذكره..
(3) قصة الزمن الجديد)، مصدر سبق ذكره..
(4) قصة الزمن الجديد)، مصدر سبق ذكره..
(5) قصة الملثمون)، لجمال بنورة. نشرت في صحيفة الاتحاد) بعددها ذي الرقم 247/45) الصادر بتاريخ (3) آذار 1989، الصفحة (4) .
(6) قصة الملثمون)، مصدر سبق ذكره.
(7) قصة الملثمون)، مصدر سبق ذكره.
(8) قصة الملثمون)، مصدر سبق ذكره.
(9) قصة الملثمون)، مصدر سبق ذكره..
[/align]
|
|
|
|
14 / 07 / 2009, 42 : 10 AM
|
رقم المشاركة : [16]
|
أديب وناقد - باحث متخصص في السياسة والأدب الإسرائيليين- قاص وأديب وناقد -أستاذ مادة اللغة العبرية - عضو الهيئة الإدارية في نور الأدب
|
الفصل الثالث :"بطل الانتفاضة... ملامحه في منجزاته".
[align=justify]
الفصل الثالث :"بطل الانتفاضة... ملامحه في منجزاته".
بطل الأرض المحتلة... ينهض منها، ليحررها...
-1-
عشرون سنة مرت على الإنسان الفلسطيني، وهو رهن الاحتلال، في وطنه... عشرون طويلة، سلحفاتية الدقائق والثواني -عشرون كئيبة، ملبدة السماء بغيوم كثيفة تحجب نور الشمس... لا تنجلي، ولا تمطر أبداً..
عشرون سنة من معاناة الظلم والعسف.. من الإحساس المزمن بالخوف والقهر والقلق... عشرون من الاضطهاد، والانسحاق تحت وطأة الاستعلاء العنصري تارة، وتارة تحت وطأة الجوع وذل الفقر... عشرون مرهقة... توالت أيامها، كلها، ليلاً كابوسياً مرعباً... ما تألق فيه نجم، ولا أطلّ قمر..
عشرون سنة متواصلة، لزجة... قضاها الإنسان الفلسطيني، على رصيف الانتظار، مبركناً بالترقب، وهو يحلم أن يرى فجر حريته يبزغ، يوماً، من يديه، ومن رحم الأرض التي أحبها، لتغتسل بنور ذلك الفجر، متطهرة من أحذية الغزاة ورجسهم..
عشرون سنة، وهو يلف تلك الأرض، ويحتضنها حبيبة، محاولاً إخصابها بماء ثورته وشوقه إلى حريتها.. وعشرون سنة أخفقت محاولاته... لكنه أبداً لم يفقد أمله بحدوث المعجزة... كان عقب كل خيبة، يبتلع فشله، ويكظم يأسه، ثم يعيد المحاولة، متفائلاً، من جديد..
وحين استحال تفاؤله شمساً، أشرقت في قلبه وعقله، وعداً بالخلاص... وأملاً، أيقن أن المحاولة نجحت أخيراً... وأيقن أن موعد المخاض المقدس، قد صار قريباً..
وعندها، نفض العشرين عن كتفيه، لينهض، من تحت ركامها، مارداً، له قامة الريح...
ضغط آلام معاناته بين أصابعه، بقسوة فصارت حجراً، عبّأ في الحجر مأساته وحلمه... شحنه بإرادته... ثم شمرّ عن ذراعيه القويتين، وتهيّأ، محضراً نفسه، ليساعد أرضه على وضع مولودهما المنتظر: الحرية...
وها هو.. بطل الأرض المحتلة، ينهض منها ليحررها..
-2-
ها هو.. يقبل غامضاً، كالغيب.. وكالريح لا يرد.. يلبس عريّ الحق، ويحرك الإنسان، الطير، الصخر، الجبل، البحر... ويضمهم في صحبته، جنداً وشهوداً..
ها هو... ينهض منبعثاً من مأساته... ينهض من أول دفء الزهر المتحد بدفق الدم... ينهض ليشكل مستقبله بيديه... /وكما يحلم...
ها هو... يمشي فوق النار بشيراً... وفي خطواته معجزته.. نوره يتضاعف آلاف المرات/ بفعله... والعالم ظلّ يجري خلف طهارته، ويغتسل بآلائه..
ها هو.. يخترق زمانه الموبوء بالحقد وبالجشع... زمانه المصاب بالشلل والترهل واللامبالاة. يرفضه... يتحداه.. يحطمه.. ويسحق شظاياه على جدران مأساته، ليعلن عودة الفرح إلى مدن القهر... عودة الإنسانية للإنسان..
ها هو .. يحطم حدود اليأس والقنوط واللاجدوى... ويحطم أغلاله. كي يقتحم الوجود بقوة... ليرسم الدهشة على الوجوه، ويزرع في العيون الجوعى للنور والحرية، حقولاً من أمل أخضر..
ها هو... يفعل ويفعل... يخلق معجزته، بدءاً منه.. وبأفعاله، ينسجها أسطورة... يطلقها، في ذاكرة التاريخ ووجدان الناس، خلوداً... يطلقها، نغماً ينبعث طرباً، من أعماق الأرض وقلبه.. نغماً فطرياً وأصيلاً، حلواً وشجياً.. نغماً يجتاز بسامعيه حدود الوعي الضيق، نحو عوالم رحبة...، لا محدودة... عوالم أمل، يتفتح المستحيل فيها وعوداً ممكنة..
هو ليس خيالاً أو وهماً، بل معجزة حية.. وسرّ معجزته يكمن في أنه أمة... فهو المرآة التي يرى الجميع وجوههم فيها، وهو بذات الوقت- الوجه الخالد أبداً... الوجه الذي ترتسم قسماته على كل الوجوه العابقة بالثورة، وبحلم التحرير... هو الكل في واحد... الشعب في واحد..
-3-
هو ... بطل الأرض المحتلة، ينهض منها، ليحررها... ينهض طفلاً، يقذف حجراً... فيصير الحجر، بقدرته، شمساً تطلع، في الآتي، وطناً حراً.. ينهض أمّاً صلبة...، ترفض أن تبكي من فقدت، وتظل الأرض الخصبة تعطي، من كبد حرى... ينهض أختاً وحبيبة، ترفض أن تركع صاغرة\... ترفض أن تستسلم أو تتحطم... ينهض شيخاً قسّامي الوجه، ورجلاً، ما زالت، في يده، تبكي لعبة طفلته المقتولة غدراً، تستصرخ ثأره...
ينهض شعباً، صنعته تجاربه المرة، سيفاً عربي النصل ورمحاً... ينهض شعباً من لهب ضار، وحنان.ينهض شعباً / أملاً، قرر أن يبني غده بإرادتهِ، وحجارة أرضه..
-4-
ربما ليس خطأ اتهام المقاطع الثلاثة السابقة، بأنها خارجة عن حدود البحث النقدي وطبيعته، أسلوباً ومنهجاً... ذلك أنها، في مضمونها وصياغتها أقرب إلى الخاطرة الذاتية منها إلى النقد والدراسة... لكن، وعلى افتراض صوابية هذا الاتهام، ربما يستطيع الباحث أن يعثر على ما يتعلل به، كمسوغ، لخروجه القصير، من الموضوعي إلى الذاتي، في كون بطل الانتفاضة، وعلى المستويين الواقعي والقصصي، يعدّ محرضاً قوياً للنفس، يدفعها إلى التغني بأفعاله ومواقفه، وبنتائجهما... وثمة مسوغ آخر، يتمثل في انسجام ملامح بطل الانتفاضة، في المقاطع الثلاثة السابقة، مع الكثير من ملامحه في قصص الانتفاضة التي شكلت دراستها نسيج هذا البحث..
فقد اهتم مؤلفو هذه القصص، بإبراز بعض ملامح البطل الفلسطيني الذي فجر هذه الثورة العظيمة، وصنع أحداثها ومنجزاتها، وما يزال... اهتموا بإبراز ملامحه: طفلاً، وشاباً، وامرأة، وشيخاً، طاعناً في السن، وشعباً.. ولكن تعبيرهم عن هذا الاهتمام، لم يكن مباشراً، في أغلب الأحيان. بتعبير آخر لا نجد، في قصصهم حديثاً مستقلاً خاصاً بأي من ملامح بطل الانتفاضة.. بل نجد إشارات موحية، تدل على هذا الملمح أو ذلك وترسمه، في ثنايا الحديث عن أفعال ذلك البطل، وعن المتغيرات التي أنجزها باستمرارية ثورته، سواء على مستوى بنائه النفسي، أوعلى مستوى القناعات والمعايير الاجتماعية التي كانت تسود محيطه، قبل انطلاقة ثورته، أو على مستوى وضعيه.: السياسي والفكري..
وعلى افتراض صحة التصور، بأن مؤلفي قصص الانتفاضة قد اتخذوا من منجزات بطلها ملامح مميزة لشخصيته التي رسموا صورتها في قصصهم، وعلى خلفية الاعتقاد بأن أهم هذه المنجزات يتمثل، بجملة المتغيرات التي حققتها استمرارية ثورته، فإن ثمة ما يدفع إلى تركيز الحديث على أبرز تلك المتغيرات التي تعدّ، وبحق، المشكل الرئيس والأهم لخصوصية هذه الثورة وصانعها..
-5-
وعلى ضوء مراجعة مضامين ما توفر من قصص الانتفاضة التي صدرت، داخل الوطن المحتل، وتحليلها، يتبين أن المتغيرات التي أحدثتها هذه الثورة، على المستوى الفلسطيني، في الداخل تحديداً، قد استقطبت اهتمام مؤلفي تلك القصص، وجذبته، أكثر من تلك التي أحدثتها على المستويات: العربي والصهيوني والدولي.. وربما يعود ذلك، إلى ما تتمتع به المتغيرات، على المستوى الفلسطيني الداخلي، من أهمية خاصة، في نظر أدباء الوطن المحتل... وهي أهمية يمكن إدراكها، والتعرف عليها، وتعليلها، من جهتين:
فمن جهة أولى، تكتسب المتغيرات، على ذاك المستوى، أهميتها الخاصة، من كونها مؤشرات قوية الدلالة، يعين استقراؤها على استشراف ما تمتلكه الانتفاضة من إمكانيات القدرة الذاتية على الاستمرار، وعلى تصور المدى الزمني المحتمل لهذا الإستمرار، في ضوء تقدير جملة الظروف والمعطيات المحيطة بالثورة وثوارها، بفعالياتهم وإمكانياتهم، راهناً؛ وفي ضوء ما يتوقع أن يطرأ على تلك الظروف والمعطيات، من تغيير، مستقبلاً..
ومن جهة ثانية، تستمد المتغيرات، على المستوى الفلسطيني، أهميتها الخاصة، أيضاً؛ من فعالياتها التأثيرية، في مجموع البنى الفلسطينية النفسية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، بشكل خاص، وداخل الوطن المحتل تحديداً..
لهذا، فتأسيساً على ما سبق، وانطلاقاً منه، ستقتصر هذه الدراسة، تالياً، على عرض أهم المتغيرات التي أحدثتها انتفاضة أبناء الوطن المحتل، على المستوى الفلسطيني، دون غيرها، ومن زاويتين، تحديداً:
أولاً: من زاوية محاولة استبانة الكيفية التي طرحت بها هذه المتغيرات، فنياً، ومدى ما أصابه مؤلفو القصص المدروسة من نجاح، في طرحها، وفي إيصالها إلى قارئهم.
ثانياً: من زاوية السعي إلى تبين القدرة الدلالية لهذا الطرح، على رسم ملامح بطل الانتفاضة، وعلى إضاءة ما تتميز به شخصيته من خصوصية، توازي خصوصية ثورته ونتائجها..
[/align]
|
|
|
|
14 / 07 / 2009, 45 : 10 AM
|
رقم المشاركة : [17]
|
أديب وناقد - باحث متخصص في السياسة والأدب الإسرائيليين- قاص وأديب وناقد -أستاذ مادة اللغة العبرية - عضو الهيئة الإدارية في نور الأدب
|
بطل الانتفاضة.. يخترق حواجز: الخوف والإحباط واليأس..
[align=justify]
بطل الانتفاضة.. يخترق حواجز: الخوف والإحباط واليأس..
بطل الانتفاضة.. يخترق حواجز سبقت الإشارة، في الفصل الثاني من هذه الدراسة، إلى أن مشاركة أبناء الشعب العربي الفلسطيني، داخل وطنهم المحتل، في فعاليات الانتفاضة الراهنة، قد بلغت حداً من الاتساع والشمولية، لم تبلغه، قبلها، أي من الثورات الفلسطينية السابقة؛ وهذا ما جعل الانتفاضة ترقى إلى مستوى ثورة تحرير شعبية، بكل ما تنطوي عليه صفة شعبية)، من دلالات ومعانٍ.. وربما ليس خطأ الاعتقاد بأن قدرة الانتفاضة على الاستمرار، وما حققه استمرارها من نتائج، وما نجم عن هذه النتائج من متغيرات على مختلف الصعد والمستويات، محلياً ودولياً، يعد بين العوامل الأكثر تأثيراً وفعلاً، في إكساب الانتفاضة صفة الثورة الشعبية، أي في إضفاء طابع الشمولية عليها، كثورة..
ومن خلال خصوصية العلاقة السببية الوثيقة بين استمرارية الانتفاضة، وشمولية المشاركة في فعالياتها، يمكننا إيضاح ما قد يبدو تناقضاً بين توصيف الانتفاضة بأنها الامتداد، الذروة لما سبقها من ثورات وتجارب نضالية فلسطينية، وبين كونها، عبر استمراريتها، أحد أهم العوامل، بل ربما العامل الأهم، في إقدار غالبية أبناء الشعب العربي الفلسطيني، داخل الوطن المحتل، على اختراق دائرة المثبطات التي كانت تحاصر إرادة الثورة في نفوسهم، وتعيق رغبتهم في نقل هذه الإرادة من حيز التمني إلى حيز الفعل الملموس ممارسةً، على أرض الواقع..
فنظرياً، على الأقل، من المفترض أن يكون اختراق حصار المثبطات لإرادة الثورة، أي ثورة، سابقاً لانطلاقتها لا تالياً لها وبسببها.. وذلك لسبب بسيط، هو كون هذا الاختراق يعد أحد الشروط الرئيسة والمبدئية، الواجب توفرها لانطلاقة أي ثورة... ولا شك أن هذا الافتراض صحيح، حين يكون المخصوص بالحديث مفجري الثورة وقادحي شرارتها الأولى، وليس غالبية الشعب التي يظل أفرادها أسرى التردد والخوف من إعلان ثورتهم والشروع في تجسيد رغبتهم بها ممارسة، حتى تنقدح تلك الشرارة... ذلك أن الإنسان العادي الذي يتشكل منه قوام الغالبية، في أي شعب، تشجعه بطولات الثوار الأوائل وممارساتهم، وتشعل الحماس في نفسه للإنضمام إلى ركبهم... وحين تتحد شعلة حماسه مع استطالات أعمال القمع الموجهة ضد الثوار، ووصولها إليه، على الرغم من عدم انخراطه في صفوفهم بعد، ينفجر صمام صبره، دفعة واحدة، لتصير تراكمات نقمته اللامحدودة على واقع القهر والاضطهاد قوة اندفاع خارقة، تصهر حرارتها خوفه وتردده، وتنطلق به إلى ساحة المواجهة مع العدو، ثائراً جديداً..
إذن، وتأسيساً على افتراض صحة التصورات والقناعات الآنفة، يمكن القول إن انطلاقة الانتفاضة واستمراريتها، وما حققه الثوار من انتصارات على قوات الاحتلال الإسرائيلي، كانت عوامل رئيسة في إحداث تغييرات عميقة على مستوى البنية النفسية لغالبية أبناء الوطن المحتل، وهذه التغييرات تحولت، بدورها، إلى عامل مؤثر وفعال ساهم في إقدار تلك الغالبية على اختراق دائرة المثبطات لإرادة الثورة في نفوس أفرادها. تلك المثبطات التي كانت تشعرهم بالخوف من عواقب الثورة على العدو، وتحاصرهم باحتمالات الفشل، لإدراكهم عدم التكافؤ بالقوى بينهم وبينه، ثم تلقي بهم في أحضان اليأس والإحباط والقنوط، من إمكانية تحقيق النصر على ذلك العدو، ومن النجاح في تغيير واقع الاحتلال الذي يفرضه عليهم..
وهنا، ثمة ملاحظة، على قدر من الأهمية، قد يكون من الضروري الإشارة إليها... وهذه الملاحظة تتعلق، بكيفية اختراق غالبية أبناء الشعب العربي الفلسطيني، داخل الوطن المحتل، لحواجز الخوف والإحباط واليأس، بعد انطلاقة الانتفاضة، وبتأثير استمراريتها... فعلى ضوء النتائج التي يقود إليها استقراء أحداث هذه الثورة وتطوراتها، وتطورات اتساع المشاركة الشعبية فيها وشموليتها، يتبين أن اختراق غالبية الفلسطينيين، للحواجز النفسية السابقة، لم يحدث دفعة واحدة...؛ أي لم يكن اختراقاً متزامن الحدوث لجميعها؛ بل كان اختراقهم لها تتابعياً..
بتعبير آخر، أكثر تفصيلاً ووضوحاً، يمكن القول: إن الإنسان الفلسطيني قد بدأ، أولاً باختراق حاجز الخوف والتردد من عواقب المشاركة في الانتفاضة، ومما كان يتوهمه، في تلك العواقب، من سلبيات، وذلك بتأثير عاملين رئيسين: الأول، نجاح مفجري الانتفاضة، وغالبيتهم من الأطفال والشبان الصغار- كما هو معروف- في تحدي قوات الاحتلال، والصمود في مواجهتها، على الرغم من عدم التكافؤ المذهل بينهم وبينها، من ناحية امتلاك أسباب القوة ووسائلها. أما العامل الثاني، فهو كون أولئك الثوار الصغار، هم الأبناء والأخوة والأقارب... ومن غير المعقول أن يرى المرء ابنه أو أخاه الأصغر يواجه الخطر نيابة عنه، ثم يظل هو مكتوف اليدين، لا يهب لنجدته ومساعدته، مهما كانت نتائج هذه المساعدة سلبية العواقب..
وهكذا، وتدريجياً، بدأ حاجز الخوف الوهمي الذي كان يكبل كثيرين بالتردد ويدفعهم إلى الإحجام عن المشاركة في فعاليات الثورة، بدأ بالتلاشي، حالما شرعوا في خوض المواجهة... وما كاد ذلك الحاجز يتداعى ويزول، حتى اكتشفوا خرافية القوة العسكرية الخارقة، لعدوهم- تلك القوة التي كانت قناعتهم باستحالة التفوق عليها، مثبطاً لارادتهم في إعلان الثورة على ذلك العدو. لقد اكتشفوا، في ساحة المواجهة، أن السر في امتلاك الإرادة وليس في نوعية السلاح وكميته... وقد تأكدت لهم صحة ما اكتشفوه، حين لمسوا بأنفسهم عجز عدوهم، بكل ترسانة الأسلحة الضخمة والمتطورة التي يملكها، عن قهر إرادتهم في استعادة حريتهم وحرية أرضهم، على الرغم من أن كل ما استخدموه من أسلحة لتجسيد هذه الإرادة واقعاً، كان الحجارة والزجاجات الحارقة.. وبهذا الاكتشاف، استطاعوا اختراق حاجزي اليأس والإحباط، والصيرورة إلى الشعور بنقيضهما، أي الشعور بالتفاؤل والامتلاء ثقة بحتمية النصر على ذلك العدو، وبحتمية النجاح في انتزاع حريتهم وحرية أرضهم من براثن سيطرته..
وبعد، فالسؤال الذي يطرح نفسه، في هذا الموضع من سياق البحث، هو: إلى أي حد نجحت قصص الانتفاضة، في التعبير عن التحولات والتغييرات السابقة التي أحدثتها انطلاقة الانتفاضة واستمراريتها، على مستوى البنية النفسية للإنسان الفلسطيني، داخل الوطن المحتل؟
بداية، يمكن القول: إن استقراء ما أمكن جمعه من قصص الانتفاضة التي صدرت في الوطن المحتل، تقود نتائجه إلى إمكانية الزعم بأن القارئ يستطيع أن يستشف، بين سطور أي قصة، إشارة ما، إلى واحد أو أكثر، من التحولات والتغييرات التي أحدثتها انطلاقة الانتفاضة واستمراريتها في نفسية الإنسان الفلسطيني... لكن، ولدى محاولة التمييز بين القصص التي اكتفى مؤلفوها بالإشارة العابرة والسريعة إلى بعض هذه التحولات، وبين القصص التي ركز من كتبها على تلك التحولات، وأبدى اهتماماً واضحاً بعرضها وإبرازها، نلاحظ وجود خمس فقط، من الصنف الثاني. وهذه القصص الخمس التي سبقت معالجة جوانب معينة من مضامينها، في بعض فقرات الفصلين الأول والثاني، من هذه الدراسة، هي التي ستشكل القراءة التالية لجوانب جديدة من مضامينها، محور هذه الفقرة وقوامها..
أولى هذه القصص الخمس هي الحاجز)،عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] لنبيل عودة.. وللوهلة الأولى، قد يبدو غريباً تمكن بطلها/ الطبيب الشاب أحمد من استعادة ثقته بنفسه وبشعبه، وهو في أضيق حالات الحصار وأصعبها.. أي، وهو خاضع للتفتيش، من قبل جنود حاجز إسرائيلي. لكن الغرابة ما تلبث أن تزول وتتلاشى، حين نتبين أن لحظة خضوع ذلك البطل لمهانة التفتيش جاءت متزامنة، مع عاصفة من حجارة الانتفاضة، سبقت هبوبها وأعلنت عنه أعلام فلسطين التي غطت السماء، فجأة، حين طيرها عدد من أبطال الانتفاضة، بواسطة بالونات، متبعينها برعد حناجرهم التي كانت تهتف مجتمعة باسم فلسطين..
ففي تلك اللحظة الرائعة التي حولت مناخ الموقف، عند الحاجز الإسرائيلي، من النقيض إلى النقيض، زالت مشاعر الخوف والقنوط والإحباط والمهانة التي كانت تملأ نفس بطل القصة، ليحل محلها، ودفعة واحدة، شعور نقيض... شعور الثقة بالنفس والكرامة، والثقة باقتراب لحظة الخلاص، وحتمية حدوثها.. وقد استطاع نبيل عودة إيقاف هذه اللحظة الرائعة وإخراجها من مسارها الزمني الاعتيادي، ثم استبقاءها خالدة في المسار الفني لأحداث قصته، حين كثف ماطرأ خلالها من بدايات التحول في نفسية بطله، بالسؤال الموجز المعبر التالي "أجل، لماذا القنوط؟"عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] ذلك أن البطل طرح هذا السؤال الاستنكاري على نفسه، حين رأى الضابط الإسرائيلي الذي كان يتهادى متغطرساً، قبل قليل، كيف راح "يكز على أسنانه مع كل "زخة" فلسطين يطلقها الشباب مع رشقات الحجارة"،عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] وكيف صار، وجنوده، عاجزين عن الفعل، على الرغم من الأسلحة التي بأيديهم... لقد شعر البطل، لحظتذاك أن دوي الأصوات الثائرة الهادرة باسم فلسطين، والحجارة التي تقذفها الأكف الغاضبة، قد صار أقوى من عساكر الاحتلال ورصاصهم، بما لا يقاس..
وفي ذروة هذا التحول النفسي الكبير، بدأ بطل القصة بتحليل الواقع الراهن، معيداً تقدير القوى، المتصارعة على أرضه، من منظور جديد مختلف، جد الإختلاف، عن منظوره القديم... منظور القنوط واليأس.." وربما لأول مرة يعتريه شعور الفرح الممزوج بالرهبة قليلاً... إحساس من القوة يتسرب إليه وتأخذه أفكاره بعيداً:
نحن أقوى منهم... هذا لا شك فيه.."عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
ويمضي العقل الذي أضيء بمعيطات جديدة، في محاولة استنباط تعليل صحيح لإحساس صاحبه المفاجئ بصيرورة الفلسطينيين أقوى من عدوهم الإسرائيلي.. وما يلبث أن يعثر على ذلك التعليل، في إصرار أبناء شعبه على التمسك بأرضهم، وفي وعيهم ضرورة الإسراع بالمبادرة إلى تحريرها.." لا، لن يخيفوا شعباً يتمسك بوطنه.."عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] وتلاشي الخوف هنا، مصدره بالدرجة الأولى -نمو الوعي الفلسطيني بضرورة التجذر في أرض الوطن، وتأكيد الانتماء إليها عبر تنمية الإحساس بأن شعب فلسطين هو صاحبها الوحيد الذي يرفض أي صيغة للشراكة فيها مع أي غريب عنها، وتحت أي ظرف.. لأنه وحده ملح ترابها... ولأنه وحده من تضرب جذوره بعيداً، في أعماق تاريخها السحيق.. أما المحتلون الإسرائيليون، فما هم، على الرغم من كل إدعاءاتهم، إلا طارئون، وسيمضون راحلين عنها حتماً..
ويبدو أن موضوع التحولات التي أحدثتها انطلاقة الانتفاضة واستمراريتها، في نفسية الإنسان الفلسطيني، قد استقطبت الكثير من اهتمام القاص نبيل عودة، الأمر الذي أغراه بإعادة الإشارة إليها، في قصته الزمن الجديد)عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] ولكن من منظور آخر، وعلى نحو أكثر تفصيلاً ووضوحاً.. فاستعادة ثقة الفلسطيني بنفسه وبشعبه، في هذه القصة، ليست وليدة إحساس مفاجئ، يداخل إنساناً فرداً، بل هو إحساس جماعي يداخل أبناء قرية بطل الزمن الجديد) الذي ينجح في إعادة وعيهم الوطني إليهم، وفي إشعارهم بضرورة الانتماء إلى الثورة والمشاركة في فعالياتها، لا بهدف تحرير أرضهم فقط، وإنما بهدف تحرير أنفسهم، أيضاً، من ذل الخضوع لمحتل تلك الأرض، ومن خوف التعرض له وتحديه.. ولايصالهم إلى هذا المستوى من الوعي، كان على بطل القصة، أن يخوض، أولاً صراعاً مريراً مع أعوان سلطة الاحتلال وأذنابها، ومع رموز الإحباط ودعاة اللامبالاة والتجابن في القرية... وهؤلاء وأولئك، جسدهم نبيل عودة، تجسيداً رمزياً، في قصته، بشخصية مختار القرية وأبناء أغنيائها..
ولنعد إلى بداية الحدث، لنستطيع متابعة تطوراته ونتائجها... لقد شدت بطولات ثوار الانتفاضة ونتائج أفعالهم العظيمة، أنظار بعض شباب القرية وأطفالها، وأثارت اهتمامهم..ثم ما لبثت هذه البطولات أن دفقت في نفوس أولئك الصغار رغبة جامحة بالمشاركة، في الفعل النضالي الساعي إلى بناء غد التحرير... وكانت ولادة هذه الرغبة هي أول التحولات الهامة التي أحدثتها الانتفاضة في نفسياتهم... وتحت تأثير الالحاح القوي لهذه الرغبة على نفوسهم، اخترقوا حاجز التردد، وخرج نفر منهم لاعتراض دورية إسرائيلية مرت بالقرية... رموها بالحجارة، ونجحوا في طردها..
كانوا ثلة من التلاميذ الصغار، لم يحبطهم الخوف بعد، ولم يشل إرادة الفعل فيهم توجسُ انتقام العدو منهم، بوحشيته المعروفة... ولكن بعض كبار السن، في القرية، ممن خبروا الماضي، وكلسهم الخوف من تكرار ما تعرضوا له فيه، هم وقريتهم، والكثير من القرى المجاورة والبعيدة، سارعوا مبادرين إلى المختار/ رمز العمالة التقليدية مع المحتل، ورمز الزمن الاستسلامي الذي مزقته حجارة الانتفاضة، فيما مزقت، سارعوا إليه راجين تدخله لدى أسياده، كي لا يأخذوا القرية كلها بجريرة طيش) بعض صغارها. وهنا، اغتنمها المختار فرصة، فراح يتشفى، ويمعن في إهانة كرامة المستجيرين بـجاهه)، في محاولة منه لتضخيم دوره الهزيل، ولتثبيت مركزه الذي بدأ يخاف تضعضعه..
"المختار فقع من الغضب والنرفزة، وهدد السكان بكبائر الأمور وعظائم ردود الفعل حين يصل الجيش ويفعل ويترك بأهل البلد... انقسم السكان على أنفسهم بين منخرس لما حدث، وبين متوجس خائف مرتعب لما سيحدث.
-دبرها يا مختار.
-يلعن أبو هيك بلد وأبو هيك أهل وأبو هيك أولاد وأبو هيك تربية.
-ايدينا بزنارك يا مختارنا.
-ربوا أولادكم يا بهائم.
-يا رجل المحن أنت يا مختار.
-تفو عليكم وعلى أولادكم. ماذا أقول لأصحابي؟ ما هذه المسخرة؟ أنتم قدهم؟
-سنربيهم ونكسر أيديهم وأيدي من يفعلها مرة أخرى.
-أنت سيد البلد.. ووجيهها.
-كلمة منك تزن رطلاً.
-أنت سيدنا وتاج راسنا.
-والله حيرتونا معكم... سنذهب نترجى من يسوى ومن لا يسوى؟
-دبرها يا مختار.
-هل نهون عليك؟
-دبروا أولادكم بالأول... إذا عجزتم عن تربيتهم.. الشرطة تربيهم ...الجيش يربيهم.. الحكومة تربيهم..."عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
وما إن وصل المختار إلى هذا الحد، وبدأ يستشعر نشوة الإحساس بالأهمية، ولذة خضوع أهل قريته لسلطانه، حتى حدث ما لم يكن متوقعاً من أحد، على الإطلاق... فقد نهض شاب مغمور من فقراء القرية، يتحدى المختار وأسياده المحتلين، في آن معاً، غير هيّاب من أحد..، ولا ملتفت لاستنكار أحد أو مهتم بتعجبه... وفي ذات الجلسة، خطف اهتمام الحاضرين بالمختار وكلامه، وجعله ينصب على ما يقوله هو، حين راح، وتحت بصر المختار وسمعه، يشرع في تثوير أهل قريته، وإعدادهم لدخول الزمن الجديد، زمن الانتفاضة...
كان هذا الشاب المفاجئ هو سليم النجار بن عطا، خباز القرية الفقير.. وقد ركز نبيل عودة على شخصيته وأسهب في رسم ملامحها وأبعادها، وهو يقدمها، للقارئ، بوصفها شخصية بطل ثوري إيجابي، استطاع بصبره وذكائه وإخلاصه وشجاعته أن يعيد أبناء قريته إلى وعيهم، وأن ينتشلهم من بؤرة إحساسهم بالخوف واليأس والإحباط، معيداً إليهم الثقة بالنفس، والشعور بالقدرة على الفعل أيضاً..
وقد تأتى له أن يفعل هذا كله، وينجح في تحقيقه، إثر انتصاره على المختار العميل، في ذلك الاجتماع نفسه الذي كان التفوق للمختار، في بدايته... فبعد أن فاجأ سليم الجميع بتحديه للمختار، دخل الرجلان في مشادة حامية، انتهت بانتصار سليم... ولعل أبسط توصيف لما يمكن أن توحي به الدلالة الرمزية لهذه المشادة، هو أنها تمثيل للصراع بين فريقين من أبناء الوطن المحتل، كل فريق منهما ينتمي لجيل، ولكل منهما وجهة نظره الخاصة، والمختلفة عن وجهة نظر الآخر..
فالمختار، ومن استجاروا به من كبار السن، في القرية -مع تأكيد الفارق في الخلفية والأهداف بينه وبينهم- يمثلون فريقاً من جيل الفلسطينيين القدامى الذين رهلهم الركون إلى قدوم الفرج والخلاص من الخارج، وبفعل الآخرين لا بفعلهم هم. وقد كان بين الأسباب الرئيسة لاصابتهم بهذا الترهل، استمراؤهم للعبة المراوحة اللامجدية على أرضية انتظار ذلك الفرج الوهمي... هذه اللعبة التي جعلتهم، بمرور الأيام، يستكينون للاحتلال، ويكيفون أنفسهم مع وجوده، دون أن ينتبهوا إلى أنهم، بهذا الفعل، إنما كانوا يمرغون كرامتهم بالوحل، ويلقون بمستقبلهم في غياهب المجهول... أما سليم، رمز الطليعة الواعية والمثقفة للجيل الفلسطيني الشاب، فقد أيقن أن النصر هو ثمرة الفعل الذاتي، ثمرة النضال والتضحية والصمود، وليس هبة مجانية تأتي من الخارج... لنتأمل الفارق النوعي الواضح والكبير، بين وجهتي نظر الجيلين، عبر المقابلة التالية:
" في البداية، حدث صراع مع بعض كبار السن. أرادوا أن يفرضوا سلطتهم على الأحداث. افعلوا كذا وكذا. إياكم والاصطدام مع الجيش. نحن لسنا قدهم.. صحيح نحن مع الجماهير، ولكنا هنا في البلد معزولين. إذا دبكوا فينا فلن يخرج منا مخبر. إنهم وحوش كاسرة لا يقيمون حساباً لعرض أو احتراماً لعاجز أو شفقة على ولد... لا تضيعونا في آخر العمر. ما عاد لنا قد ما مضى.. وهكذا دواليك.. كلام من هذا النوع يهبط العزائم، ويترك في النفس شعوراً من المرارة والهزيمة والكآبة والإحباط.".عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
إنه حاجز الخوف الذي ارتفع بنيانه على مدار عشرين سنة، ليصير يأساً وهمياً من إمكانية مواجهة العدو واحراز النصر عليه.. لكن هذا الحاجز، على سماكته المفرطة وعلوّه الشاهق، كان حاجزاً هشاً، قوامه الوهم، والوهم فقط، ومكانه بعض نفوس كبار السن، وليس جميعهم..." ولكن، والحق يقال... إن معظم كبار السن لم يرضوا عن هذا الكلام.".عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
ويقينا من سليم، ومن شاكله من أبناء جيله، بهشاشة بنية حاجز الخوف هذا، ووهمية اليأس التي يوحي بها لبعض ضعاف النفوس والقلوب، نراه -أي سليم- لا يتردد في محاولة اختراق هذا الحاجز، وتبديد إشعاعات التيئيس المنبعثة منه، تمهيداً لتثوير أبناء شعبه..
"وقف سليم النجار وأبلغ أهل البلد المتجمعين في الجامع بأن أكثرية أهل القرية يرفضون هذا الكلام - يقصد كلام التخويف والتيئيس الوارد آنفاً- وتمتم بصوته الرنان:
-زهقنا الخنوع، وعفنا حياة الذل. وأتبع هذا بقول عبد الرحيم محمود الشهيد، فإما حياة تسر الصديق، وإما ممات يغيظ العدى.."عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
وبعد، واضح أن وجهتي النظر السابقتين تتناقضان، تمام التناقض فأولاهما التي يتبناها مترهلو الجيل القديم، ويحاول المختار وأتباعه تأكيدها وإشاعتها، تدعو إلى الذل والاستسلام والخنوع، عبر الاستمرار في موقف العطالة عن الفعل، أما ثانيتهما التي يتبناها سليم وكثير من أبناء جيله الشاب، فتدعو إلى النقيض... ولأن الثانية هي الأقوى حجة والأكثر منطقية وإقناعاً، فقد نجح سليم، عبر إيصال فحواها إلى أبناء قريته، في إحداث التحول النفسي المطلوب... نجح في تحطيم منظومة المعايير القديمة المهترئة، وفي التمهيد لتغييرها بأخرى جديدة.. أو حسب تعبير وليد) أحد أبطال القصة: "أزال* الدهن المترسب في عقول الشباب والشيوخ وحرك الأحلام، أحيى الأمنيات، وأوقد جمر الأمل في النفوس. وأهم ما فعله زرع الثقة بالآتي حتى صار من المستحيل أن تعود الأمور إلى ما كانت عليه.".عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] ولكن، كيف تسنى لسليم أن يفعل ذلك كله؟
يشير نبيل عودة، معللاً موضحاً، إلى أن بطله سليم قد أتى أهل قريته، من الباب الذي لا يقدر أحد على نكرانه أو تجاهله أو الاعتراض عليه... أتاهم من صدمهم بحقيقة الواقع المهين الذي يتناسون اضطرارهم للقبول به، ويهربون من التفكير في الثورة عليه، خشية توهمهم اللاجدوى في ثورة كهذه، وخشية ما سيجره عليهم احتمال اخفاقها من التعرض لمعاناة ما هو أسوأ من واقعهم الذي كان قبلها، وما هو أشد قسوة وعذاباً.. كما أتاهم، أيضاً، من تذكيرهم بكرامتهم التي مرغت بأوحال خوفهم وأوهام يأسهم، ومن تذكيرهم بأرضهم التي أوشكت أن تنحل وشائج ارتباطهم العريق بها، نتيجة تقاعسهم عن تحريرها من جهة، ووقوفهم مكتوفي الأيدي من العدو الذي يبتلع، كل يوم، أجزاء جديدة منها، من جهة ثانية... وأتاهم، أخيراً، من باب تنبيههم إلى ضرورة المشاركة في ثورة شعبهم، على خلفية تحريك عواطفهم القومية بالعزف على أوتار القناعة التي لا ينكرها أحد منهم، القناعة بأنهم كفلسطينيين، ليسوا أفضل من أولئك الذين يضحون ويستشهدون، وهم يحاولون صنع غد الحرية لهم ولأرض وطنهم، في آن معاً...
وقد صارح سليم أبناء قريته بكل هذه الحقائق، وفتح عيونهم عليها، في سياق المشادة الحامية التي دارت بينه وبين المختار، تحت سمعهم وأبصارهم...
فبعد أن بالغ المختار في تحقير من جاؤوا يرجون وساطته لدى أصحابه) من سلطات الاحتلال، كي لا يعاقبوا القرية كلها بـ طيش) بعض صغارها الذين حاجروا دورية من دورياته، وبعد أن ظن بلوغه ما أراد، إذا بسليم يقطع الطريق عليه، ويتصدى له هازئاً به، مسترخصاً وساطته، ومستهيناً به وبمن سيتوسط لأهل القرية عندهم :" أصحابك من الادارة المدنية لايخوفونا، أنا أقول بشكل واضح، نحن جزء من هذه الأرض. نحن هنا في وطننا. أهل البلد، لأمر لا أفهمه ولا أقبله، يترجوك من الصبح، وأنت تلاعبهم لعبة شد الحبل، تهينهم وتمسح بهم الأرض هل تريد أن يعطوك نصف محصولهم حتى تحل لهم ما تسميه مشكلة؟ نحن لا نريد أن نحلها. نحن نريد أن نؤزمها. ولا توجد مشكلة اسمها قذف حجارة. توجد قضية اسمها الاستقلال. قضية اسمها الكرامة.. دم الشهداء النازف في مدننا وقرانا المحتلة ليس أرخص من دمنا...".عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
بهذا المنطق النابع من موقف ثوري صادق، والمؤشر إلى اكتمال وعي الجيل الفلسطيني الشاب بأبعاد قضيته، وحقه، وبضرورة شمولية ثورته، استطاع سليم -رمز هذا الجيل في القصة- اسكات المختار الذي هو رمز الترهل والعمالة، وبهذا المنطق نفسه، استطاع تهيئة أهل قريته للثورة... فقد أقنعهم بأن التذلل والخنوع لا يجديان في مقاومة شهوة المحتل لسرقة المزيد من أراضيهم، ولا في الحيلولة بينهم وبين ممارساته العنصرية ضدهم. وعلى هذا، فإن المواجهة لا التذلل، هي التي يمكنها أن تضع حداً لاستمرارية تلك الممارسات وتصاعدها..
وبالفعل، ما إن استقرت هذه القناعة في عقولهم، حتى بادروا إلى اختراق حاجز الخوف الوهمي من عدوهم، ثم ما لبثوا أن بدأوا يستعيدون ثقتهم بأنفسهم وبقدرتهم على الحركة والفعل المؤثر الموصل إلى النصر... ولا أدل على تحولهم النفسي هذا، إلى نقيض ما كانوا عليه، من خروجهم جميعاً إلى ساحة المواجهة، غير عابئين بعدوهم وآلته الحربية المتطورة؛ ومن استعدادهم الرائع للتضحية بكل ما لديهم، حتى بحيواتهم، في سبيل تحرير أنفسهم ووطنهم... وقد رمز نبيل عودة إلى هذا التحول من النقيض إلى النقيض، بتصويره لطريقة استقبالهم نبأ أول من استشهد منهم، بالزغاريد...
أما المختار وأمثاله، فقد اندفعوا، مرغمين، إلى الانحشار في الزاوية المهملة، على هامش الأحداث التي أفلت زمامها من أيديهم، بعد عشرين سنة، أو يزيد..
القصة الثالثة التي اهتم مؤلفها بإبراز بعض ما أحدثته انطلاقة الانتفاضة واستمراريتها من تغييرات في نفسية الإنسان الفلسطيني، داخل وطنه المحتل، هي قصة وتكون لنا راية)عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] لنبيه القاسم. وبالطبع، كان للقاسم زاوية رؤيته الخاصة في الاطلال على تلك التغييرات، وفي اختيار ما حاول إضاءته منها في سياق قصته... فقد اختار التركيز على ما تلا اختراق الفلسطيني لاحساسه بالخوف والاحباط واليأس...، أي على امتلائه بحس الانتماء للثورة، وعلى فرحه باستشعار هذا الانتماء، وبالقدرة على ترجمته فعلاً إيجابياً ملموس النتائج، فوق أرض الواقع ...بتعبير آخر، ركز القاسم، ومن الجملة الأولى التي ابتدأ قصته بها، على إبراز فرح الفلسطيني باستشعاره لما أكسبه الانتماء إلى الثورة من جدوى لحركية فعله النضالي، ضد الاحتلال. "لم يصدق أن كل ذلك حدث هذا اليوم... لأول مرة يشعر بأن له راية وله نشيد وله ما يقاتل من أجله.".عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
لقد أضفت هذه المحددات الثلاثة الجدوى على فعله النضالي، ورسمت لحركية هذا الفعل هدفاً سامياً وواضحاً... ثم جاء إدراك الفلسطيني لهذا الهدف وإيمانه به وبضرورة تحقيقه، ليذكيا إصراره على الاستمرار في ثورته، والمضي بها إلى غايتها، على الرغم مما يحف الطريق إلى هذه الغاية من مخاطر... وهذا يعني أن استهانة الفلسطيني الذي انتمى للثورة، بالخطر، لم تكن من قبيل المجازفة العبثية اللاواعية، بل هي وليدة ثقته بنفسه، ووليدة إيمانه القوي برسالة ثورته، وبضرورة تجسيدها واقعاً، مهما بهظت التضحيات... ولهذا، فقط، لم يعد" يسأل نفسه ولو للحظة: لماذا أنا هنا؟ فقد كان بكل إدراكه ومعرفته ومشاعره يرتبط بهذه المواقع التي يقاتل فيها، تماماً كما يدرك ويعرف أن قريته البعيدة في الجليل، هي المكان الذي ولد فيه ويسكنه أهله وعرف فيه أول حب"عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] بمعنى أن معرفته لهدف ثورته ولدوافع انخراطه في فعالياتها، قد صار بدهياً... إن انتماء الفلسطيني للثورة، بكل هذا الزخم، وعلى هذه الدرجة من الوعي والإدراك، ومن الثقة بالفعل المتولد عن انتمائه، قد نسف كل الجسور المحتملة للتراجع، والمفضية للعودة إلى وضعية المراوحة على أرضية انتظار ذلك الفرج الوهمي القادم من وراء حدود الأرض والذات..
بتعبير آخر، إن ماطرأ على نفسية الفلسطيني من تحول، بعد انطلاقة الانتفاضة، شبيه إلى حد كبير، بما آلت إليه نفسيات جنود طارق بن زياد، بعد أن أحرق سفن العبور التي أقلته وإياهم إلى البر الأندلسي... لم يعد أمام الفلسطيني، داخل وطنه المحتل، سوى خيارين، كلاهما فادح الثمن.. فإما الاستمرار في الثورة، حتى تبلغ كامل أهدافها، مهما كلفه الاستمرار فيها من تضحيات ودماء وعذابات، وإما الرحيل عن أرضه التي يحبها إلى غير عودة، ودون رجاء، والوقوع، بالتالي، فريسة التشرد والضياع والغربة والاضطهاد، كما حدث لأخوة له من قبل..
ولأن الخيار الأول، خيار الاستمرار في الثورة، يعني، في حال الفشل، موتاً واحداً مريحاً، بينما يعني الخيار الثاني معاناة الموت ألف مرة، في كل يوم، فقد قرّ رأي الإنسان الفلسطيني، على خيار الاستمرار في الثورة.. وفي محاولة منه لتأكيد ثباته على هذا الخيار للنهاية، فقد بادر إلى إحراق كل السفن التي يمكن أن تراوده هواجس اللجوء إليها، وقت اشتداد الأزمة، للتراجع على متنها إلى جحيم ما قبل الانتفاضة الذي كان يتلظاه، أو الصيرورة إلى جحيم آخر اشد وأدهى، هو جحيم الغربة والتشرد..
لهذا كله، وانطلاقاً من وعيه له، ولأبعاده الراهنة واحتمالاته المستقبلية المختلفة، "كان يندفع مع الشباب بكل قوته، يحاصرون الجنود المدججين بالأسلحة... ويعلو النشيد وترتفع الراية في السماء.. رائحة الغاز تملأ الجو، والرصاص يلعلع، ولا أحد يفكر بالتراجع.".عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] وأنى له أو لغيره أن يفكر بالتراجع، وهو يعلم أن التراجع صار يعني انطفاء الأمل والهزيمة والموت؟ أنى له أن يفكر بالتراجع، بعد أن ذاق حلاوة التحرر من وطأة مشاعر الخنوع، ومن لزوجة الإحساس المرهق بالذل والمهانة...، ومن إحباطات الماضي وقنوطه ويأسه...؛ وبعد أن امتلأ أملاً وثقة بنفسه وبقدرته على تحويل حلم الحرية، من مجرد حلم إلى إمكانية قابلة للتجسد واقعاً، في المستقبل القادم؟!!
ومن الممكن متابعة التطورات الرائعة لتفاعل امتلاء الفلسطيني بحس الانتماء إلى ثورته، مع تعاظم اندفاعه الواعي في مسالكها ودروبها، نحو هدف التحرير، في قصة هنية)عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] التي كتبها محمد نفاع... ففي هذه القصة، نتابع، معجبين، الصغير فارس، وهو يقذف الحجارة على عسكر الاحتلال وآلياتهم، غير عابئ برصاصهم، ولا بطائراتهم التي راحت "تلاحقه وتشير إليه هو بالذات"..عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] ذلك أنه كان مندفعاً بصوت أمه التي كانت تستحثه: "اضرب يا ولد، كما ضرب أخوتك، اضرب فأنت لست أفضل منهم.".عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
وبالفعل، يستمر فارس منصاعاً لنداء أمه، يضرب ويقاتل، غير خائف من الطائرة التي كانت "تنخفض وتلاحق"عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] ولا آبه بها، حتى يقع شهيداً..وما أن ترى هنية ثالث أولادها وأصغرهم يستشهد لاحقاً باخويه، حتى تبادر " بأصابعها راسمة شارة النصر"عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] معلنة بذلك إصرارها على استمرارية التحدي، على الرغم من فداحة الثمن الذي دفعته...
إن قصة هنية) تبرز، بوضوح، نجاح مؤلفها في الإشارة إلى التحول النفسي الكبير الذي طرأ على نفسية الإنسان الفلسطيني، بعد انطلاقة الانتفاضة، وبتأثيرها... هذا التحول الذي نلحظ تجسده أولاً، في موقف هنية، رمز الأم الفلسطينية التي تتعالى على عاطفتها الأمومية، فتدفع أولادها الثلاثة إلى الاستشهاد، الواحد تلو الآخر، ثم تتعالى ثانية، على أوجاع ثكلها إياهم، فترفع أصبعيها ترسم بهما شارة النصر، مواصلة التحدي والإصرار على الثورة... ونلحظ تجسد التحول النفسي، أيضاً على مستوى آخر، هو مستوى بطل الانتفاضة نفسه، الذي يمثله في القصة فارس... ففي حركية ممارسته للفعل الثوري، نراه يتجاوز كل حواجز الخوف ومسبباته، وهو في طريقه إلى هدفه حتى أنه يكاد يبدو، وهو يحاجر الأعداء، أكبر من آلياتهم ومن الطائرة التي كانت تلاحقه... بل تكاد تلك الطائرة تبدو، في سياق الحدث وضمن إطاره، وكإنها طائرة ورقية، من التي يلعب الأطفال بها..
القصة الخامسة التي تشف عن عناية مؤلفها بتتبع تطورات مسار التحدي الفلسطيني، وعن محاولته رصد مدى ما بلغته استمرارية الانتفاضة من قدرة على تحطيم حاجز الخوف من العدو الصهيوني، في نفسية الإنسان الفلسطيني، هي قصة لأني أحمل حجراً)عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] التي كتبها ابراهيم جوهر.
فالصغيرة روان) بطلة القصة، وبعد خروج أبيها من السجن، وكثمرة لتفتح وعيها وإدراكها لأسباب سجنه، يتحطم حاجز الخوف، في نفسها، من سجانيه، فتتغير صورتهم القديمة المرعبة)، في وعيها ومخيلتها، لتصير إلى النقيض تقريباً...
وبمجرد حدوث هذا التغير، وصيرورته قناعة، نراها تسمو فوق سنوات عمرها القليلة، لترقى إلى القدرة على التفكير بممارسة التحدي، شأن غيرها من لداتها، ولو على مستوى التخييل... وذلك حين تسرح بخيالها، في حضرة أبيها، بعد خروجه من السجن، وتقول:
"بابا، امبارح هرب العسكر مني.
سألها باهتمام:
-لماذا يا بابا؟
أجابت:
-لأني كنتُ أحمل حجراً.".عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
لقد قرّ، في وعي الإنسان الفلسطيني، حتى الطفل الصغير، أن من كان مخيفاً، بالأمس، من الممكن إخافته ودفعه إلى الهرب، حتى بمجرد رفع حجر وتصويبه إليه... وهذا تحوّل نفسي هام جداً... ذلك أن عدم الخوف من العدو، دون مبالغة، أو ابتعادعن الواقع ومعطياته، يؤدي إلى إحداث دفق من الإحساس بأن النصر، على ذلك العدو، بات احتمالاً ممكناً... بتعبير آخر، لم يعد الإسرائيلي يشكل في وعي الإنسان الفلسطيني، صغيراً كان أو كبيراً، عدواً مستحيلاً على الهزيمة، أو مخيفاً، بأي درجة من درجات الخوف... وذاك بعد أن صدعت حجارة أبطال الانتفاضة وهم صورته السوبرمانية) التي صممتها له أجهزة الدعاية الصهيونية، بعد حرب حزيران 1967، وروجت لها، في مختلف أنحاء العالم، فبأكف صغار الوطن المحتل وشبابه، تداعت الكينونة الدعائية للجندي الإسرائيلي، وعاد إلى كينونته الحقيقية.. عاد النمر الورقي المحشو بقش الدعاية الصهيونية والمقوى بصيغ مبالغاتها، بشراً كغيره، يمكن أن يخاف من صغار الأرض التي احتلها، كما من كبارها، وهم يرجمونه بحجارتها، مطالبينه بالرحيل عنها وعنهم..
(1) قصة الحاجز)، مصدر سبق ذكره..
(2) قصة الحاجز)، مصدر سبق ذكره..
(3) قصة الحاجز)، مصدر سبق ذكره..
(4) قصة الحاجز)، مصدر سبق ذكره..
(5) قصة الحاجز)، مصدر سبق ذكره..
(6) قصة الزمن الجديد)، مصدر سبق ذكره..
(7) قصة الزمن الجديد)، مصدر سبق ذكره..
(8) قصة الزمن الجديد)، مصدر سبق ذكره..
(9) قصة الزمن الجديد)، مصدر سبق ذكره..
(10) قصة الزمن الجديد)، مصدر سبق ذكره..
* - والمقصود سليم)..
(11) قصة الزمن الجديد)، مصدر سبق ذكره..
(12) قصة الزمن الجديد)، مصدر سبق ذكره..
(13) قصة وتكون لنا راية)، مصدر سبق ذكره..
(14) قصة وتكون لنا راية)، مصدر سبق ذكره..
(15) قصة وتكون لنا راية)، مصدر سبق ذكره.
(16) قصة وتكون لنا راية)، مصدر سبق ذكره..
(17) قصة هنية)، مصدر سبق ذكره.
(18) قصة هنية)، مصدر سبق ذكره.
(19) قصة هنية)، مصدر سبق ذكره.
(20) قصة هنية)، مصدر سبق ذكره.
(21) قصة هنية)، مصدر سبق ذكره.
(22) قصة لأني أحمل حجراً)، مصدر سبق ذكره.
(23) قصة لأني أحمل حجراً)، مصدر سبق ذكره.
[/align]
|
|
|
|
14 / 07 / 2009, 49 : 10 AM
|
رقم المشاركة : [18]
|
أديب وناقد - باحث متخصص في السياسة والأدب الإسرائيليين- قاص وأديب وناقد -أستاذ مادة اللغة العبرية - عضو الهيئة الإدارية في نور الأدب
|
بطل الانتفاضة... بطل التغيير..
[align=justify]
بطل الانتفاضة... بطل التغيير..
من المحتمل أن لا تقوض الزلازل القوية جميع ثوابت الأرض التي تضربها، ولكن، ربما يكون من المستبعد أن لا تتعرض هذه الثوابت كلها للإهتزاز، بهذه الدرجة من العنف والقوة أو تلك... وعلى افتراض صوابية تشبيه الثورات الشعبية الكبيرة والشاملة بالزلازل القوية، فإن هذا يعني : تعرض المعايير السائدة، كمسلمات ثابتة في المجتمعات التي تنفجر فيها تلك الثورات، إلى الاهتزاز، كما يعني تغيرّ معظمها، غالباً..
وانطلاقاً من الاعتقاد بأن الانتفاضة، كيف نظرنا إليها، وبأي الوسائل والمقاييس حاولنا تقييمها، تعدّ بين الثورات الشعبية الكبيرة التي ستظل تنبض بها ذاكرة التاريخ البشري، يمكن القول: إن زلزالها قد هزّ الكثير جداً مما كان ينظر إليه، قبلها، كمسلمات ثابتة، في المجتمع الفلسطيني، داخل الوطن المحتل وخارجه، بل حتى في أوساط تجمعّ المستوطنين اليهود أيضاً... كما غيرّ هذا الزلزال العنيف الكثير من تلك المسلمات التي كانت سائدة بوصفها معايير اجتماعية وفكرية وسياسية.. وما شابه، مما لم يكن يظن، إلا قليلون، أن يرقى الشك إلى صوابيتها، لا من بين يديها ولا من خلفها... بل إن قاصاً مثل نبيل عودة، وعلى لسان وليد)/ ثاني الأبطال الرئيسين في قصتهالزمن الجديد)، لا يجد حرجاً أو مبالغة في إطلاق التعميم بأن الانتفاضة قد غيرّت كل ما كان سائداً قبلها من معايير، على مختلف الصعد والمستويات، وفي المجالات كافة... يقول وليد) معمماً: "في هذا الزمن تغيرت كل المعايير..."عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
ومن مراجعة المتوفر من قصص الانتفاضة، الصادرة داخل الوطن المحتل، يتبين أن بعض مؤلفيها، قد ركزوا، في إضاءتهم لما أحدثته هذه الثورة من تغييرات، على عدد من أبرزها.. وفي مقدمة ما ركزوا عليه منها، التغييرات التي طرأت على منظومة المفاهيم والقناعات الاجتماعية والسياسية القديمة التي ضرب زلزال الانتفاضة نمطيتها السائدة، بعنف شديد، مقوضاً جزءاً مهماً من مسلماتها التقليدية...
وبين أبرز تلك المسلمات التي قوضتها الانتفاضة، على الصعيدين الاجتماعي والسياسي معاً، اشتراط المستوى الطبقي العالي، أي الثراء، إضافة إلى اعتبارات الحسب والنسب، وماشاكلهما، كمؤهلات لمن يسعى إلى الزعامة والجاه والسيادة، سياسياً واجتماعياً، على حد سواء... فقد قوض زلزال الانتفاضة دعائم هذا الاشتراط، بعد أن أثبتت أحداثها مدى خطئه وبطلانه... وذلك حين لاحظ الناس أن من فجرّ الثورة على العدو المحتل، وتصدى لغطرسته، وسعى للحيلولة دون استمرارية الوضع المذل الذي فرضه هذا العدو على أبناء الوطن المحتل، لم يكن من الأثرياء أو من أبنائهم، كما لم يكن سليل حسب ونسب، بل كان، غالباً، من طبقة الفقراء المغمورين... أما أبناء الجاه والغنى الذين كانوا يتسيّدون بالأمس ثوار اليوم، ويتشدقون بالشعارات الكبيرة التي يمارسون نقيضها، في حياتهم الخاصة، ويتاجرون بقضايا الشعب ومصيره، كل هؤلاء لم يبدُ أثرٌ لأحدهم، بعد انفجار الثورة وأثناءها... فقد تواروا عن الأنظار، وصمتوا مبتلعين ألسنتهم، تاركين من استغلوهم لمصيرهم، وكأن لا دخل لهم بما يجري، على ساحة الصراع، بعد انطلاق الانتفاضة، من أحداث دامية ومريعة...
لقد عرض نبيل عودة لهذا النموذج من أبناء الشعب العربي الفلسطيني، في قصته غنية المضمون الزمن الجديد)،عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] وذلك في سياق المنولوج الداخلي الذي رصده في وعي وليد) البطل الثاني للقصة بعد سليم)... يحادث وليد) نفسه متسائلاً، بسخرية مفعمة بالمرارة والغيظ، في آن معاً:
"أين أولاد المرسيدس؟.. أولاد النعيم... أين اختفى المتفلسفون الذين يفهمون في كل الأمور. أصغرها وأكبرها؟ أبسطها وأخطرها؟ حين يتكلمون عن فتيات المدن، تظن أن لهم في كل شارع معشوقة أو أكثر، فتقتلك الغيرة والحسد للنعيم الذي كان من نصيبهم. وحين يتحدثون في السياسة، يجيبون لك رأس ريغين) على طبق من ذهب، يفهمون في حرب بيروت، ويتحاورون ويتصايحون وكأنهم أبطالها وصانعو مجدها. لهم نظريات في الطائرات الشراعية، وتحاليل في الوطنية، وانتقادات بلا نهاية حين يجعصون في المرسيدس، بالكاد يشعرون بالخلق من حولهم.
أين اختفى أولئك العباقرة؟"عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
ما من جواب على هذا السؤال الاستنكاري النابض بالغيظ، سوى أن أمثال هؤلاء، ومن على شاكلتهم، قد تواروا عن مسرح الأحداث، إثر انطلاقها، وقبعوا في قصورهم ينتظرون مرور العاصفة، وقد أحنوا رؤوسهم لهبوبها الشديد، كي لا تكسر هيكلية تمظهرهم الثوري المزيف، أو تنتزع ورقة التين الدعائية عن عورة مواقفهم، فتكشف حقيقتها... وهم، في حجور انتظارهم، يترقبون تلك اللحظة التي تهدأ فيها حركة الأحداث ونشاطات صانعيها، وتتبلور نتائجها النهائية، ليقفزوا على ما حققه الفقراء بدمهم وتضحياتهم الكثيرة الأخرى، فيدعوه لأنفسهم، كالعادة، ويجيّروه لاسمهم، زوراً وبهتاناً..
وبالطبع، ليس هذا مستغرباً ولا مفاجئاً.. فالانتفاضة، شأنها شأن معظم ثورات شعوب العالم، يخطط لها المفكرون الرياديون، عادة، ويدعون لها، ثم يأتي دور الشرفاء من بسطاء الناس وفقرائهم ليفجروها، مضحين من أجل إيصالها لأهدافها، بالدم والروح، وبالقليل الذي يملكونه من عرض الدنيا... ولكن، ما إن تلوح بشائر النصر، ويحين موسم قطاف النتائج والمنجزات، حتى يقفز الجبناء والمدعون، خارجين من جحورهم التي لبدوا فيها، زمن المعارك ومواجهة الأخطار وبذل التضحيات، ليستولوا على ثمار الثورة، وليتصدروا مواكب انتصارها، وكأنهم هم الذين صنعوا ذلك الانتصار..
لقد أراد نبيل عودة أن يكشف نموذج مُدّعي الثورة هؤلاء، سلفاً، وأن ينبه إلى ما يخططون له، محذراً ومؤكداً في آن معاً، عبر سياق محاولته هذه، أن مخططاتهم ستبوء بالفشل، هذه المرة... وذلك لأن الفلسطيني الذي فتحت الأحداث، وما سبقها من تجارب ومعاناة، وعيه، وأنضجته، لن يسمح للأدعياء بأن يسرقوا منه ثمار ثورته ومنجزاتها..
من جهة أخرى، حاول نبيل عودة، وفي ذات السياق السابق أيضاً، أن يلقي حزمة ضوء على جملة الأسباب والعوامل المستجدة التي غيرت معظم السائد من المعايير القديمة، لتتيح المجال رحباً، أمام شاب فقير ومغمور اجتماعياً، كسليم النجار، مثلاً، أن يغدو زعيماً.. كما حاول أن يبين أيضاً، كيف تجاوزت تلك العوامل بسليم إلى الزعامة، من كانوا الزعماء التقليديين لقريته، مع أنه لا يملك أيّاً من مؤهلاتهم التي تسيّدوا بها القرية، في السابق..
فسليم هذا، وحسب القصة، لا مال ولا حسب ولا نسب... أي في الدرك الأسفل من السلم الاجتماعي/ الطبقي... ومع ذلك، تجاسر على المختار الثري، والقائد التقليدي للقرية، سياسياً واجتماعياً، وتصدى له متحدياً، في ذات الوقت الذي كان فيه وجهاء أهل القرية وكبارها يتصاغرون له ويرجون عونه.. "أصابت اللخمة معظم الحاضرين في ديوان المختار الرحب. عشرات العيون نظرت باستهجان لهذا الشاب المتناسي أصله بأنه شحاذ بن شحاذ، المتناسي مقامه، والمتطاول على عصمة المختار في بيته وبين أهل بلده".عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
وحسب إيحاءات سياق القصة، فإن مبعث لخمة) الحاضرين واستهجانهم، كان تفاجؤهم برؤية ما ألفوه من معايير يتداعى وتختل منظوماته السائدة، على حين غرة، ودونما توقع... وقد كان من الممكن أن ينقلب الموقف، برمته، ضد سليم وما يمثله، لولا قدرته على الثبات، وعلى الاحتفاظ بهدوئه ورباطة جأشه، في مواجهة المختار، وما ولدته هذه المواجهة من إحساس بالمفاجأة في نفوس أهل القرية.
أما مصدر ثبات سليم، فقد كان، بالدرجة الأولى، ادراكه لأهمية الصراع الذي فتحه المختار وأعوانه، واستشفافه لأهمية النتائج التي سيتمخض عنها انتصاره في هذا الصراع... تلك النتائج التي كان، من أبرزها، تغيير مسار تفكير أهل القرية وموقفهم، إلى الجهة النقيض... فطيلة فترة اشتباكه مع المختار، لم يزايله الإحساس بالأمل في أن ينجح بتفتيح وعي أهل القرية، وبدفعهم إلى الخروج من دائرة العطالة التي تشل إرادة الثورة فيهم، وتجعل رد فعلهم على إهانة كرامتهم معوقاً..
وبعد انتصاره في أولى جولات صراعه مع المختار، وصوناً لهذا الانتصار، عمد سليم إلى انتهاج أسلوب عملي، أوصله في النهاية، إلى الصيرورة زعيماً... وكان قوام هذا الأسلوب وأساسه، هو تأكيد الأقوال بالأفعال، وتجسيد الطروحات النظرية وقائع ملموسة... وهكذا، فبعد أن اطمأن الجميع "لاتزانه وفطنته وصواب رأيه"عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] وبعد أن "بات مرجعاً ومستشاراً في كل الأمور"عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] سلّموا له بالزعامة... وما كادوا يفعلون حتى" فاجأهم ابن الخباز هذا أنه قدها، وأنه لم يضيع وقته في الماضي سدى. فرغم أنه خرج للعمل في سن مبكرة، لمساعدة والده الخباز في إطعام الأفواه الكثيرة، إلا أنه واصل تثقيف نفسه... ربما هو الوحيد الذي كان يسافر للمدينة للبحث عن كتب ومجلات فقط، يقال إنها تملأ خزانة ملابسه وتفيض، ولا يبخل بها على أحد، وماذا كانت النتيجة بعد أن صار "سليم الزعيم غير المتوج للقرية في عهدها الجديد."؟.عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
في نظر شاهد عيان كوليد، تلميذ سليم وراوي قصة بطولته واستشهاده، قلب سليم عالم القرية... ذلك أنه "أزال الدهن المترسب في عقول الشباب والشيوخ. حرك الأحلام، أحيى الأمنيات، وأوقد جمر الأمل في النفوس. وأهم ما فعله زرع الثقة بالآتي حتى صار من المستحيل أن تعود الأمور إلى ما كانت عليه".عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
تُرى، أليس واضحاً، من مجمل ما سبق، إلى أي حد تغيرت منظومات المعايير والقناعات والمفاهيم الاجتماعية والسياسية التي كانت سائدة، قبل الانتفاضة، عما آلت إليه بعدها، وبسببها؟ ثم، أليس واضحاً، أيضاً، إلى أي حد كان كبيراً وعظيماً، دور أولئك الأبطال الواعين والمخلصين في إحداث ذلك التغيير الذي دفعوا حيواتهم ثمناً لنجاحه؟
وبعد، فهنا، وقبل المضي في إضاءة متغيرات أخرى هامة صنعها سليم وأمثاله، ثمة ضرورة للتوقف ملياً، والإشارة إلى ملاحظتين على جانب من الأهمية.. الأولى، تتضمن الإيماء إلى ذلك التداخل العضوي بين أسباب حدوث معظم المتغيرات الحاصلة وبين نتائجها، في أكثر من ميدان، وعلى أكثر من صعيد، مما يؤكد صحة توصيف الانتفاضة، بأنها ثورة شعبية متكاملة، شاملة.. أمتد تأثيرها إلى مختلف البنى المجتمعية الفلسطينية، في الوطن المحتل، وإلى الكثير من القناعات والمفاهيم السياسية القديمة... ومن الأمثلة الواضحة على ذلك التداخل، ما نلمسه، في قصة الزمن الجديد)، من تداخل بين المتغيرت الاجتماعية والسياسية، بشكل خاص..
فسليم الثائر الملتزم بمبادئ ثورته، والمخلص لوطنه وشعبه، لم ينجح في تنحية الزعامة التقليدية عن موقعها القيادي، على المستوى الاجتماعي، فقط، بل على المستوى السياسي أيضاً... وذلك حين استطاع إخراجها من دائرة التأثير والفعل، على مختلف المستويات الحياتية، وإصابة دورها، في سائر المجالات بالعطالة التامة... وبالمقابل، نلاحظ أن العوامل التي هيأت لصعود سليم إلى موقع الزعامة الاجتماعية، كانت نفسها التي رشحته لقيادة أبناء قريته سياسياً.. وعلى ضوء هذه الملاحظة، نتبين أنه من المتعذر فصل الحديث عن متغيرات اجتماعية وأخرى سياسية..
الملاحظة الثانية، تتضمن وجوب الانتباه إلى أن سليماً، بمن ترمز إليهم شخصيته القيادية، في القصة، لا يمكن توصيفه كقائد أوزعيم تاريخي..بل هو قائد مرحلة تاريخية متميزة، لا أكثر، تخبئ، في رحمها، زمناً جديداً مغايراً للذي ثار عليه سليم وأمثاله، كما تخبئ، أيضاً، القيادة التاريخية البديلة للقيادة الفلسطينية التقليدية التي نحاها سليم، في القصة، عن موقعها..
وعلى خلفية افتراض صحة هذه الرؤية، فإن المرحلة الراهنة، بكل ما تزخر به من أحداث ومواجهات مصيرية حاسمة، لا تعدو كونها، كما ورد في بداية هذا الفصل، مرحلة المخاض الصعب التي لابد أن تسفر عن زمن جديد بقيادة جديدة... وعلى هذا، فما أشبه دور القيادة الحالية للانتفاضة بدور القابلة... وواضح أن نبيل عودة كان واعياً لهذه الحقيقة، الأمر الذي جعله لا يتردد في ترك بطله سليم يسقط شهيداً، في نهاية القصة... فلو كان يرى فيه رمزاً للقيادة الفلسطينية التاريخية المفترض أن تظفر بعد الانتفاضة وتبقى، لكان من الخطأ موضوعياً، أن يتركه يستشهد... لأن استشهاده يعدّ، عندئد، إشارة مثبطة لمن هم بقيادته من ثوار المرحلة الراهنة...
وبعد، فانطلاقاً من القناعة بأن تغيراً كبيراً قد طرأ على منظومة المعايير والقيم والمفاهيم والقناعات القديمة، على المستويين الاجتماعي والسياسي، وبأن هذا التغير قد أدى إلى تراجع الزعامات التقليدية، عن ساحة الفعل والتأثير، وإلى تضاؤل دورها في شتى المجالات، ربما ليس خطأ التوهم بصيرورة العلاقة بين الجيلين الفلسطيني القديم والجديد، علاقة تداخلية، يذوب في شروطها التفاعلية الخاصة، الجيل القديم في الجديد، ذوباناً تدريجياً... وصحيح أن مثل هذا الذوبان ما يزال جزئياً، لما يكتمل بعد، إلا أن دلائل كثيرة تؤكد قابليته لبلوغ تلك المرحلة... ومثل هذا التوهم، على افتراض صحته، يفسح بدوره، مجالاً للاعتقاد باستحالة احتمال عودة الأوضاع، في الوطن المحتل، إلى ماكانت عليه، قبل انطلاقة الانتفاضة ؛ ليس على هذا الصعيد أو ذاك، وإنما على الصعد والمستويات كافة...
وبين يدي هذه الدراسة قصتان، كلتاهما جعلتا من موضوع ذوبان الجيل القديم في الجيل الجديد، واحداً من محاورها الرئيسة... وهاتان القصتان هما: الملثمون)عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] لجمال بنورة، والرجل الصغير)عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] لناجي ظاهر... وبداية، من الضرورة ملاحظة أن كلتا القصتين قد طرحتا العلاقة بين الجيلين، وماطرأ عليها وعلى منظومة المعايير المتعلقة بها، من تغيير بتأثير الانتفاضة، من منظور مختلف تماماً عن ذاك الذي اعتمده نبيل عودة، في قصة الزمن الجديد)... بتعبير أوضح، لم تطرح القصتان هذه العلاقة ومتغيراتها، كعلاقة صراعية، مشحونة بتوترات الكراهية والضغينة، شأن أي علاقة صراع يجري بين ضدين متخاصمين، بل طرحتاها كعلاقة إيجابية، يحكمها منطق الرغبة الصادقة في التعاون بين أبناء الجيلين، لإيصال الانتفاضة إلى أهدافها... وتغيب، في طيات هذه الرغبة، حكماً، أثرة الأنا الفردية التي تحرك الزعامات التقليدية، في العلاقة الصراعية التي لحظنا مثالاً عليها، في الزمن الجديد).
في الملثمون)، يقدم لنا جمال بنورة صورة للجيل القديم، على نقيض تلك التي رسمها نبيل عودة في الزمن الجديد). فراوي الحدث، في الملثمون)، هو ممن تجاوز بهم قطار العمر محطة الشباب، ومع ذلك، ما يزال ممتلئاً رغبة بالنضال والمشاركة في الثورة، على قدر ما يسمح له الباقي من قواه وطاقاته الجسدية... فقد ساءه أن لا يكون له ولأبناء جيله دور في ما يجري من أحداث تاريخية مصيرية..
ولهذا، راح يسائل نفسه، مستنكراً ومشجعاً في آن معاً. "وأخذت أفكر فعلاً... أليس لنا دور فيما يجري... ألا نستطيع عمل شيء...؟ لماذا لا ننضم إليهم...؟!عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
ولم يطل به التساؤل والتردد، فقد انخرط، ومعه عدد ممن في عمره الكبير، بمسيرة الشباب..." وجدت نفسي أسير كالمنوم.. كمن وقع في أسر، لا يستطيع منه فكاكاً... وكأن شيئاً أسرني إلى هذه الجموع.. أو كأنني أخشى عليها من أن أتركها.. وقد شارك في المسيرة عدد كبير من كبار السن، لا بد أنهم كانوا يفكرون مثلما كنت أفكر، وقد خجلوا من أنفسهم أن يتركوا المسيرة للشباب فقط.".عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
يبين استقراء هذا المقطع، أن له ثلاثة أبعاد دلالية. أولها، الايحاء بأن ما أحدثته الانتفاضة، بانطلاقتها واستمراريتها، من تغيير، على مستوى وعي الإنسان الفلسطيني، كان عاملاً مهماً ومؤثراً، في تحقيق شمولية المشاركة بفعالياتها.. وهكذا لم تعد تقتصر المشاركة في صنع أحداث هذه الثورة ونتائجها، على هذا الجيل الفلسطيني أو ذاك، وإنما شارك الجميع فيها، على اختلاف أعمارهم... بل المشاركة صارت تعدّ، بفعل الاستمرارية والشمولية، بين المعايير الأهم التي يراز بها، ومن خلالها، مدى وطنية الفلسطيني، داخل الأرض المحتلة، ومدى إخلاصه، ومصداقية التزامه بمصير أرضه وشعبه...
أما ثاني الأبعاد الدلالية التي يشف عنها مضمون المقطع السابق، فيتثمل بوضع الجيل الفلسطيني القديم أمام ضرورة الكشف عن موقفه تجاه الانتفاضة، وضرورة تحديد هذا الموقف.. فصحيح أنه ليس هو الجيل الذي فجرها ثورة عاتية، لكنه، مع ذلك، مطالب بتأييدها والمشاركة فيها، انطلاقاً من التزامه الوطني والقومي.. فإن رفض، فعليه أن يبين أسباب رفضه. أما أن يقف على الحياد، وسط ضبابية من أي نوع، فذلك مرفوض، لأنه في زمن الثورات الشعبية المصيرية لا توجد أرض حيادية يقف المرء فوقها... ولادراك راوي القصة العجوز لهذه الحقيقة، نراه يخاطب نفسه، في مكان آخر من السياق، فيتساءل: " أليسوا على حق..؟ ألا نؤيدهم فيما يفعلونه؟ وإذا لم يفعلوا هم... فمن الذي سيفعل؟ كان الواجب أن نسير نحن أمامهم.."عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] وعلى سبيل المقارنة، بهدف إضاءة الضد بضده، نلاحظ، بجلاء، أن موقف راوي القصة العجوز،في الملثمون)، هو نقيض موقف المختار)، في قصة الزمن الجديد)... إن كلاً منهما نقيض الآخر، بنفس الدرجة التي يمكن بها توصيف العلاقة بين السلبية والايجابية...
وأما البعد الدلالي الثالث، للمقطع الآنف، فهو متوارٍ بين السطور، وخلف المعاني المباشرة للكلمات.. وعلى هذا، فهو بعد استنتاجي، لا يمكن إدراكه، إلا من خلال المحاكمة الموضوعية، لمجمل مواقف الفلسطينيين، في الوطن المحتل، من الانتفاضة.. ذلك أن موضوعية تلك المحاكمة، لا تسمح للعواطف، من أي نوع، بالشطح الخيالي الذي قد نتوهم، من خلاله، أن جميع فلسطينيي الوطن المحتل، أبطال يندفعون بلا تردد أو خوف، إلى دروب النضال وساحاته... وقد أدرك جمال بنورة ذلك فأشار إليه، بشكل غير مباشر، حين جعل الشيوخ، في المقطع السابق، ينخرطون في مسيرة الشباب، بدافع خجلهم من أنفسهم، ومن بقائهم متفرجين على هامش الفعل الثوري، في حين يرون أبناءهم يضحون بأنفسهم لاستيلاد فجر التحرير المنتظر الذي لن ينعم به أولئك الأبناء وحدهم، بل جميع أفراد الشعب، دون استثناء.. وإذا كان الخجل، بداية، هو دافع مشاركتهم في فعاليات الثورة، فثمة ما يوحي بتردد موقفهم وخوفهم، وبالتالي، احتمال احجامهم عن المشاركة لولا إحساسهم بذاك الخجل... وهذا ما توضحه مقاطع أخرى، في القصة، بعبارات أكثر مباشرة وجلاء.. "وعادت بعض النساء المترددات في خجل إلى صفوف المسيرة.".عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] كان الواجب أن نسير نحن أمامهم.. هل الخوف يمنعنا من ذلك..؟".عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] ولماذا؟ وهل بقي ما أخاف عليه؟... إن هؤلاء الشباب على استعداد أن يضحوا بأعمارهم قبل أن ينفتحوا على الحياة.. ولا أعتقد أنهم يخافون مثلي..!"عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
وبعد، فمن مجمل ما سبق، وتأسيساً عليه، يمكن القول: إن الملثمون)، كغيرها من قصص الانتفاضة الصادرة في الوطن المحتل، هي قصة واقعية، إلى حد كبير... فهي لا تقدم الفلسطيني لقارئها بطلاً معصوماً، ولا ترسم له شخصية نمطية، محشوة بالمبالغات، بل تحاول ما أمكنها أن تقدمه إنساناً من لحم ودم..، إنساناً طبيعياً... وعلى هذا، فمن البدهي، أن نجد هذا الإنسان يخاف حيناً، ويتردد حيناً آخر... بل من الممكن أن يسقط في حمأة العمالة، واللامبالاة، سقوط المختار وأبناء المرسيدس)، في قصة الزمن الجديد)... والتعليل الوحيد لكل هذا، هو أن الفلسطيني إنسان، بالدرجة الأولى، وأن الخوف والتردد واللامبالاة وما شابه، كلها مما يشعر به الإنسان الطبيعي عادة، أياً كان وأنى كان..
ولكن، إذا كان إحساس الفلسطيني بمشاعر سلبية كهذه، قد يسوغه كونه إنساناً من لحم ودم، وليس سوبرماناً مصطنعاً، فإن استسلامه للإحساس بهذه المشاعر، وعدم محاولته التغلب عليه، هما ما لا مسوغ لهما، على الإطلاق... بل على العكس، يوجب الركون إليهما الشجب والادانة، لأكثر من سبب، وعلى أكثر من صعيد.. ولهذا، وإدراكاً من جمال بنورة لأبعاد هذه التفاعلات الشعورية ولواقعيتها من جهة، ولما يحتمل أن تخلفه تلك الأبعاد من تأثيرات في نفسية قارئه من جهة أخرى، نجده يلتزم بواقعية الإشارة إلى إحساس أبطال قصته بالخوف والتردد وما شاكلهما. لكنه ما يلبث أن يتدارك ما توحيه إشارته هذه من سلبية، بالإشارة إلى تحرر أولئك الأبطال من مشاعرهم السلبية، عبر نجاحهم في التغلب عليها، وقدرتهم على الانتقال إلى نقيضها.. وهذا ما نلمسه في شخصيتي راوي القصة وبطلها الملثم، وفي مواقفهما.. فكلاهما يلمّ به الخوف لبرهة، لكن كليهما يتمكنان من التغلب على إحساسهما به، رغم عدم تغير الظروف المسببة، كما يقدران على التحرر منه والانتقال إلى نقيضه، على نحو ما يتضح من خلال عودة كل منهما لأداء دوره، في مسيرة الثورة، حسب استطاعته التي تسمح بها طاقاته وقدراته..
وعلى خلفية قناعة راوي القصة العجوز، وكذلك الغالبية من أبناء جيله/ ثوار الماضي، بأن طاقات أبنائهم الشباب وقدراتهم على الفعل والاستمرار، هي الأكبر والأقوى، كما أثبتت الوقائع الحدثية وما تزال، في ساحات المواجهة اليومية العنيفة وكما تدل النتائج التي تمخضت عنها تلك الوقائع، فقد تراجع أبناء الجيل القديم، مفسحين الطريق للشباب، كي يحققوا ما لم يقدر آباؤهم على تحقيقه... البعض تراجع مكرهاً ومرغماً، كالمختار، في قصة الزمن الجديد)، والغالبية تراجعوا طوعاً، كما في الملثمون).. تراجعوا عن التشبث بالقيادة، دون مكابرة، أمام إحساسهم الواعي بأن الزمن قد أناخ بثقله على أجسامهم، وجعلهم أقل قدرة على مواجهة الاحتلال، عمّا كانوا عليه وهم شباب... يخاطب راوي القصة نفسه، متسائلاً بنبرة مفعمة بالمرارة والحسرة، وكأنه يعترف مكرهاً، بحقيقة طالما هرب منها وتجاهلها، "أم أن الزمن أناخ علينا بثقله وأصبحنا نشعر بالعجز.. فلا نستطيع أن نرفض الواقع الذي نعيشه، أو نقول لا للاحتلال؟؟".عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
إن هذا التساؤل المتحسر، ربما يثير في الذهن تساؤلاً موازياً، على درجة من الأهمية، وهو: هل عجز أبناء الجيل الفلسطيني القديم مطلق أم نسبي؟ وهل يمكن لضعف أبدانهم الهرمة أن يكون ذريعة تسوغ لهم، ولو على المستوى النفسي فقط، الاحجام والامتناع عن أي مشاركة، في فعاليات الثورة؟
من الواضح أن جمال بنورة يرفض مطلقية عجز الجيل الفلسطيني القديم، عن أي مشاركة ثورية، ليؤكد قدرة هذا الجيل على العطاء، رغم شيخوخة أبنائه، وخصوصاً حين يتوفر الحافز المثير لتلك القدرة بشخصية أبناء الجيل الشاب وبطولاته، يقول راوي القصة: "بلى.. ما زلنا نستطيع لقد اعاد إلينا هؤلاء الشباب حماسنا القديم..عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
لكن، ولأن عودة الحماس إلى الشيخ الهرم لا تعني استعادته لقدرات شبابه وقواه، فإن عليه ألا يصر على القيادة، والتحكم بدفة الأحداث واتجاهات مساراتها.. بل تقتضي الحكمة منه أن يسلم تلك الدفة لابنه الأكثر قدرة منه على تحريكها والتحكم فيها، وأن يكتفي هو بتقديم النصح والمشورة... لننعم معاً النظر، في نص الحوارية القصيرة التالية التي أدارها بنورة على ألسنة عدد من الشيوخ، قبيل مشاركتهم في مسيرة الشباب:
"وكنت قد بدأت أمشي مع بعض الرجال على مبعدة من المسيرة.. دون أن يكون في نيتنا أن نشارك في المسيرة.. والتفت إلينا شاب ملثم قائلاً لتشجيعنا:
-وأنتم أيضاً.. ألا تنضمون إلينا؟
-وكأنما وجه إلينا إهانة..
وقال رجل لجاره هامساً:
-أصبح أبناؤنا هم الذين يقودوننا..
أسرّ إليه الآخر قائلاً:
-هم الذين سيحققون لنا النصر... سوف نرى..
-ونحن مادورنا فيمايجري؟؟
-لي ابن بين هؤلاء الملثمين، لم أستطع منعه من المشاركة، لذلك قلبي لا يطاوعني على تركه وحده..!
ثم استدرك:
-إنني أنظر إلى الشباب لكي أتعرف عليه، ولكنني لا أستطيع أن أميز بينهم... لذلك فأنا أعتبر أي ملثم هو ابني..!"عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
إن نص هذه الحوارية واضح الدلالة على أن القيادة والفعل قد صارا في يد أبناء الجيل الشاب، وأنه لم يعد للجيل القديم سوى التسليم لأبنائه بقياده. "أصبح أبناؤنا هم الذين يقودوننا..."عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] وليس في هذا أي عيب أو خطأ، ما دام أولئك الأبناء "هم الذين سيحققون لنا النصر..".عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] وهذا الاعتراف يعني، ببساطة، أن الجيل القديم، بعقليته ومفاهيمه ومعاييره، وحتى بأحلامه وطموحاته، قد شرع بالذوبان في الجيل الشاب... وبالطبع ليس هذا التصور وهماً أو تخميناً، بل هو حقيقة وواقع، يعترف بهما مذهولاً حتى المراقب الاسرائيلي لمجريات أحداث الانتفاضة.. ففي مقاله جيل الانتفاضة) المنشور في صحيفة عل همشمار) الصادرة بتاريخ 28/2/1988، يعترف الكاتب الاسرائيلي جادي ياتسيف) قائلاً: "... ويرسل الفتيان دائماً إلى المقدمة، وتأتي النساء للدفاع عنهم في الوقت المناسب. ولكن حتى الآن يعترف الجميع بحقيقة أن الأطفال هم الذين يفرضون السلطة والخوف في المناطق".
لكن، مما ينبغي عدم توهمه، بحال، أن تنحي أبناء الجيل القديم عن القيادة يعني تلاشيهم وعطالتهم.. فما زال في جعبتهم ما يستطيعون تقديمه للثورة والثوار الشباب.. ومن ذلك، على سبيل المثال، توفير كل حماية ورعاية ممكنة يحتاجها أولئك الثوار الصغار، في مسيرتهم إلى النصر... وهذا ما فعله راوي القصة، حين آوى إلى بيته الشاب الملثم، ليدرأ عنه خطر الوقوع أسيراً، بقبضة جنود الاحتلال.. يقول الراوي: " نزلت الدرج، أغلقت الباب الخارجي بالمزلاج، وقلت في نفسي لن أفتحه حتى لو كسره الجنود بالقوة".عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
إن مثل هذا الموقف يحمل دلالة واضحة على مدى التغيير النوعي الذي أحدثته ثورة الانتفاضة، في منظومة العلاقات التي كانت سائدة، قبلها، بين الجيلين الفلسطينيين الشاب والهرم، داخل الوطن المحتل؛ وفي ما يتصل بتلك المنظومة من معايير ومفاهيم، على المستويين الاجتماعي والسياسي، في آن معاً.. فالشاب الملثم لم يعد ذلك الابن الصغير الذي ينصاع لمشيئة أبيه، بل صار رمز بطل التحرير... وعلى هذا، فإن المبادرة إلى حمايته، لم تعد بدوافع أبوية تقليدية فقط، وإنما بدوافع وطنية وقومية أيضاً.. كما لم يعد الخروج عن طاعة الأب، بالنسبة للمشاركة في الانتفاضة، عقوقاً، يستوجب غضب ذلك الأب ومقاطعته لابنه، بل صار تعبيراً عن استقلالية القرار وصحته، وصار واجب الأب توفير الحماية لابنه الذي خرج إلى المواجهة على غير إرادة أبيه: "لي ابن بين هؤلاء الملثمين، لم أستطع منعه من المشاركة، لذلك قلبي لا يطاوعني على تركه وحده..!.عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
وعلى حين تحاول قصة الملثمون) عرض العلاقة بين الجيلين القديم والشاب، كعلاقة تعاون، يحتفظ فيها كل طرف بخصوصياته المميزة، تحاول قصة الرجل الصغيرعفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] لناجي ظاهر، عرض هذه العلاقة، كعلاقة تفاعلية، توحي بذوبان خصوصيات الجيل القديم، ودخولها ممتزجة بخصوصيات الجيل الشاب. الأمر الذي ينتج عنه تركيب جديد، يضم إلى الجديد خير ما في القديم..
وللوهلة الأولى، قد يبدو من المستبعد أن يوحي مضمون القصة، بمثل هذا التصور.. بيد أن استقراء متأنياً وتحليلياً، للدلالات الرمزية المتضمنة، في عنوان القصة الرجل الصغير)، وفي خاتمتها، على الأقل، ثم تحليل الايحاءات والإشارات التي ترسلها بنية العنوان والخاتمة، يمكن أن يوصلا -أي الاستقراء والتحليل- إلى الاعتقاد بأن ذلك التصور، يعد بين أبرز ما هدف المؤلف إلى إيصاله لقارئ قصته..
فالرجل الصغير، بطل القصة الرئيس، ليس صغير السن، في الواقع، لكنه صغير في كينونته الخاصة، وفي ما يمثله وما يقوم به من أفعال، حين يُقارن بما يمثله ويفعله ابنه الصغير سناً الذي لم يتجاوز السابعة من عمره -ذلك أن هذا الابن، شأن من يرمز إليهم من أبناء جيله، استطاع احتواء ما تمحورت / حوله/ حياة أبيه، وهو المولع بالكلام الذي يرمز إليه استغراق هذا الأب في الحديث عن الشعر والشعراء، كما استطاع، في ذات الوقت، أن يتجاوز مراوحة أبيه، اللامجدية، على أرض الكلمات، منطلقاً إلى ساحة الفعل، ليجسد ما حلم به أبوه حقائق ملموسة على أرض الواقع، حين خرج إلى ساحة المواجهة متحدياً، يحمل حجراً... وبذلك، استطاع هذا الصغير، وجيله، إدخال الكلمة في طقس الفعل المجدي، وهو تحول نوعي بالغ الأهمية..
"وعاد الغريب- يقصد الأب- يقول:
-ابني في السابعة من عمره. جاءني قبل أيام وقال، إن الشعراء ينبوع العطاء، هكذا الشعراء، يذهبون وتبقى الكلمة. الشعراء يجب إكرامهم.".عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
ولم يدعه جلاسه يسترسل في استغراقة شعرية جديدة، بل عاجله "أحد الشباب من المقعد إلى جانبه، وقال:
-هل يعرف ابنك قذف الحجارة؟
-لا تخف.
وضحك الجميع.".عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
نعم، فجلاسه الشباب، على الرغم من اهتمامهم بالشعر، والحديث عنه، وهو ما جذب الغريب إلى طاولتهم، ليس هو كل همهم، بل بعضه، أما همهم الحقيقي واهتمامهم الأكبر، فبالفعل المتولد عن الكلمة، الأمر الذي دفع أحدهم إلى الاستفهام عن فعل الصغير، وليس عن ولعه، بالكلمات، الذي ورثه عن ابيه.. فقد انقضى زمن الكلمة، كمحور وحيد للاهتمام، وصارت لاقيمة لها إن لم تتجسد فعلاً... لأنها مهما عظمت، تظل دون الفعل، غير قادرة على تغيير الواقع، والعكس ليس صحيحاً.. وربما لهذا، لم يجد الرجل الغريب الموصوف، في القصة، بالغريب، إلا أن يعترف واصفاً جلاسه الشباب وجيلهم، بالقول: "هؤلاء الشباب الذين يغيرون الدنيا ويحتجون على ما لا يرضيهم في كل مكان وزمان.".عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
ويبدو أن هذا الاعتراف التوصيفي لجيل الشباب الفلسطيني، كان أحد مرتكزات مؤلف القصة للايحاء بما تضمنته خاتمتها من إرهاص ينبئ عن بدء ذوبان شخصية الجيل القديم وخصوصياتها، في شخصية الجيل الشاب، كما ينبئ عن احتمال تجاوز الجيل الثاني لجيل آبائه، قولاً وفعلاً..
وبعد، فثمة سؤال، ربما يراود الذهن هنا، وهو: كيف تمكن ناجي ظاهر من صياغة رغبته في الايحاء بذوبان القديم في الجديد، فنياً؟
قد يكون ضرورياً، قبل محاولة الاجابة عن هذا السؤال، إلقاء نظرة متمعنة على البناء الفني لخاتمة القصة، وعلى مضمونها أيضاً. فبعد أن أنهى بطل القصة حديثه مع جلاسه الشباب الذين تعرف عليهم، في المقهى، بالعودة كرة أخرى إلى الكلام عن الشعر والشعراء، نهض ليغادرهم مودعاً...، ولحظة نهض عن مكانه، بدا في ملابسه الرثة الممزقة كبيراً... وحينما رافقوه بنظراتهم وهو يبتعد عنهم في الشارع المحاذي للمقهى، ظل يصغر ويصغر حتى أصبح في حجم ابنه الصغير..".عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
من الواضح أن قراءة نص الخاتمة الوارد آنفاً، ممكنة على مستويين.. فعلى المستوى الظاهري المباشر لا تعني كلمات النص أكثر من كونها وسيلة كتابية لتصوير فوتوغرافي متحرك يرصد ظاهرة طبيعية معروفة، هي ظاهرة العلاقة البصرية بين حجم الشيء وابتعاده عن مكان الناظر إليه... فمن المعروف أن أي شيء يقع عليه البصر، من موجودات جامدة أو حية، يتضاءل حجمه كلما ابتعد، والعكس صحيح..
لكن، وعلى مستوى قراءة آخر، يمكن الزعم أن نص الخاتمة السابق، فيه عدد من الدلالات الرمزية التي تشف عن مدلولاتها، بسهولة، حين نربط ذلك النص بالسياق العام للقصة..
فبطل القصة الغريب، رمز الجيل القديم المولع بالكلام أكثر من الفعل، قد آل وجيله إلى تلك الحالة البائسة التي ترمز إليها ملابسه الرثة الممزقة... لكن بؤسه، كما يبدو، لم يثر اهتمام جلاسه الشباب، وهو قريب منهم، يأسرهم بحلاوة حديثة عن الشعر والشعراء... ولهذا، لم ينصرفوا إلى محاولة تبين حقيقته إلا حين تحرروا من سحره الكلامي، بعد أن تركهم وابتعد منصرفاً... فقد كان ابتعاد شخصه عنهم، إيذاناً ببدء تضاؤل تأثير حديثه عن الشعر والشعراء... وقد ظل هذا التأثير يتضاءل، أكثر فأكثر، حتى لم يبق منه، في نفوسهم، سوى ما قاله عن ابنه الصغير الذي يقذف جنود الاحتلال بالحجارة... وقد ظل الرجل الغريب الذي كان كبيراً، بحضوره المادي وتأثيره، يتضاءل، شخصاً وتأثيراً، كلما ابتعد، حتى صار في حجم ابنه الصغير، شخصاً فقط... وفي لحظة اكتمال هذه الصيرورة، في نظر الشباب، تراءى لهم أن الأب قد تداخل، متماهياً، في ابنه، ليصيرا، في النهاية، كلاً واحداً منسجماً، تشكيلاً جديداً ذا شخصية جديدة، هي شخصية أبيه المولع بالشعر والشعراء... الطفل الرجل، أو الرجل الصغير...
موضوعياً، ربما من الصعب الاعتراض على من يعن له أن يتهم قراءة الخاتمة، على النحو السابق، بأنها قراءة تُحمّل النص القصصي، وبناءه الفني، الكثير مما ليس فيه... وعلى افتراض ثبوت صحة اعتراض كهذا، يكون التماس المسوغ للقراءة الثانية، بالنسبة لنص الخاتمة، في التذرع بأنها مجرد قراءة خاصة، لا تزعم أنها القراءة الوحيدة الممكنة لهذا النص. هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية، قد تجد هذه القراءة مسوغاً آخر لما قالته، في كونها محاولة تسعى، من خلال مضمون النص القصصي وتركيبته الفنية، لاضاءة جانب من رؤية مؤلف القصة، بوصفه واحداً من الطليعة الفلسطينية المثقفة، لمبلغ ما صار إليه حجم النتائج الناجمة عن المتغيرات التي أحدثتها الانتفاضة، على المستويين الاجتماعي والسياسي، في الساحة الفلسطينية... وهي رؤية، يمكن التكهن بأن صاحبها قد حاول أن يتجاوز، بها ومن خلالها، الحدود الراهنة لما أشار إليه، في قصته، من متغيرات أنجزتها الانتفاضة، أو لما يعتقد أنها قد أنجزته، كي يرهص بإمكانية اكتمال صيرورة تلك المتغيرات، مستقبلاً، بدائل كاملة لما قوضته، وحلت محله، من معطيات الواقع الفلسطيني ومفاهيمه التي كانت سائدة، قبل انطلاقة الانتفاضة..
وبعد، فلا شك أن الحديث السابق عن بعض ما أنجزه بطل الانتفاضة، من متغيرات، على صعد مختلفة، يؤكد أن هذا البطل ليس فردياً، في أي موقع رصدناه، وربما هذا واحد من أهم أسرار قدرته على الصمود أمام التحديات الصعبة التي واجهته، وما تزال، ومن أهم عوامل استمرار هذه القدرة فاعلة ومؤثرة، باضطراد، إلى الآن...
صحيح من الممكن أن نرى، في وجهه، وأن نتلمس، ملامح مميزة، لجيل فلسطيني متفرد، في خصوصيته، شخصية وفعلاً، هو جيل الأطفال والشبان الصغار، وملامح أخرى تدل على أنوثة غاضبة ثائرة ومتحدية، ترسم نوعية خاصة وأخاذة، لنمط جديد من المرأة الفلسطينية.. لكن، وعلى الرغم من احتواء ذاك الوجه على ملامح مميزة لهذا الجيل وذلك الجنس، فإن اجتماع الملامح العديدة، في وجه بطل الانتفاضة، على ذاك النحو من التآلف والانسجام، يخلف في النفس انطباعاً قوياً، بأن هذا البطل، في أكثر توصيفاته دقة وموضوعية، هو الشعب الفلسطيني، في الوطن المحتل -الشعب كله، بأجياله المتعددة، وبجنسيه: الذكر والأنثى... هو الكل في واحد، والواحد الذي تبدو على صفحته النقية وجوه الكل..
ولأنه كذلك، استطاع أن يصمد وأن يستمر، إلى الآن... ولأنه كذلك، لقي من العالم تعاطفاً أكبر مع تطلعاته وأهدافه... ولأنه كذلك، من المؤكد أنه سينتصر يوماً، لأن قهر الشعوب، إذا اتحد أفرادها، ضرب من المستحيل. وقد اعترف بعض الاسرائيليين، بهذه الحقيقة، بعدما أعيته الحيلة والوسيلة، للقضاء على الانتفاضة... على ثورة الشعب ضد جلاّديه..
(1) قصة الزمن الجديد)، مصدر سبق ذكره..
(2) قصة الزمن الجديد)، مصدر سبق ذكره.
(3) قصة الزمن الجديد)، مصدر سبق ذكره.
(4) قصة الزمن الجديد)، مصدر سبق ذكره.
(5) قصة الزمن الجديد)، مصدر سبق ذكره.
(6) قصة الزمن الجديد)، مصدر سبق ذكره.
(7) قصة الزمن الجديد)، مصدر سبق ذكره.
(8) قصة الزمن الجديد)، مصدر سبق ذكره.
(9) قصة الملثمون)، مصدر سبق ذكره.
(10) قصى الرجل الصغير)، مصدر سبق ذكره.
(11) قصة الرجل الصغير)، مصدر سبق ذكره.
(12) قصة الملثمون)، مصدر سبق ذكره.
(13) قصة الملثمون)، مصدر سبق ذكره.
(14) قصة الملثمون)، مصدر سبق ذكره.
(15) قصة الملثمون)، مصدر سبق ذكره.
(16) قصة الملثمون)، مصدر سبق ذكره.
(17) قصة الملثمون)، مصدر سبق ذكره.
(18) قصة الملثمون)، مصدر سبق ذكره.
(19) قصة الملثمون)، مصدر سبق ذكره.
(20) قصة الملثمون، مصدر سبق ذكره.
(21) قصة الملثمون)، مصدر سبق ذكره.
(22) قصة الملثمون)، مصدر سبق ذكره.
(23) قصة الملثمون، مصدر سبق ذكره.
(24) قصة الرجل الصغير)، مصدر سبق ذكره.
(25) قصة الرجل الصغير)، مصدر سبق ذكره.
(26) قصة الرجل الصغير)، مصدر سبق ذكره.
(27) قصة الرجل الصغير)، مصدر سبق ذكره.
(28) قصة الرجل الصغير)، مصدر سبق ذكره.
[/align]
|
|
|
|
14 / 07 / 2009, 52 : 10 AM
|
رقم المشاركة : [19]
|
أديب وناقد - باحث متخصص في السياسة والأدب الإسرائيليين- قاص وأديب وناقد -أستاذ مادة اللغة العبرية - عضو الهيئة الإدارية في نور الأدب
|
من دم الشهيد... سيبزغ فجر الوطن الحر..
[align=justify]
من دم الشهيد... سيبزغ فجر الوطن الحر..
تناولت قصص الانتفاضة موضوع الشهادة، من عدة جوانب، يتكامل مجموعها ليرسم، للشهادة والشهيد، صورة غنية بأبعادها: الإنسانية والقومية والوطنية... أما البعد الرابع لهذه الصورة، فيتمثل -إذا صح التصور- برغبة مؤلفي تلك القصص، في تثوير قارئهم، وخصوصاً الفلسطيني داخل الوطن المحتل، وتحفيزه للمشاركة في الفعل الثوري، إن كان ما يزال متردداً بعد... وذلك على خلفية تفاؤلهم بإمكانية اقناعه أن الموت من أجل حرية الأهل والوطن ومستقبلهما، لا يلغي سوى الوجود المادي لمن يقضي من أجلهما، أما وجوده المعنوي المتجسد في فعله، فيخلد حياً في ذاكرة أبناء شعبه وضميرهم ووجدانهم، على مر الأجيال... وفيما يلي بقعة ضوء، ربما تنجح في الكشف عن بعض جوانب صورة الشهادة وأبعادها ومعانيها، في أربع من القصص التي اهتم مؤلفوها بهذا الموضوع..
في قصته حوار مع النورسي)عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] يحاول مؤلفها سمير رنتيسي التأكيد لقارئه، بأن ثمة رابطة عضوية وثيقة بين التزام الثائر بأهداف ثورته وغاياتها، وبين إحساسه بعدم التهيب من مواجهة الموت، حتى لو أدت هذه المواجهة إلى استشهاده، وهو يسعى إلى تحقيق تلك الأهداف والغايات... وبهذا التأكيد، يرمي رنتيسي إلى اقناع قارئه بأن استشهاد الفلسطيني دفاعاً عن شعبه ووطنه، وثمناً لحريته وحريتهما، ليس موتاً مجانياً ذليلاً، بل هو موت موظف يسعى إلى تحقيق غايات سامية، تعد أكبر من الحياة التي كانت، قبل الثورة، وأثمن... حياة احتمال غطرسة الاحتلال، وإذلالاته اليومية وممارساته.. وما هي تلك الغايات التي يعد بلوغها أثمن من الحياة؟
تؤكد أجوبة الصغير عماد، بطل القصة، أن أبرز تلك الغايات وأهمها، اثنتان: تحرير الأرض من غاصبها، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، يعيش العرب الفلسطينيون في كنفها، وتحميهم أسوارها من معاناة الاحتلال واضطهاده المتنوع الأشكال والأساليب، من العيش فريسة الخوف والقلق والفقر...
وبهذا، يحاول رنتيسي أن يربط، في وعي قارئه ووجدانه، بين امكانية تحقيق هاتين الغايتين، وهما الحلم الذي عاشه الفلسطيني، وما يزال، منذ أن احتلت أرض وطنه، وبين الشهادة بوصفها الثمن الباهظ الذي لا بد من دفعه، أولاً، لتحويل هذا الحلم واقعاً..
ولا شك أن رنتيسي كان موفقاً إلى حد كبير، حين اختار لابلاغ قارئه تركيبة هذه المعادلة الصعبة وفحواها، شخصية طفل صغير من أطفال الحجارة.. ذلك أن هذا الاختيار، منحه القدرة على استثمار عفوية الطفل في التعبير عن أفكاره وقناعاته ومواقفه، دون تزويق، ودون صيغ أيديولوجية، قد يتحسس البعض منها، ليحقق -أي المؤلف- قدراً كبيراً من التأثير في وعي قارئه ووجدانه..
لنتأمل صياغة هذه المعادلة: الشهادة =الوطن الحر+ الدولة المستقلة)، في سياق الحوارية القصيرة التالية، بين بطل القصة الصغير عماد، وبين محدثه الذي تسمح كلماته بالظن أنه ربما يكون إسرائيلي الهوية، لأنها كلمات ظاهرها التحذير الأبوي الحنون، وباطنها محاولة التثبيط وإخماد الثورة في النفس، عن طريق التخويف. يقول المحدّث، محذراً عماد ومثبطاً: "إذا بتظل تضرب حجارة يا عماد... بجوز يوماً ما جندي يطخك بجوز تموت.. عمرك فكرت إنك بجوز تموت؟..عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
وبالطبع لم يأبه عماد لهذا التحذير المريب المشكوك في دوافعه واهدافه، فلم تلن قناته، ولا ثبطت عزيمته، أو انثنت إرادته عن الاستمرار في المشاركة بفعاليات الثورة... ذلك أن تجربة مشاركته بهذه الفعاليات، قد أنضجت وعيه، إلى تلك الدرجة التي جعلته يرد على محدثه مجيباً عن سؤال عمرك فكرت إنك بجوز تموت؟" قائلاً: "آه... وليش لأ... ؟ أنا بحب أموت.. شايف الصور على الحيطة... كلهم استشهدوا.. كلهم... ليش أنا لأ.. ليش ما استشهد؟ مش مهم كثير.. إن بستشهد.. بس بصير مع الشهداء.. وبصير عندنا وطن... وكمان دولة.".عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
هكذا، وبهذا التعبير الطفولي البسيط والعميق، في آن معاً، يقول رنتيسي لقارئ قصته أن الشهادة هي طريق وصول الشعب، أي شعب، إلى غاياته الأكبر والأسمى، وليست طريقاً لتحقيق حلم فردي، تتلاشى احتمالات نقله إلى الواقع، حالما يموت صاحبه.. ولهذا، وعلى خلفية القناعة بصحة هذه المقولة التعريفية لفعل الشهادة وأبعاده، لا يبدو مهماً في نظر الثائر الحق أن يشهد صيرورة حلمه واقعاً بعينيه، لأنه على يقين من رؤية تلك الصيرورة بعيون أهله ورفاق دربه الذين سيتابعون النضال بعده... وربما مثل هذا اليقين هو ما يجعله يستهين بالموت، ولا يهاب مواجهته..
والحقيقة أن خلود الثائر الحق، بعد استشهاده، في ضمير من يليه من أهله ورفاقه، ليس جديداً، بل هو قديم... قديم قدم المعركة الأزلية التي وجد الإنسان نفسه يخوضها، على ظهر الأرض، ضد قوى الظلم والشر، بشرية كانت هذه القوى، أم كانت خرافية، كما هي في بعض أساطيره الغابرة.. ومصدر هذا الخلود بالدرجة الأولى، تقدير الناس لمن ضحى بحياته من أجل أن يعيشوا حياتهم، بعده، أحراراً كراماً ومطمئنين..
وبالطبع، لا توجد وسيلة لتخليد ثائراً استشهد، أعظم من التزام رسالته، ومن متابعة درب نضاله الساعي إلى تحقيق أهداف هذه الرسالة التي قضى قبل أن يراها وهي تتحقق فعلاً.. وهذا ما كثف نبيل عودة الإشارة إليه، في خاتمة قصته الزمن الجديد)... وذلك في صيغة النداء الحار الذي وجهه وليد لأهل قريته، عقب تيقنه من استشهاد رفيق دربه وزعيمه سليم فقد راح وليد يجوب أزقة القرية مؤكداً: " سليم لم يمت.. سليم معنا للأبد... سليم يقول لكم لا تصدقوا أنه يموت... سليم يقول لكم اصمدوا، واحموا كل البلد... سليم يحبكم وينتظر أن يسمع أخباركم المشرفة... سليم معكم في كل مكان.. سليم يوصيكم أن تدفنوه في تراب وطنه المحرر... سليم لا يموت. سليم لا يموت.. لا يموت.. لا يموت..".عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
لعل من الواضح أن مضمون هذا النداء الذي ختم به نبيل عودة قصته، يشف بما حواه من دلالات رمزية عن الشرط الذي لا بد منه لاستمرار الشهيد حياً.. وهذا الشرط هو التزام من يليه برسالته التي استشهد وهو يسعى إلى إيصالها لأهدافها، إن لم تكن قد وصلتها بعد، أو الالتزام بالحفاظ على ما وصل إليه الشهيد من تلك الأهداف، والعمل على بلوغ الباقي منها... فبهذا الالتزام أولاً، يكون إكرام الشهيد، وبه وحده يتمكن أي ثائر من عبور حدود الفانية إلى رحابة الخلود الأبدي..
وربما، وانطلاقاً من هذه الإعتبارات التي يؤكد جميعها أن الشهيد حي خالد، يدرك الفناء جسده، ويبقى عاجزاً عن المساس بفعله وآثاره، استقر في روع الناس ووجدانهم، أن من الخطأ استقبال خبر الشهادة أو جثمان الشهيد، بذات طقوس الحزن والحداد والتفجع التي يستقبلون بها خبر الموت العادي وجثمان الميت العادي... فقد درج معظم الناس، وخصوصاً في الإطار المجتمعي للفلسطينيين، داخل الوطن المحتل وخارجه، على عدم البكاء والعويل والندب، لدى سقوط أحدهم شهيداً.. إذ كيف يُبكى ويندب من استطاع اختراق الفناء، وصار خالداً؟ أليس الأجدر أن يستقبل خبر معجزة كهذه، وكذلك جثمان صانعها، بالزغاريد؟
بلى.. ولهذا، وبذات الطقوس التي يقوم بها الناس حين يزفون عريساً منهم إلى عروسه، يستقبلون جثمان شهيدهم ويشيعونه... وهذه المقاربة بين العريس والشهيد، ليست مجرد تعال على صراخ الألم وتباريحه، أو مكابرة على أوجاع الفراق وجراح الثكل واليتم، بل هي تعبير رمزي، عن وعي جماعي عميق، يربط بعلاقة وثيقة بين الشهادة والحرية والخير والسلام... إن هذه المقاربة تعبير عن اعتقاد شعبي راسخ بأن الشهادة هي إعلان عن الخلاص القادم وبشرى تؤكد قرب صيرورته واقعاً... هذا الخلاص الذي ضحى الثائرون بأرواحهم من أجل أن يعيشه أهلهم وشعبهم وأرض وطنهم... وثمة بعد ثالث لهذه المقاربة بين الشهيد والعريس، تتمثل في وعي الناس، بعلاقة وثيقة أخرى بين الشهيد وأرض وطنه.. فالأرض في المعتقدات والمفاهيم العربية الأصيلة هي عرض المرء وعنوان شرفه.. ومن لا يضحي من أجل عرضه إذا اغتصب..؟ ومع التطور الدلالي لهذه العلاقة الرمزية، صارت الأرض هي الحبيبة، وصار الشهيد هو عريسها الذي افتدى حريتها وخلاصها بدمه لنتأمل هذا المقطع الصغير من قصة الزمن الجديد):
".. فجأة تنطلق زغردة من سماعة الجامع:
-عريسكم حسن استشهد يا شباب..
عشرات الزغاريد في كومبارس غريب الأطوار... تصفيق رتيب وغناء للعريس من قلب الجامع. هل هي القيامة؟ هل اختار الله هذه اللحظات لقيام الساعة؟
-مبروك يا أم الشهيد.
وزغاريد.. وغناء.. وزغاريد.."عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
إنها صورة مثيرة للدهشة والإعجاب، في آن معاً. صورة تثير القشعريرة في بدن القارئ انفعالاً وتأثراً.. ومصدر الإثارة فيها، لا يكمن، فقط، في كونها نقيض الصورة المألوفة لاستقبال خبر الموت العادي، في المجتمع العربي، بل في كونها، أيضاً مؤشراً قوي الدلالة على إمكانية استمرار عرب الوطن المحتل في ثورتهم، حتى تحقق القسط الأكبر من أهدافها، إن حالت الظروف التآمرية القاسية دون تحققها كلها.. ذلك أن شعباً له مثل هذه القدرة على العطاء اللامحدود، من البدهي أن تزداد امكانيات استمرار ثورته ونجاحها، كلما ازداد عدد ضحاياه وشهدائه..
وإذا كانت التضحية بالروح والدم، تعدّ ذروة الالتزام بالدفاع عن حقوق الأهل والوطن وحريتهما، وذروة التعبير العملي عمّا يكنه المضحي لكليهما من حب عميق، لا حدود له، فكيف ترانا نقرأ ونحلل تضحية الأم بأبنائها، وهم فلذات كبدها، من أجل حرية وطنها وشعبها؟ هذا ما حاول الإجابة عنه محمد نفاع، في قصته المؤثرة هنية)..
ففي هذه القصة، تطالعنا بطلتها هنية)، وجهاً متميزاً للأم الفلسطينية، في الزمن الصعب، وأسلوباً متميزاً، أيضاً، في الممارسة النضالية للمرأة الفلسطينية.. فهي، وبكل المعايير المعروفة، أم غير عادية... وإلا كيف استطاعت أن تتلقى خبر استشهاد ولديها الكبيرين صادق وحسان)، كما لو أنها تلقت خبر زفافهما..؟ لنتأمل حركية المشهد الدرامي المؤثر، في هذه الصورة النابضة بضروب شتى من الانفعالات والاحاسيس الإنسانية:
"وعلى أكتاف الناس لاح صادق كبيراً عالياً.
زغردت هنية لابنها القادم المرفوع على الأكتاف، جاء يلقي نظرة أخيرة على البيت الذي كبر، واتسع بفضله لكل أهل البلد..".عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
إنها صورة، ظاهرها يرسم مشهداً لاستقبال أم زُفّ ابنها، وجاء إلى البيت الذي ربي فيه ليودعه منطلقاً إلى بيت الزوجية الجديد.. كما يرسم مشهد احتفال عرائسي مفرح.. لكن سياق القصة، يقلب ذلك الفرح إلى نقيضه، وهو يؤكد أن ذاك الاستقبال وتلك الزغاريد كانت لجثمان شهيد..
وما تكاد تلك الأم الرائعة تصحو من خبر استشهاد صادق) حتى يأتيها خبر استشهاد أخيه حسان)... وبدلاً من أن تنكفئ على نفسها متهالكة تنتحب وتندب فاجعتها بابنيها، تفاجئنا ثانية، وهي تدفع آخر أولادها الثلاثة وأصغرهم فارس) إلى ساحة المواجهة، ممسكة بيده، والناس من ورائهما، والعسكر من أمامهما، وهي تصرخ بصغيرها محمسة: "قدّم يا ولد!! اركض.".عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] ويركض منفلتاً من يدها، ليبدأ جولته مع العسكر، على إيقاعات صوت أمه التي ما زالت تزيد حماسه اشتعالاً: "اضرب يا ولد، كما ضرب أخوتك.. اضرب فأنت لست أفضل منهم.."عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] ويظل فارس يضرب مطرباً أمه بصوت حجارته وهي تقع على آليات المحتلين، "ما أحلى اصطدام حجارته على الآليات والعسكر؟!"عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] حتى يلحق شهيداً بأخويه... وللمرة الثالثة، تفاجئنا تلك الأم المذهلة، حين ترفع أصابعها راسمة شارة النصر، وهي ترى صغيرها يقع شهيداً أمام عينيها..!! ترى كيف استطاعت كل هذا، وهي أم...؟ كيف، والمعروف أن الأمومة هي أقوى العواطف البشرية، على الاطلاق؟
نعم.. إن هنية أم.. أم ككل الأمهات، في هذه الدنيا، تحب أولادها، وتخاف عليهم حتى من نسمة عابرة... ولكن، ولأنها تحبهم وتخاف عليهم إلى هذا الحد، ترفض أن تستمر حياتهم ذلاً وهواناً.. ترفض أن تراهم في وضع الموت أرحم منه وأشرف... ولأنها ترفض هذه الكينونة لهم ولغيرهم من أبناء شعبها، دفعتهم إلى المواجهة... فإن ظلوا أحياء، أكملوا حياتهم أحراراً لا عبيداً، وإن استشهدوا ظلوا أحياء أيضاً في ضمير الناس ووجدانهم، إلى الأبد..
ولعل مما يؤكد مبلغ قوة عاطفة الأمومة وعمقها، في نفس هنية، مضمون المقطع التالي من قصتها.. هذا المقطع الذي يمكن توصيفه، فنياً، وإستناداً إلى طبيعة لغته الحكائية، بأنه مناجاة داخلية متوترة بالانفعال الشديد، تتردد بين جنبات نفس كبيرة مقبلة صاحبتها على تضحية جسيمة أخرى.. إنه مناجاة على الرغم من أنه خطابي النبرة..
" تذكرن معي أيّها الأمهات، الأولاد في هذا الجيل. ولد ورضع، وتنفس، حبا ونطق، وتشيطن..
تذكرن قبلاتهم وضحكاتهم، وبكاءهم، وكيف تتنامى أجسامهم يوماً بعد يوم، كيف يأكلون ويوسخون ملابسهم ويرفسون عنهم الغطاء، ويجمعون شتى التحف والألعاب، ويخطون الأحرف على الدفاتر عندهم كتب وحقائب، ولهم ملابسهم الخاصة المميزة، ورائحتهم، لكل واحد عالمه،..."عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
إنها كلمات أم حنون تفيض حباً لأولادها وتعلقاً بهم إلى أبعد الحدود.. بل يكاد يتراءى للقارئ أن هنية أكثر تعلقاً بأولادها وخوفاً عليهم مما هو حال غالبية الأمهات، عادة.. لكنها، مع ذلك، وفي ظرف معين، نراها تستقبل جثماني ابنيها الأول والثاني بالزغاريد، وتستقبل استشهاد الثالث تحت بصرها، بشارة النصر..!! فأي تعليل لهذه المعادلة التي يوحي ظاهرها بتناقض طرفيها؟
فنياً، من الممكن الزعم أن هنية، بطلة القصة، تتجاوز كينونتها كأم عادية، لتصير رمزاً متعدد الأبعاد، أراد المؤلف أن يرسم به، ومن خلاله، صورة إنسانية مثالية للأم الفلسطينية، حين تجبرها الظروف الصعبة على الاختيار بين أمرين أحلاهما مرّ. الاختيار بين خلاص وطنها وشعبها وفدائهما بالولد، وبين الولد نفسه الذي حملت به وربته والذي هو أغلى من روحها.. ولكم هي مثالية فعلاً حين تختار، ودون تردد حرية الوطن والشعب وخلاصهما..
إن هنية قد غدت، بهذا الاختيار، رمزاً لروح الشعب الفلسطيني، وأماً لجميع أبنائه... وهذا ما ألمحت إليه القصة بإشارة سريعة عابرة، وضعها المؤلف على لسان شخصية ممن توافدوا على بيت هنية إثر شيوع خبر استشهاد بكرها صادق، إذ ناداها صاحب الشخصية بالقول: " أمنا هنية.."عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] إذن، هنية، تمثل في بعدها الرمزي الأول، شعب فلسطين، عاشق الحرية الذي لا يبخل في سبيل الحصول عليها، حتى بالولد، يقدمه قرباناً على مذبح ولادة فجر جديد، لااحتلال فيه ولا ذل ولا اضطهاد..
هذا هو البعد الأول، أما البعد الثاني. فيشير بوضوح إلى أن هنية هي رمز الأرض الفلسطينية التي عافت استمرارية معاناة خضوعها وخضوع أبنائها لذل الاحتلال وغطرسته، سنين طويلة... ولذا، ما إن استشعرت في أبنائها الذين كبروا القدرة على تحريرها وتحرير أنفسهم، حتى دفعتهم دون تردد إلى ساحة المواجهة المصيرية مع من ظلموها وظلموهم..
ويبقى البعد الثالث الذي يقدم هنية رمزاً لمرحلة أكثر تطوراً ونضجاً في وعي الإنسان الفلسطيني، لطبيعة قضيته ولأبعادها ومستقبلها.. كما تبدو هنية، في هذا البعد، أيضاً، رمزاً دالاً على اهتداء ذلك الإنسان، إلى مفاتيح الحل الصحيح لمشكلته المزمنة المستعصية، ولمعاناته المريرة الصعبة... الحل المشرف الذي يتطلب تحقيقه التضحية بالولد والنفس والمال، وبكل غال وثمين، من أجل حرية الوطن وكرامة الشعب، وليس العكس...
ولا شك أن إدراك القارئ لهذه الأبعاد التي تتميز بها شخصية هنية، ولما توحي به دلالاتها الرمزية المتعددة، يفضي، تلقائياً، إلى العثور على ما يعلل دفعها لأولادها الثلاثة إلى الشهادة، على الرغم من حبها الأمومي البالغ لهم، ومن تعلقها الشديد بهم...
لكن، قد يكون من الجدير بالإشارة هنا، أن الأبعاد الرمزية السابقة لهذه الشخصية، لا تلغي، بحال، بعدها الواقعي.. أي ذلك البعد الذي يؤكد أنها ليست أماً متخيلة، وإنما هي واحدة من كثيرات جداً نستطيع العثور عليهن، داخل الوطن المحتل وخارجه.. بتعبير آخر، إن مثالية هنية، في التضحية والعطاء، لا ينحصر وجودها الفعلي فوق سطور القصة التي تحمل اسمها، فحسب... فمن يعود إلى وقائع الانتفاضة، وأرشيف أحداثها اليومية، لا بد أن يصل إلى القناعة بوجود تطابق كبير بين ملامح أبطالها وبين ملامح أبطال القصص التي استوحت تلك الوقائع والأحداث..
وبعد، ثمة جانب آخر للشهادة، أشار إليه نبيل عودة في قصته الحاجز) وهذا الجانب، يبرز القدرة الكبيرة لفعل الشهادة، في تغيير قيم الواقع.. كما يبرز لوناً معروفاً من ألوان إكرام الناس لذكرى شهدائهم، ومن ألوان تقديرهم لفعل أولئك الشهداء ونضالهم... يقول عودة على لسان بطل قصته الطبيب أحمد..
".. والشهداء يكرّمون بشتى الوسائل، فأسماؤهم تطلق على الخلق الجديد، والأزقة قد تسمى بأسمائهم، ومواقع تسمى بأسمائهم، عالم كامل ولد ويولد عبر الصمود. قيم جديدة تصارع العفونة المترسبة، تصارع الضياع، تصارع من يدفع ثمناً للقيم البشرية.".عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
واضح أن الربط بين إطلاق أسماء الشهداء على المواليد الجدد وعلى شوراع ومواقع، وبين التغييرات الكثيرة الهامة التي أحدثها أبطال الانتفاضة بنضالهم، إنما هو ربط دلالي يشير إلى أن إطلاق الأسماء هو جزء من محاولة تغيير رموز واقع ما قبل الانتفاضة وثوابته، برموز جديدة، وليس محاولة إكرام الشهداء فقط... فأسماء هؤلاء الشهداء قد تحولت في وعي الشعب ووجدانه إلى رموز قوية الدلالة على فترة ناصعة من فترات صموده، وعلى منظومة جديدة من القيم والمفاهيم والأفكار هي نقيض منظومة العفونة) السابقة.
(1) قصة حوار مع النورسي)، مصدر سبق ذكره.
(2) قصة حوار مع النورسي)، مصدر سبق ذكره.
(3) قصة حوار مع النورسي)، مصدر سبق ذكره.
(4) قصة الزمن الجديد)، مصدر سبق ذكره.
(5) قصة الزمن الجديد)، مصدر سبق ذكره.
(6) قصة هنية)، مصدر سبق ذكره.
(7) قصة هنية)، مصدر سبق ذكره.
(8) قصة هنية)، مصدر سبق ذكره.
(9) قصة هنية)، مصدر سبق ذكره.
(10) قصة هنية)، مصدر سبق ذكره.
(11) قصة هنية)، مصدر سبق ذكره.
(12) قصة الحاجز)، مصدر سبق ذكره.
[/align]
|
|
|
|
14 / 07 / 2009, 55 : 10 AM
|
رقم المشاركة : [20]
|
أديب وناقد - باحث متخصص في السياسة والأدب الإسرائيليين- قاص وأديب وناقد -أستاذ مادة اللغة العبرية - عضو الهيئة الإدارية في نور الأدب
|
حزمة ضوء أخيرة...
[align=justify]
حزمة ضوء أخيرة...
مهما بلغ شرف المضمون الذي تعالجه القصة، ومهما بلغت قدسية القيم التي تطرحها، فإنها في النهاية، تظل عملاً فنياً لايغنيه شرف مضمونه عن المعايير الخاصة التي تميزه، فنياً... ومن هذه الزاوية المحددة في الرؤية، تحاول حزمه الضوء الأخيرة هذه، بيان بعض من أبرز السمات الفنية لما أسماه الباحث، اصطلاحاً بـ (قصص الانتفاضة)..
ولعل أول ملاحظتين جديرتين بالإشارة في هذا الصدد، هما:
أولاً: فقدان الباحث للقدرة على الاختيار بين ما أمكنه الحصول عليه من قصص الانتفاضة. وذلك لسببين جوهريين الأول، قلة هذه القصص، عددياً والثاني، حصر مجال الدراسة بمصدر جغرافي واحد، هو الوطن المحتل، وبمجال زمني ضيق، هو زمن الانتفاضة.. ولقلة ما صدر من قصص قصيرة في الوطن المحتل خلال فترة الانتفاضة، حرم الباحث من إمكانية اختيار أفضل المتوفر منها، فنياً، كمادة أولية لدراسته..
ثانياً: هناك غياب ملحوظ للكثير من الأسماء اللامعة بين المؤلفين المعروفين للقصة القصيرة، داخل الوطن المحتل... فالمجموعة المدروسة من القصص، قليل منها كتب بأقلام أدباء معروفين، مثل (محمد نفاع، نبيل عودة، جمال بنورة، ومصطفى مرار ) أما الأدباء الباقون، فيمكن توصيفهم بأنهم (أصوات جديدة) في مجال القصة الفلسطينية القصيرة على الأقل، بالنسبة للقارئ العربي العادي خارج الوطن المحتل.. وقد لا يكون الأمر في الواقع على هذا النحو، لكن عدم توفر مصدر آخر غير صحيفة الاتحاد، بين يدي الباحث، جعل الأمر كذلك، في نطاق دراسته، مما دفعه إلى عدم التعميم والتأكيد وإطلاق الأحكام الشمولية، في سائر مواضع الدراسة.
على أي حال، يمكن تسجيل بعض الملاحظات القليلة، حول فنية القصص التي نوقش مضمونها، في هذه الدراسة، وذلك من خلال زاويتين رئيستين:
أولاً البناء الفني/ الدرامي:
باستثناء بعض القصص، مثل (الزمن الجديد، الحاجز، نهاية الزمن العاقر، الجنرال، طبق حلوى)، فإن البناء الدرامي للقصص التي نوقشت مضامينها، يبدو شاحباً ويعاني بعضها من اضطراب في الحبكة، ومن ضعف في القدرة على الايصال وصحيح أن حديث الباحث عن بعض هذا الضعيف، ربما أوهم القارئ بجودة القصة فنياً، كما هو الحال لدى قراءة ما كتبه عن دلالات خاتمة قصة (الرجل الصغير) لناجي ظاهر. إلا أن الحديث الذي كتب عن تلك الخاتمة، يظل قراءة لمضمونها وإيحاءاته، أكثر منه اعترافاً بفنية رفيعة المستوى لبناء القصة الدرامي.
وثمة ملاحظة أخرى حول البناء الدرامي، من ناحية نوعيته. وهذه الملاحظة تزعم أن غالبية القصص المدروسة ذات بناء درامي تقليدي.. لكن تقليديته ليست مطلقة، بمعنى أن القارئ يستطيع أن يلمس اقتراباً، في بعض القصص، من الحداثة ومحاولة لتطويع الأساليب الحداثية لادخالها في تقليدية المعنى الدرامي، كي يبدو في شكله النهائي، نسيجاً ممزوجاً من التقليد والحداثة. كما هوالحال، في قصة (الحاجز) لنبيل عودة، حيث نلمح في سياق السرد التقليدي للحدث القصصي، أساليب كالمنولوج الداخلي، والخطف خلفاً، وما شابه.. وتتميز قصة (نهاية الزمن العاقر)، لنفس المؤلف، ببنائها الدرامي الذي تمتزج فيه تنويعات كثيرة، تتضافر جميعاً، لترسيخ فكرة القصة، ولإضاءة الأبعاد الرمزية لشخصياتها وأحداثها، في نفس القارئ ووجدانه... وكذلك تخرج قصة (الزمن الجديد) لنبيل عودة أيضاً، عن إطار التقليدية، في كثير من مواضعها، حيث نلاحظ تحطم الحواجز المكانية والزمانية، في أكثر من موضع.. هذا فضلاً عما تتمتع به من قدرة على إيصال مضمونها أو معظمه، لقارئها...
وثمة قصة تتميز ببنائها الدرامي القوي، هي (الجنرال) لمحمد نفاع فبناء الحدث القصصي فيها، على الرغم من بطء حركيته، متين، ومتماسك جداً. ويعتمد المؤلف في سرد بعض اللقطات والمشاهد حكائية شاعرية، وأحياناً يركز على الوصف التفصيلي لسمات الأمكنة وملامح الشخصيات، بهدف زيادة التغلغل في نفس القارئ، وزيادة إيهامه بالواقع القصصي للأحداث، لزيادة التأثير فيه..
وإذا تجاوزنا القليل من القصص ذات البناء الدرامي القوي والناجح، نجد أن كثيرات غيرها، تشكو من ضعف واضح، في الكثير من جوانب بنائها الدرامي بل إن البناء الدرامي لقصة مثل (الرجل الصغير)، يبدو عاجزاً عن التواصل مع القارئ، في أغلب نقاطه.. فمثلاً: يحار القارئ في فهم الدلالة الوظيفية لاسم (عز الدين القسام) في سياق القصة. إذ يبدو ترديد هذا الإسم لأكثر من مرة، مقحماً على المسار الحدثي وعلى نسيج الحوار الجاري بين الشخصيات..
وبالطبع، ليس همّ الباحث، هنا، الوقوف عند مبنى كل قصة على حده، ثم عرضه ومناقشته، فنياً، بل همّه الإشارة إلى أهم السمات التي يتميز بها البناء الدرامي لمجموع القصص، من خلال اتخاذ بعضها أمثلة.
ثانياً اللغة:
ما خلا بعض القصص، للمعروفين من كتاب القصة القصيرة في الوطن المحتل، فإن هناك ضعفاً في لغة الغالبية من القصص المدروسة، وضعفاً في تركيب العبارة أحياناً.. ثم هناك نزوع إلى استخدام العامية. في بعضها، كما في قصة (حوار مع النورسي). وثمة نزوع آخر، معاكس، إلى شاعرية العبارة، كما في قصة (نهاية الزمن العاقر) وقصة (الجنرال).
وبعد:
يمكن القول بشكل عام، إن هذه القصص في غالبيتها قد طغى على مؤلفيها الاهتمام بالمضمون أكثر من الشكل.. ربما لسبب المرحلة الساخنة التي كتبوا قصصهم خلالها، وربما بسبب عدم تمكن الحديثين بينهم، من أدوات الفن القصصي وأساليبه بعد، وأخيراً، ربما بسبب التسرع في دفع القصة إلى النشر، دون تحكيكها، فنياً.. لكن، وعلى أي حال، تظل المجموعة المدروسة، إشارات إلى مرحلة متميزة، وارهاصات واعدة بنتاج أفضل فنياً، يتطاول في قامته التعبيرية محاولاً الوصول إلى شرف الموضوع الذي يعالجه وأهميته..
[/align]
|
|
|
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
|
|
تعليمات المشاركة
|
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك
كود HTML معطلة
|
|
|
الساعة الآن 38 : 12 AM
|