رد: الأديب -عبدالحافظ بخيت متولي-في حوار مفتوح بالصالون الأدبي يحاوره الشاعر يسين عرع
الأستاذة الراقية والأديبة الرائعة والأخت الكريمة جدا هدى نور الدين الخطيب
لن أستطيع وصف سعادتي بتشريفك لهذا الحوار ولا كم فرحتي بهذه المداخلة الراقية والتي تكشف عن وعي ثقافي حاد بالسالف وتستشرف المستقبل من خلال رؤي يبدو بين السطور , وحين قرأت هذه المداخلة أحسست أن وراء كل سطر فيها كتب كثيرة تحتاج إلى قراءة متأنية وفكر عميق على بساطة اللغة فكانت هذه المداخلة من نوع السهل الممتنع ولقد ذكرتني هذه المداخلة بكتابات ابن القفع والجاحظ , فكان الواحد منهك ينشئ المقالة بلغة تبود سهلة الوصول إلى الإدراك ثم ما يلبث المتلقى أن يقع في ورطة التركيز والتفكيك والتركيب حتى يصل إلى المعنى المراد
* اسمحي لي - سيدتي - أن أقول لك أن ثقافة هذه العصر فى عالمنا العربى الآن - إن جاز لي أن أحكم عليها - هي نوعان من الثقافة
- نوع يسمى ثقافة " التيكى واي" هذه الوجبات السريعة التي لا تسمن ولا تغني من جوع وقد امتد هذه النمط الثقافي ليشمل كل دوائر الثقافة والفكر والإبداع فصرنا نحن - العرب - أكثر استخداما لمصطلح " الميتا" من الذين خلقوا هذا المصلح وأصبحنا نواجه مثلا بما يسمى الميتا قصة والميتاقصيدة والميتافكر وهذا أكد فكرة الخطف الثقافي إن جاز التعبير فلاعمق ثقافي ولامنهجية فى التعامل مع ثقافة الآخر بل صارت ثقافة الآخر هي الأصل ومنتجنا الثقافي مسخ مشوه ولنا أن نطالع الآن الكتابات والمقولات الثقافية التى تعتبر علامة فى تاريخ الثقافة العربية نجدن وقعنا بين تعادلية الحكيم وتوفيقية الأنصاري وتلفيقية الجابري ووسطية عبد الحميد إبراهيم وغيرهم وكلها مقولات لم تتجاوز حد التنظير فكانت كالنمل تعتمد على طريقة الجمع والتخزين ولم تصبح مثل النحل تعتمد على الجمع ثم إعادة الإنتاج لأن هذه المقولات ابتعدت عن التأصيل لمشروع عربي قومي يضم الأقطار العربية كلها في بوتقة ثقافية واحدة
ثم دخلنا الحداثة ومابعد الحداثة وتورطنا في الحداثة فصرنا حداثيين أكثر من أصحاب الحداثة لأننا نفقتد المنهج للتعامل مع المنتج الغربي بشكل عام ولو سألنا أنفسنا لماذا نجح الفكر العربي في العصر العباسي في التقدم برغم أنه كان فكرا طالعا من رحم البداوة ؟ وأتصور أنه نجح لأنه لم يلغ هويته العربية فمزج بين تراثه العربي وبين ما أخذه عن اليونان من علوم طبيعية وعن من الفرس من أدب وفكر وعن الهند وغيرها من ثقافات الآخر فأخرجت هذه الحقبة ابن رشد وابن سينا والخوارزمى والجرجاني وقدامة بن جعفر وابن المقفع والجاحظ وغيرهم ممن قامت عليهة ثقافة الغرب بعد ذلك بقيادة " فرديريك" الثاني الذي نجح أيضا في أن ينقل ثقافة العرب دون أن يلغي التراث الأوربي أثناء الحروب الصليبية
- والأمر الثاني متعلق بالأول فحين وقعنا ثقافيا فى مهب الريح لجأ أنصاف المثقفين وأشباه المفكرين إلى ما يسمى بثقافة الفهلوة وهذه الثقافة تعتمد على عدة مقولات أو قوالب فكرية جاهزة تصلح لكل المجتمعات وفي كل الأزمنة ولك أن تتخيلي سيدتي لو أن ظاهرة معينة طرات على الواقع العربي لوحدت في اليوم الثاني عشرات الكتب خرجت لتعليل هذه الظاهرة فمثلا بعد قيام حرب الخليج خرجت عشرات الكتب تعلعل أسرار حرب الخليج دون الالتفات إلى جوهر القضية ناهيك عن عشرات تيارات أدلجة الفكر إلى إيديولوجيات مختلفة ومتاباينة وفق إيمان كل واحد بنظرية فكرية غربية رغم أن الجذر الفكري العربي واحد ولا يتجزأ فإما أن يؤخذ كله أو يترك كله
وإذا جئنا إلى عصر التكنولوجيا فاسمحي أن أقول لك أننا فى أمية تكنولوجية حتى الآن مع أننا نزعم أن لنا باعا طويلا فى التكنولوجيا التى لم نوظفها توظيفا صحيحا حتى الأن وجل أمر التكنولجيا عنده قاصر على تحقيق الرفاهية واختزال الوقت الذي تعودنا على قتله منذ زمن دون الاستفادة منه وكان مردود عدم التوظيف هذه الردة الثقافية فبعد التكنولوجيا قطعنا علاقتنا بالكتاب مما أدى إلى تراجع دور الكتاب حتى على مستوى النشر ولو سألنا أنفسنا ما الحل إذا ؟ واتصور أننا في الوضع الراهن نحتاج إلى مثقف جديد لا يجعل ديالكتيك الثقافة العربية وتأثيرها الديناميكي هامشياً ويأخذ في الاعتبار أهمية الدور التاريخي للمثقف المتفاعل غير المتكيف والمهادن للسلطة وبوق إعلامها، و تكون مهماته الإبداعية خارج منطق التكيّف بمفهومه الذاتي والسياسي والاجتماعي
ومن أجل الوصول إلى الوعي الخلاق لتطوير ذات المثقف المتفاعل وعدم السقوط في شيزوفرينيا الذات والوعي (حسب أفهومة كيركجارد الفلسفية)، عليه أن يعتمد على تماسك ذاته وصلابتها وبنائها، أي اختيار ذاته من جديد للمساهمة في خلق البناء الاجتماعي والحضاري، مادام المثقف الآن تخلى عن دوره التاريخي في الصراع الفكري والبناء، بعد أن أصبح مروجاً لأفكار وبرامج سياسية. ويفرض هذا أهمية المثقف المتفاعل، صاحب العقل الديناميكي والمعارف المتطورة، وهذه كلها تشكل سلطة المثقف المتفاعل.
فلا يكون للتطورات العظيمة التي حدثت في عالمنا في السنوات الأخيرة أية أهمية مالم تفرض تحققاً مطلقاً للديمقراطية مما يحتم ملامسة حساسية المثقف المتفاعل لما يحدث في الحاضر الآني، في وقت يخضع التكيف (والمثقف المتكيف) الثقافة والفكر والكتابة الإبداعية للزيف الذي يعزز عالماً بوليسياً. من هنا تأتي صعوبة الأزمنة التي يمر بها المثقف المبدع والمتفاعل الآن. وما رفضه لزيف الواقع الاستثنائي في أزمنة الدكتاتورية، إلا تأكيدٌ لانسجام وعيه الفكري والفني. وهو يُعد موقفاً ومشروعاً حياتياً وتاريخياً.
إذن هكذا مثقف يؤثر إيجابياً كذات مبدعة في العمليات الفكرية والاجتماعية عند توافر الظروف الطبيعية التي أشرنا لها ، وهذه الإيجابية هي التي تمنع عدمية الفكر والثقافة أو اغتراب المثقف (في فترة ما). بالرغم من أن الاغتراب مرتبط تاريخياً وفلسفياً بالإنسان منذ نشوء قلق المجتمع والذات
بهذا نستطيع تجاوز الردة الثقافية ونكشف ثقافة " التيكى واي" ونعتمد على التعليم الرسمي الذي سلم راياته لتعليم الأرساليات والذي نجح الآن في اختراق واعية المواطن وإقناعه بأنه - أي تعليم الإرساليات- هو النموذج المثل لبناء شخصية تستطيع محاورة التقدم العلمي ومواكبة تغيرات العصر وللأسف ففي ظل غياب المثقف المتفاعل الواعي نجحت هذه الإرساليات إلى حد بعيد في جذب أصحاب الفراغ الثقافي والفكري إليها وذوي النفوذ المالي ناسين أن هذا التعليم يلغى كعنى الإنتماء القومي العربي لدى المتعلم ويشطب هويته العربية من ذاكرته لتحل محلها هوية الآخر التي تسكن عقله ويبني شخصيته وفكره عليها وهذا ما يفسر لنا ارتفاع نبرة الغربة والاغتراب الداخلي عند كثير من الشباب االعربي الذي يشعر بالغربة في داخل وطنه وهنا يصبح التعليم الرسمي للفقراء فقط وهم الذين لا يحلمون ببناء وطن بقدر ما يحلمون بحماية انفسهم وذيهم من شبح الفقر والرغبة الشديدة في تجاوز الوضع الطبقي إلى وضع أكثر رفاهية وهذه جل أحلامهم
* لابد
أن تعود هذه المنتديات وتلك المواقع إلى هويتها العربية أولا وقلت في رد سابق لابد أن يكون هناك كيان رسمي قومي لا قطري يراقب هذه المنتديات ويمنحهها رخصة الإنطلاق بشرط تحقيق الهوية العربية على غرار اتحاد كتاب الإنتر نت وصديقيني أن 90% من هذه المواقع هابطة وآيلة للسقوط لأنها تخدم الرذيلة فقط .
* أعلم ني ثرثت كثيرا وأطلت بما لا يجوز لي ولكني مغلول وربما جاءت جراتي في هذه الثرثرة يقيني بسعة صدرك واتساع قلبك لنا جميعا والمرء حين يكون في حضرة أهله لا يتورع فى الثرثرة لأنه يسكب روحه عليهم وهو واثق من أنهم لا يفرون منه.
لك كل تقديري وكل مودتي سيدتي الكريمة
|