قراءة في
كتاب
(يطلقون
النار ويبكون) لمؤلفتيه (رولي روزين وإيلانة همرمان)
إعداد: محمد توفيق الصواف
في أعقاب انطلاق الانتفاضة الأولى 1987، وتحديداً، في تشرين الأول من عام 1990، صدر عن دار النشر الإسرائيلية (عام عوفيد)، في تل أبيب،
كتاب وثائقي بعنوان
(يطلقون النار ويبكون)، وهو من تأليف (رولي روزين وإيلانة همرمان) اللتين حاولتا فيه الإجابة عن سؤالين في غاية الأهمية والقدرة على الإثارة هما:
هل من الضروري أن يكتب الشعراء شعراً في زمن الحرب، أو الانتفاضة؟ وما هو الشعر الذي يكتبه المحتل عن القمع والاضطهاد والقتل الذي يمارسه جنوده ضد الآخر؟
في رأي (إيلانة همرمان) التي كتبت تذييلا مهماً عن الكتاب، ليس في وسع الأديب اختيار الخيال حين يكون الواقع أوسع منه وأغرب، فالظرف أو الوضع يفرض نوعاً أدبياً خاصاً على الأديب، كما الحال بالنسبة لحدث في حجم الانتفاضة, وحسب همرمان لا يستطيع الكاتب أن يلتقط بعض التفاصيل الواقعية في حالة الانتفاضة ويبني عليها عالماً خيالياً، ما دامت الانتفاضة، كحدث، أكبر من كل خيال، وعلى هذا تغدو المادة الوثائقية هي الأصلح والأبقى من الأدب المفبرك فنياً لخدمة أغراض سياسية معينة..
من هنا، فإن أهمية الكتاب تنبع، بالدرجة الأولى، من كونه شهادات أشبه بكولاج، سعت إلى تصوير واقع معين دون السعي إلى خيال مفتعل.. فلا حاجة إلى خيال عظيم في حال كحال الانتفاضة. فأحداثها اليومية تملي تفاصيلها على الأديب والفنان والشاعر، دون اللجوء إلى المصطنع والزائف والمفبرك. وبهذا تتوج الانتفاضة مساراً جديداً في الأدب الإسرائيلي..
في الكتاب يعترف الجنود الذين حاورتهم مؤلفتاه بأنهم يتألمون بسبب قتلهم للعرب، وخاصة الأطفال والنساء، ويقولون إن مثل هذه الأفعال المشينة لا تشجع الشعراء على التفاخر بها، مستقبلاً، وأنهم كانوا يتمنون لو رفضوا أوامر قادتهم، وأنهم يفكرون بالنزوح عن إسرائيل بعد انتهاء فترة خدمتهم العسكرية، وما إلى هنالك من أقوال مشابهة، تدفع جميعها إلى التعجب في اتجاهين:
الأول، إذا كان الجنود الإسرائيليون إنسانيين إلى هذه الدرجة، فلماذا لا يتمردون على أوامر قتل الأطفال والنساء والأبرياء، التي بممارستهم لها إنما يقتلون الإنسان الموجود في أعماقهم؟
الثاني، لماذا لم تثمر هذه الشهادات الوثائقية أي تأثير مهم على نفسية الشباب الإسرائيلي الذي يشارك اليوم ضمن الجيش الإسرائيلي في ارتكاب المزيد من أعمال القتل؟
والجواب: إن مظاهر الإنسانية التي توحي بها شهادات الجنود الإسرائيليين هي في معظمها مظاهر زائفة أو لنقل (حديث غزاة) يطلقون
النار ويبكون، ولكنهم لا يتوقفون أبداً عن الاستمرار في القتل!! هذا من جهة، ومن جهة ثانية، لم تعد كتب كهذه تؤثر فعلاً في شباب يتشربون الحقد على العرب منذ نعومة أظفارهم، في البيت والمدرسة والجامعة، وحتى في أمكنة العمل ووسائل الإعلام المختلفة، بحيث تبدو كتب كهذا الذي نستعرضه، أشبه في تأثيرها بحبة الدواء الملقاة في بحر!!!
وإذا كان عدم تأثير هذا الكتاب فيمن قرأه من الأجيال الإسرائيلية التالية غريباً، فإن الأغرب منه ألا يصدر بعد انطلاق انتفاضة الأقصى 2000، أو بعد العدوان الهمجي الرهيب على غزة عام 2009، أي
كتاب مماثل يحاول أن يشير مؤلفه، ولو من بعيد، إلى أعمال القتل الفظيعة التي يمارسها جنود الجيش الإسرائيلي ضد العرب، يومياً، أو يحذرهم من وصول رصيدهم الإنساني إلى نهايته، وأنه على وشك النفاد تماماً، ما لم يسارعوا إلى إيقاف عمليات القتل التي يمارسونها بدم بارد كما كان يفعل النازي في الحرب العالمية الثانية!!!
rvhxm td ;jhf (d'gr,k hgkhv ,df;,k)