رد: (( لا تحيا إلا بالعناق ! ))
كانت الحياة قد بدأت تدب في أرجاء الفندق ، والطريق إلى المطعم بدت
محفوفة بالجمال ، كأنها المرة الأولى التي يمر فيها وليد في ردهاته وممراته
المغطاة بسجاد أحمر نظيف ، وأن الصور المعلقة على الجدران قد كشفت عن
ذوق رفيع في خطوط الاطارات المعتقة الانيقة التي تحمل لوحات في غاية
الأبهة والجمال بالرغم من كونها ليس أصلية ، فمهنة وليد كخطاط ، قد جعلته
خبيرا في أنواع الألوان الزيتية والمائية وهو يميز ما بين المرسومة منها والمطبوعة
أو المصورة ،كذلك لم يكن يلاحظه من قبل أن الشرفات تغص بأحواض الزهور
وأن المتكئات المشغولة من الحديد هي رائعة الرسمات وأن أعمدة الإضاءة تحمل
فوانيس مشغولة من زجاج ملون جميل ومتناسق .. في تلك اللحظة كان يرى
كل العالم كله جميل ؛ كان يمسك بيد بيرنا وقلبه ممتلئ بالبهجة والسعادة وهما
ينزلان إلى الطابق الأرضي ليصلوا غرفة الطعام ، استوقفته بسؤال :
- " ماذا سنقول لهم ؟"
- ماذا سنقول ..؟!
لم يعرف وليد ما الذي اعتراه .. لقد تغيّر مزاجه تماما ، ما كان عليها
سؤاله ذلك السؤال – قال لنفسه - !
أحست بيرنا أن شيئا ما لم تعرفه قد حدث فسألت من جديد :
- " أين الخطأ ؟ "
- ما من خطئ يا عزيزتي ولكن هل وجب علينا نحن البوح ،لا أعرف !
ثم اكملا الطريق بصمت كان بالنسبة لوليد ثقيلا جدا ، فهو لا يريد أن يبدوان
وكأنهما قد اقترفا بعض الذنوب ، ربما كان سؤال بيرنا عابر وعادي جدا لكن
وليد شاب مرهف وحساس ، ولا يريد الظهور بوجهين ولا يريد لمشاعره
أن تكون عرضة للشك !
:
طاولة الإفطار قد جمعت الرفاق الأربعة ، جلسوا متقابلين ، تقاسمت بيرنا
وسعاد نفس المقعد ، وعلى الجانب الآخر جلس وليد إلى جانب عدنان الذي
سحب يده تحت الطاولة و وضعها على فخذ صديقه وضغط بها عدة مرات
كان وليد يتجاهل ، لا يريد لرفيقه البدئ في الغمز واللمز كعادته .. لا يريد
لكلمة طائشة من هنا أو هناك أن تطيح بقداسة تلك الليلة ، كان يمكن لسعاد
ملاحظة الرصانة الزائدة البادية على تصرفات وليد وإلى حد ما بيرنا ، الأمر
الذي فرض بعض علامات استفهام كبيرة على تلك المائدة !
كان النعس والتعب باديان بوضوح على وجهي عدنان وسعاد لكنهما سعيدان للغاية
كل منهما ينظر في عيون الآخر ويبتسم ، يتغامزان ، يتداعبان ، يتناوشان نفس
قطع الخبز ويطعمها للآخر. ما بين الأمس وصباح هذا اليوم ، ازدادت جرأتهما
سقطت حواجز الخجل تماما!
حين أخذ عدنان حبة زيتون ووضعها في فم سعاد ، عضت على أصبعه ، لم تأكلها
، عاد ليداعبها من جديد بحبة أخرى ، لم تلتقطها بل أرته الأولى على طرف لسانها
عضت عليها ولاعبتها بأسنانها ثم أطبقت شفتيها المكورتان عليها بطريقة مثيرة
كررت مداعبتها لحبة الزيتون مرارا وتكرارا كانت تمتص جلدتها بما فيها من ماء وملح
تنظر نحو عدنان المبتسم بعين وتغمزه له بالثانية ، فقام هو الآخر بحركات سخيفة
اثارت وليد فقام وغادر طاولة الطعام دون النطق بكلمة ولكنه
أشار بيده بأنه سوف يعود فورا !
كان يتحين الفرصة لينفرد بصديقه ليعرف منه أين وماذا !
بدا أن حاجة الرفاق الملحة لينفردوا ببعضهم البعض كانت الدافع لعدنان
لترك الفتاتين واللحاق برفيقه . جلسوا في احدى زوايا الباحة الخارجية
المطلة على المسبح ، طلبوا قهوتهم وطال الحديث بينهما .. تحدث عدنان مطولا
قال كلاما كثيرا ، روي له أشياء ،وسكت عن الكثير، وحين أصرّ وليد عليه
أقسم واغلظ بأنه لم يقبّلَ سعاد سوى ساعتين وهي ما دافعت عن حصونها
لأكثر من ساعة .. وكانت تلك الليلة ليلة " من عمري " قال عدنان ..
وأوضح ، بأنهما لم يذهبا إلى فندقهما ولم يقتربا من غرفتهما كما كان يُعتقد
بل ذهبوا إلى شاطئ البحر ( الشاطئ الأزرق )
فهناك ، عند رماله الجميلة ، يرقد كل ليلة عشرات العشاق من كل لون وجنسية
ويبقون إلى ما بعد منتصف الليل أو أكثر .. ومن ينسى منهم نفسه يبقى حتى الصباح
ذلك الشاطئ لا يغلق أبوابه أمام أحد .. وكلما ازادت اعداد الاجساد العارية
الملتحفة بسواد ليله كان حضنه يتسع ويتسع ، يستعير من البحر أصدافه الزرقاء
ليزيد من حسن رماله وجمالها ، وأمواجه المبهجة تبتلع معظم الحكايات الحميمة
تحملها الأمواج المرتدة بعيدا ثم تتركها لتغوص في أعماقه
يحتضنها في مروج ضياء مرجانه ، يركنها ، يغطيها بطحالبه الخضراء
وتنام في قعره المدلهم بالسواد ، يحتجزها في أصدافه المهجورة التي
لا تبيح بما فيها سوى للمتحدث لغتها ، ولا تنطق إلا وشوشة
حين تلمسها يد عاشق للبحر والماء حكاية الأنسان الأولى .
أقرّ عدنان بان الأمر كان مُعدا وإنه وسعاد قد تركا
وليد وبيرنا لمصيرهما ليصنعوه كما يحلو لهم في تلك الليلة ، وقاما بالانضمام إلى ذاك
الجمع الذي يشبههما في التفكير والطباع!
- ولكن ، هل كنت تأتي لو سألتك ؟
أنا تركت لك فرصة التقرب أكثر إلى بيرنا " قال عدنان .
- لم لا ، ولكن خيرا فعلت انك لم تدعوني ، هل كنتما بثياب البحر ، من أين اتيتم بها ؟!
- قلت لك يا عزيزي أن كل شيء مدبر ؛ لا ، في ثيابنا الفضفاضة ،
جلسنا في ظلّ مظلّة لذنا في جنباتها ، حمتنا من الندى لكنها لم تحمنا من رغباتنا .
أخذنا بعض العصائر وأكلنا الكثير من الشكولاتة ، تسامرنا ضحكنا ولكن لا اخفيك
فإن الليل كان طويلا ومللنا قليلا ! "
كيف تحدث عدنان عن الملل تساءل وليد !
- ولكن جاء دورك لتخبرنا .. أنا تعبت حتى أُخلي لك الطريق تماما
فلا تقل لي كعادتك لم يحدث شيء بينكما .. هل ..
قاطعه وليد وقال :
|