رد: (( لا تحيا إلا بالعناق ! ))
قلت : كنت أشك في هذا القول من قبل ، ولكني الليلة أقطع الشك باليقين .. فأنا
أشعر وبعمق بأن الله معنا وليس الشيطان ! الله أقوى من الشيطان أليس كذلك ؟
فهل يغيب الله في حضور الشيطان ولصالحه .. ولماذا .. وما معنى الإيمان بأن الله معنا أينما كنا إذن ؟!
إن الأمر يا سيدتي بيدنا ، الله لا ينسانا ، فنحن من يستحضر الشيطان عندما ننسى الله .
وإن حضوره ليس حضورا حتميا كلما اجتمع رجل وامرأة .. وها نحن !
يكفي أن يستحضر أحدنا الله حتى يغيب الشيطان ، الله يا بيرنا حاضر معنا لأن قلبي وقلبك مليئان بالحب
وقد وهبني عينان .. وتلك نعمة ل ارى بهما رقتك ، جمالك ، حسنك وكل ما فيك من كمال
إن هذا قد زاد من إيماني بالله .
بدت بيرنا حائرة متعجبة بل تائهة وسألت وليد :
- صراحة أنت تُذهلني .. أنا لا أمارس إيماني كما يجب ولكنني أعرف بعض الآيات في الإنجيل
قل لي ، هل اطلعت على الكتاب المقدس يوما ؟! أتعرف ماذا قال في هذا الخصوص ؟!
يقول : " حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي فهناك أكون في وسطهم " !
- بيرنا .. أنا ذهبت مع صديق لي منذ سنوات عند كاهن برتبة " مطران " لأمر يخص عائلته
ولما سأله عني قال له " صديقي مسلم " فسألني المطران وهو يبتسم إن كنت أمارس عباداتي فقلت له
كلاما علّمني درسا ، قلت له " أنا يا سيدنا شيوعي ولا أعترف بدين " انتفض سيدنا المطران وقال بغضب شديد
" اسمع يا ابني أنا عندي مسلم على دينه أفضل من عشرة مسيحيين لا يمارسون عبادتهم "
حاولت الاعتذار يا بيرنا ولكن المطران بقى عابسا صامتا فعرفت ما مدى فداحة خطأي !
اعتقد أنني أمام رجل دين مسيحي سيفرح لمسلم بلا إيمان ! ومنذ ذلك اليوم بدأت أهتم ببعض المطالعات
عن تاريخ المسيحية وماهية الدين .. ولكني صراحة لا أحفظ أي نص ..
في جميع الأحوال يا بيرنا من قال ذاك القول يفترض أن الله موجود بين المؤمنين .. وهذا يعني غياب الشيطان ..!
لكن دعيني أسألك سؤالا حيرني منذ أن أتينا فارنا :
كيف جرأتم على هذه المغامرة وانتم فتاتين رائعتا الجمال وقررتما المجيء
إلى هنا وحيدتين وهي بلاد كانت حتى الأمس القريب مجهولة بالنسبة إلينا في لبنان ؟!
- أخبرك بصراحة ، نحن تورطنا في ذلك .. نحن خمسة بنات اتفقنا على
تمضية هذه الرحلة مع بعضنا البعض ، وقد أغرتنا الدعاية والأسعار
ولكن صديقتين منهن تراجعن في آخر لحظة، فتأثرت بقرارهن ثالثة ؛ بقيت أنا وسعاد ..
أنت لا تعرفها جيدا .. هي عنيدة جدا ، وأنا أتأثر بها ، لقد أصرت على
إتمام الرحلة ، وكذبت على عائلتي باننا خمسة .. ولكني ورغم مظهري المرح
الا انني ندمت وبكيت بكاءً حارا على متن الطائرة خصوصا عندما أقلعت ..
وبصراحة لعنت سعاد حين كانت تتحدث إلى عدنان .. وكنت انكزها بقوة لتعتدل على كرسيها
ولكنها أرادت أن تُثبت لي بأنها أقوى وتتدبر نفسها ، نظرت إليك فوجدتك مثلي تنظر نحو الخارج
فقلت لعلك مثلي نادم و .. تبكي "
قالت جملتها الأخيرة وهي تضحك والسعادة تغمرها وبالرغم من شعاع الشمس قد ملئ الأفق نورا
ألا انها كانت ما تزال بكامل حيويتها فأعدّت القهوة من جديد وشرباها على نفس الشرفة .
حركة الشارع تبدو من مطلّهما في الطابق الثالث معدومة والشارع ولا يشغله سوى بعض عمال النظافة.
كان وليد قد لاحظ منذ اليوم الأول وجود عمال للنظافة أشكالهم وأعمارهم وأعدادهم لا تتناسب وهذه الوظيفة
كانوا ينتشرون كل ثلاث مائة متر أو أقل اثنان من العمال أو ثلاثة .. وفي الغالب كانوا رجلا وامرأة
هيئتهم نظيفة جدا ، وأعمارهم تتجاوز السبعين ، يحملون مكانس لها عصي طويلة بطول قامتهم
مهمتهم تقتصر على كنس أوراق الأشجار المتساقطة وجمعها في مكانها على الأرض ثم يأتي عمال آخرون
بعمر الشباب لإزالة تلك الأكوام وطمرها في حفرة كبيرة قريبة أعدت لهذا الغرض ؛ أما الحاويات الصغيرة
فتأتي السيارات الخاصة لتحملها .
أشار بيده نحو الشارع وقال - انظري إلى هناك ، إلى الرجل والمرأة اللذان يكنسان !
قد يفاجئك أعمارهم ومظهرهم الراقي ولكنه لا يفاجئني ذلك الآن
فهل تتخيلين أن هؤلاء العمال كانوا من كبار موظفين الدولة !
عندما سألت أحدهم منذ يومين قال لي بأنه جنرال متقاعد ، وأن رفيقته تلك أستاذة جامعية
وأن مهمتهم تقتصر على نظافة تلك المسافة الممتدة لثلاثة
مئة متر فقط ، هم يكنسون أوراق الأشجار ويجمعونها فقط !
قال لي أن عملهم طوعي ، يُسعدهم ، يؤدونه ولا يطمعون بأكثر من قبض راتبهم التقاعدي دون نقصان
وقال " أنظر إلى صحتنا ،هذا الأمر بمثابة رياضة يومية تجعل منها نعمة دائمة لنا حتى الممات "
استغربت في بادئ الأمر ولكنه شرح لي طبيعة سير النظام .. فسألته إن كانوا من البعيد
فقال لا نحن من فارنا ونحن سعداء أن مدينتنا تستقطب هذا العدد من البشر ومن مختلف بقاع الدنيا .
سألته يا بيرنا وأنا متردد فقال :
"لا ، ليست زوجتي ، إنما رفيقة عمل " فقلت له :
- ولكن اعذرني على سؤالي السمج .. هل أنتما متحابان ؟!
فقال " ماذا تقصد وبأي معنى ؟"
فأشرت له بحركة من يدي فضحك كثيرا .. صار في غاية السعادة وقال
" ماذا يمكنني أن أقول ، كيف أشرح لك هذا ! ولكن استمع إلي وافتح قلبك وعقلك لي
افتحهم جيدا حتى تستوعب ، فلو كنت في مثل عمرك لما فهمت هذا جيدا واعتبرته قول شاعر !
جلست ، أما عدنان فقال لي " اهنئ يا صديقي " وسبقني إلى الفندق بحجة حاجته للنوم ..
جلست يا بيرنا وفتحت قلبي قبل أذناي :
|