[align=justify]
تحياتي أستاذ زين العابدين
ذكرتني هذه القصة بعمي الأصغر يحيى الذي توفي فجأة منذ خمس سنوات ونصف، رحمه الله
كانت جدتي صحيحة ومتزنة ومتوقدة الذكاء وسيّدة حكيمة بكل معنى الكلمة محترمة من كل من يعرفها، لكن ما مر عليها من آلام وأحزان تئن لحمله الجبال ، من النكبة وخسارة الوطن الذي أفضى بمجرد سقوط مدينة حيفا إلى سقوط الزوج ميتاً، وخسارة المال الذي لم يخرجوا منه شيئا ولم يكن جدي رغم علمه ومكانته يضع مالا في المصارف ، وهي حكاية طويلة قد أرويها حين أعود لمتابعة كتابة سيرة أبي..
حكاية الشتات ثم وفاة ولدها / أبي في شرخ الشباب وفي سن الرابعة والثلاثون من عمره الذي كان له الضربة القاضية عليها وحبست نفسها بعده في البيت فلم تدخل أو تخرج وهي التي كانت عاشقة لأولادها بشكل مرضي قلما نجد له مثيلا..
ابنتها الوحيدة ( والدة شاعرنا الغالي أستاذ طلعت سقيرق ) تزوجت من ابن خالها وانتقلت مع أسرتها إلى دمشق بينما جدتي في طرابلس - لبنان، كما حط بهم المقام منذ بداية الشتات.
كبرت وحفرت الهموم تجاعيدها عميقة فوق وجهها النادرالجمال..
كان عمي يحيى - الذي كان رضيعاً أيام النكبة ووفاة والده - مديراً لثانوية بالإضافة لكتاباته الصحفية والأدبية، وفي آخر سنوات عمرها لم تعد قادرة حتى على مغادرة السرير
عمي يحيى لم يتزوج خوفاً أن تأت من تشغله عن أمه أو تلقى منها في غيابه معاملة سيئة ، وكرس حياته لأمه وفي سنواتها الأخيرة كان يقوم برعايتها في كل شيء حتى الاستحمام وتنظيفها وتنظيف ملابسها ويطعمها بيديه ، ورغم كل ما كان يعرض عليه ليتزوج ومعلمات الثانوية اللاتي وأنا شاهدة كانت أكثر واحدة منهن مغرمات به لم يفعل وكان يتجاهل تماماً أي إشارة أو عرض..
وعليه تأخر بالزواج إلى ما بعد رحيل جدتي بعامين حين زوجته عمتي في إحدى زياراته لدمشق من خالة كنتها وسمى ابنته البكر على اسمها " نجلاء " رغم أن أختي اسمها على اسم جدتها، وجاء أولاده الثلاثة الكبرى على اسم جدتها والثانية " نور " على اسم أبي ، وقد خاف ألا يأتيه صبي ويضيع الاسم ، ثم رزق صبياً فأسماه على اسم جدي ( والده الذي لا يعرفه)
حقيقة كان بينه وبين والدته علاقة نادرة وظل يخدمها بكل تفان نادراً ما يفعله الرجال حتى آخر لحظة من حياتها وحفظها بعد وفاتها بشكل غريب وأكثر منا جميعاً حتى رحيله.
اللهم جازه خيراً وأكرمه على إكرامه لوالدته والتفاني بخدمتها
كل الشكر والتقدير لك أستاذ زين العابدين
[/align]