فمن الوحي ما كان يأتي لرسول الله صلى الله عليه وسلم في صورة الملك وهو سيدنا جبريل : وكان أحياناً يأتي على هيئته ، وأحياناً يأتي في صورة شخص مثلنا ، فكان يأتي في صورة أحد الصحابة سيدنا دحيه الكلبي - وكان جميل الصورة ، فكان يأتي في صورته ، فكانوا لا يعرفونه - ولذلك لما جاء وجلس ، وسأل الرسول : ما الإسلام ؟ وما [color="sienna"]الإيمان[/color] ؟ وما الإحسان ؟ وكلما يجيبه يقول له : صدقت ، تعجب سيِّدنا عمر من الأمر ، يسأله و يصدِّقه ، فقد روي سيِّدنا عمر فقال
{بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ذاتَ يوم جالساً، إذْ جاءَ رَجُلٌ شَدِيدُ سَوَادِ اللِّحْيَةِ، شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ، فَوَضَعَ رَكْبَتَهُ عَلَى رُكْبَةِ [color="red"]النَّبيِّ[/color]، فقال: يا محمدُ، ما الإِسْلامُ؟ قال: شَهَادَةُ أَنْ لا إلٰهَ إلا اللَّهُ، وَإقَامُ الصَّلاةِ، وَإيتاءُ الزكاةِ، وَصَوُمُ رَمَضَانَ، وَحَجُّ الْبَيْتِ ، قالَ: صَدَقْتَ. قالَ: فَعَجِبْنَا مِنْ سُؤالِهِ إياهُ، وَتَصْدِيقِهِ إياهُ
قالَ: فَأَخْبِرْنِي: ما الإِيمانُ؟ ، قال: أنْ تُؤْمِنَ باللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ، وَالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ حُلْوِهِ وَمُرِّه ، قال: صَدَقْتَ.، قال: فَعَجِبْنَا مِنْ سُؤالِهِ إياه، وَتَصْدِيقِهِ إياه
قال: فَأَخْبِرْنِي: ما [color="sienna"]الإِحْسَان[/color]؟ ، قال: أنْ تَعْبُدُ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فإنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاك
قال: فَأخْبِرْنِي مَتَى [color="red"]السَّاعةُ[/color]؟ ، قال: ما المَسْؤُولُ بأعْلَمَ مِنْ السَّائِلِ ، قال: فما أَمَارَتُهَا؟ ، قال: أَنْ تَلِدَ الأمَةُ رَبَّتَهَا، وأنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ رِعَاءَ الشَّاة يَتَطَاوَلُونَ في الْبُنْيَانِ - وهذا ما حدث الآن - قال: فتَوَلَّى وَذَهَبَ، فقال [color="sienna"]عُمَرُ[/color]: فَلَقِيَنِي النَّبِيُّ بَعْدَ ثَالِثَةٍ ، فقال: يا عُمر، أَتَدْرِي مَنْ الرَّجُلُ؟ ، قُلْتُ: لا، قال: ذَاكَ [color="sienna"]جِبْرِيلُ[/color] أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ}[1] فقد جاء هنا في صورة رجل مثلهم
وكان آنا يأتي على هيئته ، كما يقول الرسول أول ما جاء له ، قال : {رَأْيْتُ شَخْصَاً فِي الفَضَاءِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأرِضِ ، لَهُ سِتْمَائةُ [color="magenta"]جَنَاحٌ[/color] لَوْ ظَهَرَ [color="magenta"]جَنَاحٌ[/color] مِنْهَا لحَجَبَ ضَوْءَ الشَّمْسِ}[2]
أي أن الجناح الواحد يملأ الكون كله - ولذلك كما قلنا كيف تخلق الملائكة ؟ كل يوم يذهب سيدنا جبريل إلى نهر الحياة ، ويستحم ، وينفض أجنحته ، فكل قطرة تنزل من أجنحته ، يخلق الله منها ملك يسبح الله - فالوحي كان يأتي بطريقتين بالنسبة للملك إما أن يراه على حقيقته ، أو يراه في صورة شخص
وكان أحياناً كما يقول[color="red"] الرسول[/color] : {كَانَ يَأتِيني عَلَى هَيْئَةِ صَلْصَلَةِ [color="darkorange"]اْلْجَرَسِ[/color]}[3]
فيسمعون له صوتاً كصلصلة [color="darkorange"]الجرس[/color] ، لكن لا يعرفون شيئاً ، فلا يعرف إلا رسول الله ، لأنة يتكلم بلغة الملائكة ، ولا أحد من الجالسين يعرف لغة [color="darkorange"]الملائكة[/color] إلا الرسول ، وكان صلى الله عليه وسلم يغيب عن وعيه ، وعندما يفيق يقول لهم : نزل علىّ الوحي بآيات كذا وكذا ، ويبلِّغهم
وأحياناً كان يأتي وله صوت دوىٌّ كدوىِّ النحل
وأحياناً كان يأتيه مناماً ، ورؤيا الأنبياء وحى كما قال الرسول : فالنبي إذا رأى رؤية مناميه كانت وحياً :كما قال سيدنا إبراهيم : {أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى} الصافات102
وسيدنا إسماعيل لكونه نبي يعرف هذه الحقيقة فقال له : { يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} فهو يعرف أنه أمر لأنه يعرف أن رؤيا النبي وحي دائماً ، فهذه طريقة من طرق الوحي وهو الوحي المنامي
وإما عن طريق الإلهام ، وفيها يلهمه الله ، ويلقي على قلبه ما يريد ، وهذه مثل الأحاديث القدسية التي قالها الرسول ، ومثل غيرها التي قالها عن طريق الإلهام مثلما يقول :{ إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ نَفَثَ فِي رَوْعِي أَنَّ نَفْسَاً لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَوْفِي رِزْقَهَا ، فَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، وَلاَ يَحْمِلَنَّكُمْ اسْتِبْطَاءُ الرزْقِ عَلَى أَنْ تَطْلُبُوا شَيْئاً مِنْ فَضْلِ اللَّهِ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ ، فَإنَّهُ لا يُنَالَ مَا عِنْدَ اللَّهِ إِلاَّ بِطَاعَتِهِ}[4]
أما الطريقة الأعلى فهي [color="sienna"]المشافهة[/color] مع الحقِّ سبحانه وتعالى ، وهى التي كان يأخذ فيها من الله مباشرة دون واسطة ، وفيها قال له ا[color="magenta"]لله [/color]: {وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ} النمل6
فليس هنا وساطة جبريل
وكانت أيضاً بأن يرى الحق في [color="sienna"]المنام[/color] أو في اليقظة[/color] في أي مكان كان فيه ، وإما في الحضرة القدسية وكانت ليلة الإسراء والمعراج وفيها قال تعالى : {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} النجم10
أين جبريل عليه السلام ؟ وقف في الخارج عند سدرة المنتهى ، ولم يستطع الدخول ، فكل ما حدث كان بينه وبين الحق سبحانه وتعالى بلا واسطة
هذه طرق الوحي التي كان يتلقى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي من الله سبحانه وتعالى ، وفي جميعها كان الوحي ثقيلاً ، فكان يغيب عن الوعي ، وينزل عليه العرق ، حتى في الليلة شديدة الرطوبة ، ويحتاج إلى من يروّح عليه من شدة الحرارة ، ويفيق من العرق مثقلاً ومتعباً ، ويحتاج إلى راحة لأن الوحي له ثقله
[1] رواه البخاري ومسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه
[2] رواه أبو الشيخ في كتاب العظم .
[3] رواه البخاري ومسلم
[4] رواه أبو نعيم في الحلية عن أبى أمامه والعسكري في الأمثال عن ابن مسعود
[color="seagreen"]إن الذي يريد مقاماً من مقامات القرب ، أو يريد أن يصبح من أهل الوصل ، أو يريد أن يكون من الصالحين ، فلابد أنه كل حين يفتح قلبه ، وينظر ماذا فيه ؟ ويأخذ حظَّ الشيطان ويرميه
وحظُّ الشيطان في وفيك : هو ما في نفسك من [color="royalblue"]الحقد[/color] ، والحسد ، و[color="royalblue"]الكبر[/color] ، والبغضاء ، والكراهية ، فكل هذا حظُّ الشيطان ، وطالما كان كل هذا موجوداً في [color="royalblue"]القلب[/color] فلا يصلح ، ويصبح [color="darkorange"]الإنسان[/color] كما هو ، لا يتقدم ولا يتأخر، ولذلك حتى الليالي الكبيرة التي يتجلَّى فيها ربُّنا على الصَّالحين ، أو على المسلمين مثل ليلة النصف من شعبان ، فالرسول قال فيها :
{إنَّ اللَّهَ تَعَالَىٰ يَتَجَلَّى في هَذِهِ اللَيْلَةَ فَيَغْفِرُ لأَكْثَرَ مِنْ عَدَدِ شَعَرِ غَنَمِ كَلْبٍ - وهى أكبر قبيلة عندها غنم ، وهل يستطيع أحدنا أن يحصى عدد شعر غنمة واحدة؟ - ثم قال : إِلاَّ لِمُشْرِكٍ، أَوْ مُشَاحِنٍ، أَوْ قَاطِعِ رَحِمٍ أَوْ زَانٍ أَوْ شَارِبِ خَمْرٍ أَوْ عَاقٍ لِوَالِدَيهِ}[1]
والحديث الآخر قال فيه: {إن الله يَطَّلِعُ علـى عِبـادِهِ فـي لَـيْـلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبـانَ ، فَـيَغْفِرُ لِلْـمُسْتَغْفِرِينَ ، ويَرْحَمُ الـمُسْتَرْحِمِينَ ، ويُؤَخِّرُ أهْلَ الـحِقْدِ كما هُمْ}[2]
ولذلك قال بعض سلفنا الصالح {الحسود لا يسود} ، فالإنسان الذي يرغب في نعم ربِّنا الباطنيَّة ، ويريد المراتب العرفانيَّة ، ويريد التجلِّيَّات الإحسانيَّة : لابد وأن يطهِّر قلبه من الدُّنيا الدنيَّة ، ومن رغباتها ، ومن شهواتها ، ومن ملذَّاتها ، ومن حظوظها ،
وبعد هذا يغسل قلبه من الحظوظ والشهوات ، وبعد هذا يغسل قلبه من الرياء ، والسمعة ، والصفات التي هي كصفات إبليس ، أي حب الظهور ، فلا بد للإنسان أن يوالي قلبه ، والعارفون عرفوا هذا الأمر ، وعرفوا أن ربنا لا ينظر إلي الجسم ، بل ينظر إلي القلب : { إنَّ اللّهَ لاَ يَنْظُرُ إلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ ، وَلكِنْ يَنْظُرُ إلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ}[3]
فقالوا نقف عند هذا الباب ، وكل حين نفتح هذا القلب ، وننظر ما فيه ، ونخرجه ، ولذلك فان رسول الله أوضح هذا الأمر كما أخبر سيدنا عبد الله بن عمرو ، عندما قال صلى الله عليه وسلم : {يَدْخُلُ عَلَيْكُمْ الآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ.}[4]
فدخل رجل و هو سيدنا عبد الله بن سلام وجلس برهة ومشي فقال صلى الله عليه وسلم : {قَامَ عَنْْكُمْ الآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ} فسيدنا عبد الله بن عمرو قال في نفسه : ماذا يفعل هذا الرجل ؟ ، وكان يسهر طوال الليل ، ويصوم طوال النهار ، فتبع الرجل ودقَّ بابه ، ففتح , فقال له : لقد حدث خلاف بيني وبين أبي عمرو فطردني ، فقلت : لا يوجد غيرك يضيفني عدة أيام حتى ينتهي الخلاف ، فقال له : علي الرحب والسعة ، وهو في الحقيقة ذاهب ليعرف ماذا يفعل الرجل؟
وفي أول ليلة ، نام الرجل فقال : ربما يكون الرجل متعبا ، وانتظر أن يقوم قبل [color="royalblue"]الفجر[/color] ليصلي التهجد ، فلم يقم إلا قبل الفجر[/color] ، فاستيقظ وقال : هيا لنصلي مع رسول الله بالمسجد ، ولما أصبح الصباح احضر له الإفطار ، فقال : قد يكون متعبا هذا اليوم ، ولكنه في اليوم الثاني وجده علي نفس الحالة ، وكذلك في اليوم الثالث فقال : لا بد أن اسأله؟
فقال له الحقيقة ، انه لا يوجد خلاف بيني وبين أبي ، ولكن الرسول قال عنك كذا فما حقيقة أمرك؟ ، قال : كما رأيت إلا أنني إذا جئت للنوم ، أحاسب نفسي ماذا فعلت اليوم؟ ، وماذا قلت؟ ، فاستغفر الله مما قلت ، واستحلله مما فعلت ، وأبيت وليس في قلبي غلٌّ ، ولا غشٌّ ، ولا حقد لأحد من المسلمين
فذهب عبد الله إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم متعجبا ، فقال له صلى الله عليه وسلم : {يا بُنيَّ إنْ قدَرْتَ أنْ تُصْبِحَ وَتُمْسِيَ وِلَيْسَ فِي قَلبِكَ غِشٌّ لأحدٍ فافعلْ – وفى رواية : غل ولا غِشُّ وَلا حِقْدٌ لأحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِين- ،. ثم قال صلى الله عليه وسلم : يا بُنيَّ وذلك من سُنَّتي ، ومنْ أحَبَّ سُنتي فقد أحَبَّني، ومن أحَبَّني كان معي في الجنَّة}[5]
[1] رواه البيهقي عن عائشة رضي الله عنها ، والطبراني وابن حبان عن معاذ بن جبل
[2] رواه ابن ماجه من حديث أبى موسى الأشعري و الطبراني عن أبى ثعلبة
[3] رواه أحمد ، ومسلم ، و ابن ماجه عن أبى هريرة
[4] رواه البيهقي في الشعب و سنن النسائي الكبرى عن أنس
[5] رواه الإمام أحمد عن على ، والترمذي في مشكاة المصابيح عن أنس
[COLOR="DeepSkyBlue"]الذي يريد إن يدخل الجنَّة التي فيها رسول الله ماذا يفعل ؟ ينظِّف القلب كما ينظَّف الوجه ، فإن أحد الصالحين كان جالساً ، ودخل عليه عالم ممن يدعون العلم ، و حيىَ وجلس ، فقال الرجل الصالح لأحد أبناءه : أنشد يا بني قصيدة ؛ فأنشد ، فقال العالم : ماذا يقول هذا؟ أنا لا أفهم منه شيئا - و هو عالم ، و يلبس أفخر الثياب ، و الحذاء يلمع , فقال له :لو نظفت قلبك كما نظفت حذاءك ، لفهمت هذا الكلام [/COLOR]
فمن كان كل همِّه في الملبس ، و الشعر ، و الحذاء ، و ترك القلب دنسا ، كيف يفهم المعاني العليَّة؟ فربُّنا ربُّ قلوب ، و تجليَّاته للقلوب ، و نفحاته للقلوب ، و علومه و أسراره للقلوب ، و أنواره للقلوب ، ورتبه للقلوب ، وقربه لأهل القلوب ، وتقريبـه بالقلوب ، فهي الوصلة بيننا وبينه ، فمن يرغب أن يكون قريباً من القريب؟ فعليه بالقلوب
وهذا القلب كيف ننظِّفه؟ أبالماء البارد أم الساخن ؟ لا هذا ولا ذاك يفعل شيئا للقلب ، هل نستحم في ماء البحر ؟ لا ينفع ، أحد الأئمة ذهب إلى البحر المتوسط ، ووقف عنده ، و كان اسمه بحر الروم ، و قال له :
قليلك قد يطهِّر كل جسمي ،،،،،، يطهِّر بحر روم كل رسمي
وقلبي لا تطهِّره بـحــار ،،،،، يطهره العليم بنيل علمي
فالذي يطهر القلب العلم ، لكن ليس آي علم ، و أنما العلم النازل من عند الله ، وليس علم الكتب فالعلم النازل من السماء ، كالماء النازل من السماء ، فكما أن كل ماء لم ينزل من السماء لا ينفع ، كذلك كل علم لا ينزل من سماء الفضل الإلهي لا يرفع
فالماء الذي في البرك ؟ هل يصلح لري الزرع ؟ لا. لماذا ؟ لأنها تعفنت ، فهذه كالعلم الموجود في الكتب ، إذاً ما العلم الرافع؟ هو العلم النازل من سماء الفضل الإلهي لذلك فإن العلماء الذين تعجبوا من ذلك ، ذهبوا للشيخ أبى اليزيد البسطامى , وسألوه : كيف تؤثر في الناس بهذه الصورة ؟ وتصلح أحوالهم ؟ ونحن نتكلم كثيرا وكلامنا لا يجدي؟ فوضح لهم السر فقال :
{أخذتم علمكم ميتاً عن ميت - فلاناً عن فلان ، وهذا مات وهذا مات - , ونأخذ علمنا عن الحي الذي لا يموت ، فنأخذ علمنا في أي وقت شئنا ، وكيف شئنا} وهذا من باب قول الله {وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ} البقرة282
فلم يقل الشيخ فلان أو كليَّة كذا ؛ لأن هذا العلم لا يأتي إلا بالتقوى
وربنا لم يقل {واتقوا الله يعلمكم الله} ، فلو قال هذا لكان علما واحدا وكل من يتقِ الله يأخذه ، و لكنَّه قال{وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ} أي كلما تزيد في التقوى كلما تأخذ علوما أكثر وهكذا ، حتى تصل إلي ما ورد في الأثر {إنَّ اللَه يُفِيضُ عَلَىَ قُلُوبِ أهْلِ الْمَعْرِفَةِ ، سَبْعِينَ ألْفَ عِلْمٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ تَعَالى} أين هذه السبعون ألفا ؟وما حدودها؟
هذه العلوم أسرار في صدروهم ، لكنها علوم ترفع الإنسان ، وتطهِّر قلبه ، وتوصِّله إلى أنوار الله ، فهذه طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وضحَّها لنا الله ، وأجرى عليه المثال ؛ ليعرفنا أنه إذا كان هذا الرسول الكريم ، المبرأ من كل عيب ، قد شققنا صدره أربع مرات ، وأخذنا حظَّ الشيطان وألقيناه وأخذنا الغلَّ والحقد وألقيناهما، وملأناه شفقة ورأفة ورحمة، فأنتم أولى بذلك لأنكم أحوج إلى ذلك
فأول مرة تشقه وتخرج حظَّ الشَّيطان ، بعد هذا تملأ قلبك رأفة ورحمة لجميع خلق الله ، لأن الله يحبُّ العبد الشفوق الرفيق ، ولا يحبُّ الغليظ ولا الفظَّ ، ولذلك قال له {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ} آل عمران159
والمرَّة التالية : أخرج كل ما فيه ، وإملأه إيمانا وحكمة ، إحشُ هذا القلب بالإيمان ، وعلوم الإيمان والحكمة ، وعلوم الحكمة ، ولا تحشه من كلام الصحف ، ومن الغيبة ، ومن النميمة ، ومشاكل التموين ، ومشاكل السياسة ، ومشاكل الكرة ، فهذا لا يناسب ذاك
فهذا رجل من كبار العرب - وهو لبيد بن ربيعة - وكان شاعرا من كبار الشعراء ، وقصائده كانت مكتوبة بماء الذهب ومعلقة علي الكعبة لأنه من أصحاب المعلقات ، لمَّـا أتاه ربُّنا بالإسلام جاءه نفر , وقالوا له :نريد أن تذكر لنا قصيدة من شعرك فغضب , فقالوا له :ما أغضبك؟ ، فقال لهم : ما كنت لأملئ قلبي بهذا القيح والصديد ، بعد أن ملأه الله بنور القرآن والإيمان ، فأصبح الشعر كالقيح والصديد بالنسبة له ، فلا يستوي هذا مع ذاك ، وتاب من الشعر
فلا بد للإنسان لكي يملئ قلبه بعلوم الإيمان ، أن يفرغه مثل الكوب ، فلكي يكون الماء الذي سيصبُّ فيها نظيفاً ؛ لابد أن تكون هي نظيفة ، لكن إذا كان بالكوب بعض الأتربة ، فالماء الذي سينزل فيه سيتلوَّث وهكذا علوم الله الإلهامية ، وأحوال الله العليَّة ، والرؤيـات والمكاشفات المناميَّة ، والعيانيَّة : لا تظهر ، و لا تُعطي ، إلا لمن طهَّر القلب بالكليَّة لربِّ البريَّة
عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]"]منقول من كتاب {حديث الحقائق عن قدر سيد الخلائق}
اضغط هنا لتحميل الكتاب مجاناً[/URL]
يؤيد الله رسله وأنبياءه بالمعجزات والإرهاصات ، كما يؤيد أحبابه والصالحين من عباده بالكرامات ، وهذه الأشياء الثلاثة ، المعجزات ، والإرهاصات ، والكرامات ، تطلق علي خوارق العادات ، أو الأشياء غير العادية ، أي التي تخترق النواميس الكونيَّة ، والسنن الطبيعية ، والقوانين العلمية ، مثال ذلك :
نحن اعتدنا أن الشمس تغرب في الساعة الخامسة وعشر دقائق ، فمثلاً إذا وُجد من تتأخر الشمس لأجله ، أو بسببه للخامسة وعشرين دقيقة ، يكون ذلك شيئاً غريباً وغير عادي
فإذا كان الذي يؤخرها نبيٌّ ، وقد أرسل إليه ، فتسمي في هذه الحالة " معجزة " ، أما إذا كان نبيٌّ لكن لم يأت أوان نبوَّته ، ولم يكلف بعد من الله بتبليغ رسالته فنسميها " إرهاصاً " ، وإذا كان الذي جرت علي يده رجل من الصالحين المشهورين بالاستقامة ، نسميها " كرامة " ، لأنها تأييد من الله له
فإذا ظهرت علي يد فاسق فهي استدراج من الله سبحانه وتعالي له من باب قوله تعالى {سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ} القلم44
فكل ما ذكرناه في الأبواب السابقة مما حدث لرسول الله صلى الله عليه وسلم قبل نزول الوحي عليه ، كسقوط إيوان كسري ، ووقوع الأصنام علي وجهها عند ولادته وغيره ، فهي من باب الإرهاصات ، وكل ما أيده الله به بعد بعثته فهي معجـزات ، وهي كثيرة جداً ، وقد حاول بعض الأئمة الأعلام وهو الشيخ يوسف النبهاني رضي الله عنه أن يحصي معجزاته صلى الله عليه وسلم فعدَّ منها ثلاثة آلاف ، ثم عجز بعد ذلك ، لأن كل أحواله صلى الله عليه وسلم بليل أو بنهار من باب المعجزات
يبقي عندنا المبشرات : وهي العلامات والصفات التي ذكرت في الكتب السماوية عنه صلى الله عليه وسلم ، وهي من الكثرة بحيث لا يستطيع بشر حصرها ، ولكننا سنذكر بعضها لتستبشر نفوس المؤمنين بفضل الله علينا بهذا النبي الكريم ، ولنبدأ باليهود الذين جحدوه مع أنهم كما قال الله فيهم {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمُ} الأنعام20
فقد عرَّفهم الله في التوراة كل شيء عنه صلى الله عليه وسلم بالتفصيل ، حتى زمان ومكان مولده ، والموطن والوقت الذي سيهاجر فيه ، مما أدَّي ببعضهم وهم " بنو قريظة وبنو قينقاع وبنو النضير " لما عرفوا صفات رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعرفوا أنه سيظهر في مكة ، ويهاجر إلي المدينة ، واسمها طيبة وعلاماتها واضحة {فهي بين جبلين ، وذات نخل} وعرفوا صفاتها بالتفصيل ، فذهبوا إلي المدينة وأقاموا بها ، طمعاً أن يخرج منهم الرسول ، أو يكونوا أول أتباعه إذا ظهر
ولذلك عندما كانت تحدث بينهم وبين القبائل المجاورة حروب كانوا يقولون {اللَّهُمَّ بِحَقِّ النَّبي الُمنْتَظَر ، الذي قَرُبَ أوَانُ ظُهُورهِ ، انْصُرْنَا عَلَيْهِم ، فَيَنْتَصِرُون}[1]
وذلك ما أخبر به القرآن في قول الله {وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ} البقرة89
وكذلك عندما كان يحدث خلاف بينهم وبين الأوس والخزرج في المدينة كانوا يقولون لهم
بسم الله الرحمن الرحيم
{إن نبي آخر الزمان سيظهر عن قريب ، وسيمكننا الله به منكم ، ونذبَحكم ذبح عاد وإرم}[2]
وهذا ما جعل الأوس والخزرج يسارعون إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ويؤمنون به ، لما علموا نبأ ظهوره في مكة ، لأنهم كانوا يسمعون عنه من اليهود ، وهذا أيضا ما دعاهم إلى دعوته للهجرة إلى مدينتهم ، لأنهم علموا من اليهود أنها مكان هجرته ولذلك لما هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، آمن كبار علماء اليهود به على الفور ، وأولهم في ذلك عبد الله بن سلام ، وكان رئيسهم في العلم
[1] أخرجه الحاكم والبيهقي عن ابن عباس
[2] رواه ابن إسحاق عن قتاده
للتواصل مع فضيلة الشيخ فوزى محمد أبوزيد وللفتاوى والأسئلة:
1- للتحدث مباشرة مع الشيخ: إتصل بتليفون 0020405340519 بعد صلاة العشاء ولمدة ساعتين يوميا عدا الخميس والجمعة.
2- على صفحة: إتصل بنا ، من داخل الموقع الرسمى للشيخ: عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
3- عبر البريد الإليكترونى أرسل إلى أى من:
عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] , عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] , عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] , عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
4- للرسائل النصية أو sms عند الضرورة فقط أرسل إلى :
00201115561728 - 01225642362002
5- إذا كان السؤال لبرنامج الفتاوى الفورية فاذكر ذلك، وللرد الخاص فاكتب بريدك الإليكترونى.
تاييد علماء اليهود والنصارى لرسول الله [frame="5 10"]
لما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، آمن كبار علماء اليهود به على الفور ، وأولهم في ذلك عبد الله بن سلام ، وكان رئيسهم في العلم ، فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال له :
يا رسول الله ، إن اليهود يعلمون صفاتك لأنها مذكورة عنهم في التوراة ، ولكنهم قوم بهت {يعني يجادلون بالباطل مع علمهم أنه باطل ، وينكرون الحق مع يقينهم أنه حق} ، فإذا أظهرت إسلامي فسيكذبونني ، لكن اجعلني أختبئ في مكان خلفك ، ثم أدعهم ، وسلهم عني ، وأنا أسمع ، لأتمكن من الرد على كذبهم
{فأرسل الرسول صلى الله عليه وسلم إليهم فحضروا ، فقال لهم : مَا رَأيُكُمْ في عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلام؟ .قالوا : عالمنا وابن عالمنا ، وحبرنا وابن حبرنا ، وعندئذ خرج عليهم عبد الله بن سلام , وقال : يا معشر يهود تعلمون أن محمدا هو النبي الخاتم الذي بشَّر به موسى عليه السلام في التوراة ، وذكره بصفاته ونعوته والتي منها
[يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشر ونذيرا ، وحرزا للأميَّن ، أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل ، ليس بفظ ولا غليظ ، ولا صخَّاب في الأسواق ، ولا قوال للخنا ، وأمدح الحمادون له عز وجل على كل حال] وإني أشهدكم أني أمنت بالله ورسوله}[1]
فما كان منهم لخبثهم وفساد طبعهم ؛ إلا أنهم كذبوه ، وسبُّوه بأقذع أنواع السباب ، غير أنه أقام عليهم الحجة ، وأبطل أقاويلهم ودعاويهم
وهذا عالم آخر من علمائهم ، هو زيد بن سعنة ، قرأ صفات رسول الله صلى الله عليه وسلم المذكورة في التوراة ، وتحقَّق منها كلها ، ولم يبق إلا صفة واحدة منها فلما أراد أن يتحقق منها ، أقرض رسول الله صلى الله عليه وسلم تمراً لأجل محدد ، وحضر قبل الأوان المتفق عليه للسداد
وذهب للنبي صلى الله عليه وسلم وهو بين أصحابه وجذبه "شدَّه" من رداءه حتى أثرَّ الثوب في عنقه الشريف صلى الله عليه وسلم وخاطبه بغلظة , قائلاً : إنكم يا بني عبد المطلب قوم مطل {يعني مماطلين} - والمماطل هو الذي تهرَّب من تسديد ما عليه - وكان يقصد بذلك إثارة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
فغضب سيدنا عمر رضي الله عنه وقال له : كذبت ، أتقول هذا لرسول الله؟ ، وهم أن يضرب عنقه بالسيف ,فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم {كِلانا كَانَ أحْوُجُ إلَيَ غَيْرِ هَذَا مِنكَ يَا ُعمَر ، تَأمُرُُهُ بِحًسْنِ المُطَالَبَةِ ، وَ تَأمُرُنِي بِحُسْنِ الأدَاءِ}
إنها العدالة التي ورثها صلى الله عليه وسلم من خلال النبوَّة ، حتي وهو طفلٌ ، فقد كان يعدل مع أخيه في الرضاعة ، حين إلتقم ثدياً واحداً ، ورفض أن يلتقم الآخر ، لمعرفته أن له شريكاً في الرضاعة ، فقد ألهمه الله العدل ، ثم قال صلى الله عليه وسلم :
{يَا عُمَرُ ، خُذْهُ إليَ البَيْتِ ، فَأعْطِهِ حَقَهُ ، وَزِدْهُ عِشْرِينَ وَسَقَاً مِنَ التَّمْرِ ، جَزَاءَ مَا رَوَّعْتَهُ ، فلمَّا ذهب عمر مع الرجل ، ودخلا المنزل , قال : يا عمر تدري لم فعلت ذلك ؟ قال : لا ، قال إني تحققت من صفات رسول الله في التوراة ، ولم يبق إلا صفة واحدة وهي : يسبق حلمه جهله ، ولا يزيده جهل الجاهل عليه إلا حلما ، وقد تحققت منها اليوم ، وأشهدك بأنه لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله}[2]
وهذا رجل آخر من اليهود ، وكان من أثرياءهم ، لما خرج المسلمون للقاء المشركين في أحد ، قال : يا معشر يهود لم تجلسون هكذا ، وتتركون محمدا يحارب قريشاً ، وأنتم تعلمون أن محمدا هو النبي المذكور عندكم في التوراة ، والذي بيَّن لكم موسي عليه السلام صفاته وعلاماته ، وأمركم أن تؤمنوا به ، وتؤازروه ، وتناصروه ، فلم تتقاعسون عن نصرته ؟
فلم يجيبوه إلا بما تعودوا عليه من الإفك والكذب ، فقال لهم : يا معشر يهود إني ذاهب لنصرته ، والقتال معه ، فإذا قتلت ، فأشهدكم أن كل ثروتي تؤول إليه يتصرف فيها كيف يشاء ، وأخذ سلاحه ، ودخل المعركة ، وظل يحارب في صفوف المسلمين حتي استشهد
وأموال هذا الرجل هي التي كان ينفق منها رسول الله صلى الله عليه وسلم في خاصة نفسه ، حتي لحق بالرفيق الأعلى ، لأن من سنن الله في إرسال رسله ، أن يفرَّغهم لتبليغ الرسالة ، ويتولي عنهم تدبير معيشتهم ، حتى لا ينشغلوا إلا به ، فقيض الله هذه الأموال ليعزَّه ، فلا يحتاج إلي أحد من خلقه ، وليكون شغله كله بالله ، فلا يلتفت نفسا ولا أقل عنه إلي غيره [3]
أما يهود الشام فقد اختاروا واحدا من كبار علمائهم ، و أرسلوه إلي مكة عندما علموا اقتراب أوان ظهوره صلى الله عليه وسلم ، لأنهم كانوا يعلمون أنه سيولد بمكة
{فسكن هذا الرجل في شعب خارج مكة ، وكان أهل مكة بعد أن شاع سبب مجيئه يعرضون عليه أطفالهم بعد ولادتهم ، فكلما ينظر إلي مولود ويتبينه يقول : ليس هو ، إلي أن ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب إليه جده عبد المطلب بمفرده ، فأول ما رآه قال له : أنت جده فقال : جد من؟ فقال : نبي آخر الزمان فقد ظهر نجمه في السماء الليلة (وهناك نجم معين كبير الحجم جداً ولونه أحمر يظهر عند ولادة النبي) فقال له : أنا أبوه ، قال : لا , مكتوب في التوراة أن أباه يكون قد مات - ونص العبارة (وما ينبغي لأبيه أن يكون حياً)
ثم طلب منه أن يذهب معه لرؤيته : فأخذه إلى بيت السيدة آمنة ، فلما شاهد الغلام أخذ يفحصه حتى وجد خاتم النبوة أعلى كتفه الأيسر , وكان في حجم بيضة الحمامة , ويشع نوراً , ومكتوب فيه من الداخل (لا اله إلا الله محمد رسول الله) بشعيرات بارزة ، وتنطق من الخارج (توجَّه حيْثَ شئتَ فإنك مَنْصُور) فلما تحقق منه ، آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم , والتفت إلى عبد المطلب وقال : إني أخشي عليه من اليهود , فأنهم إذا رأوه لابد أن يقتلوه ، فقال عبد المطلب : ولماذا ؟ ، قال : لأنهم لا يريدون أن تنتقل النبوة من ولد إسحاق إلى ولد إسماعيل}[4]
وهكذا فأخبار اليهود في هذا الباب لا تعدُّ ولا تحصي ، أما النصارى فالأخبار عنهم في هذا الباب أكثر وأكثر ، منها ما ورد عن قيصر الروم في الرواية المشهورة التي تحقَّق فيها من صفات رسول الله صلى الله عليه وسلم ، في الحوار الذي دار بينه وبين أبي سفيان قبل إسلامه ، وقد جاء في الأخبار أنه كان يمتلك خزانه من عهد آدم عليه السلام ، فيها صور الأنبياء جميعاً , ومن جملتها صورة طبق الأصل لرسول الله صلى الله عليه وسلم
[1] رواه البخاري والبيهقي عن أنس وأبي إسحاق وابن عساكر عن طريق محمد بن حمزة بن عبد الله بن سلام
[2] أخرجه الطبراني وابن حبان والحاكم والبيهقي وأبو نعيم عن عبد الله بن سلام.
[3] عن سبل الهدي والرشاد بتصرف
[4] رواه الحاكم عن عائشة رضي الله عنها
عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]"]منقول من كتاب {حديث الحقائق عن قدر سيد الخلائق}
اضغط هنا لتحميل الكتاب مجاناً
[IMG]عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ][/IMG]
سلمان الفارسى
سلمان الفارسي كان أبوه الكاهن الأكبر للنار في بلده , وكان يخاف عليه لأنه وحيده , فلا يسمح له بالخروج من البيت منفرداً ولو إلى مزرعته الخاصة
وذات يوم كلفه بالذهاب إلى المزرعة ليباشر عملاً بها نيابة عنه لانشغاله ، وأوصاه ألا يتأخر , فمر في طريق بدير للنصارى ، وسمعهم يصلون فأعجب بهم وجلس قريباً منهم معظم النهار ، فلما عاد أخر اليوم , وكان قد أشتد قلق أبيه عليه , سأله عن سر تأخيره فأخبره بخبره فقال له : لا تعد فأن دين آباءك خير من هذا الدين
غير أنه أخذ يتردد على الدير سراً , فلما علم أبوه بالخبر أوثقه بقيد , وحبسه في المنزل خوفاً عليه , ولكنه أرسل إليهم ليسألهم عن أصل هذا الدين أين يكون ؟ فأخبروه أنه بالشام , فطلب منهم عند حضور أحد من الشام أن يخبره ليتجهز للسفر معه , فإذا أراد الرجوع إلى الشام يخبروه ليلحق بهم ، ونتركه رضي الله عنه ليحكي لنا بقية ما حدث قال :
فجاء نفر من الشام فأخبروني , فلما هموا بالسفر أعلموني بالسفر ، ففككت قيودي ، ولحقت بهم ، وسافرت معهم ، فلما وصلنا إلى الشام ، قلت لهم : من أكبر رأس عندكم في هذا الدين ؟ قالوا الأسقف
قلت : دلوني عليه , فدلوني عليه ، فاعتنقت الدين على يديه , وطلبت منه أن يجعلني أتولي خدمته ، فوافق على ذلك , قال : ومكثت معه فترة فوجدته أسوأ الناس سيرة , يأمر الناس بالزكاة والصدقة ، فيجمعونها له ، فيأخذها لنفسه , حتى ملأ سبع قلال كبيرة من ذلك , فلما مات وأرادوا الصلاة عليه ، أخبرتهم خبره ، ودللتهم على موضع كنوزه ، فكرهوا ذلك ، وقالوا : والله لا ندفنه أبـداً وصلبوه , ورجموه بالحجارة , وجاءوا برجل أخر فجعلوه مكانه
قال سلمان : فما رأيت رجلا لا يصلي الخمس , أري أنه كان أفضل منه ، وأزهد في الدنيا , ولا أرغب في الآخرة ، ولا أدأب ليلا ونهاراً منه , قال : فأحببته حبَّاً لم أحبّْه شيئاً قبله ، قال : فأقمت زماناً طويلاً
ثم حضرته الوفاة , فقلت له : يا فلان , إني قد كنت معك وأحببتك حباً لم أحبه شيئاً قبلك , وقد حضرك ما تري من الله تعالي , فإلي من توصي بي ؟ وبم تأمرني؟ قال : أي بني , والله ما أعلم اليوم أحداً على ما كنت عليه , فقد هلك الناس , وبدلوا ، وتركوا أكثر ما كانوا عليه , إلا رجل بالموصل , وهو فلان , وهو على ما كنت عليه فالحق به
قال :فلما مات وغيب ، لحقت بصاحب الموصل ، فقلت له : يا فلان , إن فلانا أوصاني عند موته أن ألحق بك , وأخبرني أنك على أمره، فقال لي : أقم عندي ، فأقمت عنده , فوجدته رجل على أمر صاحبه ., فلم يلبث أن مات ، فلما حضرته الوفاة , قلت له : يا فلان , إن فلاناً أوصي بي إليك , وأمرني باللحوق بك , وقد حضرك من أمر الله ما تري , فإلي من توصي بي ؟ وبم تأمرني ؟ قال : يا بني والله ما أعلم رجلاً على مثل ما كنا عليه , إلا رجلا بنصيبين[1] وهو فلان فالحق به
فلما مات وغيب ، لحقت بصاحب نصيبين ، فأخبرته خبري , وما أمرني به صاحبه , فقال : أقم عندي ، فأقمت عنده على أمر صاحبيه , فأقمت مع خير رجل , فو الله ما لبث أن نزل به الموت , فلما حضر قلت له : يا فلان , إن فلانا كان أوصي بي فلان , ثم أوصي بي فلان إليك , فإلي من توصي بي ؟ وبم تأمرني ؟ قال يا بني , والله ما أعلمه بقي أحد على أمرنا أمرك أن تأتيه ، إلا رجلا بعمورية من أرض الروم , فأنه على مثل ما نحن عليه , فأن أحببت فأته , فأنه على أمرنا .
فلما مات وغيب ، لحقت بصاحب عمورية , فأخبرته خبري ; فقال : أقم عندي , فأقمت عند خير رجل , على هدي أصحابه وأمرهم ، قال : وأكتسب حتى كانت بقرات وغنيمة , ثم نزل به أمر الله تعالي , فلما حضر قلت له : يا فلان , إني كنت مع فلان , فأوصي به إلى فلان , ثم أوصي بي فلان إلى فلان , ثم أوصي بي فلان إليك , فإلى من توصي به ؟ وبم تأمرني ؟
قال : أي بني , والله ما أعلمه أصبح اليوم أحد على مثل ما كنا عليه من الناس أمرك به أن تأتيه , ولكنه قد أظل زمان نبي , وهو مبعوث بدين إبراهيم عليه السلام , يخرج بأرض العرب ، مهاجرة إلى أرض بين حرتين [2] , بينهما نخل ، به علامات لا تخفي : يأكل الهدية , ولا يأكل الصدقة , وبين كتفيه خاتم النبوة , فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فأفعل
قال : ثم مات وغيب , ومكثت بعمورية ما شاء الله أن أمكث ، ثم مرَّ بي نفر من "كلب"- قبيلة - تجار , فقلت لهم : احملوني إلى أرض العرب ، وأعطيكم بقراتي هذه وغنيمتي هذه , قالوا: نعم ، فأعطيتموها وحملوني معهم ، حتى إذا بلغوا وادي القرى ، ظلموني , فباعوني إلى رجل يهودي عبداً , فكنت عنده , ورأيت النخل , فرجوت أن يكون البلد الذي وصف لي صاحبي
ولم يحق في نفسي , فبينما أنا عنده , إذ قدم عليه ابن عم له من قريظة ، من المدينة , فابتاعني منه , فاحتملني إلى المدينة , فو الله ما هو إلا أن رأيتها فعرفتها بصفة صاحبي , فأقمت بها ، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم , فأقام بمكة ما أقام , لا أسمع له بذكر مع ما أنا فيه من شغل الرق
ثم هاجر إلى المدينة , فو الله إني لفي رأسي نخلة لسيدي أعمل له فيه بعض العمل , وسيدي جالس تحتي , إذ أقبل ابن عم له حتى وقف عليه , فقال : يا فلان , قاتل الله بني قيلة {الأوس والخزرج} والله إنهم لمجتمعون بقباء على رجل قدم عليهم من مكة اليوم , يزعمون أنه نبي
قال سلمان : فلما سمعتها أخذتني رعدة , حتى ظننت أني سأسقط على سيدي , فنزلت عن النخلة , فجعلت أقول لابن عمه ذاك : ماذا تقول ؟ فغضب سيدي , فلكمني لكمة شديدة , ثم قال : مالك ولهذا ؟ أقبل على عملك . قال : قلت : لا شيء إنما أردت أن استثبته عما قال
قال : وقد كان عندي شيء قد جمعته ، فلما أمسيت أخذته , ثم ذهبت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو بقباء فدخلت عليه ، فقلت له أنه قد بلغني أنك رجل صالح , ومعك أصحاب لك غرباء ذو حاجة , وهذا شيء قد كان عندي للصدقة , فرأيتكم أحق به من غيركم , قال : فقربته إليه , فقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه : كلوا , وأمسك يده فلم يأكل ، قال : فقلت في نفسي : هذه واحدة
قال ثم انصرفت عنه , فجمعت شيئاً , وتحول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة , ثم جئته به , فقلت له : إني قد رأيتك لا تأكل الصدقة , وهذه هدية قد أكرمتك بها . قال : فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم منها , وأمر أصحابه فأكلوا معه , قال : فقلت في نفسي : هاتان اثنتان
ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالبقيع قد تبع جنازة رجل من أصحابه , وهو جالس في أصحابه , فسلمت عليه , ثم استدرت أنظر إلى ظهره , هل أري الخاتم الذي وصف لي صاحبي : فلما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم استدرت خلفه ، عرف أني أستثبت في شيء وصف لي , فألقي رداءه عن ظهره , فنظرت إلى الخاتم فعرفته , فانكببت عليه أقبِّله وأبكي
فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : تحوَّل , فتحوَّلت فجلست بين يديه , فقصصت عليه حديثي ، فأعجب رسول الله أن يسمع ذلك أصحابه ، ثم شغل سلمان الرق حتى فاته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدر وأحد
قال سلمان : ثم قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : كَاتِبْ يا سلمان ، فكاتبت صاحبي على ثلاث مائة نخلة, وأربعين أوقية {كَاتَبَ : أي اتفق مع سيده على ثمن عتقه ، أو شراء نفسه منه}
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : أعينوا أخاكم , فأعانوني بالنخل , حتى اجتمعت لي ثلاث مائة ودية {الودية : النخلة الصغيرة} فقال لي رسول الله : أذهب يا سلمان فاحفر لها , فإذا فرغت ؛ جئته فأخبرته , فخرج الرسول صلى الله عليه وسلم معي إليها , فجعلنا نقرِّب إليه الودي , ويضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده , حتى فرغنا
ويقال : أن سلمان غرس بيده , ودية واحدة , وغرس رسول الله صلى الله عليه وسلم سائرها فعاشت كلها إلا التي غرس سلمان ، وفي رواية أن الذي غرسها عمر بن الخطاب رضي الله عنه
قال : فأديت النخل ، وبقي على المال , فأتي رسول الله بمثل الدجاجة من ذهب , فقال : ما فعل الفارسي المكاتب؟ قال : فدعيت له , فقال : خذ هذه , فأدِّها مما عليك يا سلمان ؟ ، قال : قلت : وأين تقع هذه يا رسول الله مما علىَّ ؟ ، فقال : خذها فإن الله سيؤدي بها عنك
وفي رواية أخرى أنه صلى الله عليه وسلم قلبها على لسانه , ثم قال : خذها فأوفهم منها , فأخذتها , فأوفيتهم منها حقهم كله , أربعين أوقية ، وعتق سلمان , فشهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق حراً , ثم لم يفتني معه مشهد[3]
[1] نصيبين : مدينة من بلاد الجزيرة على الطريق من الموصِّل إلى الشام
[2] الحرَّة : كل أرض ذات حجارة سود من أثر احتراق بركاني
[3] رواه أبن هشام في سيرته كاملة عن عبد الله بن عباس ، وأخرجه أبن سعد ، والبيهقي ، وأبو نعيم ، عن طريق أبن إسحاق
عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]"]منقول من كتاب {حديث الحقائق عن قدر سيد الخلائق}
اضغط هنا لتحميل الكتاب مجاناً[/URL]