كيف ترى الأستاذة خولة واقع الرواية العربية الآن؟ وكيف تنظر إلى مستقبل الكاتبة العربية؟
بدأ الفجر ينثر عقد اللؤلؤ على أرضية شرفتي وسار بي تيار من الاطمئنان و الدفء، كانت العصافير تطرب روحي ،و الحكايات تدق على مسامعي أنشودة الفرح ،بدأت أتمتم بكلمات هامسة ، وألمم ملابسي استعدادا للرحيل و بعد زوال أشعة الشمس الذهبية بدأ النهار يتسرب رويدا ..رويدا ...
حتى كاد الأفق يرتدي ثوب الغروب، كنت أبحر إلى الوراء، إلى لحظات صعودي للقطار و أبحث عن السعادة و أضحك بلحن طروب له رنين خاص، وألهث شوقا ، عندما سمعت صفارة القطار هرعت إليه مسرعة وعند المحطة بدأت أصوات المسافرين تعلو وهم يصعدون إلى القطار بين مودع ومفارق ،كنت أحمل حقيبة السفر كاد ذراعي ينخلع من حملها الثقيل ، وعندما صعدت أمسكت بأحد المقاعد، ولا أعلم لما شعرت حينها أني أمشي
على حبل مشدود، كدت –يا عبد الحافظ – أن أقع وعندما أُعلن عن النداء الأخير تحرك القطار نحو مدينة – سهاد – وعندما نظرت من نافذة القطار استسلمت للرحيل، في الوقت الذي أوشكت فيه أشعة الشمس على الرحيل ، بدأت أصوات الركاب ترتفع بكلمات غير مفهومة وكأنها تشق طريقها نحو السماء ، اعتدلت في جلستي و أغلقت النافذة كانت الشمس قد توارت تماما، وما أن جلست إلا واختلست نظري إلى ساعتي ... و نعست ، وعندما استيقظت من نومي على صوت صفارة القطار معلنة وصولها من بعد أربعة ساعات ، أفقت وحملت حقيبتي وجريت نحو بحر الشوق.وارتميت في حضنه و وثبت لأغتسل بالبرد والسلام وحمدت الله على وصولي ، كانت الأمواج تقّبّل أناملي وهي ما بين مد وجزر ..أسندت رأسي على حافة شجرة- شهرزاد وشهريار- وضاع النعاس ،وانصب فكري كهدير ينكسر على شرفة الزجاج كان صوتي خافت كصوت مهتز ضائع، كنت أنت تلوح لي من شرفة دارك بسؤال أرتوي منه قصة الأمس والغد واليوم ، فانطلقت بأوراقي وأمتعتي للفندق و تناولت الكوب من أمامي فارتعش فنجان القهوة القابع من بين أصابعي وأنا أكتب لك أجمل الكلام ،فاسترخيت بكسل وانتثرت قطرات من القهوة على الأريكة الخضراء ..يا إلهي يا إلهي... أنا حائرة بسؤالك ولم أستطيع أن أحلق عاليا صوب السحاب
فبدأت بعالمي أتخيل الحقائق الرمزية إذ بالفضاء يفتح لي صور وأشخاص الحوار والنقاش سألت نفسي من سيزيل سماءنا ..أهي مشيئة القدر أم هي حكمة الخالق التي عشقت بها حب العطاء وصفاء القلب..وحسن النية
أتذكرني يا -عبد الحافظ -عندما التقيت بك عند حديقة الشعراء وشارع النقاد أتذكر –خولة- عندما كانت تقف عند دار ناقدها ،ها أنا أتيتك ثانية بإجابة تعيش على أوراقي الدموية ،على كنوزي الأدبية ،وإن للمعاني جلال وكبرياء ورقي، فكتبت لك بروحي المعطرة الطيبة برواية أنت تنتشيها وتفكك كلامها فإما تعلو بإجابتي إلى عالم الروح والجمال، أو ستهطل دموعها في بئر من الحرمان، وإن للألفاظ والمعاني حكاية مع واقع الخيال، غير أن الإنسان لم يتسع له في هذا الزمن وقت لأن يتعرف على الأسلوب البديع في تركيب اللغة والألفاظ وليس له طول باع بأن يقرأ رواية و يشبع مخيلته وثقافته ، نعم يا – عبد الحافظ - للرواية فضل علي دخولي إلى عالم الأدب ،وإني لأشكرك وأقبلك أيتها الرواية..........وإني لأنادي بأعلى صوتي لك ولكل من يقرأني :
يا ناقدي يا شعر كل شاعر... يا رواية كل راوي ...وكل الكلمات من بين بحور الأدب أنا وأنت نرتوي الحروف من شلال الكلمات وإجابة السؤال ونجري إلى الرواة فنحيطهم بهالة من الحكايات..
تداخلت المشاهد وتخفيت من وراء روحي وسقط قناع الناقد عبد الحافظ من أمام فن الرواية هكذا أراك الآن ،وإني لأرى سماءك بسحاب مضطربة ورياح رحيل عن النقد و كلمات الشعر..فارس أنت بعلمك....
وفي تلك المدينة راحت النسائم الرقيقة تداعب وجهي ، آنذاك استندت إلى جذع شجرة الزيتون التي تطل من نافذة حجرتك ،حيث كانت الطيور تغرد من أمام بيتك والماء يجري عذبا سلسبيلا ،يبدو أنك تسكن في الطبيعة الجميلة ،وعندما رأيتك امتلأت نفسي فرحا وقرة عيني لرؤيتك فتمايلت على النسمات ووقفت أنظر إلى شموخ علمك وفكرك فعزمت بسري ألا أبرح مكاني حتى أراك و ترى تلميذتك، كنت أدرك أن تلك الشجرة المباركة ستهل علي بالكلمات الناعمة وتروي أعماقك ومشواري
وإني في هذه الإجابة أو المشوار استطعت أن أخمن ما بفكرك يا- ناقد الرواية-
إن واقع الرواية الحديثة إنما هو تصميم يجسد رؤية للعمل الروائي ، و كما تعلم أنها ظهرت نتيجة لعوامل عديدة منها أنها تلبية للحاجات الجمالية الاجتماعية المستجدة أي بحثا عن العصرنة المجتمعية والثقافية . وإني لأرى أن التجديد والتحديث في الرواية لا يقتصر على التغيير في الأسلوب ، ولا يعني التزيين والزخرفة وإضافة الأصباغ والألوان ، بمعنى أن الأديب الكاتب يبحث عن أدوات تمكنه وتزيد من قدراته على التعبير عن علاقة الإنسان بواقعه المتغير المستجد .
وبمنظوري أن الرواية غالبا ما يسعى الكاتب فيها إلى التعبير عن العلاقات الاجتماعية القائمة . أو الإسهام في خلق علاقات جديدة ، بمعنى أن بعض الروايات الحديثة تسعى إلى خلق رؤية فنية جديدة قادرة على تغيير رؤية القارئ إلى الرواية التي قرأها منذ عقود ودأب على نوع واحد من الكتابة الروائية النمطية فيحاول أن يغير أسلوبها إلى مساحة أوسع، ربما بحكم توسع العالم العربي والمتغيرات والضغوط الاجتماعية أو الظلم والقهر والاستبداد الذي يحاور بها الظالم و الجاهل .
وما ألمسه في واقع الرواية الحديثة إنما هو عمل فني لا شريحة من الحياة أو الواقع فقط ، وتجد أن الصياغة الفنية في الرواية التي توجد بين يدي القارئ تعني أكثر مما يعني المحتوى . ولذلك الفنيات والتقنيات والأساليب واستخلاص الدلالات الفنية الجزئية والمبادئ والقيم الجمالية الكاملة في ثنايا التفاصيل البنائية والتشكيلات اللغوية .
وفي دراسة لروايات- إميل حبيبي- تحدث الناقد عن المفارقات ومجالاتها وميادينها وتوليدها في كتابات الرواية الحديثة ، بحيث أن كتابات حبيبي الروائية تعرض للقضية الفلسطينية بتشابكاتها وتعقيداتها وأبعادها من حيث الدين والأخلاق والسياسة والتاريخ والحب والقهر الاجتماعي والوطني والاضطهاد العنصري ، ورغم أن هذه القضية قد كتب فيها الكثيرون وعنها ألفت الكتب العظيمة فإن روايات حبيبي استطاعت أن تعالج القضية من كل جوانبها وأبعادها المختلفة دون تقصير أو استبعاد لأي بعد . والمفارقة في روايات حبيبي على مستوى الموضوع أو الشخصية فهي محتمة التوليد والتواجد .
و بالطبع أنت توافقيني أن الشكل والبناء من حيث الموضوع الذي يعبر عن أزمة من أزمات وجودنا المعاصر . وواقع الرواية غني بأفكار وأحداث وشخصيات وتقنيات متوازنة
إن التكرار في مجرى السرد .. كأن يتعمد بعض الرواة الانتقالات المقصودة من تعليق إلى وصف إلى تذكر إلى تأملات متعالية إلى نمو استعاري شعري ، ومن مكان إلى آخر ، ومن شخصية إلى ثانية ، .... وهنا -أيها الناقد- تصافحني في أن هذه الانتقالات المتعمدة تقود إلى تشوه في مجرى السرد الأصلي بحيث أننا نجد أنفسنا أمام قصص متعددة في قصة واحدة أو لنقل أمام صور منفصلة غير متصلة فيما بينها وأن مجال اتصالها الوحيد هو السارد فقط . والدليل هو أنت أيها الناقد ...عندما تحاول تلخيص الرواية يصعب عليك بل غير ممكن مادامت لا تتوفر على موضوع وحدث محوري واحد ،وهذه تقع كثير في الروايات الحديثة حتى أني لا أستطيع أن أتابع الرواية... كقارئة
وكما تعلم وأعلم أن النقد الصريح والقادر على إضافة جديد في مجال الدراسات الأدبية يساهم في خلق دينامية جديدة في مجال الأدب العربي ، وجعله يطور من نفسه دون السقوط في التكرار والتقليد والابتداع في الكتابة والنهج على غرار الكتابات غربية
وبعض الروايات الحديثة نجدها تقليدية وهي مهيمنة على حقل الرواية لعقود مضت ولم تفقد حضورها قيود السجع والبلاغة الشكلية وكانها تميل إلى اللغة النثرية وهذا النوع يكون قادر على الوصف والتحليل والتصوير والخيال إضافة إلى خلقها مما يكسبها جمهور أوسع - وإن قلمي يميل لهذا النوع مما جعل الإسهاب يلازمه دوما - .....غير أني أضيف عليها الواقع الاجتماعي في الخليج خاصة والوطن العربي عامة
وتتمحور الرواية السعودية الحديثة إلى تكثيف النظر بشكلها التفعيلي والنثري حيث يزدهر السرد بأشكال تمثل أمامنا ما يمكن أن نسميه لحظة النثر في الأدب السعودي فتتأصل بالطبع في الوجدان والمخيلة وهنا أطرح عليك رؤية متصلة بالرواية بشكل خاص من حيث نتاج ثقافي وإبداعي بتفاصيل الرواية وتحدياتها
وعلى الرغم من حضور الرواية السعودية نسبيا فإنه ليس محصور في نطاقها أو بين مساحة ضيقة وإنما يتجاوز إلى النطاق العربي لتناول الرواية العربية.
أن المجتمع تنازل عن الشروط الجمالية مقابل البوح والذي جاء ضمن أولويات واحتياجات المجتمع، وبالتالي فقد تنازل عن الجماليات مقابل كسر حاجز الصمت، في حين ذهب البعض إلى أن الرواية فعل يمكن من خلاله المشاركة في عملية الإصلاح، وإن الغزارة في الإنتاج والكتابة غيرت من معايير الرقابة، وجعلت بعض المؤسسات الثقافية تتماهى مع حركة التغيير فسمحت بجميع الكتب أن تدخل إلى المملكة، أو لنقل معظمها، لكن برغم ذلك ظل الكتاب السعودي هو الكتاب الذي يثير الريبة والتشكك وصار المنع هو أفضل طريقة للتخلص من الصداع الذي من الممكن أن ينتج عنها، فنجد في المكتبات روايات كعزازيل ليوسف زيدان ، والسباحة في بحيرة الشيطان لغادة السمان، والتي تتعامل الرقابة معها على أساس أن مستواها اقل جرأة، وخطورة ولا تجلب صداعا مثل الذي تجلبها رواية مثل- الإرهابي رقم عشرين-، أو حتى -بنات الرياض-، وغيرها.
وإني لألمس وأرى أن قراءة العمل الروائي يشبه مشاهد العمل السينمائي من حيث عملية الانتقاء أي البحث عن الجوانب التي تغري بالتأمل.. .
الرواية المصرية
إلا أن الحقيقة الموضوعية والجمالية على السواء , كون قيمة النص الروائي لا يمكن أن تتأسس خارج موضوع الحب , فمادامت الرواية هي الحياة , فلن تخلو من الحب على الإطلاق وإني لأرى أن الرواية المصرية غالبا ما تكون اجتماعية عاطفية أي تجدها في إطار الحب وكأنه يستطيع أن يحل قضيته بوجود روح تحيطه بالأمان فيستطيع أن يحل قضيته ويكسب جمهور الشباب. والحق أن الرواية المصرية نجد أحيانا فيها نوعا من العطاء والضحك فنجد القارئ قد يبتسم وهو يقرأ رواية مصرية وإن ذلك لمن أصعب الكتابات
بينما الرواية الفلسطينة تجد أن أوراقها ألم وقهر وظلم فإذا ما قرأت الرواية الفلسطينية تجد أنها تقتحم البيوت وتنتشر في الشوارع وتعبر بأسلوبها الحزين...
إذا المجتمع العربي يعرف تراجعات سياسية و اقتصادية و اجتماعية و فكرية , فإن الأولوية صب الاهتمام لتوجيه الإبداع نحو إنتاج معنى ينشغل بدراسة و تحليل عوامل هذا التراجع , إذا ما ألمحنا إلى أن الانشغال بالتجريب لمجرد التجريب قد حول الكتابة الإبداعية ـ فقط ـ إلى جماليات فارغة من القضايا العربية كما الإنسانية التي يجدر تناولها بالدراسة و البحث و التحليل , و بالتالي حولها إلى استعدادات ذاتية موزعة عبر أكثر من نص روائي.و من جانب ثان فإن المطلوب في الوقت الراهن العودة لربط النص بخارجه الذي تم الغفل عنه نتيجة اعتبار النص بنية داخلية مكتفية بذاتها.و في المستوى الثالث ، فإن التحولات التي يعرفها العالم ككل ، تستدعي منا ليس المجابهة لأننا غير قادرين عليها , و إنما تبيئة الإيجابي منها و الإفادة منه نحو ما يمكن أن يطور فهمنا لذواتنا و للمحيط المؤسس من حولنا
، وإني لأرى أن الرواية يعالج فيها المؤلف موضوعا كاملا أو كثر، زاخراً بحياة تامة واحدة أو كثر، فلا يفرغ القاريء منها إلا و قد ألمّ بحياة البطل أو الأبطال في مراحلهم المختلفة. و ميدان الرواية فسيح أمام القاص يستطيع فيه أن يكشف الستار عن حياة أبطاله و يجلو الحوادث مهما استغرقت من وقت.عرب حول بدايتها
الجهود الروائية الأولي متأثرة بالتراث العربي من ناحية المادة، و هذا ما ظهر بشكل جليّ في الرواية التاريخية التي اهتمّت بإحياء جوانب من التاريخ العربي والتركيز علي أحداثه البارزة، و في هذا الإطار تدخل أعمال الروائية التاريخية لجرجي زيدان،
تختلف الرواية الحديثة من ناحيتين؛ الأولي: من ناحية الأسلوب والبناء حيث تراوحت هذه الأعمال بين المقالة و المقامة، و اعتمدت علي السرد الحدثي دون تحليل الأحداث و الشخصيات ممّا جعلت الرواية في هذه الفترة غامضة الملامح و أفضت عليها طابع التقريرية؛ و الثانية: من ناحية الغاية و الهدف حيث الغاية من هذه الأعمال لم تكن فنياً بقدر ما كان تعليماً، و ذلك أن هؤلاء الرواد كانوا إما مصلحين، و إما علي صلة مع زعماء الإصلاح، و لذلك جاءت أعمالهم تعليمية مضمونية. و هكذا تستنج الصلة بين الر تأثّر الأدب العربي بالأدب الغربي في عصر النهضة مستنداً في تعليل فقدانها إلي ضعف الخيال العربي و اختلاف لغة الأدب و لغة الكلام عند العرب، و انتشار الأمية إلي حد كبير في البلاد العربية، و قلة الأساطير، و سجال الحروب و اعتزال المرأة عن الحضور في الاجتماع و ...، كل هذه ما أفقد الأدب العربي القديم من جنس الرواية. واية العربية الحديثة عند ظهورها، و بين الترات القصصي و الروائي عند العرب خاصة المقامة.
رواية العربية الحديثة ظهرت متأثّرة بالأدب الغربي، فإنها و إن كانت في بدايتها تأثرت بالتراث العربي القديم من ناحية المادة و المضمون، لكنها سرعان ما انقطعت صلتها بذلك التراث، و تأثرت إلي حد بعيد بالرواية الغربية ممّا أدّت إلي تراجع المحاولات الأولي التي ظهرت متأثرة بالتراث القصصي والروائي العربي، فالكثير من الكتاب في هذه الفترة شغفوا بترجمة الروايات الغربية الرومانسية، و تركوا الاهتمام بتطوير ثراثهم الشعبي ممّا أدّي إلي رفض التراث القديم و قطع الصلة بينه و بين الرواية الفنية، كما أدّي إلي تغيير الغاية التعليمية من الرواية في الطور الأول إلي التسلية و الترفيه.
لا أن سمات الرواية التقليدية تظهر بوضوح في أعمالهم من ناحية الأسلوب و السرد التقريري، و هكذا ظهر الاتجاه الرومانسي في الرواية العربية، و تجلّي ذلك في أعمال مصطفي لطفي المنفلوطي، و هيكل (زينب)، و جبران، و الريحاني،
وقد استمرت هذه النزعة فترة من الزمن إلي أن ظهرت إثرها أعمال أخري اهتمت بالترجمة الذاتية، و ذلك أن الرواد الأوائل اصطدموا بعقبات كثيرة في محاولتهم لخلق نوع روائي؛ و من أعلام هذا الاتجاه طه حسين (الأيام)، و المازني (ابراهيم الكاتب)، و توفيق الحكيم (عودة الروح) والغاية من هذه الروايات الذاتية إبراز الشخصية و الارتباط بالواقع.
وعندما وصلت الرواية العربية إلي فترة الثلاثينات اتجهت نحو الواقعية متأثرة بالثقافة و الفكر الأروبي، و من نماذج هذا الاتجاه أعمال طه حسين، محمود تيمور، توفيق الحكيم، عبدالرحمن الشرقاوي (الأرض)، نجيب محفوظ (خان الخليلي، زقاق المدق، بين القصرين)، محمود أحمد سيد و... والغاية عند أصحاب هذا الاتجاه الوعظ الاجتماعي أو السياسي، و التعريض بالعادات، و النقد الاجتماعي و... .
ومن الاتجاهات الأخري للرواية العربية الحديثة الاتجاه النفسي، و هو حديث التكوين بعكس النزعة الباطنية البعيدة الغور، و قد تسمّي في الرواية العربية بتيار الوعي أو قصة الحوار الفردي الصامت أو القصة التحليلة. و قد ساعدت الرومانتيكية بنزعتها الذاتية في ظهور هذا النوع من الرواية، و هو يتميز بتركيز الاهتمام علي بطل أساسي بدلاً من توزيعه علي عدة أشخاص.
والشخصية التي يرتكز عليها الكاتب ليست إلا ستارا يشرح الكاتب من خلاله أفكاره الخاصة و عواطفه، حتي البطل في هذه الرواية صورة عن المؤلف. و من أعلام هذا الاتجاه عيسي عبيد (ثريا) و محمود تيمور
وأما الاتجاه الرمزي في الرواية العربية ظهر متأخراً عن الاتجاه الرومانتيكي، و هو ظهر في بعض نتاجات الكتّاب العرب من أمثال نجيب محفوظ (اللص و الكلاب، الشحاذ، أولاد حارتنا، السمان والخريف، الطريق)، و يحيي حقي، والنقطة الهامة أن الرمزية المحضة علي طريقة الغربيين نادرة في الروايات العربية.
والإتجاه الاجتماعي في الرواية العربية اقترن باتجاهات أخري، و كان كتّاب المهجر من أبرز الذين ساهموا في تكوين هذا الاتجاه، إذ صوّروا الكثير من المشكل الاجتماعية والتقاليد الشعبية، و من أبرز أصحاب هذا الاتجاه ميخائيل نعيمة، و كرم ملحم كرم.
هذه كانت أهم المحاور التي تناولتها الرواية العربية قبل السبعينات، و قد وردت الرواية العربية في فترة السبعينات و ما بعدها إلي مرحلة جديدة تنوعت إلي حد كبير من ناحية الأساليب و السرد و التخلص من الأسس التقليدية للسرد، كالعرض، والعقدة، والحل، كما تقدمت كثيراً في التخييل والتصوير؛ و من ناحية المضمون أيضاً حاولت استيعاب جميع التحولات التي حدثت في المجتمع العربي مع الخروج عن طابع المحلية، و تناوُلَها بالتصوير والتمثيل أينما كانت و وقعت، لذلك اهتمت بالهمّ القومي، و الصراع الطبقي، و القضايا السياسية، قضية فلسطين، الحرية والتحرر و... و من أعلام الرواية العربية في السبعينات و ما بعدها جبراابراهيم جبرا، غسان كنفاني، حنا مينة، غادة السمان
انت كلها مطبوعة بطابع الرواية التقليدية، لكن في أواخر الستينات و بداية السبعينات ظهرت ثوراث عنيفة علي الرواية التقليدية المستهلكة، أدت إلي ظهور اتجاهات جديدة، و إن كانت هي متأثّرة بالغرب
ثورة عارمة علي الرواية التقليدية، و قد بدأ في الأدب الغربي في نهاية القرن التاسع عشر وامتدت إلي النصف الأول علي يد «ما رسل بروست البحث عنالزمن الضائع
الطابع الأساسي للرواية هو تسلسل الأحداث، و تفاعل البطل مع هذه الأحداث، لكن بظهور هذا التيار تغير الأسلوب، و أصبح كتشاف العقل والباطن الخفي مثار الاهتمام، لأنه المحرك الأساسي للفكر و السلوك
المونولوج الداخل وصف الوعي الذهي للشخصيات.
د) مناجاة النفس.
هـ) التداعي الحر من طريق الخيال و الحواس.
و) المونتاج السينمائي عن طريق تعدد الصور و تواليها.
وفي الأدب العربي تأثّر روائيون كثيرون في فترة الستينات والسبعينات بهذا التيار الذي أدي إلي تفاهم التعبيرات الرمزية في أعمالهم؛ منهم نجيب محفوظ (الشحاذ)، حيدر حيدر (الزمن الموحش)، هاني الراهب (ألف ليلة و ليلتان)ي المباشر، و فيه يغيب المؤلف، و يتم الحديث فيه بضمير المفرد و الغائب.
والذي ساعد علي انتشار هذه المدرسة الروائية هي الروايات المترجمة المكتوبة بهذا الأسلوب ثم ترجمة مفاهيم علم النفس، و ترجمة آراء فرويد
بعد السبعينات
تميزت الرواية بالاتجاه ا الطبيعي أو لطليعية باستخدام تقنيات السينما، و التقطيع إلي صور و لوحات مستقلة تعطي مجتمعة انطباعاً و إحساسا واحداً، كما تميزت باستخدام المونولوج الداخلي، و الفلاش بك في تصوير ماضي الأبطال، كما أن من ميزاته الأخري أسلوبها الشعري، و النسبية أو النظر إلي الحادثة الواحدة من زوايا مختلفة و عديدة.
ومن الروائين العرب الذين تجلّت هذه العناصر في نتاجهم، جمال الغيطاني ، اميل حبيبي، جبرا ابراهيم جبرا، ، الياس خوري
رواية التجريبية علي توظيف البناءات والأحلام اللغوية، و استقلال تقنيات الشعور و اللاشعور، و انثيال الوعي و اللاوعي والأحلام، و إلغاء عنصري الزمان والمكان ... .
وقد ظهر هذا الاتجاه بغية بناء أدب مضادّ للابداع المتعارف عليه مسبقا عن طريق تدمير البنيات الشكلية للرواية، والعناصر الفنية، و تفجير اللغة، والخروج علي الأنماط الروائية السائدة نحو الإبداع و الإبتكار، و الولوع إلي عالم مستقبلي مجهول منقطعاً عن الماضي و الحاضر، متفائلا إلي المستقبل. ومن أشهر الروائيين الجدد، أحمد المديني حيث يري أن الرواية هي فيض لغوي و ثراء لفظي يتجاوز
العادي و المألوف خارجاً عن البناء الروائي السابق. و من أشهر رواياته (زمن بين الولادة و الحلم).إذا ليس من السهولة للوصول إلى فن الرواية أو العمل الروائي وذلك بسبب الشروط والأدوات المتماسكة والتي يجب على الكاتب أن يلتزم بها وإلا اختل العمل، لذا نجدالكثير من الروايات والتي تقف عقبة أمام الكاتب أي لا أن الكاتب لا ينتج إلا رواية واحدة ، بينما يعتقد البعض أن النقاد أو القراء لا يتقبلوا ذلك وأن ذلك قسوة بعض الشيء، وإني لأرى أن القارئ يغامر كثيرا بأن يحاول أن يجلس بجوار الكاتب لحظة الكتابة، ويقول له اكتب هذا، ولا تكتب ذاك، لشعوري أن الكاتب هو أكثر الأشخاص قرباً من النص الروائي، لذا السرد مهم أن يكون محبوك، كأن تقول أن الكاتب والقارئ في نقاش بقضية واحدة وفي مجلس واحد أنيس وهادئ ،وليس بالضرورة أن تسير الأحداث مثلا عكس ما يتوقع القارئ كأن المفاجأة الكبرى في النص هو قدرة الكاتب على مباغتة القارئ في حميميته، في دخوله إلى مناطق جديدة في الحكي، وهذا ربما ما يجعل ، ، كل هذا الجدل هو إيجابي بالضرورة. أردت أن أقول يظل الكاتب له أسلوبه الذي يتميز به سواء كان إجابي أو سلبي.
- كيف تنظر إلى مستقبل الكاتبة العربية؟
بالنسبة لمستقبل الرواية لست متفائلة و لا متشائمة لكن أرصد الرواية الإلكترونية وتحولها لدراما تليفزيونية وسينمائية وتراجع إقبال القراءة عليها لذا نحتاج لمزيد من الدراسات التي تفتش عن القاريء وتعرف من يقرأ الروايات في الوطن العربي ومن يتفاعل معها ومن يقبل عليها وهل هي مؤثرة في التغيير الاجتماعي أم لا لأن المقاييس التجارية مثل أكثر الكتب مبيعا وغيرها لم تعد مجدية.
وإني لأرى أن الرواية ستتجه اتجاهات جديدة نحو مزيد من التجريب علي مستوي الشكل و المضمون لافتا إلي بروز تقنيات جديدة في الرواية الحديثة مثل استخدام اللغة العامية وتعدد الأصوات واقتراب مستوي اللغة من الحياة اليومية وبروز قالب السير الذاتية الذي يعتمد علي الذاكرة
وتؤكد الكاتبة الجزائرية ندي مهري أن مستقبل الرواية مفتوح للعديد من الاحتمالات وأننا في زمن مهدد بزوال الطريقة النمطية للرواية وظهور نموذج جديد من الرواية الإلكترونية وربما بعد50 عاما ستتحول كل الروايات إلي شكل إلكتروني ليبقي الورقي منها في المتاحف! كما أن الجيل الجديد من الروائيين الآن يبتعد عن الأطر التقليدية ويتجه نحو مزيد من التجريب والتحرر من التابوهات.
أن مستقبل الرواية مرهون بقدرتها علي التعبير عن التطورات الحياتية الجديدة مثل التطور التكنولوجي وليس معني ذلك زوال الرواية الورقية بل إن التحدي الأهم هو العزوف عن القراءة والذي يرجع لعوامل متنوعة منها انتشار الأمية وأساليب التنشئة الاجتماعية ، أن الرواية تسير في اتجاهها الصحيح و إلي معظم كتابات الأجيال الجديدة التي تسعي إلي تجريب تقنيات وأشكال مختلفة ومحذرا من وجود هوس بالكتابة قد ينجم عنه العديد من الأعمال التي لاتمت للرواية بصلة مما سيخلق نزيفا من النشر يدفع القاريء للفرار لا تشجع وتغرس عادة القراءة.
ستواجه العديد من التحديات خاصة في تعايشها مع التطور التكنولوجي وبروز ظاهرة المواطن الإعلامي بالإضافة لثراء المشهد السردي العربي بسبب بروز تقنيات جديدة مما سيضع أمامها تحد لتستكمل دورها في بلورة الهوية العربية.
الرواية تسير في تطور مستمر وأن المستقبل للرواية الرقمية لأنها البديل الأمثل إلا أن هذا لا يعني في رأيها الاستغناء عن الرواية الورقية لأن الشكلين يمثلان وحدة متكاملة.
الروائي السعودي يحي إمقاسم حيث يري أن الرواية ستستمر في حضورها الطاغي علي الساحة مشيرا لوجود أصوات حقيقية فاعلة تنتهج أعمال جديدة لها تجاربها الجادة المتجددة حتى مع انتقال الرواية للفضاء الإلكتروني الذي حقق لها مزيدا من الانتشار ومواكبة العصر.
فالمبدع الحقيقيّ هو ذاك الذي يدأب على تزويد نفسه بالمعرفة، والروائي المبدع خاصة هو ذاك الذي تكون إنجازات النقد بالنسبة إليه كالحكمة إلى المؤمن،
خسر المشهد الروائي العربي في العقد الأخير من الألفية الفائتة والسنوات الأولى من هذا العقد عدداً من أبرز الروائيين العرب (يوسف إدريس، وجبرا إبراهيم جبرا، وإميل حبيبي،
تجديد وسائل التعبير، وأشكال الكتابة، وعدم الانصياع للمتواتر من التقنيات، والتمرّد عليها، وخلخلتها، فإنه، بآن، يعني تثميراً لما تمّ إنجازه من تلك الوسائل، والأشكال والتقنيات. لقد قدّمت التجربة الروائية العربية الكثير من النصوص الدالّة على وعي الروائيين العرب بأنّ الإبداع يعكس الواقع، ولا يحاكيه، بل يعيد بناءه على نحو فنيّ، ويحوله إلى واقع نصيّ لـه قوانينه الخاصة
للإبداع: الموهبة، والثقافة، أي للموهبة وحدها التي عادة ما تعبّر عن نفسها في عمل إبداعي واحد ما يلبث أن يتناسل بهيئته الأولى في الأعمال اللاحقة أو المستقبلية، وعلى الرغم من ذلك تميل نفسي للقراءة الورقية ،بيد أني لا أنكر فضل الكمبيوتر في سهولة كتاباتي ،وإن الطبع الورقي يجعل كلماتي من بين أدراجي محفوظة.
يكفي أن نضغط على الموقع الالكتروني www.arab-ewriters.com/chat لنغرق في قراءة رواية عربية تتقن السباحة جيداً في أثير الشبكة العنكبوتية من الحاضر إلى المستقبل
أتمنى أن أكون كفيت فأوفيت وأصبت ...وأعتذر عن الإسهاب وإن كان ذلك سببه حبي للرواية أي سؤالك الجميل
أشكرك جدا..جدا...عن الكلمات الرائعة التي قدمتها حين سؤالك وإن ذلك كثير علي يا ناقدي ومعلمي المبحر
تحيتي وتقديري لأدبك الراقي
خولة الراشد