أديب وشاعر جزائري - رئيس الرابطة العالمية لشعراء نور الأدب وهيئة اللغة العربية -عضو الهيئة الإدارية ومشرف عام
رد: سلسلة: مواعظ وعبر في فواتح وخواتم السور..
ثانيا :البقرة.
الجزء الأول:
[align=justify]يقول الله تعالى:
بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم , بسم الله الرحمن الرحيم:
((الم.ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين*))هكذا استهل الله سورة البقرة بجملة اسمية هي الأخرى, كبداية الفاتحة؟ لكنه في هذه السورة استهلها بذكر القرآن , مشيرا إليه باسم الإشارة(ذلك)؛ لقد خلق الله الجنة وخلق آدم وأسكنه فيها فحمده آدم على ما منّ عليه من نعم , وأولها نعمة العلم, ثم هداه الصراط المستقيم ؛ فما دستور ذلك كلّه؟ إنه الكتاب الذي لا ريب فيه ...إنه القرآن الكريم..ألا ترى معي الحكمة من هذا الإستهلال العظيم المعجز؟! فالخلق والنعمة والعلم والحمد يضمها ويخلّدها ويوثق لها كتاب لا ريب فيه! أليس في كتاب الله ذكر لماهية خلق الكون ومن جعله خليفة له فيه؟ ونوجز قولنا بهذه العبارة البسيطة: الحمد لله الذي هدانا إلى صراطه المستقيم بآيات كتابه الذي لا ريب فيه... يتبع..
أديب وشاعر جزائري - رئيس الرابطة العالمية لشعراء نور الأدب وهيئة اللغة العربية -عضو الهيئة الإدارية ومشرف عام
رد: سلسلة: مواعظ وعبر في فواتح وخواتم السور..
ثانيا :البقرة.
الجزء الثاني:
[align=justify] وتأمل معي خاتمة السورة : يقول جل شأنه: بسم الله الرحمن الرحيم:((لا يكلّف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربّنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربّنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربّنا ولا تُحمّلنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين*)) ومثلما ختم الله سورة الفاتحة بالدعاء, ختم البقرة بالدعاء أيضا؛ألا تجد معي هذا الربط العجيب بين سور القرآن وآياته؟! ثم اسأل: من الحامد المتعبّد المتّقي؟ من المهتدي؟ ومن خلقه ومنّ عليه بنعمتي العلم والهداية؟ ألا يتوجّب على هذا المخلوق أن يتقي ربّه؟! ألا يتوجّب عليه أن يدعو ربّه ويلحّ في الدّعاء؟! لذلك ـ والله أعلم ـ تكرّر الدعاء وتلاحق في آخر آية من البقرة؟ وانظر إلى آخر لفظة من آخر آية من الفاتحة وآخر لفظة من آخر آية من البقرة , ألا تجد ذلك المعنى العجيب في التطابق بين اللفظتين (الضالين)و(الكافرين)؟ تعرف بدون شك أن الضالين هم الكافرون , وأن الكافرين هم من ضلوا عن سبيل الله؛ فما حمدوه , وما عبدوه,وما اتبعوا صراطه المستقيم,وما آمنوا بكتابه الذي لا ريب فيه...أليس هذا قمة الإعجاز وذروة البيان وسمو المعنى وبراعة الإشارة؟! يتبع..
[/align]
أديب وشاعر جزائري - رئيس الرابطة العالمية لشعراء نور الأدب وهيئة اللغة العربية -عضو الهيئة الإدارية ومشرف عام
رد: سلسلة: مواعظ وعبر في فواتح وخواتم السور..
ثانيا :البقرة.
الجزء الثالث:
[align=justify] وأدعوك الآن ـ عزيزي القارئ ـ إلى النظر والتدبّر مرة أخرى في آخر البقرة؛ يقول تعالى: ((لا يكلف الله نفسا إلا وُسعها)) فالذي خلقها حتما يعلم وسعها وبُعد قدرتها واستطاعتها وطاقتها, ومنه فما كلف الله به عباده هم قادرون على أدائه وعلى اختلاف قدراتهم واستطاعاتهم وطاقاتهم ؛ وهنا إشارة لطيفة إلى التفاوت الموجود بين بني البشر؛ فما ليس بوسع نفسي القيام به قد تقوى نفسك عليه, ولكن في جميع الحالات النفس واحدة في أصلها عاجزة وقاصرة ! يتبع..
أديب وشاعر جزائري - رئيس الرابطة العالمية لشعراء نور الأدب وهيئة اللغة العربية -عضو الهيئة الإدارية ومشرف عام
رد: سلسلة: مواعظ وعبر في فواتح وخواتم السور..
ثانيا :البقرة.
الجزء الرابع:
[align=justify] ثم تأمّل قوله عز وجل:((لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت)) فانظر إلى مادة الفعلين إنها واحدة: (كـ ,س,ب), و(اللام) و (على) كلاهما حرف جر , أي لهما نفس العمل رغم اختلاف المعنى ؛ فما السر في جعل الفعل الأول (كسب) ثلاثيا مجردا؟ والثاني (اكتسب) ثلاثيا مزيدا بحرفين؟ ألا ترى معي أن الخير مودع في النفس من لدن الله فهو فطرة, والفطرة لا دخل للإنسان فيها , فهي مجردة من كل اجتهاد أو تصرف بشري؟ فإن تجاوز الإنسان فطرته أفسدها وكلف نفسه فوق طاقتها وبذلك يكون قد خالف قوله تعالى: ((لا يكلف الله نفسا إلا وسعها)) فلذلك ـ والله أعلم ـ جاء الفعل الثاني مزيدا دالا على ما يناقض الفطرة, وبالتالي فكل ما يجترح الإنسان من شر هو مكتسب دخيل على الفطرة؛ فالنفس إذن تكسب الخير إن اتبعت فطرتها السليمة وهذا هو الأصل ! وتكتسب الآثام والذنوب والشر إن خالفت تلك الفطرة؛ فاكتسب افتعل الشيء!! يتبع..
[/align]
أديب وشاعر جزائري - رئيس الرابطة العالمية لشعراء نور الأدب وهيئة اللغة العربية -عضو الهيئة الإدارية ومشرف عام
رد: سلسلة: مواعظ وعبر في فواتح وخواتم السور..
ثانيا :البقرة.
الجزء الخامس:
[align=justify]واسأل نفسك بعد هذا : ما السر في توالي الدعاء بعد تينك الجملتين القرآنيتين ؟ وما العلاقة الموجودة بينهما وبين الدعاء ؟ تدبر معي إذن الدعاء الأول , يقول جل شأنه: ((ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا)), لقد ذكّر الله عباده بالجزاء في قوله: ((لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت)), فكل ما يقوم به الإنسان بعيدا عن فطرته السليمة يكون حتما مخالفا لأمر الله , وخوف الإنسان المؤمن من أن يخالف أمر ربه جعله يرفع هذا الدعاء , لأنه قد تنسيه الدنيا ذكر ربه, والنسيان عادة يتصل بالعقل ـ أهم جانب في النفس ـ ولوجوده كُلّف الإنسان دون غيره من المخلوقات, وعادة ننسى الأشياء التي نعلمها , والنسيان يؤدي بالضرورة إلى الخطإ؛ فغالبا ما نقع في الخطإ لجهل منا وسوء فهم وتقدير لما نحسه أو نعيشه أو نعتقده, والخطأ المذكور في هذه الآية ليس جريمة , لأنه ناتج ـ والله أعلم ـ عن نسيان , وليس مقصودا متعمدا , ثم أن المخطئين هنا وأصحاب الدعاء مؤمنون ,وهذا ما يفسره تصدّر الجملة بفعل منفي (لا تؤاخذنا) ولم يقولوا (لا تعذبنا) مثلا أو (لا تعاقبنا),لأن العذاب أو العقاب جزاء كل مجرم ارتكب إثما أو خطيئة متعمّدا, أما المؤاخذة فتعني هنا اللوم والعتاب...فالنسيان والخطأ دليل آخر على محدودية وقصور النفس البشرية ![/align] يتبع..
أديب وشاعر جزائري - رئيس الرابطة العالمية لشعراء نور الأدب وهيئة اللغة العربية -عضو الهيئة الإدارية ومشرف عام
رد: سلسلة: مواعظ وعبر في فواتح وخواتم السور..
ثانيا :البقرة.
الجزء السادس:
[align=justify] ثم تدبر معي بقية الدعاء: ((ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا)), واسأل مرة أخرى: ما الذي فعل الذين من قبلنا ؟ ولمَ حمل الله عليهم إصرا؟ ألم ينسوا ما ذُكّروا به من قبل فأخطأوا في حق الرسل؟ لذلك جاء هذا الدعاء عقب النسيان والخطإ!
ثم تدبر هذا الدعاء:((ربنا ولا تحمّلنا ما لا طاقة لنا به)), لقد سبق وأن ذكّر الله عباده بحُكمه ((لا يكلف الله نفسا إلا وسعها)) فما السر في هذا الدعاء وهم يعلمون؟ فالمصائب والإبتلاءات في الدنيا قد تجد نفسا صابرة مصابرة لاحتوائها وتجاوزها, لكن عذاب الآخرة لا طاقة لمخلوق به؛ فالدعاء هاهنا خشية عذاب الآخرة لا مصائب الدنيا!
ثم تدبر معي أيضا السر في جعل الفعلين المنفيين (لا تحمل )و(لا تحمّلنا) من مادة واحدة هي (ح,م,ل)؟ فالحمل قد يكون في الدنيا , والتحمل قد يكون في الآخرة؟ وتدبر بقية الدعاء:((واعف عنا واغفر لنا وارحمنا)) فلم َالعفو؟ولمَ الغفران؟ولمَ الرحمة؟ فالأفعال كلها ثلاثية مجردة! فما السر في تواليها بهذا الترتيب العجيب المحكم؟
فجملة ((واعف عنا))إجابة عن((إن نسينا أو أخطأنا)),وجملة ((واغفر لنا)) إجابة عن ((ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا)), وجملة ((وارحمنا)) إجابة عن ((ولا تحمّلنا ما لا طاقة لنا به)) لأن المؤمن لن يدخل الجنة ولن ينال الثواب إلا برحمته عز وجل, لذلك كانت الرحمة آخر الدعاء ! ثم تدبر قوله:((أنت مولانا)),أليست تفسيرا لمعنى الربوبية الوارد ذكرها في الفاتحة((رب العالمين))؟
فلذلك أوكـل المؤمنون نصرهم على الكافرين إلى الله عز وجل , وهي إشارة إلى ما يؤثر في نفس المؤمن فيذنب, إمّا لأشياء من نفسه كالنسيان والخطإ,أو لأشياء من غواية الشيطان , أو لأشياء من فتن الكافرين؛ فأعداء الإنسان ثلاثة: نفسه والشيطان والقوم الكافرون!
ثم اسأل وتدبر:ما السر في النداء بلفظة((ربنا)) وبحذف حرف النداء؟ كأن ـ والله أعلم ـ ((رب العالمين))في الفاتحة لها دلالة هاهنا في البقرة , فالعباد المؤمنون من العالمين, فحينما دعوه ,دعوه بها فقالوا: ((ربنا))...
[/align] [align=justify]يتبع..[/align]
أديب وشاعر جزائري - رئيس الرابطة العالمية لشعراء نور الأدب وهيئة اللغة العربية -عضو الهيئة الإدارية ومشرف عام
رد: سلسلة: مواعظ وعبر في فواتح وخواتم السور..
ثانيا :البقرة.
الجزء السابع والأخير:
[align=justify]ولقد نظرت في الآيات الأربع , أول الفاتحة وآخرها, وأول البقرة وآخرها ,فألفيت ترتيبا عجيبا للأسماء والحروف والأفعال: فالأسماء أكثر من الحروف والأفعال؛ والحروف أكثر من الأفعال؛ ولقد قال القدماء: الاسم دال على الثبوت والدوام عليه, والفعل دال على التجدد واستمراره؛ والحرف لا معنى له إلا مع غيره؛ فالثابت هو أن الله واحد لا شريك له , له الحمد , وكتابه حق لا ريب فيه,وصراطه مستقيم لا عوج فيه ؛ وأما المتغيّر المستمر في التغيير هو إيمان الناس وكفرهم, تذكّرهم ونسيانهم , خيرهم وشرهم , امتثالهم وعصيانهم...ثم أن الخير أكثر من الشر وغالبه, والهدى أكثر من الضلال في الآيات الأربع من سورتي الفاتحة والبقرة, رغم التباعد الزمني واختلاف أسباب النزول بين هذه الآيات ؛ وعليه فصفوة القول هي: الحمد خير؛والله خير؛ والرب خير؛ وصراط المنعم عليهم خير؛ والكتاب خير؛والهدى خير؛ والمتقون خير؛ والعفو خير؛ والغفران خير؛ والرحمة خير؛ والمولى خير؛ والنصر على الكافرين خير...أفلا تجد معي كل هذه الخيرات في أربع آيات فحسب من القرآن الكريم؟؟!!
وأرجو أن يكون لي في الأخير وفي كل ما تدبرته أجر وخير , وأن يكون لك ـ عزيزي القارئ ـ به ألف أجر وخير؛ وآخر دعوانا ((أن الحمد لله رب العالمين*))..
[/align] [align=justify]انتهى.[/align]