رد: أين تذهب هذا المساء ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
أيها الفاضل رشيد الميموني..
في واقع الأمر.. لقد ترحلت معك في الأماكن الريفية الرائعة خلال سردك الممتع لرحلة الشوق التي قمت بها إلى موقع طفولتك، الله.. كيف أن مواقع الطفولة والشباب تفعل في المرء سحرها، تنعش الذاكرة بقوة غير عادية، فتخاتله أحداثها كشريط سينمائي سريع المرور، فيبحث الواحد منا في زوايا المكان عن أي أثر مهما ضؤل ليحي داخله نشوة الاسترجاع، نشوة لا مثيل لها، من نوع أثير يذكي فينا مشاعر الشوق لكل شاردة وواردة من أحداث الماضي، مما احتفظت به الذاكرة كوميض في المكان الغائم، فتعيد تشكيله بوضوح.. هذه الإعادة في التشكيل هي التي تصنع فينا مشاعر الانتشاء
في الحقيقة يا رشيد الطفل داخلنا يظل موجوداً ولا يفارقنا أبداً، يعيش فينا عمرنا كله، وينهض من سباته بين الفينة والأخرى، بمعنى بين انتعاش ذاكرة وأخرى، أو بنهوض مفاجئ للعقل الباطن فينا، في بعض الأحيان نستغرب أن صورة من الصور خرجت فجأة من مكمن الذاكرة البعيد لتحضر بلحظتها دون سبب، إنما هناك شد ذاتي لا إرادي غير متحكم به، يخرجها من زواياها البعيدة إلى منطقة الواجهة من الذاكرة.. لهذا السبب وجدت نفسك مدفوعاً لزيارة موقع الطفولة الريفي، حيث عذرية الأماكن تظل تحتفظ بجمالها الطبيعي، وللطبية تأثير عجيب على الأطراف العصبية والجهاز العصبي، إن فعلها كفعل رياضة اليوجا على النفس والجسم، أو كبرمجة عصبية ترسم مخطط نبضها على الجهاز العصبي فترتخي الأعصاب ويهبط معدل الأدرينالين في الجسم
لم يتغنى الشعراء بالأطلال من فراغ، فهناك محاكاة من لغة غير صوتية تربط الانسان بأطلال الأماكن التي ترتبط بذكريات جميلة ومتميزة، لا يراها من يعيش في المكان لأنه اعتادها ولم تعد تعزف على أوتار أحاسيسه ومشاعره، إنما تتضخم في ذهنية المفارق عنها لزمن غير قصير، لأنها تحيي فيه ما اندمل وغطته أغبرة الزمن
النفس الشاعرة أو الشاعرية، يسقط عليها الوقع على غير ما يسقط على الآخرين، فنرى الكتاب والشعراء يحادثون الأماكن والأشياء رغم جماديتها لأن شفافية مشاعرهم تحيي الجمادات فيستشعروها وكأن بها الروح تحادثهم ويحادثوها، ويرون الجمال في ما يراه غيرهم على غير ذلك، هو هذا العقل الجبار، ذلك الأعجوبة من خلق الله ، ثم خاصية الاختلاف بالبشر، فلولا هذه الخاصية ما كان للابداع مكان، وما كان للتنوع هذا الجمال
بعد كل هذا، صار مفترضاً أن ترضخ لطلب الأميرة ميساء البشيتي وتخطط لنا رحلة تجمعنا على تخوم مكان تفيض في أركانه الطبيعة الجميلة.. أما حضرتنا- وأقصد شخص هيام- فأنا جاهزة لأجمل رحلة تليق بالكتاب والشعراء لتحيي فيهم شبق الحرف للانصهار على بياض الورق
أشيروا أنتم بالتوقيت واتركوا لي تحديد المكان حسب الفصل الذي يمر به هذا التوقيت.. فلكل منطقة هنا فصلها الخاص.. في الأردن رغم صغر مساحتها إلا أنها تمتاز بالتنوع، فالمناطق الجبلية لرحلات الصيف، والسهلية لرحلات الشتاء، والحرجية للربيع، ورحلات الصيد خريفية.. وهكذا
رحلة التلفريك يا عزيزتي عروبة لها متعتها هي الأخرى فالمشاهدة عن ارتفاع شاهق أو قريب بقدر معقول لها متعة الاغتراف، يعمل النظر تماماً كمثل مغرفة تنتشل المشاهد وترصفها في الذاكرة، فما البال حين تتواجد مجسمات للمباني الشهيرة أو التاريخية، فكأنما درت العالم في لحظات قليلة، وانتشلت قصص هذه المباني في لمح البصر.. لكم أن تتصوروا كم سعدت حين زرت حديقة المجسمات في اسطنبول كنت أقف طويلاً أمام كل مجسم واستمع بتمعن شديد لتسجيل يشرح بالعربية التي اخترتها من بين اللغات تاريخ البناء وقصته والأحداث المرتبط به وأسلوب مهندسه، وألتقط له الصور تعزيزاً للذاكرة.. وأنوي تكرار الزيارة فيما لو تيسر لي السفر ثانية هناك لأن الحديقة أحدثت بي أثراً جميلاً خاصة أن رفيقتي في الرحلة صديقة عزيزة وشاعرة كبيرة تمتعنا بصحبتنا معاً وتشاركنا حتى الغرفة كانت صحبة طيبة بحق لتشابه الطبيعة فينا... فحتى تكون الرحلة ممتعة يجب أن يكون فريقها متوائماً منسجماً متقارب الميول
فأهلاً بكم في الربوع الأردنية وأنتم رفقة التواؤم المجدية
|